كـتـاب ألموقع

مع بيان المجلس الثوري لحركة فتح -//- معتصم حمادة

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

مع بيان المجلس الثوري لحركة فتح

معتصم حمادة

في الوقت الذي جدد فيه المجلس الرهان على العملية التفاوضية والدور الأميركي ودور اللجنة الرباعية، تجاهل قضية اللاجئين الفلسطينيين، وتجاهل ما طرأ على هذه القضية من تطورات، تضع حق العودة مرة أخرى، عرضة للمناقصة السياسية

يومي 3 و4 أيار (مايو) الجاري عقد المجلس الثوري لحركة فتح دورته العادية الحادية عشرة في رام الله. صدر عنها بيان موسع، تناول مجمل القضايا على جدول أعمال المجلس، بما فيها قضايا البناء الداخلي وإعادة تنظيم صفوف الحركة. بعد قراءة البيان يمكن لنا أن نسجل مجموعة ملاحظات، ربما، أهمها:

• إيجابية انعقاد المجلس الثوري، وبحثه الأوضاع الحركية وضرورة إعادة تنظيم صفوفها. ففتح، هي التنظيم الفلسطيني الأكبر، في م.ت.ف، والذي اشتكت قياداته والعديد من كوادره من حالة تسيب وفوضى كنا نلاحظها في محطات الاستحقاقات الكبرى، كالانتخابات التشريعية (2006) والانتخابات المحلية (2012)، حيث تفشل الحركة، على سبيل المثال، في توحيد صفوفها في لوائح انتخابية، ما يؤدي إلى تشتيت الأصوات الحركية لصالح القوى المنافسة.

• برز واضحاً الحديث عن الحكومة الفلسطينية وعن السياسات الـ «المرتجلة» و الـ «المرتبكة» في الكثير من القضايا المالية والاقتصادية، ودعوة المجلس الثوري إلى «إعادة دراسة ظروف عملها وبرامجها». ورفضه فرض الضرائب العشوائية واستهجانه بعض التوجهات التي تمس سياسة مقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية. هذا النقد اللاذع للسياسات الاقتصادية والمالية لحكومة فياض، ما كان له أن يمر بهذا الوضوح في البيان، لولا موافقة الرئيس محمود عباس ومصادقته عليه. ويعيد هذا النص إلى الأنباء المتواترة عن خلافات بين الرئيس عباس ورئيس الوزراء فياض، علماً أن الخلافات الصامتة بين الرجلين تفجرت علانية مع استقالة وزير المال نبيل قسيس، إذ رفضها عباس، ووافق عليها واعتبرها نافذة سلام فياض، ما أغضب الرئيس عباس وزاد العلاقة بينه وبين فياض توتراً. ولم يعد خافياً القول إن الرئيس عباس بات بصدد البحث في ترحيل الحكومة الحالية والمجيء بحكومة بديلة، ربما يكون على رأسها أحد أركان فتح الاقتصاديين، ويتم تبادل اسم محمد اشتيه كأحد الأسماء المرشحة بقوة لهذا المنصب، علماً أن آخرين في فتح يرون أن من حقهم تولي هذا المنصب بدلاً من اشتيه ما يدل على موجة استيزار تجتاح حركة فتح، بدعوى أن الحركة تتحمل الآن مسؤولية أخطاء الحكومة لأنها تلقى الرعاية من الرئيس عباس. وبالتالي فمن الأفضل لفتح أن تتولى الحكومة بالأصالة، وأن تتحمل مسؤولية ذلك بدلاً من أن تكون مسؤوليتها بالنيابة ، ولا تقل تأثيراً أو أهمية عن باقي أنواع المسؤوليات. ولا ندري فيما إذا كانت حكومة فياض ستعيش إلى حين وصول هذه السطور إلى القارئ، أم أن الرغبة في التغيير باتت أقوى من أن تنتظر ليومين إضافيين.

• نختلف مع المجلس في تناوله للعملية السياسية. إذ تبدو، من خلال ما جاء فيه، وكأنها تعيش حالة عادية ولم تدخل في مأزق قادها إلى الموت السريري. مازال المجلس المركزي يتمسك بالعملية التفاوضية، وفقاً لمتطلباتها السابقة، وفي المقدمة وقف الاستيطان، ويراهن على دور الولايات المتحدة في إحياء العملية التفاوضية وكذلك يراهن على دور اللجنة الرباعية، وإن كان يدعو بعض الدول الصديقة لإسناد اللجنة الرباعية وتفعيل دورها. نعتقد أن هذه الرهانات، كلها، رهانات خاسرة. فالجانب الإسرائيلي مازال (وسيبقى) يرفض أي وقف للاستيطان، يتيح استئناف المفاوضات. ومازالت الدوائر الإسرائيلية على مختلف اتجاهاتها، تتحدث عن صعوبة الوصول إلى تسوية لقضايا الحل الدائم، وصولاً إلى حل ما يسمى بالدولتين، وفقاً للتوصيف الإسرائيلي والأميركي لمفهوم «الدولتين».

أما الجانب الأميركي، وكما عبر عن ذلك الرئيس أوباما، فلم يعد على استعداد لفرض ضغوطه على الإسرائيليين بشأن الاستيطان. وجولة كيري في المنطقة لا تنبئ بشيء إيجابي، وإن كان هدفها ملء الفراغ حتى لا تبقى الحالة الفلسطينية عرضة للتأثيرات العربية. فالإسرائيليون كما يقترحون، يدعون إلى استمرار المفاوضات، مع قناعة باستحالة الوصول إلى حل. ويبدو أن وظيفة المفاوضات هي تخفيف الضغط الأميركي عن إسرائيل، وتخفيف الضغط الأوروبي، وإشاعة أجواء استرخاء في المنطقة، تتيح لإسرائيل مدّ خيوطها نحو المنطقة العربية في رؤية أخرى للدور الإقليمي للدولة الإسرائيلية في ظل الثورات والانتفاضات العربية. وبالتالي فإن استمرار رهان فتح على العملية التفاوضية وكأن شيئاً لم يكن، وكأن الأمور تسير بالاتجاه الصحيح، فيه تجاهل للواقع، وتهرب من طرح البدائل عبر إستراتيجية سياسية بدت عناصرها في خطاب فتح كما ورد في بيانها: فثمة مقاومة شعبية، داخل السجون وخارجها ضد الاحتلال، وثمة فرصة لحملة دبلوماسية تؤدي إلى نزع الشرعية عن الاحتلال، وفرض العزلة عن إسرائيل. غير أن المجلس الثوري لفتح، وهو يلاحظ كل هذه العناصر، أحجم عن تقييم إستراتيجية وآليات سياسية بديلة، تأخذ بالاعتبار إختمار الحالة الشعبية الفلسطينية واستعداداتها لمقاومة باسلة، ذات طابع شعبي، باعتبار أن الشعب مسؤول عن تقرير مصيره بنفسه، وهو صاحب الخيار الصحيح.

من القضايا الكبرى التي تناوها البيان هي قضية اللاجئين الفلسطينيين من سوريا اتخذ المجلس موقفاً منهاشكل على مدى الأشهر الماضية، عنواناً للإجماع الوطني الداعي إلى عدم زج الفلسطينيين في الصراع الدائر في سوريا، وانحيازه بشكل عام إلى كل سوريا، وليس إلى طرف واحد منها.

ومن القضايا الكبرى التي تجاهلها البيان ومن خلفه المجلس لثوري، هي قضية اللاجئين الفلسطينيين بشكل عام، علماً أنه دخلت على هذه القضية تطورات دراماتيكية تحتاج من القوى الفاعلة إلى موقف ورؤية جديدين.

فإلى جانب تعطيل إسرائيل حق اللاجئين بالعودة، فإنها، كما بات معروفاً، في سياق فبركة «قضية لاجئين يهوداً» هم اليهود الذين هاجروا من الدول العربية إلى إسرائيل تلبية لنداء وبرامج المنظمة الصهيونية العالمية. وهي أيضاً بصدد بحث إمكانية إسقاط صفة اللاجئ عن اللاجئين الفلسطينيين الذين ولدوا ما بعد 1948 وخارج فلسطين. ووضح أن الهدف من هذا كله، طرح قضية مفتلعة ووهمية، كقضية «اللاجئين اليهود»، لإسقاط قضية اللاجئين الفلسطينيين من البحث. وفي حال فشلت هذه المحاولة، هناك محاولة تجديد تعريف من هو اللاجئ، بحيث يسقط هذا التعريف عن ملايين اللاجئين الفلسطينيين في العالم وحصره بعدد قليل ممن ولدوا في فلسطين وهم جيل النكبة الذي أخذ ينقرض بعد مرور 65 عاماً على ولادة قضية اللاجئين. كان الأمر يستحق موقفاً من المجلس الثوري لحركة فتح، كما كان مطلوباً منه موقف واضح يعرف تفسير القرار 194 على أنه يكفل حق العودة إلى الديار والممتلكات التي هجّر منها اللاجئون وتجاهل المجلس الثوري لهذه القضية لا يعتبر مجرد هفوة، بل موقف سياسي خطير، لأن قضية اللاجئين تشكل أحد العناوين الكبرى للقضية الوطنية الفلسطينية، ولا يستقيم الحديث عن القضية الوطنية وعن حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، دون الإتيان على ذكر حق العودة بشكل واضح وصريح لا يحتمل التأويل أو التفسير، أو يفتح الباب للمناقصة السياسية على حق العودة، كالحديث مثلاً عن «الحل العادل»، أو عن «تطبيق القرار 194» دون توضيح ما هو الحل العادل، وما هي تطبيقات القرار 194.

نلتقي مع المجلس الثوري في نقاط ونختلف في نقاط أخرى، والحل بالحوار الوطني سبيلاً إلى التوافق