اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

فشل مزدوج -//- معتصم حمادة

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرا ايضا للكاتب

فشل مزدوج

معتصم حمادة

الحرية - نحن أمام فشل مزدوج، سياسي واقتصادي، فليست المسألة أن يكون فياض، أولا يكون، رئيساً للحكومة، المسألة هي أولاً وقبل كل شي في الخيار السياسي للسلطة.

بالغت الصحافة كثيراً في نفخ قضية استقالة الوزير نبيل قسيس كسبب رئيس لخلاف الرئيس عباس وسلام فياض، واستقالة هذا الأخير من رئاسة الحكومة.

كذلك بالغت في نفخ مسألة اعتراض فياض (غير المعطل) للخطوة الفلسطينية نحو الأمم المتحدة عام 2011. فحسابات الرجل انصبت آنذاك على رد الفعل الأميركي وباقي الجهات المانحة، وأثر ذلك، على تمويل السلطة الفلسطينية ومدها بالقروض وتأمين استقرارها المالي. هذه الحسابات لم تغب عن بال فياض، لذلك، وعلى خلفية هبّة أيلول (سبتمبر) 2012 ضد إجراءاته الاقتصادية. وعشية تقديم الطلب الفلسطيني إلى الأمم المتحدة في شهر تشرين الثاني من العام نفسه، اقترح فياض على أركان الفصائل الفلسطينية أن يدخلوا الوزارة ليشكلوا لها غطاء سياسياً في مواجهة الشارع، لأنه كان يدرك، بفعل موقعه وعلاقاته، أن الحالة الفلسطينية في اقتصادها الهش القائم على المساعدات والقروض والمنح، سوف تتعرض لهزات، منها العجز في دفع المرتبات للموظفين. وحتى لا يتحمل فياض المسؤولية أمام الشارع، طلب إلى أركان الفصائل دخول الحكومة، ولو بمرتبة وزراء دولة، لتحمل المسؤولية إلى جانبه باعتبارهم أصحاب قرار الذهاب إلى الأمم المتحدة.

من هنا إذن، نبدأ. من الاقتصاد الهش للسلطة الفلسطينية الذي يعرض الحالة الفلسطينية، عند الاستحقاقات السياسية الكبرى، كاستحقاق الاعتراف الدولي بفلسطين وحدودها وعاصمتها، إلى سهولة الوقوع فريسة العقوبات.

إذن، كان هناك تناقض كبير بين طبيعة الاقتصاد الفلسطيني القائم في ظل سلطة حكومة فياض، وبين المعركة السياسية التي يخوضها الشعب الفلسطيني. وإذا كان المطلوب مساءلة فياض (ومن ورائه الرئيس عباس أيضاً باعتباره رئيس السلطة الفلسطينية) فالمساءلة تكون على الإصرار على إتباع هذا النهج الاقتصادي، ورفض الانتقال إلى إقتصاد بديل، لا يكشف الحالة الفلسطينية مالياً وسياسياً، بل يعزز مقومات الصمود، ويرفع السقف السياسي لنهوض شعبي، في مقاومة شاملة، تسخر كل الطاقات والإمكانات السياسية والمالية والإقتصادية لإنجاحها في تحقيق أهدافها: تقرير المصير والخلاص من الإحتلال والإستيطان وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة بحدود حزيران 67 وعاصمتها القدس الشرقية.

بنى سلام فياض، كرئيس لحكومة السلطة، المقيدة بالاتفاقيات المعروفة، اقتصاده على رهانات وهمية، في مقدمها إمكانية بناء البنية التحتية لدولة مستقلة، لكن تحت الإحتلال. في ظل صندوق النقد والبنك الدوليين، والجهات المانحة، وفي ظل قيود بروتوكول باريس الاقتصادي مع الجانب الإسرائيلي.

لا خلاف في أن فياض أدخل تحديثات على الإدارة، وكافح شكلاً من أشكال الفساد [حل محله فساد من نوع آخر في سياق سياسة زبائنية لم يتورع هو شخصياً عن اتباعها في سياق بناء زعامته في الضفة]؛ وأن هذا تمّ بناء على تعليمات صندوق النقد والمانحين. لكن الخلاف مع فياض أنه بدلاً من أن يبني إقتصاد الصمود في مواجهة الاحتلال، بنى سلسلة من المشاريع بدت في وهجها على أنها البنية التحتية للدولة المستقلة، متجاهلاً أن سقف هذه المشاريع بقي بحدود موافقة الإحتلال ورضاه، ودون تجاوز إرادته. لذلك بقي الاقتصاد الفلسطيني في جانب منه اقتصاداً استهلاكياً، وبقيت المشاريع الرسمية تقوم على توسيع قاعدة المستفيدين من وظائف السلطة، إلى أن ولدت تحت سقف هذه السلطة، فئة وسطى مشوهة سياسياً، واقتصادياً، ذات نزعة استهلاكية متوحشة، تجاوب الاقتصاد الفلسطيني مع نزعتها. واتسعت دائرة الاستيراد، في ظل اقتصاد يفتقر إلى الصناعة والزراعة، ويعيش تحت سقف بروتوكول باريس، إلى أن تكشف جيداً، أن الاقتصاد الفلسطيني في حقيقته، ليس إلا جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد الإسرائيلي، ابتداء من تداول الشيكل كعملة رسمية في البلاد، وصولا إلى التقيد بنظام الضريبة المضافة (T.V.A) الذي نشر الغلاء في المناطق الفلسطينية، بما يقارب الغلاء في إسرائيل مع الفارق الواسع في الدخل والمرتبات.

وتحولت جيوش الموظفين إلى عبء على السلطة في ظل تراكم الدين الداخلي [الذي وصل إلى حوالي 3,5 مليار دولار] وشحة القروض والمنح مع إنسداد العملية التفاوضية، وإنسداد باقي المداخيل، في ظل غياب الصناعة والزراعة والاعتماد على الضرائب المتوجهة نحو الفئات الصغرى. من هنا كان الانفجار المالي، ووقوع العجز المتفاقم في الموازنة، وفشل السلطة في دفع المرتبات بانتظام، في ظل حاجة ماسة للاستيراد، لتلبية الحاجة الاستهلاكية المتزايدة للفئات الوسطى المتعيشة على الراتب، أي على القروض والمنح والهبات وإيرادات الضرائب.

وبدلاً من أن يصل سلام، وفق خطة وضعها عام 2009، على أن تنتهي عام 2011، إلى بناء البنية التحتية للدولة الفلسطينية  وصل إلى حالة باتت فيها الخزينة فارغة، والإيرادات شحيحة والاقتصاد هشاً ومخلعاً، وموارد التمويل بدأت تقفل حنفياتها؛ وبروتوكول باريس مازال ينخر في النظام الاقتصادي الفلسطيني ويزيد من ضعفه.

وليس من باب الإنصاف للرجل، بل من باب تأكيد الحقائق، ما كان ممكناً أن نفصل السياسة الاقتصادية التي اتبعتها حكومة فياض، وبين الإستراتيجية السياسية التي اتبعتها السلطة، خاصة اعتماد المفاوضات، وفق آليات اللجنة الرباعية و «الراعي الأميركي»، خياراً سياسياً وحيداً. فالسياسة الانتظارية المتبعة من قبل السلطة، وتنحية الحركة الشعبية جانباً، وشلها، وشل قدراتها، واستدعاءها عند «الحاجة»، تحت سقف قرار سياسي منخفض، وضبط حركتها كي لا تتجاوز هذا السقف، وقمعها بقوة وحشية إن هي تجاوزت السقف، أو حاولت أن تستقل عن إرادة السلطة ورغباتها، هذه كلها ذات طابع استراتيجي ، ويومي، لا يمكنها أن تعكس اقتصاد صمود، بل تعكس اقتصاداً استهلاكياً، يقوم على المنافع، والاسترضاء، والامتيازات، ومراكمة المكاسب والأرباح، ومراكمة الفائض الشهري، لدخول عالم البزنس، وخلق زاوح بين السلطة وبين البزنس، بحيث تصبح قيود السلطة والقيود على قرارها السياسي أشد وأقوى، وتصبح قدرتها على التراجع، وعلى إتباع سياسات بديلة، وإجراء مراجعات نقدية أكثر صعوبة، بل أكثر استحالة.

إذن، نحن أمام فشل مزدوج، فشل في السياسة، سيعيدنا إلى متاهات جون كيري وبنيامين نتنياهو وتسيبي ليفني حول من أين تبدأ المفاوضات، وما هي النقطة الأولى، وأين تكون، إلى آخر ما هنالك من الجزئيات التي تغطي على القضية الأبرز: «الانسحاب الإسرائيلي وتفكيك الاستيطان»، كحل وحيد للصراع. وفشل في الاقتصاد، في دورته المأزومة، دورة وراء دورة، وفي رفضه بناء اقتصاد مقاومة، توفر الأرضية السياسية لقيام مقاومة شعبية للصمود في وجه الضغوط الأميركية والإسرائيلية، بكل ما يتطلبه ذلك من إعادة توزيع الموظفين واليد العاملة في السلطة لصالح المؤسسات الخدمية ذات الطابع القادر على توفير الصمود [الصحة والتعليم..] وخفض المرتبات العليا ووضع معيار للفارق بين الأدنى والأعلى، يقوم على مبدأ العدالة الاجتماعية، وتوفير الرعاية الإجتماعية للفئات الدنيا، وتعزيز نظام رعاية البطالة، وإعادة صياغة الموازنة، لوقف الهدر، والحدّ من الامتيازات، وتحويل اتجاهات الموازنة نحو توفير الصمود لخوض معركة الاستقلال.

إنه من السخرية بمكان أن ينشغل الفلسطينيون منذ الآن، بالأزمات الحكومية، وكأنهم باتوا دولة مستقلة، في الوقت الذي مازالت فيه أرض الدولة تحت الاحتلال، ومازالت عاصمتها مهددة بالتهويد.

الأزمة الحقيقية هي أزمة الخيار السياسي، وليست أزمة أن يكون فياض أو لا يكون رئيساً للحكومة.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.