اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• الوحدة الوطنية ـ وخرافة المضمون ..

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسن حاتم المذكور

مقالات اخرى للكاتب

الوحدة الوطنية ـ وخرافة المضمون ..

02/06/2011

 

الأشكالات المصيريـة التي يعاني منهـا المجتمع العراقي , محاطـة بخطوط حمراء تمنـع الأقتراب منهـا او رفع الغطاء عن مأزقها التاريخي ’ ومـن تلك الأشكالات ــ الوحـدة الوطنيـة ــ فالنظر الى اسباب انتكاساتها ’ يشكل ورطة للباحث والكاتب والسياسي والمتخصص ’ قد تجعله عرضة للأتهام والتشويه .

 

طبيعة المجتمع العراقي ’ المتكون من شعوب واديان ومذاهب وتيارات ’ لعبت احياناً ادواراً في ازدهاره وتطوره الحضاري ’ لكنها بذات الوقت سببت له اشكالات وتراجعات مرعبة ’ انها سيف ذو حدين ’ قد يمارس من اجل السلم والبناء والتقدم ’ او للأقتتال والهدم والتراجع فكل ما هو ايجابي مشرق كان من صنع القاعدة الشعبية ذات المصالح المشتركة في وحدتها الوطنية ’ الجوانب السلبية هي دائماً من صنع الطبقات المتنفذة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ولها مصلحة في التنافر والتضاد والتمزق وتعميم الكراهية وحرائق الفتن .

 

هناك مصدران اساسيان مرتبطان مصيرياً ببعضهما كعلاقة الفارس بحصانه ’ لايستقيم وجودهما ونفوذهما الا على اشلاء العقل الجمعي للقاعدة الشعبية ’ وهما المؤسسة التي تصدرت موجة الدين من دون الألتزام بقيمه وروحه وجوهره وحياديته ’ واخذت منـه ما يخدم مصالحها ومكاسبها الدنيوية ’ والأخرى هي المؤسسة المتصدرة للتيارات القومية بعد ان جردتها من مضامينها الأجتماعية والوطنية وشوهت اهدافها ومراحلها وجعلتها تل تقف على قمته مكاسب الحزب والعشيرة والقائد الضرورة .

 

كلا المؤسستين تصدرتا الباطل والشر والتأخر في مواجهة الحق والخير والتقدم ’ ولا زالتا تمتلكان المبادرة والغلبـة ’ لأنهما يتربعان على عرش السلطة والجاه والمال ’ ولكون الوحدة الوطنية ’ تشكل قضية ومستقبل شعب ’ فهي في مقدمة ضحايا تلك المؤسستين .

 

القوميون والطائفيون ’ ومن اجل تعزيز مواقعهما وترسيخ استحواذهما على ـــ كعكـة ـــ العراق ’ يتجنبون ويعيقون يقضة ونهوض الوعي الجمعي للملايين المقهورة ورغبتها في التغيير الذي يتعارض مع شهوة النفوذ والتسلط للنخب الحاكمة ’ فتلجأ تلك النخب الى سلاح التضليل والتجهيل والأستغفال وترسيخ التبعية الأقتصادية عبر افقار الملايين واشغالها بقسوة ظروفها وهمومها الحياتية ’ لهذا نرى المؤسسات الحكومية التي تتشكل من مدعي القومية والتدين ’ تبالغ في المواعظ والفتوات والوعود وغضب السماء وتسفيه الحياة المادية للبسطاء ’ ثم رميهم في متاهات الغيبيات والأساطير والأوهام المدمرة لبصيرة ومعنويات وروحية المغلوبين الى جانب افتعال الأزمات والأخطار ومظاهر الرعب والخوف على مستقبل القومية والطائفة بعد ان تختزل فيهما مستقبل الأمة بكاملها ’ فترفع شعارات الحركة الجماهيرية وتزايد عليها في التعبير عن حرصها على الوحدة الوطنية ’ وتتصدر نضالاتها مستعينة بما متوفر لديها في مشاجب التراث’ وتسويفاً ترفع شعارات الحريات الديموقراطية والعدالة والمساواة واحترام القانون ’ لكنها وبتجربة وخبرة فائقتين ’ تستهلك مضمون تلك القيم الأجتماعية مثلما تتعامل مع مضمون الوحدة الوطنية ’ واذا ما شعرت ’ بأن الحركة الجماهيرية ابتداءت تحاصرها وتفرض عليها ارادتها في الأصلاح والتغيير’ تلجأ في احيان كثيرة الى الأجراءات القمعية او رهن مستقبل الأمة بما فيها الطائفة والقومية عند ارادات الدول الطامعة بجغرافية وثروات العراق مقابل سلامتها وسلطتها حتى ولو على رقعـة متواضعة .

 

الوحـدة الوطنيـة هي الآن في مأزق تاريخي لا امل في الخروج منه على المدى المنظور وبذات الأدوات التي استهلكت مضمونها وزورت اهدافها وشوهت شعاراتها ’ انها قضيـة الملايين المسحوقة طائفياً وقومياً والمخترقة اقليمياً ودولياً ’ وسوف لن تجد انفراجاً على اصعدة التسامح والتصالح والتوحد المصيري ’ اذا لم تتحرر من اسباب جهلها وفقرها وتخلفها وتستعيد رشدها ووعيها وارادتها وتمارس دورها التاريخي عبر عملية اصلاح وتغيير جذري من داخل الشارع العراقي وليس من خارجه .

 

القوميون بكل انتماءاتهم والطائفيون بجميع مذاهبهم ’ خاصة بعد التجربة المريرة للسنوات الثمانية الأخيرة وما سبقها’ لايمكن لهم ان يكونوا اطرافاً نافعـة في عملية الأصلاح والتغيير واعادة صياغـة الوحدة الوطنية الطوعية كخيمة آمنة لجميع المكونات المتآخية’ انهم كسمكة فاطسة استهلكتها ديدان الفساد ورذائل الأستئثار والأستحواذ ’ ولا يمكن لهم ان يكونوا من بين الأسباب التي يمكن ان تعيد للعراق عافيته الوطنيـة والأنسانية ’ ولا نستبعد اصطفافهم الى جانب قوى الأختراقات الدولية والأقليمية لتتجنب بذلك صفعـة الأصلاح والتغيير التي سيتلقوها عاجلاً وليس آجلاً من كف الشارع العراقي الذي يغلي الآن بكل عناصر ومركبات الضرورة الملحة للأصلاح والتغيير .

 

ان حل اشكالية الوحدة الوطنية وما يترتب عليها من معالجات لأشكالات اخرى على اصعدة الحريات الديموقراطية والعدل والمساواة والقانون وتكافؤ الفرص بين الأفراد والمكونات من داخل اطار دولة المؤسسات المدنية ’ ستلغي مبررات ادوار الطائفيين والقوميين كطليعة للمجتمع ’ وتفقد مؤسساتهم الأعلامية والعقائدية وكذلك القمعية ضرورتها وتتغير وظيفتها بما يخدم المجتمع وتحت رقابتـه ومسائلتـه ’ وتختفي نهائياً مظاهر التنكيل الجسدي والفكري للتسلط السياسي والأقتصادي والأجتماعي للقوميين والطائفيين والمذهبيين’ وتتوقف الرقصة التاريخية للتصعيد والكراهية والخوف والموت المجاني عبر الأقتتال الدامي للأخوة .

 

هنا مسئلة يجب الأشارة اليها ’ ان الوحدة الوطنية بين مكونات المجتمع العراقي ’ يجب وبالضرورة ان تكون طوعية تقتنع بها وتعمل من اجل تحقيقها جميع مكونات المجتمع العراقي ’ مسبوقة بحرية القرار ورغبة التعايش بعد التحرر نهائياً من عقدة الخوف من الآخر ’ وان يجد فيها كُل شخصيته وخصوصيته وحقوقه واهدافه والهوية المشتركة بينه وبين الآخر ’ في تلك الوحدة الوطنية يقتنع الكوردي حقاً ان لـه مصلحة بالتوحد مع شقيقه العربي وبالعكس’ والتركماني يجد امنه وسلامته في التعايش مع الأثنين ’ والمسيحي يجد ما يطمأنه الى جانب اخيه المسلم وكذلك الأيزيدي والصابئي المندائي يشعرون اننهم في وطن للجميع ’ ويجب ان يغتسل المسلم السني من التشويهات الأجتماعية والفكرية والثقافية والسياسية التي لوثت شخصيته عبر سنوات التفرد والتسلط واسعباد واذلال الآخر’ وعلى الشيعي ان يتوقف عن اجترار الماضي ثم تضخيم وتوظيف مظلوميته لشرعنة التنكيل بالآخر ’ وعلى الجميع ان يتركوا الدين للـه فقط ويستبقوا الوطن للجميع .

 

من يعتقد ان الألحاق والأبتلاع عبر الأنفلة والأجتثاث ثم الأستئطان كوسائل لأخضاع الآخر للعيش في عراق موحد هو على ضلال مبين’ ان الأمر في حقيقته مزيداً من الأنشطارات والأنقسامات وتمزيق روحي ونفسي واجتماعي يعبر عن نفسه انتفاضات وتمردات وثورات واقتتال وابادات جماعية مرعبة ترسخ ثقافة الكراهية وانعدام الثقة عبر التاريخ ’ فالأمر حماقة لايقدم عليها الا من يرى فيها مصلحته الشخصية والفئوية والعشارية والحزبية ’ لقد انتهى الرهان على انفراج تلقائي قد تتفضل بـه الأطراف القومية والطائفية والمذهبية التي تتشكل منها حكومة التحاصص والتوافقات والمشاركات الراهنة والتي تتقاسم العراق الآن سلطة وثروات وبشر وجغرافية والتعامل معـه كعكـة وليس وطناً ’ حتى جعلوا العراق يصرخ بثلاثة جمهوريات مؤجلة ’ الأنفراج الحقيقي كما اشرنا ’ سوف لن يحدث الا عبر الشارع العراقي المسلح بالوعي والتجربة والخبرة وصدق الولاء والأنتما للشعب والوطن ’ صحيح ان العملية سوف لن تكون سهلة ’ لكنها ممكنة ولا بديل لها .

 

القوميون والطائفيون ’ استهلكوا مرحلتهم واصبحوا سياسياً واجتماعياً وحتى اخلاقياً خارج الواقع العراقي ’ انها قوى ستكون شرسة مدمرة وهي تلفظ النفس الآخير من مرحلتها ’ وستكون ضريبة مكلفة على قوى الأصلاح والتغيير ان تستعد لدفعها ’ وقد دفعتها اغلب شعوب العالم ومنها موجات ربيع التغيير التي اجتاحت تونس ومصر وتقتلع الآن جذور الأنظمة الفاسدة في ليبيا واليمن وسوريا وسوف لن تكون انظمة الأسر الخليجية والملكيات والجمهوريات الآخرى في العالم العربي في مأمن من التغيير الذي سيتواصل فعله الى ابعد من ذلك .

 

هنا على حكومة التفرد الطائفي القومي لنظام التحاصص والتوافقات والمشاركات ان تدرك ’ ان داخل المجتمع العراقي تختمر الآن ردة فعل وطنية قد تكون غير مسبوقة ’ ستعطي المتجاهلون لحراك الواقع العراقي مثالاً في التغيير الجذري’ ومن يستهين في القادم ’ سوف لن يكون اقل غباءً من العقيد الليبي .

 

واخيراً : ما نسمعه من قيادات الصدفة الملعونة عن المصالحات والتوافقات والتحاصصات والمشاركات الوطنية ’ ما هي الا شعارات خادعـة لوحدة وطنيـة فارغـة من المضمون والمعنى ’ حلم تم اغتياله منذ تأسيس الدولة العراقية ’ ولا زالت وجوه القوميون والطائفيون والمذهبيون تحمل أسباب مسؤوليتها عن انتكاسات وانكسارات المستقبل العراقي ’ ومنذ تأسيس جمهورية الموت البعثي في انقلاب 08 / شباط / 1963 على اشلاء جمهورية 14 / تموز / 1958 الوطنية ’ تمزق العراق وتمزقت مكوناته وقطعتها ماكنة الفتن والأضطهاد والأبادات والأجتثاثات الجماعية .

 

كان مفروضاً ’ ان يكون التغيير في 09 / نيسان / 2003 سبباً للأنفراج الوطني والعودة بالعراق الى حقيقته الحضارية ’ لكن ما كان مخططاً لـه غير ما كان يحلم بـه ’ حيث وقع شعباً ووطناً بين فكي قروش العملية السياسية عبـر مجلس الحكم الموقت ونظام التحاصص والتوافقات ’ فكانت عملية تمزق وتشرذم وضياع غير مسبوقة امتدت حتى الى كيانات الطائفة والقومية والمذهب ’ فتفسخت من داخلها الى شلل وطغم شرهة لأفتراس الحق العام جعلت من الوحدة الوطنية رماد خرافة خلفته حرائق الفتن المركبـة .

 

الأنسان العراقي ’ يستيقظ الآن على واقعـه المآساوي وقد تعلم الدرس الذي انهكه وشوه وعيه عبر مئآت السنين ’ وابتدأ يخلع سرج العبور على ظهره ’ ولم يعد مشروعاً خاسراً لتمرير الاعيب وشعوذات ومكاسب ومنافع الطائفيين والمذهبيين والقوميين العنصريين .

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.