كـتـاب ألموقع
• خرافـة الحرب الأهليـة
حسن حاتم المذكور
خرافـة الحرب الأهليـة
كغيري من عراقيي المهجر, كنا نرى العراق خارطة على الجرائد, نصدق ما يكتب او يعلق حولها ولم تستبقي سنوات الغربة في الذاكرة ما هو جميلاً كمتاع نجتره في لقاءاتنا وامسياتنا ووحدتنا , فالبعث قد قتل فينا امل العودة .
بعد السقوط عام 2003 , مر الفرح سريعاً تاركاً في خواطرنا عبرة الأحزان والقلق واليأس الخانق .
كانت الأخبار والأشاعات المرعبة عن فتنة طائفية واقتتال داخلي ستحرق اخضر العراق ويابسه , اول غيث الكارثة كان احداثاً مؤسفة كلفت العراق الملايين من الشهداء والأرامل والأيتام والمعوقين والمشردين , التصعيد والوعيد ودخان التفجيرات ومهرجانات القتل على الهوية, جعلت من الوطن ميداناً لمواجهات حامية ’ وهناك اكثر من فتيل تحت الطلب لأشعال الفتنة بين الطوائف والأعراق والمذاهب والأحزاب وبارود الأشتعال كُدس في مناطق التماس بين بعض المدن , فهناك كركوك وديالى وصلاح الدين وكربلاء والنجف والأنبار واخرى متنازع عليها ونقاط جاهزة في مخيلة الواهمون بإشعال حرباً أهلية .
هكذا كنا نسمع ونصدق وقد اعمت بصيرتنا الفوضى الخلاقة والدسائس الذكية , محاولة ان تفرض على واقعنا العراقي ما لايستسيغه او يتحمله , الأحداث والوقائع وفضائح الدسائس ومساومة الأرهاب وقدم هنا واخرى هناك , الى جانب صبر العراقيين وتماسكهم حول وحدة مصيرهم وسلامة مستقبلهم , غير اللوحة المشوهة لصورة العراق ومسح الألوان المظللة عن وجه تلك اللعبة القذرة .
كعراقيين لازالت خلفياتنا تستذكر الجميل عن طبائع وقيم وعادات وتقاليد وأعراف أهلنا , ازدادت شكوكنا بنوايا القال والقيل من فبركات الأعلام المأجور ورقص الداخل على طبول الخارج وصراخ الحقائق , على ان الأمر دسيسة تحاول النيل من حب العراقيين لبعضهم وصدق وصفاء النوايا والرغبات في الألفة والمحبة والتسامح والتوحد سلماً اجتماعياً راسخاً يساعدهم على استعادة حريتهم وكرامتهم وحقهم في ثروات وطنهم وضمان مستقبل اجيالهم .
التاريخ يذكرنا والذاكرة تؤكد على انه لاتوجد هناك ثمة اسباب ومبررات تدفع بالعراقيين لقتال بعضهم فتنة لا أرضية لها , فالعراق الجميل بتاريخه وحضارته وجغرافيته وبيئته وثرواته , هو ذاك الجميل بوحدة مكونات مجتمعه , وان الذي يحدث الآن , ما هو إلا اقتتال خارجي بأدوات محلية , جعلت من الداخل العراقي ميدانها , ومن الدمار والخراب والموت اليومي حصاد للعراقيين .
الحديث عن الحرب الأهلية والتهديد بها , ما هي إلا ورقة ابتزاز بغية الأستحواذ على حصة الأسد من السلطات والثروات على حساب حاضر ومستقبل الملايين من المغيبين والمسحوقين .
بعد أربعة عقود من الغربة , قدر لي ــ بعد السقوط ــ ان ازور العراق لمرات ’ قضيت أوقات منها في مدن الأقليم وكانت زيارتي الى الموصل ذات اهمية ’ ومع اني من الجنوب العراقي ’ قضيت جل وقتي في العاصمة بغداد حيث ملتقى افكار الناس وتوافقاتهم وتعارضاتهم ووضوح خصوصياتهم وطبيعة مشتركاتهم ’ استطيع التأكيد على اني لم اصادف عند الناس هموماً طاغية غير مصالحهم الملحة وفي مقدمتها الأمنية والمعاشية والخدمية وتوفير الحد المقبول من الحياة الكريمة بضمانات مبدأ العدالة النسبية في توزيع الثروات الوطنية التي بأستطاعتها ـــ لو حُررت من قبضة الفساد ـــ ان تكفي العراقيين وتفيض عن حاجتهم ’ بأختصار ’ ان حقوق الناس الأجتماعية تدق الآن ابواب حاضرهم ومستقبل اجيالهم ’ ومن العبثية التضحية بها او تأجيلها من اجل عيون حالماً في العظمة والضرورة والوحدانية ’ ومهما كانت الحقوق القومية والأثنية والمذهبية مشروعة ’ لكن لا يمكن الصعود اليها على سلم الغاء او تأجيل الحقوق الأجتماعية للملايين ’ انه الباطل الخادع بلباس الحق .
لقد تغيرت الأزمنة وسقطت الرموز بأوهامها وتقيأت حقائق الأمس عدم جدواها وتحولت المكاتب السياسية لأحزاب النضالات والجهادات والكفاحات الى مكاتب مؤسسات لرؤوس اموال تجارية يحاصرها ويذلها ويجبنها ويمسح المتبقي من قطرة الحيـاء على جبينها ما تكدس من المنقول وغير المنقول من فيض اختلاساتها ’ واصبحت ديكة الأنتكاسات والهزائم غير قادرة ان تبيض حرباً اهلية ’ ما تستطيعه فقط عملية تفجير هنا واغتيال هناك وتفريخ الدسائس البرلمانية ’ انهم فقط يستطيعون رؤية الحرب الأهلية في فنجان المنطقة الخضراء ’ فالعراقيون قد تجاوزوا الأسوأ من اعوام العنف والأقتتال واصبحت رؤيا الأشياء اكثر وضوحاً ولم تعد بين المواطن العربي وشقيقه الكوردي او الشيعي واخوه السني وكذلك بين المكونات الأخرى ثمة اشكالات وسؤ فهم تجعلهم يواجهون بعضهم قتلاً مجانياً ’ فجميعهم يواجهون ذات المصير ’ فهناك من يختلس ويهرب ثروات وطنهم ويسرق ارزاق عوائلهم ويسحق كرامتهم ويصادر حرياتهم او يساوم الأرهاب على حساب امنهم واستقرارهم ’ ثم يدعي الأنتماء اليهم وتمثيل قوميتهم او طائفتهم او حزبهم الأم ’ انه في الواقع مشكلتهم وسبب بؤسهم ومعاناتهم وتدمير حياتهم وتعقيدات حاضرهم ومستقبل اجيالهم .
المواطن العراقي ومهما كان انتماءه ’ لا يعنيه كثيراً ان تصبح مدينته ملونة مجملة مذهبة غاوية مثيرة كجارية خليجية او راقصة شرقية يستهويها الوافدون من اصحاب الأرصدة والمشاريع العملاقة ’ وهو يقاتل منهكاً خاسراً من اجل توفير الحد الأدنى من امنه وحريته وخبزة كريمة وضمان مستقبل ابناءه ’ وادرك ايضاً ’ انه يخسر نفسه من اجل المنتفع الآخر ’ وما يضحيه لا علاقة له بأِهدافه ومثله وقيمه ’ انه يرفض الآن ان يكون حطباً لمحرقة اقتتال اخوي يتدفآ عليها المدعون ’ تلك الحقيقة يجب ان يدركها المعنيون من داخل الدولة والمجتمع ’ فأحتمالات الحرب الأهلية اصبحت خرافة من بقايا شعوذات الماضي ’ ويستطيع المسؤولون وامام العراق والعراقيين ان يصرخوا بوجه المشعوذين ( هاتوا حربكم الأهلية ان استطعتم ) هنا سيُرفع الغطاء عن بؤس مدعي اشعال الحرب الأهلية ويتعروا عن عورات مخجلة .
تلك الطغم المستهلكة والمتهمة دائماً والهاربة غالباً ’ لا يهدأ لها بال الا ان يبقوا العراق مياه عكرة يصطادوه ويتصيدوا فيه مكاسباً قومية طائفية عشائرية حزبية .
ان استطاع ذلك الساحر القومي الطائفي المسلح بالسلطة والمال والأعلام والأجهزة الضاربة واسباب اخرى لأبتزاز ضحاياه واجبارهم على التظاهرارت المليونية المؤيدة او استفتاءات بحصيلة 99 % ’ لا يستطيع الآن دفعهم الى هاوية الفتنة والحرب الأهلية من اجل ان يبقى هو عظيماً منتفخاً على قمة مآساة ضحاياه ’ انهم لا يدركون ان زمن ابائهم واجدادهم لم يعد قائماً ولم يتعضوا من النهايات المفجعة التي انتهى اليها الأغبياء من الطغات الذين سبقوهم ’ انهم حقاً لا يستطيعوا رؤيـة ما هو ابعد من كيس اصفار ارصدتهم وهم الآن ليس اكثر من ادوات احتياطية في مشاجب المتدخلون .
المتواجون الان
541 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع