كـتـاب ألموقع

قاتل ورئيس عصابة سطو مسلح يتحول إلى شهيد// نبيل عبد الأمير الربيعي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

نبيل عبد الأمير الربيعي

 

عرض صفحة الكاتب 

قاتل ورئيس عصابة سطو مسلح يتحول إلى شهيد

نبيل عبد الأمير الربيعي

 

    في دنيانا هذه، هناك أناس ليس من الأدب في شيء أن تبدو أمامهم بصفاتٍ لا يمتلكوها، هؤلاء هم الذين عناهم أبو الطيب المتنبي ببيتيه هذين:

ومن عرف الأيام معرفتي بها           وبالناس روّى رمحه غير راحم

فليس بمرحومٍ إذا ظفروا به             ولا في الردى الجاري عليهم بآثم

 

    في بلدنا العراق بالأخص، هناك طباع تدفعنا إلى إخفاء العَيب واجتناب القول في كل ما يشين الذات والآخرين. ومن مظاهر هذه العقدة النفسية التي يعزو إليها علماء النفس ازدواجية الشخصية ظاهرة الخوف من ذكر الموتى بسوءٍ، وقد صار مبدأ وجرى به القول المأثور (اذكروا محاسن موتاكم بالخير). وأنا أقول: ليس هناك من خير يعادل ضرر تطبيق هذا القول في تسجيل الوقائع التاريخية، أو تناول أعمال الشخصيات التي أسهمت فيها. فكثير من الموتى قادر على إحداث أذى ما فعلهُ وهو حيّ، بمجرد الاغضاء عما أرتكبه إنقاذاً لسمعته.

 

    وما يحزنني أن اسمع وفي جلسة في دار السيد (س) مع نخبة من الباحثين والكتاب والأدباء لتوثيق مرحلة تاريخية مهمة في تاريخ حزبٍ عرف بسيرته، وما سمعته من والد رئيس العصابة القتيل (اليوم يدعى الشهيد)، أن ولده كان يقود عصابة سطو مسلح في عهد النظام البعثي السابق مع زمرة من رفاقه، وبتوجيه من والد رئيس العصابة بالقيام بعمليات سطو مسلح على المؤسسات المالية لدعم التنظيم الذي يقوده في منطقة الفرات الأوسط، ومن المحزن أن تسمع أن هذه العصابة المنحرفة بعد عملية السطو المسلح تقتل على يديها النفس التي حرم الله قتلها دون رحمة، ويلوذوا القتلة بالفرار والسكن في إحدى فنادق العاصمة بغداد، ويدعّي والد ما يدعى (أبو الشهيد) إنه هو من دعاهم للقيام بهذه الأعمال لدعم تنظيمه مادياً، لكن الأجهزة الأمنية بالمرصاد لهم ويتم إلقاء القبض عليهم ويساقوا إلى المحاكم ومن ثم إلى حبل المشنقة.

 

    ومن المؤسف والمحزن أن عائلة هذه العصابة المنحرفة ينالوا ثمن إعدام ابناءهم بعد سقوط النظام حقوق شهيد، ويعتبر ابناءهم ضمن قافلة الشهداء لذلك التنظيم، وترفع صورهم على جدران قاعة الاستقبال للضيوف، والأب يفتخر بولده كونه قاد تلك العصابة التي قتلت النفس، وسرقت المال العام.

 

    ولكن عندما يرتفع الوهم والإيهام، وتوضّح الحقائق في نصابها بانكشاف الغامض وما حوفظ سراً، وعندما تقضي الأمانة والذمّة من الكاتب والباحث إعادة النظر على ضوء ما أزيح الستار عنهُ في هذه الواقعة أو تلك، ثم ظهرت الحقيقة بعد حين.

 

    والمؤلم والمُعيب تجد قادة ذلك الحزب يتهيبون ويحجمون، ولا يجرؤون على خرق حجاب الخوف بإقدامهم على تعديل ما صدر منهم أو من غيرهم من أحكام خاطئة أو مبتسرة، أو ما ظل يجري عند الأغلبية مجرى المسلمات المقدسة التي لا يأتيها ريب. والمسألة لا تحتاج إلى كثير من الحيرة (وإذا كانت الأغلبية سُرّاقاً فإن الأمانة سيعاقب عليها باعتبارها جريمة).

 

    ويتأخر الزمن ببعض الواقفين على حقائق الأمور، بفضل المراكز التي كانوا قد احتلوها أولياء أمور القتلة سواء في التنظيم أو في المدينة، فضلاً عن الفرص المتاحة لهم، ويخفون الحقائق على الناس فلا يكشفونها إلا بعد أن يتم حصولهم على حقوق ما يسمى (الشهيد) وتحويرها لتبدو من قبيل المسلمات.

 

    ومن المخجل أن تثق بوالد الشهيد لتكتب عن سيرته النضالية، وكلما أتذكر ذلك يتصبب من جبيني عرق الذم والغم والألم، بعد أن عثرت على دليلٍ بأن هذا الشهيد كان في يوماً ما لصاً وقاتلاً منحرفاً، ومصاباً بلوثة في عقله، وإنه أعدم نتيجة ذلك.