كـتـاب ألموقع

هذا هو موفق محمد شاعر الوجع العراقي// نبيل عبد الامير الربيعي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

نبيل عبد الامير الربيعي

 

عرض صفحة الكاتب 

هذا هو موفق محمد شاعر الوجع العراقي

نبيل عبد الامير الربيعي

 

ما أن تنقضي المسافات الزمنية بين مرحلة الطفولة والنضج، حتى يبدأ الإنسان يواجه ملء مسامعه التساؤل عن معنى اسمه الذي يرافقه مثل ظله، وقد تزامنت الخطات ولادة موفق محمد سنة 1948م، وفي مقطع من قصيدة (غزل حليّ) يوثق بعضاً من تفاصيل ولادته:-

أنا أحبُ الحلةَ لأني ولدت على بعد

موجتين من نهرها فجراً

 

لكن والدة الشاعر الكبير موفق محمد قد تسنمت زمام مسؤولية العائلة بعد وفاة زوجها، وتفانت في رعاية الأسرة، وحملت في دواخلها صلابة الأب وعنفوانه، ولم يغب عن بالها هواجس الوفاء لتحقيق رغباته وتطلعاته، فقامت بتسجيله في المدرسة الشرقية الابتدائية سنة 1954م، يقول الشاعر وفاءً لوالدته:-

أنا الفقير لله موفق بن بدرية بنت عبد الله

التي تزقزق النجوم في شيلتها

يعتز الشاعر بمكان ولادته ومحلته كسائر أبناء المحلات الحلية القديمة، في هذه المحلة التي يترابط أبنائها بالألفة والمحبة داخل تلك الأزقة الضيقة، وآذان مسجدها المسموع في كل أرجاء المحلة، وصوت رنين مدرسة الشرقية اليدوي. كل هذا التوثيق يوثقه الباحث والكاتب أحمد الناجي في كتابه الموسوم (هذا هو موفق محمد) الصادر عن دار الفرات للثقافة والإعلام في بابل، الكتاب تضمن (410) صفحة من القطع الوزيري، الكتاب ذات طباعة جيدة خالي من الأخطاء الطباعية والإملائية وذات لغة عالية وجميلة تليق بمكانة الشاعر موفق محمد، هذا الشاعر الذي صدعت حنجرته بالحزن والجرح المثخن بالطبائع بفقدان ولده البكر في الانتفاضة الشعبية عام 1991م، في تلك اللحظة التي تسرب الحزن إلى روحه وملأ حياته التي انفتحت على ضراوة الوجود القاسية.

يذكر أحمد الناجي في كتابه حول محلة الطاق مسقط رأس الشاعر في صفحة 44 : "في محلة الطاق حتى يومنا الحاضر، تحف بها البيوت الأبهة المزدانة بفنون الزخرف والشناشيل والأراسي، وليس بعيداً عن مسكنه حسينية ابن طاووس التي آلت إليها مواكب العزاء بعد أن كان ملتقاها بيت السادة القزاونة، وقد خصها الشاعر بنص شعري جميل (محلة الطاق) كتبه سنة 2007م.

 

كان للأستاذ سعدي علوش في مرحلة المتوسطة تأثير إيجابي على الشاعر، "الذي كان له دور هام في تشجيعه على حفظ الشعر وإلقائه.. وهكذا انغرست بذرة القراءة" ص48. وفي عام 1963م تتوطد علاقة حميمية بين موفق والشعر الشعبي، يتابع ويقرأ ويحفظ، ولم يأتِ ذلك من فراغ، "فكثيراً ما كانت الأم وهي ابنة (عبد الله الجزائري) الشاعر الشعبي المعروف في مدينة النجف منتصف القرن العشرين" ص51. فالشاعر موفق محمد "الجرأة ديدنه، يصرخ بما يستشرف في احساسٍ مرهف، معلناً عما يعتمل في دواخله من مشاعر حقيقية حول التصفية الجسدية التي طالت صديقه مدرس اللغة العربية الشيوعي (حميد الصكر) من قبل السلطة آنذاك، فكانت قصيدته المعنونة (حصار) التي قرأها منتصف السبعينيات في قاعة اتحاد الأدباء في بغداد، جاء فيها: ص98

وقد حاصروك كثيراً

يطاردك المخبر الملتحي في الصباح

يسجل لون القميص الذي ترتديه

وكيف ترد التحية

ويصحبك سراً

وتمضي إلى الدرس دون اكتراث

 

عندما تشتد حملات السلطة القمعية أواخر السبعينيات، وفي صفحة 106 يذكر الناجي حول تأثير السلطة على الادب والثقافة قائلاً: "وتدور عجلة استلاب ومصادرة الحريات، فتمتد تأثيرها على الثقافة عموماً ما تطال منتجيها من المبدعين، وظل شاعرنا في تلك الأثناء يعيش الاحساس بالاغتراب، ويشعر بالضيق والاختناق، جاءت قصيدته بعنوان (المنقذ) نزفتها شفاهه سنة 1979م، وهو يعيش مغالبة مع الرقيب الذي يحياه... فكان الشعر ملاذه الذي يضخ فيه الأمل، ويستدعي احلامه المرتجاة قائلاً:

شخصٌ ما

يدعى ابن محمد

ترك الرأس هنا والأطراف

ولف القلب

وغادرني

أو أبحث عنه

أم أبقى منتظراً

يبحثُ عني

 

لقد وثق الباحث أحمد الناجي كل صغيرة وكبيرة عن حياة الشاعر الأدبية وسيرته الذاتية في كتابه الثري هذا، الذي حفل بتجربة شعرية إبداعية من طراز خاص، تجربة تحلق في الخيال لتحكي عن الواقع، فخرجت على وقع الوجع والجرأة وعبرت نطاق التقليد والرؤية الذاتية العميقة، وتناولت المرئي واللامرئي، فشكلت سردية مدهشة منسوجة على نول التمرد، وتبقى حياة موفق محمد الذاتية والأدبية جديرة بالقراءة والتحليل والنقد لكونها ثقافة خاضعة للبعد النسبي.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.