كـتـاب ألموقع

ذياب آل غلآم والعلامة الشيخ المفكر عدي الأعسم "مدونة خاصة"// ذياب مهدي آل غلآم

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

ذياب مهدي آل غلآم

 

عرض صفحة الكاتب 

ذياب آل غلآم والعلامة الشيخ المفكر عدي الأعسم "مدونة خاصة"

ذياب مهدي آل غلآم

 

لا اريد ان اكتب سيرة حياتي هنا، بل هي مدونة لذكريات منها علاقتي الشخصية والأخوية والصداقة والرفقة في سنوات اعتقد كان العراق في طريق الانعتاق من ماضوية دموية مأساوية، إلى فجر الأماني والشروق نحو بناء عراق حر جديد منفتح للبناء وللأزدهار وللتمدن.. هكذا هي اعوام 1973 / 1978 .. رغم ما فيها من كبوات جيوسياسية ولكنها على العموم أعوام كنا نأمل فيها خيراً!؟..

 

استهلال :

إن الفرد المفكر لنَقل صاحب النظرة المتأملة والإحساس الرقيق والشعور الخاص بالعزلة سيختار آسفاً في كثير من الأوقات أن يرضخ لحاجات الواقع بمعناها اليومي وبأقل خسائر نفسية جهدت الأنا طويلا على تحصينها وذلك من خلال سلوك براغماتي تقليدي فيما ستظل لحظات سكونه الخاص تمثّل مفتاحاً لتعريف نفسه بكونه شخص خُلق ليكون فنان، او مفكرا، متأمل بينما ليس بالضرورة أن يكون كذلك فعلاً لكن تلك الصورة عن نفسه ربما تكون مريحة وكافية للفرد حتى هو يقاوم خسارة قيمة وجوده.. نحن نعيش في تحدي دائم بين جدوى الفكر المُجرد في مواجهة قوة الغريزة في جانبها الجيني والذي فعليا غالباً ما يكسب التحدي وهذا لا يمثل نكسة أو مشكلة بحد ذاتها أو تساؤل عدمي مُنهك بل على العكس إن ذلك التحدي إنما هو محاولة محاكاة لما قدمه وما سيقدمه العقل رفقة تداعياته الفنية الجديرة بالاستمرار أطول فترة ممكنة..

عن صديقي، رفيقي، وأخي؛ عدي عبد الصاحب الأعسم :

اتذكر جيدا كيف كان ( عدي) يقرأ بنهم، وبقوة، وتفهم واضح ربما سبقنا كثيرا بالقراءة في موضوعات الفلسفة المتنوعة، نعم نحن نقرئها وبتنوع، لكن عدي كان يقرأ لكي يخلق من شخصة مفكر او فنان مبدع ومثقف فلسفي.. كنا نحضر الدروس الحوزوية، الفقهية، واللغوية، وكذلك محاضرات بحث خارج في فلسفة المنطق او فلسفة الفقه الأصولي بما نسميه العرفاني.. موضوع حضورنا في حلاقات درس الفقه وابتداءا في جامع الهندي مع رجال معممين يعلمونا شرح الرسالة العملية للمرجع محسن الحكيم.. وهذه قبل السبعينات، آي في منتصف الستينات.. فبيت عدي لا يفصله عن جامع الهندي إلا " عكد" وامتار معدودات.. في خضم الصراعات الفكرية وخاصة بعد انبثاق الجبهة الوطنية ( الشيوعي / البعث الحاكم / والكردي البرزاني ) كنا في تسابق ثقافي معرفي منفتح على كل الاصعده.. عدي يعتكف الأيام وليالي في سرداب بيتهم، هناك غالباً نلتقي وليس انا وحدي بل اغلب اصدقائه، وهو كثير الصداقات ولكلا الجنسين.. حساس مرهف عاطفي ومفكر فلسفي.. حينها شرع بالكتابة والنقد والنقد الذاتي لبعض الكتب.. حضرنا محاضرات للسيد محمد باقر الصدر، وكان عدي اكثرنا جدلا، واكثرنا تحاورا، وكذلك حضرنا دروس واستفدنا منها، وللآن عندي هو احد عظماء النجف والعالم الأسلامي قاطبة ومن المفكرين والفلاسفة والمجتهدين وفق المنطق الجدلي هو الراحل المغدور العلامة الشيخ ( عبد الكريم الزنجاني) وهو الذي فتح الأبواب لأذهاننا في محاضراته ودروسه، ولقد كان يوزع علينا مثلاً، كراسات مطبوعة صغيرة سماها دروس في الفلسفة.. حتى لا اطيل ما اريد قوله: تمر السنوات علينا، على العراق، وعدي يمر في صراعته ايضا، ولكثرة ما قرأ، تعلم.. بدأ بتأليف كتاب بفكره الأبداعي وفق فلسفة ذرائعية ربما، او اقرب إلى ادب الفانطازيا فكانت مسودات كتابه حينذاك الذي احدث عندنا وحتى عند ممن قرأه من المختصين في الفلسفة، قلق فكري اما حسداً او بعدم فهمه لما طرحه فكراً فلسفيا صاحبي عدي.. وقال قائهلم:" بانها مسودات عبثية، لا تقارب المنطق الفلسفي الأكاديمي حينها!؟".. وقلنا:" ان عدي يتخبط فلسفيا!"، لكنه الشاب المثابر والجدي والمصر على تثقيف نفسه بنفسه.. قرأ الماركسية وكل ما كتب عنها مما نحصل عليه من كتب.. قرأ لكل علماء الفلسفة القدماء والمعاصرين.. قرأ الفقه والحديث وعلومهما وحضر دروس عند اساطينها من علماء النجف ومراجعه.. قرأ الروايات والقصص القديمة والحديثة.. لم يكن منتميا ولكنه يتعاطف مع الشيوعيين.. ليس مؤدلج لجهة حزبوية ما.. كان من العشاق ومن الشبيبة الجميلة الحداثوية.. وامسك هذا الاستهلال لأقول: في هوس حربنا العراقية الإيرانية، كان ( الشيخ المفكر عدي الأعسم) يعتكف في سردابهم أيام وأشهر، لا بل سنوات قضاها قارئ ملهم ومبتعد عن جنون الطاغية وبعثفاشستيته وما آل إليه العراق من دماء لأبنائه وبناته بجرم الشبهة او بعدم الانتماء للبعث، والحجة وآهية، اما شيوعي ، او دعوة، وهارب من الخدمة العسكرية.. في هذه الظروف السوداوية الدموية، خرج للشارع كتابه المعنوان ( المعقول في بعض الفكر اللامعقول) كان كتاب آدبي فلسفي وتجريبي لكنه وضع سؤالاً من منظور غرائبي وذرائعي على نسق نوعي من العلامات والأبعاد، ومرصداً دائماً للمفارقات بين الطبيعي العقلي، وفوق الطبيعي، اللاعقلي، بين المتناقضات والكوابيس والاستيهامات المتصدعة، اراد ان يكون لطرحه الفكري الفلسفي رهاناً لخطاب نقدي مغاير لثبات الآنا الشخصية لأفكاره التنويرية الغرائبية غالبا، تمزج الطبيعي بما هو فوق الطبيعي، وخلق فلسفته متقاربا حسب فهمنا، مع السرد السريالي الواعي فلسفيا.. بالتأكيد على أن المعرفة الإنسانية هي بالضرورة معرفة رمزية، وأن كل تطور حضاري إنما يعتمد على ما يعتري الفكر الرمزي والسلوك الرمزي من تغيير، ان المفكر الشيخ عدي كان ولايزال مغرم ومفعم بحب المعرفة والشوق إليها والرغبة في كشف طبيعتها ونفوذها وأسرارها، لملامسة ومعرفة ذريعة الحقيقة التي ستظل خالدة في أعماق صدر الإنسان.. وكانه في كتابه الفكري والفلسفي هذا يتنبئ بما سيحدث للعراق مستقبلا، فكل ما هو لا معقول الآن، اصبح في العراق هو المعقول والمغلف بالمقدس، وان لم يوافق العقل ومنطقه!؟ ولا طريق آخر فاما تصدق كل الخرافة والبدع كأنها معقولة، او امامك كاتم الصوت او التغييب القسري، المعمد بقانون وفتوى دينية، كل ما هو سرياليا غير منطقيا وغير معقولا عقلائيا، هو في العراق عنوان للصواب ومنطقه بقانون ومذهب وطائفة وعصابات مافويه تحلله وتضعه وكأنه نص منزل عن الغيب لا يأتيه الباطل من كل جوانبه!! اليس هذا أللامعقول وأللامنطقي، هو المعقول والمنطقي عراقيا!!؟؟ الشيخ المفكر عدي الأعسم رجل فانطازيا، ازدواجيا، غرائيبا، تاريخيا، فلسفيا، و وجدانيا.. ان الفكر المتخيل، أو الخيال الفلسفي المتقارب مع الخيال العلمي، كجنس روائي، عند الشيخ المفكر عدي الأعسم، يختلف عن الخيال الطوباوي وفرقه عن الخيال الفانطازيا، فخيال فلسفة الشيخ عدي الأعسم يتناول ما يمكن أن يحدث في المستقبل، بينما الطوباوي يتناول ما يمكن أن يحدث لو عدنا إلى الماضي وتجنبنا أخطائنا، واما الفانطازيا فهي تتناول مالم يحدث ولن يحدث!؟ لكن في فلسفة الشيخ عدي هذا ما حدث:" اللامعقول، صار معقولا في العراق الآن"!!. إن شعوري بالتفاهة والتململ من فقداننا لمواهبنا وعجزنا من أن نفهم مدى قوتنا الكامنة القادرة على استنباط جمال خالص من داخلنا واستبداله بدلٌ من ذلك بالقبح الديناميكي اليومي ليس كافيا كي يجعل عقلي يتفهم ويتقبل مصائب وأحزان الكثير منّا عموما على أنها أمر طبيعي وأنها نتيجة لخياراتنا ولقلة حيلة تلك الخيارات، إذ يكمن خلف ذلك الوضع سبب خفي وباطني له علاقة بأنظمة حياة متنوعة تسبّبت في تشكيل أزمة وعي و تآكل في طبيعة التفكير.. بذات الوقت لا فائدة هنا بأن نقف على همومنا ومشاكلنا وننظر لأنفسنا بوصفنا مساكين غير قادرين على التحرك بغية تغيير شيء ما في واقعنا مهما بدا صغير ومحدود ذلك الحيز من التغيير ولأني مقتنع من ناحية أخرى بأنه عندما يبدأ المرء بالشفقة على نفسه فإن هذا يعني اعترافه بأن الحياة هزمته وأنه خسر معركته ضد الظلم المتخفي في قراراتها.. وفي لقائي مع صاحبي  المفكر الشيخ عدي الأعسم؛ كانت شكواه هذه انه في زمان ليس بما كان يهواه ويبغيه..

 

مسك الخاتمة :

أنا انظر للحياة ولنفسي وللنظام المركب لأهواء البشر بفضول وتحفظ وأحيانا بسأم ومع ذلك لا أستطيع إلا أن أنصت حيال إحباطاتنا وإحساس خيبة الأمل التي تجتاح اولئك ممن لم تسنح لهم الفرصة أن يقولوا كلمتهم في الحياة، أنا أشعر بالعبث عندما يستمر هذا الشعور تجاه الآخرين بمطاردتي طوال سنوات إلا أن ينكفئ بين الفينة والأخرى ليتبدل في لحظة محددة إلى شعور بشفقة عابثة ومنهكة لكنها خالية من التعاطف التقليدي أي التعاطف من أجل إشباع مازوخي، وحسب إذ لا يمكن طرح أفكار بمنطق جدي دون شعور بحالة تعاطف عامة لأن خلفية الكتابة بشكلها العام هي خلفية تعاطف لكنها بالمحصلة هو تعاطف شخصي يمتد للآخرين، ففي تلك اللحظة يصرخ شيء في أعماقي، فادونه وهذا ما حدث..