اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ألمكتبة

الأخرق / مسرحية شعرية - صفحة 6

 

(يدخل الكوخ ولا يلبث أن يخرج في فستان راشيل)

 

من الجحيم نأتي

وإلى الجحيم نذهب

لم أكن أعلم هذا قبل موتي

وما هو أغرب

لم أكن أعلم أن سببَ موتي

الألمُ دونَ الحسد

وها أنا أحسدُ نفسي

وورودَ دمشق

والعصافيرَ الدورية

الميتةَ على كفي

الموتُ شيءٌ آخرُ غيرُ الموت

الموتُ قصيدةٌ للمتنبي

يجب ألا يكون التردد عندما تسمعُ صوتًا آتيًا من الجحيم

يقول لك تعال إلى حِضني

فأنت تجهل

أنك هناك ستكون مليكًا دون أن تعلم

دون أن تدخن مع الأفاعي

الزهور لا تعلمُ أنها ستكون مليكةً للحساسين

وللروابي

والطيور لا تعلمُ أن أعشاشها ستكون عروشًا للملوك

ولأكف السواقي

والقبور لا تعلمُ أنها ستكون فضاءاتٍ للقلوب

الغيورة

لما تنبض القبور...

هنا كل شيء رمل

الأرض رمل

والسماء رمل

والقرنفل رمل

ونحن نعيش عبثًا ما بينها

فالحياةُ هنا عبثٌ للرمل

الحاضر رمل

والماضي رمل

والمجون رمل

الرملُ قصصٌ للشمس

في الليل

لما تغرب الشمس

وفي النهار

لما يشرق الجنرال

فليل الرمل في الليل نهار

ونهار الرمل في النهار كمثرى

اليوم أعلمُ لماذا أحببتكَ

ليكون حبي لكَ دافعي

إلى الانتحار

وأفهمُ معنى الرمل

اليوم أعلمُ

كيف لا أنتظر لحظتي الفاجعة

طويلا

وهل الخلاص فاجعة؟

يغيب القمر في السماء الغائمة

وأتمنى لو يدوم الغيم

ففي الغياب خلاص

لا حزن للعشاق بعد اليوم

لما يكون المحاق وجهًا من أوجه الماس

ولا أسى

والأتراح للذئاب تستحيل إلى أفراح

لهذا تجدني اليوم أسعد ذئبة على وجه الأرض

 

(يأخذ بالرقص تعبيرًا عن هذه السعادة رقص العابد لقمر أسود)

 

تقرع الطبول وتتمزق أوتار

قيثارة من جهنم

الشياطين لا يؤذون أحدا

اسأل الأطفال

أرادوا أن يكونوا لي خدما

والملائكة أشرار

كل الملائكة

أشرارٌ لأنهم أخيار

الأحلام هي الأحلام

والأوهام أكاذيب التقوى

هذا النهد تقواي

وهذا البطن

وهذا الرخام

وهذا الزاحف على الرخام

كشفرة خنجر

خنجرٌ يكون الله

تارةً

وتارةً يكون صنعاء

وهذا المهيمن عليّ

المتماهي بي

المُمَوَّهُ فيّ

المموِّهُني

المريد إذا أردت

القوي بالشر

القويم

المدمر بالخير

الرجيم

لا أحدٌ اليومَ غيرُكَ من مدمر

للأساس

لصون الأساسي

بالأمس كان كل واحد منا مدمرا

لم يكن بإمكان كل واحد منا إلا أن يكون مدمرا

اليوم لا أحدٌ غيرُكَ من مدمر

في عالمٍ لا شيء فيه للتدمير

عالمٍ خالْ

لٍ

عالمٍ من رملْ

لٍ

خالْ

لٍ

فكرةً وجسدا

لهذا أنا فكرةٌ من رمل

كانت جنة

وجسدٌ من رملْ

لٍ

كانْ

نَ

سان فرانسيسكو

***

 (يدخل الكوخ، ولا يلبث أن يخرج في زي أبيه العسكري، وتحت أنفه شارب كث أسود)

 

لماذا رائحة هذه الشجرة نتنة يا ولدي؟

هل جَذرها آتٍ من حيفا

أم من بيتِ بغاءٍ في برلين؟

كيف تجعلُ لها من صدرك وعاءً يا ولدي؟

الصحراء تكاد تختنق

والسين النائم على ثدي باريس

 

(يحاول اجتثاثها)

 

شيءٌ غيرُ معقولٍ يا ولدي!

عبث هي ومن العبث اقتلاعها

قدرٌ يواجه قدرنا

شيءٌ ميتافيزيقي

يزحف من الأرض إلى أعمارنا

ويكاد يقتلنا

لا نستطيع الهرب منه في الواقع

فنهرب منه في الحلم

ليكون لنا سلوك براند في مسرحية إبسن

المثاليّ الجامد واللامسئول

أمام لدغ النحل وانسكاب العسل من برج بج بن

شيءٌ غيرُ معقولٍ يا ولدي!

يذكرني بيعقوب الطيب

الذي كنتُهُ ذات يوم

وبكائي على يوسف

ولدي المتنكر

وسليمان الحكيم

يوم كانت للحكمة رائحة طيبة

يوم قال موسى عنا غير ما قال للمصريين

سارتر وتشرشل

هذا الرمل أمره غريب

الرائحة الكريهة تنبثق من أديمه

وكأنه أديمي

ربما لأني كنت مضطرًا إلى القتل

لكني كرهت نفسي يا ولدي

وعزلت نفسي

كان عليّ الخضوع لأوهامي

القديمة كلها

وكانت تصلني نفس الرائحة التي أشمها الآن

رائحة غائط وسوار دو باري

مزيج من عفن الإنسان وعفن روحه

كنت أشم رائحتي

ولم يكن يبدو عليّ الاشمئزاز

كنت قد نسيت أنها رائحة باريس ورمان اللد

وشيء من عفن الأفكار

أفكاري

كنت ضعيفًا أمام أفكاري

ضعفي أمام أمك

لهذا قبلت بكل عشاقها من الأعداء

وجلست وحدي أبكي

كنت أبكي عليّ من ضياع

العالم

وغرقه في غائط

الأخلاق

رائحة لم أشمها من قبل

كانت رائحة أمك

ورائحة سوسن المجدل

كانت رائحة المستنقعات التي نشأتُ فيها كتمساح

بلا أسنان

لكنه تمساح ٌيبكي

كنتُ لا أتوقف عن البكاء

وأمك لا تتوقف عن تطويل قائمة عشاقْ

قِها

كي أذرف الدمع إلى الأبد

كي أغدو واحدًا من العميان

فيزول بصري

ولا يزول شمي لنتانة أمك

والسوار دو باري

خلال ذلك كنتَ قد وُلِدْتَ يا ولدي

فجاءت أمك بك إليّ وأنا أكاد أختنق من شدة الرائحة الكريهة

ورمتك في حضني

ثم ذهبت غير آبهة بصراخي

ولما شممتك

كانت تند عنك تلك الرائحة الكريهة

فغسلتك بماء الورد

حتى أنني نقعتك فيه

فلم تغادرك الرائحة الكريهة

رميتك في نهر الأردن

فلم تغادرك الرائحة الكريهة

تركتك في حضانة للسمك

فلم تغادرك الرائحة الكريهة

علقتك على حبال الريح

فلم تغادرك الرائحة الكريهة

رائحة أقوى من رائحة رمال النقب

وأشد من رائحة أفكار جدك

ذلك العجوز الطيب

يوم كان شابا

رائحة تهب من مركز العالم الذي كنتَ تقفُ فيه يا ولدي

ثم كبرت

وكبرت الرائحة معك

هجرتك النساء

والأطيار هجرتك

والأشجار

والأسماك الحمراء

الزهرية

الأسماك البنية

الأسماك الشقراء

الأسماك البرتقالية

فأخذتَ تبكي معي

بكيتَ معي طوال قرنين أو ثلاثة

من عمر بنات آوى

العطوفات

وأخيرًا قررتَ البحث عن مصدر الرائحة

ومصدر الرائحة كان أمك

لم يكن بالإمكان الوقوع عليها والعالمُ كلُّهُ رائحتُهُ من رائحتها

كانت رائحتها تهب علينا من باريس ولندن وبرلين وفرانكفورت

كانت تهب علينا من كالكوتا

ومن بكين ومن سدني ومن طوكيو ومن مونتريال ومن نيويورك ومن لوس أنجلس ومن سان فرانسيسكو

من سان فرانسيسكو كانت تهب علينا

ومن موسكو

ومن البرازيل ومن الأرجنتين

ومن أوغندا

ومن ألجيريا ومن تونيزيا

ومن مورّوكو

حتى من القمر كانت تهب علينا

ومن زحل

ومن الزهرة

ومن عطارد

ومن الدلتا

التي في رؤوس الناس

وددتَ لو تقتل العالم كي تقتلها معه فتخلص

ولكن كيف تقتل العالم؟

وبقيت رائحتها الكريهة تزكم الأنفاس

شيءٌ غيرُ معقولٍ يا ولدي!

***

لتكملة قراءة المسرحية على الصفحة السابعة / انقر التالي ادناه

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.