قراءة في كتاب أنتوني فلو: هناك إله (2-2)// د. عبدالخالق حسين

د. عبدالخالق حسين

 

عرض صفحة الكاتب 

قراءة في كتاب أنتوني فلو: هناك إله (2-2)

د. عبدالخالق حسين

 

ملاحظة:

أقترح على القارئ الكريم الذي فاته القسم الأول من هذا المقال أن يفتح الرابط أدناه ليبدأ بقراءته قبل القسم الثاني لتتضح له الصورة... مع الشكر الجزيل.

http://www.tellskuf.com/index.php/tha/5-cul/98035-jyl141.html

 

***

والآن نأتي إلى القسم الثاني والأخير

التفكير كفيلسوف:

يقول المؤلف: "قد تسأل: كيف أنَّني، كفيلسوف، أتحدَّثُ في موضوعاتٍ عالجَها العُلماء؟ إنَّ أفضلَ جوابٍ على هذا السُّؤال هو بطَرْحٍ سؤالٍ آخر: هل نحنُ الآن منخرطون في العِلْمِ أم بالفَلْسفة؟" ويجيب قائلاً: "عندما تدرُس التَّفاعُل الدَّاخلي المُتبادل بين جسْمينِ ماديَّيْن، ولنقُل على سبيلِ المثال، اثنين من الجُسَيْمات دون الذرِّية [subatomic particles]، فأنتَ منخرطٌ بالعِلْم. وعندما تسأَل: كيف ولماذا توجد هذه الجُسَيْمات - أو (أيّ) جسْم مادِّي - فأنتَ منخرطٌ بالفَلْسفة. وعندما تستنتجُ نتائجَ فَلْسفية من معطياتٍ عِلْميَّةٍ، فأنتَ تُفكِّرُ كفيلسوف." (ص 122)

 

"ويستشهد بألْبِرْت آينشْتين قوله: "رجُلُ العِلْمِ هو فيلسوفٌ ضعيف". ويعلق فلو: "لحُسْنِ الحظِّ، الأمرُ ليس كذلك دائما. فقادةُ العِلْمِ خلال مئات السِّنين الأخيرة، بالإضافةِ إلىٰ بعضِ العُلماء المعاصرين الأكثر تأثيراً، بنوا رؤيةً فَلْسفيةً لكونٍ عقلانيٍّ انبثَقَ من عقلٍ إلهي. وكذلك الحالُ معي، فهذه هي رُؤيتي الخاصَّة عن العالَم، التي أجِدُها الآن قائمةً على تفسيرٍ فَلْسفيٍّ للعديدِ من الظَّواهرِ التي واجَهَها العُلماءُ والناسُ العاديُّونَ علىٰ حدٍّ سواء." (ص 124)

 

ويضيف: "هناك ثلاثةُ أبعادٍ من التَّحقيقِ العِلمي كانت على وجهِ الخصوص مهمَّةً بالنِّسبةِ لي، سأضَعُها في الحُسْبانِ كلَّما تقدَّمْتُ في هذا الكتاب في ضوءِ الأدلَّة المتداولة اليوم:

 

أوَّلُ هذه الأبعاد هو السُّؤالُ الذي حيَّرَ ولا زالَ يُحيِّرُ الكثيرَ من العُلماءِ اللَّامعين، وهو من أينَ جاءت قوانينُ الطَّبيعة؟

 

والثاني، هو السُّؤالُ الواضحُ للجميع: كيف جاءت الحياةُ كظواهر عضوية من اللَّا حياة؟

 

والثالثُ، هو السُّؤالُ الذي يُوجِّهُهُ الفلاسفةُ لعُلماءِ الكون: كيف جاءَ الكونُ - بكُلِّ ما يحتويهِ من أشياء مادِّية - إلى الوجود؟" (ص 124-125).

 

إله أرسطو

يقول قلو: ((بناءً على موقفي الجديد من نقاشِ الفَلْسفة التقليدية فيما يتعلَّق بوجودِ إله، فإنَّ أكثرَ ما أقنعني في هذا الحقلِ هو حُجَّةُ الفيلسوف ديفيد كونوي David Conway (فيلسوف إنكليزي معاصر)، المؤيِّدة لوجودِ إلهٍ في كتابِهِ (عودةُ الحكمة The Recovery of Wisdom):

 

الإلهُ الذي دافَعَ كونوي عن وجودِهِ، وأنا كذلك، هو إلهُ أرسطو، فقد كتَبَ كونوي قائلا: خلاصةُ القول: "إنَّ أرسطو قد حدَّدَ الصِّفاتَ التالية للكائنِ الذي يُفسِّرُ وجودَ العالَم بمعناهُ الواسع: الثَّبات (غير متحرِّك)، التَّجريد (غيرُ مادِّي)، القُدْرة على كلِّ شيء، العلْمُ بكُل شيء، الوحدانية، غيرُ قابلٍ للتجزئة (البساطة)، الخيرُ المُطْلَق، ووجوب الوجود." (ص 126-127).

 

ويضيف: "لا بدَّ أنْ أُؤكِّدَ على أن اكتشافي للأُلوهيَّةِ مبنيٌّ على أساسٍ طبيعيٍّ صرْف، دون الرُّجوع إلى أيَّةِ ظواهر تتجاوزُ الطَّبيعة (خارقة). لقد كان اكتشافي للإلهِ عبارةٌ عن ممارسةِ ما يُسمَّى تقليدياً بـ(اللَّاهوت الطَّبيعي). وليس له صِلَة بأيِّ نوعٍ من أنواعِ الوحي الدِّيني. ولا أدِّعي أنَّه حصلت لي أيَّة تجربة شخصيَّة مع الإله، أو أيَّة تجربة يمكن اعتبارُها إعجازية أو تتجاوز الطَّبيعة. باختصار، اكتشافي للأُلوهيَّةِ كان عبارةً عن رحلةِ عَقل وليست رحلة إيمان." ( ص127)

 

أينشتاين والدين وإله سبينوزا

كثيراً ما استلمنا عبر البريد الإلكتروني، ومنصات التواصل الاجتماعي، رسائل ومقالات مفادها أن ألبرت أينشتاين قال أنه يؤمن بإله اسبنوزا. هذا الموضوع تطرق إليه أنتوني فلو في كتابه هذا مستشهداً بأينشتاين أنه قال:"أُريدُ أنْ أعرِفَ كيف خلَقَ الإله العالمَ... أُريدُ أنْ أعرِفَ أفكارَهُ، أمَّا الباقي فمجرَّد تفاصيل". وكثيراً ما أشيع أن آينشتين قال: إنَّه يُؤمِنُ بإلهِ باروخ سبينوزا (Baruch Spinoza)، ولأنَّ كلمة (الإله) و(الطبيعة) مترادفتان عند سبينوزا، لذا يمكنُ القولُ بلا تردَّد بأنَّ آينشتين في نظَرِ اليهود، والمسيحيِّين، والمسلمين كان مُلْحِداً، بل كان (الأبَ الرُّوحي لجميعِ المُلْحِدين). (ص 134).

 

والجدير بالذكر أن فلسفة اسبينوزا حول الإله تعني ما يسمى بـ(وحدة الوجود Pantheism). أي الجمع بين الله والإنسان والطبيعة في كيان واحد. وهذه النظرة قريبة من نظرة بعض الجماعات الصوفية في الإسلام، وحلول الإله في الإنسان. وكثيراً ما نسمع أو نقرأ بعض الشطحات منسوبة لمشايخ الصوفية، مثل بايزيد البسطامي في قوله: "سبحاني وتعالى ما أعظم شأني". وقول الحسين بن منصور الحلاج: "رأيت ربي بعين قلبي، فقلت من أنت؟ قال أنت". وهذا يشبه ما قاله القس والفيلسوف الألماني مايستر إكهارت (Miester Ekhart) في القرن الرابع عشر الميلادي: " إن العين التي أرى الله بها هي نفس العين التي يراني الله بها."، ويقصد عين العقل طبعاً، أي البصيرة وليس البصر. وقال إكهارت: " إذا كانت الصلاة الوحيدة التي تقولها في حياتك كلها هي الشكر لله، فستكون كافية." وقال أيضاً: "كل مخلوق هو كلام الله". اتهمت الكنيسة الكاثوليكية القس إكهارت بالهرطقة (heresy)، وحاكمته، ولكن لحسن حظه مات قبل إصدار الحكم عليه.

 

وبالعود إلى أينشتاين، وهل حقاً قال أنه يؤمن بإله سبينوزا؟ يعلق أنتوني فلو قائلاً:

 ((ولكن صدَرَ حديثاً كتابٌ بعنوان: (آينشتين والدِّين Einstein and Religion)، لماكس جامِر (Max Jammer)، وهو أحدُ أصدقاء آينشتين - يُقدِّمُ صورةً مختلفةً تماماً عن تأثيرِ سبينوزا على قناعات آينشتاين الشَّخصية. بيَّنَ جامِر أنَّ آينشتين كان يعرفُ القليلَ عن سبينوزا، وأنَّه لم يقرأ لسبينوزا سوىٰ كتاب ( الأخلاق Ethics)، وقد رفَضَ طلبات متكرِّرة للكتابةِ عن فَلْسفةِ سبينوزا. وفي ردِّهِ على أحدِ الطلبات، قال آينشتاين: "إنَّه لا يملِكُ معرفةً متخصِّصةً ليكتُبَ مقالةً علْميَّةً عن سبينوزا". رغمَّ أنَّ آينشتاين يشترِكُ مع سبينوزا في الإيمانِ بالحَتْميَّة (Determinism)، إلا أنَّ جامر يرى أنَّه من المُصْطنَع وغير المُسوَّغ، الافتراض بأنَّ أفكارَ سبينوزا أثَّرَت على فِكْرِ آينشتين. لحَظَ جامر أيضاً أنَّ (آينشتاين شعَرَ بأنَّه قريبٌ من سبينوزا، لأنَّهما يشتركانِ في حاجتهِما إلى الانعزال، بالإضافةِ إلى قدَرِهِما بأنْ يتمَّ قراءتهُما ضمن التُّراث اليهودي، لكن في النِّهايةِ يَبْقيا غرباء عن التُّراثِ الدِّيني).

 

((ورغمَ أنَّ آينشتين أشارَ إلى إيمانِ سبينوزا بوحدةِ الوجود [pantheism]، إلا أنَّه في الحقيقةِ عبَّرِ عن إنكارِهِ أنْ يكون مُلْحِداً أو مؤمناً بوحدةِ الوجود، فقد كتَبَ:

 

"أنا لسْتُ مُلْحداً، ولا يمكن أنْ أعتبرَ نفْسي مؤمناً بوحدةِ الوجود. نحن في موقفِ طِفْلٍ صغيرٍ دخَلَ إلى مكتبةٍ كبيرةٍ مملوءةٍ بكُتُبٍ بلُغاتٍ مختلفة. والطِّفلُ يعرِفُ أنَّه يجب أنْ يكون هناكَ شخصٌ ما كتَبَ هذه الكُتُب. ولكنَّه لا يعرف كيف؟ هو لا يفهَمُ اللُّغةَ التي كُتِبَت بها هذه الكُتُب. الطِّفلُ يظُنُّ بنحو خافت بأنَّ هذه الكُتُب مرتَّبةً بطريقةٍ غامضة، لكنَّه لا يعرف ما هي هذه الطَّريقة. وهذا، كما يبدو لي، هو اتِّجاهُ أذكىٰ شَخْصٍ تجاهَ الإله. نحنُ نرىٰ العالَمَ مُنظَّماً بطريقةٍ رائعة، ويتَّبع قوانينَ معيَّنة، لكنَّنا نفهمُ بنحوٍ خافتٍ فقط هذه القوانين. عقولُنا المحدودة تدرِكُ القوَّةَ الغامضةَ التي تُحرِّكُ هذه الكويكبات."

 

((جامر لاحظَ، علىٰ سبيلِ المثال، أنَّ آينشتاين احتجَّ بنحو متواِصل ضدَّ اعتبارِهِ مُلْحِداً. وقد أعلَنَ في محادثةٍ مع الأميرِ هيبرتس أمير لونشتين (Hubertus of Lowenstein) قائلاً: "ما يجعلُني أشعُرُ بالغضَبِ فعلاً هو أنَّ الناسَ الذين يقولونَ بأنَّ الإله لا وجودَ لَهُ يسْتشهِدُونَ بكلامي لتأييدِ آرائِهِم."( نفى آينشتاين اعتناقَهُ الإلحاد لأنَّه لم يجِد أنَّ إنكارَهُ للإله الشَّخصي (personal God) يعني أبداً إنكاراً لوجودِ إله.) (ص 135-136).

 

((وكمُلخَّصٍ ينتهي جامر إلىٰ أنَّ آينشتاين - كما هو حال موسىٰ بن ميمون وسبينوزا - يرفُضُ بشكلٍ قاطعٍ أيَّ نوعٍ من التَّجسيم في الفكرِ الدِّيني ولكن على خلافِ سبينوزا، الذي رأى أنَّ النَّتيجةَ المنطقية لإنكارِ الإله الشَّخصي يجعل الإله في هويَّةٍ مشتركةٍ مع الطَّبيعة، آينشتاين أصرَّ على أنَّ اللهَ يكشِفُ عن ذاتِهِ (في قوانين الكون كرُوحٍ أعظم من تلك التي للإنسان، وعلى المَرْءِ في مواجهةِ ذلك – بما يملِك من قوى هزيلة - أنْ يشْعُرَ بالتَّواضع). آينشتاين اتَّفَقَ مع سبينوزا في أنَّ من يعرِف الطَّبيعة يعرِفُ الإله، لكن ليس لأنَّ الطَّبيعة هي الإله، بل لأنَّ مواصلةَ العِلْم في دراسةِ الطَّبيعة الثِّقة بالطَّبيعةِ العقلانية للواقِعِ، وقُدْرتِها الخاصَّة على الوصولِ إلى العقلِ البشري. في حين أنَّ هذه الثِّقة يفتقِرُ إليها العِلْمُ، حيثُ ينحطُّ إلى إجراءٍ لا روحَ فيه. إنْ أرادَ الكهنةُ جعلُ هذا هو رأسُ مالهِم فهذا شأنُهُم. فليس هناك علاجٌ لذلك يقودُ إلى الدِّين)) (ص 137)

 

كما يستشهد المؤلف بمقولات عديدة أخرى لأينشتاين، اخترتُ منها واحدة وهي كالآتي:

"تديُّني يتضمَّنُ تقديراً خاضعاً للرُّوحِ المتفوِّقة اللَّا نهائية التي تُظهِرُ نفسَها في أدقِّ التفاصيل التي نستطيعُ إدراكَها بعقولٍ واهيةٍ وضعيفة. هذه القناعةُ العاطفيةُ العميقةُ بوجودِ القوَّة المنطقية الفائقة التي تتجلَّى في  الكونِ الذي لا يمكن الإحاطةُ به، هو الذي شكَّلَ فكرتي عن الإله". (ص 139).

 

ويضيف المؤلف أنتوني فلو:

"آينشتين، وهو مكتشِفُ النظرية النِّسبية، ليس العالِم العظيم الوحيد الذي رأى ربْطاً بين قوانين الطَّبيعة وعقلِ الإله. رُوَّاد فيزياء الكوانتم، وهم عظماء آخرون من المكتشفين في الزَّمنِ الحديث، أمثال ماكس بلانك Max Planck))، وِرْنِر هيزنبيرغ Werner Heisenberg))، إرْوِن شروندجر (Erwin Schrödinger)، وبول ديراك Paul Dirac))، كل هؤلاء صدرت عنهم عبارات متشابهة (بخصوص الرَّبط بين قوانين الطَّبيعة وعقلِ الإله.) (ص 140).

 

وعن إيمان أينشتاين بالإله، وللأمانة أقول: أني شاهدتُ قبل أكثر من عشرة أعوام فيلماً وثائقياً عن أينشتاين على إحدى قنوات BBC، في مقابلة معه، سأله مقدم البرنامج فيما إذا يؤمن بالله، فأجاب بنعم، وأتذكر قوله أنه في مناسبات كاد أن يلمسه ! طبعاً لا يقصد لمساً مادياً باليد وإنما بالبصيرة أي العقل.

 

ويستشهد فلو بإيمان عالم عملاق آخر ساهم في تغيير التاريخ وهو دارون صاحب نظرية (التطور وأصل الإنسان)، فقال: ((وقبلَ أجيال من هؤلاءِ العلماء، أكَّدَ تشارلز دارْوِن على الفكرةِ ذاتِها بقولِهِ: "العقلُ يقولُ لي إنَّه من الصَّعبِ بدرجةٍ كبيرة، بل من المستحيل، أنْ نُدرِكَ هذا الكون الهائل والرائع، بما في ذلك الإنسان مع قابليَّتِه على النَّظَرِ إلى الماضي البعيد، والذَّهاب بذهنِهِ إلى المستقبلِ البعيد، ليقولَ بعد ذلك بأنَّ هذا الكون قد حدَثَ بصُدْفةٍ عمياء أو ضرورة. عندما أتأمَّلُ في ذلك، أجدُ نفسي مُضْطرَّاً للتطلُّع إلى السَّببِ الأوَّل الذي يمتلكُ عقلاً ذكياً يُشابِهُ بدرجةٍ ما الإنسان؛ عندها أستحِقُّ أنْ أُوصَفَ بالمؤمن.")) (ص 143-144)

 

هل كان الكون يعرف أننا قادمون؟

وفي الفصل السادس من الكتاب بعنوان: هل كان الكون يعرف أننا قادمون؟ يتحدث المؤلف عن دقة القوانين والثوابت التي تدير الكون بحيث لو تغير أي واحد منها ولو قليلاً، فإننا، وخاصة كبشر أذكياء، يستحيل وجودنا في غير هذه الظروف التي وفرتها هذه القوانين الطبيعية.

 

وبعنوان ثانوي: (كوننا الدقيق our fine tuned universe)، يقول المؤلف: "الشُّهرة المعاصرة لهذه الحُجَّة تُسلِّطُ الضَّوءَ على بُعْدٍ جديدٍ لقوانينِ الطَّبيعة. كتَبَ عالِمُ الفيزياء فريمان دايسون Freeman Dyson قائلاً : (كلَّما قُمْتُ بفحصِ هذا الكون ودرسْتُ تفاصيلَ تكوينِهِ، أجِدُ دليلاً إضافياً على أنَّ الكونَ بمعنى ما كان يعلَمُ بأنَّنا قادمون. وبعبارةٍ أُ خرى: يبدو أنَّ قوانينَ الطَّبيعة صُمِّمت بنحوٍ يُحرِّكُ العالَمَ باتِّجاهِ نشأة حياة. هذا هو المبدأُ الأنثروبي، الذي أصبحَ مشهوراً بفَضْلِ مفكِّرينَ من أمثال مارتن ريز Martin Rees، و جون بارو John Barrow، وجون ليسْلي John Leslie".(ص 155)

 

ويضيف فلو: "دعنا نأخُذ أبْسَط قوانين الفيزياء كمثالٍ على ذلك. لقد تمَّ حسابُ أنَّه لو تغيَّرَ حتى لو واحد فقط من الثوابتِ الأساسية - علىٰ سبيلِ المثال سرعة الضَّوء أو كتلة الإلكترون - بدرجةٍ مختلفةٍ قليلاً، فإنَّه لن يكون هناك كوكبٌ قادرٌ على توفيرِ البيئة المناسبة لحياةِ الإنسان. لقد تمَّ تفسيرُ هذا التوافقَ الدَّقيق بطريقين: بعضُ العُلماء قالَ بأنَّ هذا التوافقَ الدَّقيق دالٌّ على التَّصميمِ الإلهي؛ كثيرونَ آخرون خمَّنوا بأنَّ كونَنا هو كونٌ من ضمنِ أكوانٌ أُخرىٰ –(أكوانٌ متعدِّدة) - مع فارق أنَّ كونَنا هُيِّءَ لكي يُوفِّرَ الشُّروط اللازمة للحياة. عملياً لا يدَّعي أيُّ عالِمٍ معروفٍ اليوم أنَّ التوافقَ الدَّقيق كان بنحوٍ صِرْف نتيجةً لعواملِ الصُّدفة في كونٍ واحد." (ص 156).

 

***

الملاحق

هناك ملحقان:

الملحق الأول: بعنوان: الإلحاد الجديد The New Atheism

وهو تقييمٌ نقديٌّ لرتشارد دوكينز، دانيال دينيت، لويس  ولبرت، سام هاريس، وفكتور ستينجر، بقلم بروفيسور روي أبراهام فارجيس (Abraham Varghese Roy). (ص 227)

 

يقول كاتب الملحق: "لم يفشل هؤلاء فقط في تقديمِ سببٍ لهذا الاعتقاد، بل إنَّهم تجاهلوا الظَّواهرَ الواضحة المُتعلِّقة تحديداً بالسُّؤالِ عمَّا إذا كان الإلهُ موجوداً. كما أرى، هناك خمسُ ظواهر واضحة في خبرتِنا المباشرة، لا يمكنُ تفسيرُها إلَّا بلُغةِ الإيمان بوجودِ إله. هذه الظَّواهر هي:

الأ ولىٰ : العقلانيةُ المُتضمَّنة في جميعِ خبراتنا الحسِّية عن العالَمِ الفيزيائي.

الثانية: الحياةُ، القدرةُ على الفعلِ بنحوٍ مستقلٍّ .

الثالثة: الوعيُ، القدرةُ على أنْ تكونَ مُدْرِكاً.

الرابعة: الفكرُ التصوُّري، القدرةُ على التعبيرِ وفهمِ الرُّموز كتلكَ الموجودة في اللُّغة.

الخامسة: النَّفْس (الذَّات) البشرية، (مركز) الوعي والفكرِ والفعل.

 

ويستنتج الكاتب في هذا الملحق أن هذه الظواهر لا يمكن فهمها إلا بارتباطها بإله، ويقدم شرحاً وافياً وممتعاً في هذا الصدد في حوالي 31 صفحة. (ص 227)

 

المُلْحَقُ الثاني بعنوان: كيف نعرف أن المسيح قد وُجد؟

أسئلة يقدمها أنتوني فلو إلى أسقف درهام، نيكولاس توماس رايت، المتخصص في العهد الجديد، فيما يتعلَّقُ بالادِّعاء بأنَّ هناك وحياً ذاتياً للإلهِ في التاريخِ البشري تجسَّدَ بيسوعِ المسيح. وكذلك عن قيامة المسيح، للتحقُّقِ فيما إذا كان المسيحُ المبعوثُ قد ظهَرَ واقعاً للمجموعاتِ التي ادَّعت رؤيتُه، لأنَّ ما لدينا من وثائقَ يقولُ فقط: إنَّ هذه الأحداث غير الاعتيادية قد وقعَتْ بالفعل. (ص 260). ويجيب الأسقف رايت على هذه التساؤلات بشكل واف في نحو 43 صفحة بلغة دينية غير مقنعة لغير المسيحيين المؤمنين.

 

ويقول المؤلف: "لقد ألحقْتُ هذين المحقين في كتابي هذا لأنهَّما معاً أمثلة لاستدلالٍ قادني إلى تغييرِ وجهة نظري حولَ وجود الإله. لقد شعرْتُ أنَّ من المناسبِ أنْ أُلحِقهُما بكتابي بنحوٍ كامل لأنَّهما إضافة أصيلة للنقاشِ بنحوٍ بالغ الدَّلالة، فضلاً عن كونِهِما يُعطيانِ للقارئ بعضَ الإضاءة حول اتِّجاه رحلتي العقلية الحالية. عندما يُؤخذان بالتَّزامُنِ مع (القَسْمِ الثاني: اكتشافي للمُقدَّس)، فستجد أنَّها تُشكِّلُ كلا عضوياً يُقدِّمُ رؤيةً جديدةً في فَلْسفةِ الدِّين". (ص 223-224)

 

ويضيف في مكان آخر من الكتاب: "أنا الآن أُؤمِنُ بأنَّ الكونَ قد جاء إلى الوجودِ بواسطةِ ذكاءٍ لا محدود، أنا أُؤمِنُ بأنَّ قوانينَ الكونِ المُعقَّدة تُبيِّنُ ما أسْماهُ العلماء (عقْلُ الله). أنا أُؤمِنُ بأنَّ الحياةَ وإعادةَ الخلْقِ أساسُها مصدْرٌ إلهي." (ص 212)

 

***

 

لا شك أن الكتاب مثير للجدل ويحفز على التفكير، جدير بالقراءة بروح الباحث عن الحقيقة، بدون تحيز، أو تعصب لمواقف مسبقة، بعيداً عن روح المكابرة والمعاندة ، يعني القراءة بعقل منفتح، إذ كما قال حكيم: العقل مثل المظلة، يعمل فقط عندما يكون منفتحاً.

Your mind is like a parachute, it only works when it is open.