اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

Beez5

"فاتِكْ “يفتكُ بالمتنبي مرة أخرى!؟// محمود حمد

محمود حمد

 

عرض صفحة الكاتب 

في مثل هذا اليوم:

"فاتِكْ “يفتكُ بالمتنبي مرة أخرى!؟

محمود حمد

 

ما أن تطأ قدم المرء مدخل (شارع المتنبي) ببغداد إلاّ وتَذَكَّرَ ما قاله المتنبي (وَخَيْرُ جَلِيْسٍ في الزَّمانِ كِتابُ)، ونَسيَّ ما غير الشغف بالمعرفة...ولَعَنَ (فاتك بن أبي جهل الأسدي)، قاتل المتنبي مع ابنه محمد، وغلامه مُفلح سنة (354 هـ\965م) بالنعمانية غربيّ بغداد!

 

كلما مَرَّ يومٌ عليَّ دون (خَيْرُ جَلِيْسٍ) تَذَكَّرت مقولة (كونفوشيوس) التحذيرية:

(مهما كنت تعتقد أنك مشغول، لا بدّ أن تجد وقتًا للقراءة وإلا سَلِّمْ نفسك للجهل الذي قضيت به على نفسك)!

 

لم اسأل يوماً عن صديق لي صباح كل جمعة، إلاّ وأخبرني أنه في ضيافة المتنبي أو عائد منه أو ذاهب إليه، ذلك الشغف الذي لا ينقطع بالكتاب وقُرّائِهِ ومقتنييه وباعَتِهِ وأرصِفَتِهِ ورفوفِهِ المُعلَّقةِ بالكتب منذ واحد وخمسين وثلاثمئة وألف عام، رئةً معرفيةً لبغداد، وموطناً للورّاقين، وملتقى للشعراء، والروائيين والكتاب والاكاديميين والباحثين عن نصوص الثقافة وهمومها ومبدعيها ومصادرها...من مختلف الأجيال...تلتقي هناك الرؤى الرافضة لنمط الثقافة السائد، مع الأفكار التنويرية المؤسسة للثقافة منذ أيام (سوق الوَرّاقين)!

 

في أزمنة متعاقبة ماضية كانت (صحافة العمل السري الديمقراطي) تُطْبَعُ في أزقة الشارع... اتذكر تلك الليالي الشديدة البرودة، الحالكة الظلمة التي كنت اقطعها من شارع المتنبي إلى ذلك السكيك المنقطع، حيث تقبع تحت الأرض مطبعة عجوز تطبع الدفاتر المدرسية والمنشورات السرية، اتنفس عَبَقَ الأوراق السمراء ورائحة الحبر المُسْكِرة، اصغي إلى حديث عيون العمال الصامتين ذوي الوجوه الشاحبة المتجلدة، وحركتهم الآلية غير المنقطعة طيلة الليل حتى قبل الفجر، حيث تَغلق المطبعة أبوابها ليفتح (بائع الكُبَّةِ) دكانه عند مدخلها (ريوقاً) لبائعي الكتب والوراقين وعمال المطابع!

 

لم تنمحِ من أوراق ذاكرتي تلك الأيام العصيبة من شبابي، التي اختلط فيها البحث المعرفي مع السعي الحالم المغامر للإمساك بأذيال ثوب الحرية!

 

منذ إنشاء (شارع المتنبي) سوقاً للوَرّاقين، ورئة للثقافة، نشأت إزاءه مداخنُ خنق للثقافة، وجحورُ كراهية للكتاب، ومنابرُ تحريم للقراءة، في مفاصل السلطات القمعية وأذرعها، وفي حويصلات المجتمعات المتخلفة ومخالبها الإرهابية!

 

بين هوى النفس للعودة إلى (المتنبي) وإلحاح الأصدقاء عليَّ باللقاء في حضرة (المتنبي)...جاءني الخبر في الخامس من مارس 2007 فكتبت:

"فاتِكْ" يفتكُ بالمتنبي مرة أخرى!؟

استيقظ "فاتك" ذات ظلام من قبر مدروس في أكناف تخوم الأمة...

يبحث عن سيف مازالت تسري فيه دماء "المتنبي" ...

لم يبقَ السيف حديداً في قلب الصحراء...

بل صار وجيبا يخفق في أكفان "المتنبي" ...

ينبش "فاتك" كل قبور السلف الطالح ...

يبحث عن موت يعصف في أرجاء "المتنبي" ...

يأتيه المَدَدُ فِخاخاً من آبار البترول الدموية ...

خلفَ صريرِ الدبابات المحتلة!

****

"فاتك" يفتك بالكتب العُزَّل ...

و"أمير الذبّاحين" يُقَصِّلُ أعناقَ "حروف العلة" ...

في ألْسِنَةِ الأطفال المعلولة ...

فوق رصيف "المتنبي"!

حشدُ كلام مُلتَبِسٍ يتنافر من بين صفوف الكتب المحروقة ...

"هولاكو" يجلس منتفخا من فرط البهجة ...

يُسعفُهُ العونُ من الأقبية "الفقهية":

خذ غيثك من فرضِ زكاة القتل الجَمْعي لأبناءِ النهرين ...

يأتيك "الوِلْدان" سرايا ...

جُثثاً ملغومة ...

ازرعها في صدر "المتنبي"!!

****

يتساءل حرف مذبوح فوق رصيف "المتنبي":

ما سر الحقد المتوارث للكلماتِ الضوئية؟

****

(قاسم) طفل في العقد الأول...

يعرض إرث أبيه الـ.... كان رفيقا للكتب الممنوعة ...

فوق رصيف المتنبي ...

مازال الابن كسيراً تهطل عيناه هموما ...

يَنحبُ مخذولاً ...

يتوشحُ بالليل على فقدان أبيه!

****

توصيه الأم المكلومةُ ...

أن يَحذَر "أبناءَ السوءِ" ...

تُقَبِّلُ جبهتَه ...

تمسحُ هامتَه ...

وتوشوشُ ...

تَخنقُها العبراتُ:

أختك تحتاج قميصاً للمدرسة "المهجومة"!

لا تبكي يا ولدي.. لضياع الكتب المحروزة في عمر أبيك ...

أعرِفُ فيها سِرَّ أبيكَ... شواظاً َيلهبُ روحي ...

لكن يا (قاسم) هذي حكمةَ ربّ السفّاحين... وربّ المُحتلين ...

وأنت حبيبي... غَدُنا الـ يُنْسينا ضَيمَ قرونٍ!

****

وضعت أجساد الكتب الموشومة باسم الله ...

على هامات الكتب المرصوفة تحت ظلال المسجد ...

كي تحرس (قاسم) ...

تتمتم بعض دعاء المحرومين ...

وترحل ...

(قاسم) يحلم أن تأتي "العطلة" مُبْكِرَة كي "يشبع نوماً"!

وأخيه الأصغر يومئ لكتاب ...

يسأله أن يحرز كل "نصوص" الفتح العربي لسيقان النسوة ...

كي يقرأه في (يوم الجيش)!

جارتهم (سلاّمة) ابتاعت صفحاتٍ من "تفسير الأحلام!" ...

وأخبار الجِنِّ الأزرق ...

تبحثُ عن غوث يُنجيها من كابوس لِثام الليل المارق بـ "درابين الحرية"!

****

تتشظى من "فاتك" أوهام العدم الـ يطفئ لئلاء الحرف الغاضب ...

يتسلل وسط زحام المفتونين بِنَصٍ مرفوع الهامة ...

يتدافع...

يبحث عن حشد يغويه حَطيباً للنار الأزلية في صدر المُفتَرسين ...

يتقدم ...

يصطف بعنف جنب الطفل المشغول بأمه ...

يتناثر(قاسم) لحماً...أوراقاً...ودماءً!

تصرخ جدرانُ "المُتنبي" ...

تَتَطايرُ اشلاءُ الكتب المغدورة ...

تتساقطُ فيض دماءٍ ساخن ...

وعويل!

****     

نكتب عن طفل كان عظيما مثل أبيه ...

قتيلا مثل أبيه ...

نبيلا مثل أبيه ...

شجاعا مثل شمائل أمه!

فوداعا يا (قاسم)...حيث تُزارُ بقبرٍ في أطرافِ "الكوت" ...

قتيلا بقنابل "فاتك" ...

وتحت ظلال سيوف المحتلين!؟

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.