اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

Beez5

حكاية ونَص: بيتٌ عليٍ و"الفانتوم"!// محمود حمد

محمود حمد

 

عرض صفحة الكاتب 

حكاية ونَص:

بيتٌ عليٍ و"الفانتوم"!

محمود حمد

 

وأنا اتابع من على سرير المرض أخبار المذابح التي يتعرض لها أطفال غزة وكل أهلنا هناك... وتُطبِقُ عليهم سماوات (الفانتوم) السبعة... كل دقيقة موت... وكل لحظة فناء...

 

يعتصر قلبي أننا لا نملك سوى الكلمات... تذكرت الطفل (علي عباس) ذو 12 عاماً الذي كتبت له وعنه في 2007/1/30... وعن عداوة (الفانتوم) لنا... 

ومن قبل ذاك الحين وبَعدَ هذا الحين، وأزيز طائرات (الفانتوم) يدوي في رؤوسنا، ويُقَطِّعُ أطرافنا، ويُمَزِقُ أهلنا، ويُبَدد اوطاننا...

 

ورغم كل المآسي المتواترة... لم يبرح (علي) ذاكرة الوطن – علي... أي طفل في أي وطن - ... وصراخ استغاثته يدوي في رأسي... ولم أقوَ على مقاومة الوجع الذي يهطل كلمات مُدماة على صفحات دفتري على شكل نص ناحبٍ بعنوان:

بيتٌ عليٍ" والفانتوم!

"عليٌ"...

طفلٌ يأتي كُلَّ صباحٍ في بابِ المدرسةِ المَوصودةِ...

مُذْ كانَ ابن ثلاث سنين...

يسألُ جَدَّتَهُ عن صبحٍ قادم...

يَجعلُهُ بين تلاميذِ المدرسةِ المفتوحةِ!

"عليٌ" يكبر مطحوناً بين الفُقرِ الأزليِّ وسندانِ "حصارِ" السُلطةِ...

وأبيهِ الغارقِ بالهَمِّ اليوميِّ يُمازحُ إخوتَهُ بجوارِ المُوقِدِ!

"مريم" تَتَشَبَثُ بالثَدي الناضِبِ...

أمُّهْ تَطحنُ قَمحاً لعشاءِ الأسرةِ...

تَهطلُ أستارَ الظُلمةِ أثقالاً...

فوقَ البيتِ المتساقطِ. حيثُ يُقيمُ "عليٌ"!

يَغفو الجيرانُ بِخَوفٍ خَلفَ سكونِ الليلِ المهجورِ...

يسري الذُعرُ بأوصالِ بيوتِ" الزعفرانيةِ"(1) ....

وصَريرُ الجوعِ بأجسادِ الأطفالِ المهزولةِ من أطوارِ الخَنْق المتواترِ لبلادِ النهرينِ!

****     

تُقَلِّبُ جَدتُهُ وجهاً محزوناً في "وجهِ اللهِ"...

تسألُ خاشعةً:

هَلْ هذا البيت الشاخصِ في أطرافِ البلدةِ يُنقذُنا من سَخَطِ المُحتلينَ؟

تَمسحُ جَبهتَهُ المعروقةَ من ذراتِ الرَملِ العالِقِ بالأهدابِ...

تَحكي قِصَّتها الليليةَ للأطفالِ المُلْتَّفينَ كسَربِ طيورٍ جاثمْ:

نَزَلَتْ نائِبَةٌ في أهلِ القلعةِ...

أخذتهُمْ دونَ أنينٍ...بُغْتَةً...

نَشرتهُمْ في كُلِّ ديارِ الدُنيا...

أمسى الولدُ البِكْرُ شَريداً... يَبحثُ عَنهُم...

رَكَبَ المَوجَ العاتي...

.......رَمْلَ الصحراءِ ...

....... الجَبَلَ الأخضر ...

يأتي لَيْلٌ تَعقُبُهُ أيامٌ وليالٍ ممتدة...

وفَتانا ما كَلَّ البَحثَ المُتواصلَ عن أخبارِ الأهلِ!

****     

تقطعُ جَدتُهُ قِصَتَها...

يَتَبعثَرُ صَمتُ الليلِ بنَوبةِ رَعدٍ صاخبةٍ...

دونَ بَريقٍ أو غيمٍ...

يَفزَعُ مَذعوراً!

قالَتْ جَدَتُهُ:

لا تَفزَعْ يا ولدي.. هذي بَعضُ رعودِ اللهِ المحمولةِ بالخيرِ ...

لكن ...

غِربانٌ سودٌ تَجنحُ فوقَ بيوتِ البلدةِ!!

****

"عليٌ" يصرخ ...

يَنفِرُ من حُضْنِ الجَدَةِ ...

يَهرَعُ مُنفَرِداً في جوفِ الليلِ الخاوي ...

تَهْتَّزُ الأرضُ وتَدوي ...

صوتُ جحيمٍ يَتَفاقمُ ...

تَتَناثَرُ أشلاءُ الأهلِ ...

أعمدةُ البيتِ ...

وجيبُ قلوبِ الأطفالِ ...

المُوقدُ ...

ثَديُّ الأمِ الناضبِ ...

شِفاهُ الأُختِ الظمآنةِ ...

شظايا القُنبُلَةِ المَكنونَةِ باللّحمِ النازفِ!!

****

يَبكي مَرعوباً ...

ويَظَلُ يَحومُ جريحاً حولَ جحيمِ النيرانِ الـ كانت أهلاً وحياة ...

باغَتَهُ كلبٌ مسعورٌ لا يدري من أيَّ ديارٍ جاءَ ...

يَتلاشى خَلفَ غُبارِ الليلِ الفاحِمِ ...

يأتيهِ بعيرٌ منبوذٌ تَرَكَتْهُ الرَحّالةُ ...

يَركَبَهُ ...

يَطرُقُ بابَ الصحراءِ المُغلقِ في وجهِ الخصبِ ...

يَفتحُ أقفالَ الظمأَ الجائرِ ...

يتسارعُ هرباً خلف اللاّ معلومِ ...

تَتأججُ نارُ الغُربَةِ فيهِ ...

تَدبي أشياءٌ لامعةٌ من تعويذةِ جَدَتَهِ المَربوطةِ فوقَ الأضلاعِ ...

تُؤْنِسُهُ ...

تُهديهِ من المجهولِ إلى المجهولِ ...

تَصحَبُهُ وطناً مألوفاً في دربِ الاستفهامِ الشائَكِ!

****     

تَهجُرُهُ الصحراءُ ...

يَقصُدُ وديانَ الجبلِ المُمْتَنعِ الإذعانِ ...

يُعطيهِ العازِفُ بالنايِّ الحجريِّ الساحرِ ...بَغلاً أزرقْ ...

يَتسلقُ والبغلُ نشوزَ السِنِّ الصَخريِّ ...

يُلَمْلِمُ عَبَثاً أصداءَ بكائِهُمُ بينَ الوديانِ ...

يَقطعُ أزمنةً ناهِشَةً ...

بينَ الرُعبِ ...

وأسلابِ القِمِرِ المِيِّتِ عِندَ خريرِ الشلالِ المَقموعِ!

****

يَمضي..

لا يعرِفُ في الليلِ رُقاداً ...

أو يَهجَعُ في وضَحِ الصُبحِ ...

يَسألُ في وَلَهٍ:

أشجارَ الظِلِّ الوارفِ ...

كهوفَ الجَبَلِ السِريَّةِ ...

شجرَ الكَرْمِ المُتَدَلي فَوقَ صدورِ الصَخرِ الباردِ ...

أحلامَ الثُوّارِ المَنسِيَّةِ بينَ الأحراشِ!

تَتَآكَلُ قَدَمَيهِ بآلافِ الأميالِ المحفوفةِ بالخوفِ ...

يُلقي جَسداً مَنخوباً كالقصبِ اليابسِ ...

فَوقَ القَصَبِ الأخضرِ!

يَتَفَرَدُ جاموسٌ أبيضٌ من بينَ القِطعانِ رفيقاً للرحلةِ في مدياتِ" الحَمّارِ"(2) ...

يَسألُ أسرابَ الغَرنوقِ الغاربِ في دَربِ الهجرةِ ...

يُجيبُ السَمَكُ المتخومُ بأحشاءِ الجُثَثِ المسمومةِ ...

تَطفو جُزُراً في "جُزُرِ المَجنونِ"(3)!

****

يَفتَحُ عَينيهِ طَريحاً ...

مَقطوعَ الأذرُعِ ...

كَوْمَةَ لَحمٍ مَشويٍّ ...

تَقْتاتُ عَليهِ الشاشاتُ الدَمويةُ ...

كي تَستُرَ أهوالَ حروبِ القَتَلة!

"عليٌ" لا يدرك أن "علياً"(4) في "صيدا “من أترابهِ...

سَيُصابُ جِهاراً بعد ثلاثِ سنين!

واليوم...(عليٌ) في "غزة" مقطوع الهامة!

تقتله...ذات "الفانتوم"!

 

(1) الزعفرانية: الحي الذي محقته الفانتوم في الأيام الأولى للاجتياح 2003 جنوبي شرق بغداد وفيه بيت الطفل (علي إسماعيل عباس).

(2) الحَمّار: هو أحد أكبر أهوار جنوب العراق.

(3) جزر المجنون: مستنقع يحوي أكبر حقل للبترول في العالم-حسب بعض الخبراء- غلفته الجثث طيلة سنوات حرب صدام مع إيران.

(4) أصيب الطفل اللبناني "علي عباس غريب" بمدينة صور نتيجة أحد غارات الطيران الإسرائيلي في اليوم الرابع للعدوان على لبنان في تموز 2006 بذات (الفانتوم) التي أصابت الطفل العراقي (علي إسماعيل عباس)!

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.