اخر الاخبار:
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

التوازن الاقليمي الذي كان يؤمنه العراق// سعد السعيدي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

سعد السعيدي

 

التوازن الاقليمي الذي كان يؤمنه العراق

سعد السعيدي

 

ربما لم يعرف الكثيرون او لم ينتبهوا الى ان العراق كان عامل توازن رئيسي في اقليم الشرق الاوسط. وهو ما يرى ويستنتج منذ بداية الدولة العراقية قبل قرن من الزمان مقارنة مع ما كان يحدث في هذه المنطقة عندما كان البلد تحت طائلة الاحتلال العثماني او الصفوي. هذا التوازن هو ذو اهمية على الاقل لتأمين حاجز ومساحة فاصلة بين الدول المختلفة الحجوم والتأثير في هذه المنطقة والمتصارعة كبارها للسيطرة عليها. وبالنتيجة لتأمين عدم حصول اي احتكاك بينها وعدم تجاوز اي منها على الاخريات الاقل حجما وقدرة او محاولة السيطرة عليها. وكان لا بد لاية دولة في المنطقة ان تحسب امر العراق وموقفه في ما لو انها كانت تريد التحرك بمفردها في منطقة هذا الاقليم. اي ان وجود العراق كان عامل استقرار للمنطقة. من الدول التي نقصد بالتوازن معها هي تركيا وايران.

 

بنفس الوقت كان ثمة توازنا وتأثير آخرين في منطقة قريبة لا تقل اهمية كانا نتيجة وتحصيل حاصل للتواجد العراقي، وهو امتداد للتوازن الآنف. انه ذاك الذي كان قائما في منطقة الخليج العربي. وهو امر منطقي كون الخليج هو ممر التجارة العراقية مع العالم وإحدى وسائل التواصل معه. وللحفاظ على حرية الملاحة والتجارة في هذا الممر كان لا بد للعراق من ايلائه الاهتمام اللازم. فدول الخليج الضعيفة عسكريا والهشة اقتصاديا كانت غير قادرة على مواجهة ايران بثقلها وتأثيرها. إذ ان ميزان القوى بين الاخيرة وبين هذه الدول يميل دائما لصالحها. لهذا فقد كان امتداد التأثير العراقي الى منطقة الخليج ضرورة كبيرة لاحلال التوازن بين هذه الاطراف. وبما ان المنطقتين متقاربتان ومترابطتان في امور عدة لم يكن بمقدور ايران التصرف دائما في منطقة الخليج لوحدها من دون ان يكون للعراق رأيا فيه.

 

بيد ان هذا التوازن قد بدأ بالتآكل والتراجع بعد الضربات التي تعرض اليها العراق حتى الانهيار النهائي. اولا مع حرب الكويت ولاحقا مع العمليات العسكرية المستمرة التي شنها عليه ما سمي بالتحالف الغربي طوال تسعينات القرن الماضي فالحصار الدولي تاليا وصولا الى غزو العام 2003. من ضمن النتائج التي افضى اليها انهيار هذا التوازن هو صعود كل من دولتي ايران وتركيا لملء الفراغ مع حرية التحرك والتجاوز حيث صارتا تصولان وتجولان في اقليم الشرق العربي. وهو امر واضح يمكن تلمسه حتى في تاريخ المنطقة قبل قرون عندما كانت هاتان الدولتان تتنازعان السيادة عليها في ظل انهيار وتراجع العراق والنفوذ العربي عموما. ولا بد ان ايران كانت قد اجرت حساباتها جيدا عندما فسحت المجال للامريكيين بتدمير العراق واحتلاله. وكانت تنتظر مثل هذه الفرصة للاستحواذ على الفراغ الناجم عن الانهيار العراقي للتمدد وللسيطرة على كامل جزء هذا الاقليم العربي. ومع صعود هاتين الدولتين ظهرت تهديدات اخرى مثل التنظيمات الارهابية. وهذه لم تظهر اعتباطا، إنما كاحدى نواتج التراجع والانهيار العراقيين.

 

من نتائج انهيار التوازن الاقليمي الذي كان يؤمنه العراق في الخليج العربي وازدياد النفوذ والتواجد الايراني فيه هو ما رُد عليه من قبل دول الخليج باللجوء الى القوات الاجنبية لضمان الحماية والتوازن. وهو ما ادى ايضا الى زيادة التوترات في هذه المنطقة. ما كان لكل هذا التصاعد في النفوذ والرد المقابل ليحصل لو كان تأثير العراق مستمرا في منطقة الخليج. ان توازن القوى هذا كان يؤمن الحماية ولو النسبية لدول الاخيرة. فالعراق كدولة محورية والقريب جغرافيا والمشترك معهم ثقافيا كان يتوافر على ثقل ودعم عربي لم تكن دول الخليج المنقسمة على نفسها والمتعادية مع بعضها البعض تتوافر على مثيلهما. إن تصاعد نفوذ احدى جهتي الخليج مع الصعود المقابل للجهة المقابلة وبدعم اجنبي بدلا من التوازن الذي كان يؤمنه العراق هو ما انتج لنا التوترات الاقليمية الآنفة. وهو ما لم يكن ليحصل ويتفاقم لولا التراجع العراقي.

 

لا بد ان الكثير من الدول العظمى من خارج الشرق الاوسط قد خططت للانهيار العراقي. ونجزم على ضوء هذا بان دفع العراق لاحتلال الكويت كان خطة امريكية للوصول من بين اهداف اخرى الى هذه الاوضاع مثل فرض التراجع عليه وإنهاء تواجده للحلول محله في الاقليم ومنطقة الخليج. من النتائج غير المباشرة للتراجع العراقي هو ازدياد التدخلات الخليجية المستندة على القوات الاجنبية والدعم الغربي في شؤون البلدان العربية الاخرى وصولا الى التدخل في شؤون العراق نفسه. وهذا فضلا عن ازدياد التدخلات الايرانية في شؤونه هو، غير عن محاولات ايرانية للتمدد في البلدان العربية الاخرى. اي ان الدعم الغربي قد شجع هذه الدول الخليجية على التمادي للعب ادوارا اكبر منها ترتبط بمصالح قوى الحماية نفسها. وترابطا مع تزايد هذا التواجد الاجنبي في دول الخليج قد لوحظ تصاعد محاولات التطبيع للاخيرة مع دولة الكيان الصهيوني والتي هي نتيجة اخرى غير مباشرة لتراجع العراق. ايضا من النتائج الاخرى لهذا التراجع هو تزايد وتكرار اعتداءات دولة هذا الكيان ضد الفلسطينيين والدول العربية والمواجهات العسكرية المقابلة معه.

 

لا بد من الاشارة الى محاولات نفس القوى الآنفة المالئة للفراغ بالعمل على ابقاء الاوضاع في العراق كما هي كيلا يعود لملء فراغه الذي تسبب به تراجعه واستعادته لقوته السابقة. فهذه العودة ستعني ازاحة هذه القوى من اماكنها التي احتلتها وتقليص تأثيرها، ومعها الاعوجاجات التي تسببت بها.

 

ختاما يجب عدم تصور بان الاوضاع في منطقة اقليم الشرق الاوسط ستعود الى طبيعتها بمجرد عودة العراق الى سالف عهده. إذ سيستغرق استعادة الاوضاع زمنا اعتمادا على وطنية واخلاص من يقود البلد. فاكثر من ثلاثين عاما من التراجع والانكسار لا يمكن الغاؤها باجراء واحد او ببضعة من اخرى. إذ ان ثمة وقائعا على الارض قد تثبتت تقريبا حيث سيأخذ محوها وعكس مفاعيلها وقتا ليس بالقصير وجهودا ليست بالقليلة خصوصا مع دعم دول اقليمية وعظمى لها.

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.