اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

• لتـعُدْ أملاكُ الدولة للدولة . . ولتَـعُدِ الدولةُ للناس

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

حميد الخاقاني

   لتـعُدْ أملاكُ الدولة للدولة . . ولتَـعُدِ الدولةُ للناس

 

لا أحد منا يجادل في أن تعود أملاك الدولة للدولة. فأملاك الدولة، كما نراها، أملاك الناس، رغم أن الدولة، عندنا، لم تصبح

 

دولةَ الناس بعدُ.

 

في الماضي كانت الدولة دولة الحاكم وحزبه، والحكومة حكومته وحكومة حزبه. فيما بعدُ صارت الدولة والحكومة والحزب ملكُه وحده. حتى أنه غدا يرى في الشعب الذي كان يزعم، في البداية، شأن الحكام جميعا، بأنه جاء لخدمته، جموعاً ملحقة به، لا خيار لها غير أن تنتمي إليه، وتميل معه حيث يميل. وهكذا اغترب الشعب عن الحاكم ودولته وحكومته، إلا من عميَ عقله، واستُلِبتْ روحُه، وباع للشيطان نفسَه.

 

وبعد أن ولّى طاغية الأمس ظننا أن الدولة والحكومة وأملاكهما ستعود، جميعها، للناس، إلا أنها لم تعد إليهم بعدُ.

 

الدولة، اليومَ، دولة أهل الحصص من الساسة المتنفذين والدائرين في أفلاكهم، والحكومة حكومتُهم، وأملاكهما أملاكهم، يديرونها على هواهم. كلٌّ له منها على قدر استحقاقه الانتخابي، وما ينتهون إليه من صفقات يتقاولون عليها!.

 

ما تعرّضت له مقرات الشيوعيين وحزب الأمة العراقية ليس سوى تأكيد آخر لذلك.

 

حتى الوطن لم يعد لأهله بعدُ. فعندما تكون الدولة والحكومة حصصاً، يضعها الساسة المتنفذون تحت آباطهم، فرحين بما غنموا، تلتبس على الناس علاقتهم بوطنهم. يبدو غريبا عنهم، أو يرون أنهم غريبون فيه. فالأوطان ليست "هوسات" وأغان وخطابات فارغة. الأوطان ليست مفاهيم مجردة لا روح فيها، أو ثرثرة وشعارات عالقة في الهواء.

 

الوطن تعود له روحه ويعود لأهله، يصبح وطناً حقاً، حين لا يكون وطنَ "مكونات" طائفية وإثنية، يرى فيه ساستها، وفي ناسه وأملاكه، حصصاً لهم ولأحزابهم، يتهاداها القوم بينهم، ويتقاسمونها بمنطق الأقلية والأكثرية، وبمعايير النفوذ الذي أتاهم، وصاروا يرون فيه "تفويضا الهياً" بتقرير مصائر الوطن والناس!.

 

يكفرُ الناس بأوطانهم إذا صاروا لا يُمسون فيها، مع هؤلاء الساسة، إلا على هَـمٍّ، ولا يُصبحون إلا على آخر مثله.

 

الوطن يصبح وطناً حقاً، عندما يكون وطنَ ناسه جميعاً، يتساوون فيه بكل شيئ. كلٌّ له فيه ذات الفرصة ونفس الحق. ويكون عليه ما على غيره، علا مقامُ هذا، أو هبط مكانُ ذاك.

 

أليس هذا هو منطق العدل في شرائع السماء والأرض، حين تنشُد العدلَ حقاً؟

 

لو كان الوطن هكذا، وكانت الدولة دولة مواطنة حقيقية، لوكانت دولة مؤسسات و(دولة قانون) حقاً، لما حدث لحزب الشيوعيين وحزب الأمة ما حدث. لا بالتوقيت الذي حدث فيه، ولا بالصورة التي حدث فيها. ولما حدثت أشياء أخرى كثيرة ، في هذا الوطن، وما تزال.

 

ورغم هذا كله أعود للقول، ثانية، أنْ لا أحد فينا يجادل في عودة أملاك الدولة للدولة. فالشيوعيون ليسوا مثل كثيرين ممن يمتلكون الأرض والأطيان بطريقة "وضع البد" عليها، ثم يضعون "لاغتصابهم" لها تخريجات قانونية، أو فقهية!.

 

فهؤلاء الشيوعيون يُعطون، طوال تاريخهم، لهذا الوطن وأهله ويبذلون في سبيلهما، دون أن يشغلهم ،يوما، ما يأخذون.

 

فهم من أهل الخير، لا يرجون، كما غيرهم، فيما يسعون له، من خير وصلاح لأهلهم ووطنهم، جزاء ولا شكورا. فيهم من أخلاق "المؤمن" الصادق ومعدنه الخالص، ومن قيم الحق وصفات أهله، ما ليس في كثير سواهم، ممن باتت هذه القـيم وتلك الأخلاق، عندهم، مظاهر وقشورا، لا يبغون فيها غير الدنيا وسلطانها.

 

لم يكن الشيوعيون، يوما، مثل أولئك الذين لا يجدّون إلا فيما لهم فيه نفعٌ، ولا يجتهدون إلا في تثبيت سطوتهم على الدولة والناس.

 

لم يحدث أن انتفع، من كان مسؤولا منهم في الدولة، بالمال العام، أو تصرف به لصالح حزبه، مثلما تفعل الأحزاب المتنفذة وكثير من مسؤوليها، كبارا وصغارا. ولم يظهر من أعضاء الحزب الشيوعي وأنصاره، كما هو الحال لدى الآخرين، مزورو شهادات وفاسدون، وموظفون وهميون، "فضائيون"، مثلما يطلق عليهم أقرانهم في قوى الجيش والداخلية، يسطون على المال العام، ويتمتعون به باطلاً، بعون رؤساء لهم، ليسوا شيوعيين بالتأكيد، يتقاسمون معهم مال الدولة المنهوب. ولا عجبَ فصغار القوم لهم في الكثير من "كبارهم" مثالا وأسوة حسَنة!.

 

ثم ألا ترى رئاسة الحكومةُ في انتفاخ مجلس الوزراء، دون معنى، وفي زيادة أعداد نوابٍ لرئيسي الجمهورية والوزراء، لا صلاحيات ولا شغلَ لهم، هدرٌ مجاني للمال العام، وتبذير غير مسؤول، بالتالي، لأموال الدولة والناس؟

 

ألا ترى هذه الرئاسة في توزيع المناصب العليا، والوظائف على أفراد أُسر المسؤولين وأحزابهم وعشائرهم، دونما اكتراث لكفاءاتهم وقدراتهم، هدرا للمال العام، وتفريطاً بالأمانة؟

 

ألم يكن الأولى برئاسة الوزراء أن تنصرف، في هذه الأيام بالذات، إلى تدبير هذه الشؤون، وكثير مثلها، قانونيا، وإيراد الفاسدين والمفسدين، واللصوص والظُلاّم، منهلَ الحق، وإعادة أموال الدولة والناس لأصحابها، قبل أن تسارع في إخراج الحزبين، الشيوعي والأمة، من أماكن مستأجرة، وبأوامر تُحاكي البرق سرعةً، لتوهمَ الملأ بأنها الأحرص على أملاك الدولة وأموالها، وما هي، في الحقيقة، بذلك، فهذه الأموال والأملاك نهبٌ مُباح للأقربين، تحت سمعها وبصرها؟

 

لكن هذا كله لا يعني، بالطبع، أن لا تعود أملاك الدولة، ومنها المباني مصدر الضجة، للدولة، حتى وإن لم تصبح الدولة دولة الناس بعدُ. والشيوعيون، مثلما نعرف وتعرف أحزاب السلطة، يدعون، قبل غيرهم، لمثل هذه العودة.

 

النائبة المستقلة السيدة (صفية السهيل)، وقد عرفت الشيوعيين عن كثب، في السنوات الثمان الأخيرة على الأقل، ذكرت، قبل أيام، قائلة :"إذا كان الموضوع يتعلق باستعادة المباني المملوكة للدولة، والتي يشغلها كل من حزب الأمة والحزب الشيوعي، فإن هذين الحزبين من أكثر المدافعين عن أملاك الدولة". ولست أظن أن لأحزاب الحكم وساستُها، في هذا الشأن، رأي آخر.

 

وما دمنا نريد لأملاك الدولة أن تعود إليها، فلنُـعِنِ الحكومة على استعادتها جميعها. فالأملاك أملاكنا، في النهاية، والمال مالنا نحن. وما دمنا ننشد العدل، في هذ الأمر وغيره، فلنا أن نذكرَ أنه من غير الجائز للحاكم، على سبيل المثال، أن يُقطِع أراضي الدولة لأحد، ويجعلها غِلّةً لمن يهوى، وكما يهوى.، مثلما كان يفعل خلفاء "المُلك العضوض" وسلاطينه في سالف الزمان.

 

فيطلق الوعود، ارتجالا، لهذه الفئة، أو تلك من الناس، بمنح أراض هنا، ومساكن هناك. ويدعو حتى بعضهم، أحيانا، إلى أن يذهبوا ويختاروا المكان بأنفسهم، مثلما حدث في لقاء مع صحفيين واعلاميين مؤخرا، وكأن الأرض اقطاع له، يعطيه من يشاء، ويمنعه عمن يشاء.

 

وما يُقال عن هذا يصحّ على الهبات التي تُمنَح لشيوخ عشائر ورؤساء أفخاذ، ووجهاء نواح وأحياء، وإعلاميين، آتت، بعضُها، أكُلَها في التحريض على حركة الاحتجاجات، والحيلولة دو المشاركة فيها.

 

أيوجد، عندنا، تشريع لمثل هذه الأُعطيات؟ هل حدث ووضع (مجلس النواب) إطارا قانونيا لتسويغ هذه الأمور؟ من جانبي لم أعرف، ولم أسمع أن مسؤولا في دولة قانون ومؤسسات ديمقراطية حقيقية، أهدى لأحد ما لا يملكه هو.

 

لست أجادل، هنا، في حق العراقيين جميعا، من أهل هذه الحرفة أو غيرها، في قطعة من أرض بلادهم، وفي سكن يؤويهم وأهلهم، ويُظلهم بكرامة في وطنهم. لكني أشير لعادة ذميمة في تاريخ النظام السياسي عندنا، كانت في الماضي، وما تزال، للأسف، تلاحقنا اليومَ.

 

قرأت، في الصحافة، قولا للسيد (علي الموسوي)، المستشار، كما أظن، في مكتب رئاسة الوزراء، يبرر فيه توقيتَ قرار إخلاء المبنيين اللذين يشغلهما الحزب الشيوعي، وعجالتَه العجيبة (خلال 24 ساعة)، مشيراً إلى "أن وزارة الدفاع باتت في حاجة لهذه البنايات في الوقت الحاضر!".

 

ولنا أن نتساءل، في ضوء ذلك، وببراءة "ديمقراطية" متناهية: أليس لوزارة الدفاع حاجة ماسة، مثلا، لكل تلك المساحات الواسعة ، من مطار المثنى، التي يشغلها حزب رئيس الوزراء، وبعض مؤسساته؟

 

ألم تكن لوزارة الدفاع حاجة، مثلا، بمباني (جامعة البكر للدراسات العسكرية) التي أُقطِعت لمستشار سابق لرئيس الوزراء، ورفيق درب له، كي يُقيم عليها، بثمن بخس دراهم معدودة، جامعة للدراسات الدينية؟

 

في محافظات أخرى أعطيت أراض أخرى للدولة، بأثمان مشابهة، للمقاصد ذاتها. ويظل لنا، إزاء هذه الأحوال، أن نبتهل للخالق، عز وجل، في أن تزيد معاهد العلم هذه من معارف الناس، وتخرج بهم من الظلمات إلى النور حقا، وتأخذهم للحياة في عصرهم هذا، وتؤهلهم لمواجهة تحدياته وأسئلته الوجودية، ولا تُبقي عليهم "سجناء" الماضي، وتحترم العلم وشهاداته، ولا تُفسحَ في المكان لعقلية "طُزْ بشهادة!".

 

وجوار مثل هذه الإقطاعيات تعرف الحكومة، والعراقيون معها، بأن الأحزاب المتنفذة وساستها الكبار، قد استولوا على منازل وقصور باذخة وعقارات، وحتى مساجد، في بغداد ومناطق أخرى، هي إما في ذمة الدولة، أو أملاك لها. فإذا بها تصبح، ومنذ ثمان سنوات تقريبا، مقرات لهذه الأحزاب، ومكاتب لها، أو مساكن لقادتها، يرتعون في بهائها، وكأنها غنائم تؤخَـذ، وأسلاب تُستَلب، حتى قبل أن يتضح أمر ملكيتها قانونياً، وهو ما لا يرضاه دين، ولا يقبله شرع.

 

فلماذا إذن لا نسمع أن الحكومة، أو مجلس النواب، حرّكا ساكنا، في هذا الأمر، لإعادة أملاك الدولة للدولة، وما للناس للناس؟

 

ولكن لنعد، رغم هذا، للمباني التي يشغلها الحزب الشيوعي، وحزب الأمة. لقد أوضح رئيس حزب الأمة أنهم يدفعون إيجار المبنى لصاحبه، بانتظام. فلماذا، إذن، تُغفل الحكومة هذا الأمر وتتجاهله؟

 

ولدى الحزب الشيوعي، كذلك، موافقات سابقة على تأجير المبنيين، وبطلب من الحزب نفسه. وقد دفع الحزب ما عليه من بدلات إيجار منذ عام 2003 ، وهو يتفاوض مع وزارة المالية للوصول إلى اتفاق بشأن مستحقات أخرى. فهل يصح، والحال هذه، أن يأتي المؤجّر، حتى إذا كان بحاجة ماسة لعقاره، وكان ملاّكا جشعا، وليس دولة، بقوة من الشرطة الاتحادية، وبقرار إخلاء عجول كذاك الذي جاؤوا به؟ أليس في (دولة القانون)، عندنا، قانون ينظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر بأحكام قانونية عصرية وانسانية في الوقت ذاته؟

 

لهذه اللعبة، في الحقيقة، وهي لعبة سلطة في الأساس، وجه آخر، يؤشر لازدواجية أخلاقية في معايير هذه السلطة لإقامة العدل. ازدواجية لا تتجلى في هذه القضية وحدها.

 

كلنا، وأطراف الحكم معنا، نعرف بأن نظام الطاغية قد صادر عقارات وممتلكات للحزب، هي أكثر بكثير من هذين المبنيين. قضية هذه الممتلكات ما تزال تراوح أمام القضاء منذ سبع سنوات، حالها حال العملية السياسية التي يرغب رئيس الوزراء الإبقاء عليها بصورتها الشائهة هذه، وكأنها بقرة هندية مقدسة!. وعلى أن هناك قانون، أقره البرلمان في دورته السابقة، ينص على أن الممتلكات التي صادرها النظام السابق بقرار سياسي، يجب أن تعاد لأصحابها بقرار سياسي، إلا أن صاحب القرار السياسي، الذي يُصدر أوامر تنفيذية، دونما حاجة لكتاب قضائي، كما حدث في أمر إخلاء المباني، ما يزال يصعُب عليه أن يُصدر أمرا بإعادة الحق المُغتصَب إلى أهله!.

 

وبعد هذا كله ألا يحق للناس أن ترى بأن خلفية أمر الإخلاء لا صلة حقيقية، وآنية، لها بإعادة أملاك الدولة للدولة، وإنما بغضب رئاسة الحكومة على قوى سياسية لم تستجب لدعوتها بالبقاء، بعيدا، عن حركة الشارع الغاضبة واحتجاجاتها؟

 

لقد أخطأت رئاسة الحكومة، كما أرى، في قرار إخلائها المذكور، توقتياً وصيغةَ تنفيذ. كما أخطأت في طلبها من الشيوعيين

 

أن لا يمارسوا حقهم الدستوري في الحرية، في بلد ترى رئاسة الحكومة، نفسُها، أن أهله يتمتعون بحريات لا يتمتع بها غيرهم في هذه الدنيا!.

 

وقد أخطأت الحكومة، في تقديري، وما تزال في قراءتها لموجات الاحتجاج في الشارع أيضا. فهي لا تريد أن ترى بأن الشعب، أو بمعنى أدق، ذلك الجزء الواعي منه، وبخاصة شبابه، لم يعد يرضى أن يكون شعب الحاكم، يوكِل إليه أمره، ويُسلم إليه مصائره. ولم يعد قادرا، بعد طول صبر، على مصادرة أحد لإرادته وعقله ولسانه. هو يريد أن يحلمَ أحلامه بنفسه ويحققها بنفسه، لا أن يحلم عنه "الكبار"، ويدعونه للدخول في أحلامهم، ساعين لتحقيقها، وهي أحلام سلطة لا غير، بموت أحلامه هو. يريد هذا الجزء الواعي من شعبنا أن يستعيد وطنه له ولأهله، ويُعيد الدولة وأموالها للناس. وليس للوطنيين والديمقراطيين الحقيقيين، والشيوعيون منهم، في أحوال كهذه، سوى أن يجدوا أمكنتهم هناك، بين هؤلاء الحالمين الكبار حقاً، ومعهم.

 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.