اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

من تراث القوش الشعبي- حكايات شعيا// نبيل يونس دمان

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

نبيل يونس دمان

 

عرض صفحة الكاتب 

من تراث القوش الشعبي- حكايات شعيا

نبيل يونس دمان

 

(1)

     في احد الايام تفاجأ بيت موسى بأربعة من كلاب الصيد، واحد صعد الى السطح والثاني تعلق في الدرج، والاخيران وقفا امام البيت الذي امتلأ فضاءه وحتى البيوت المحيطة بضجيجها، فخرج اهل الدار مندهشين عمّا حصل، فشاهدوا موكب! شعيا قادما لزيارة بيت صديقه موسى.

     رحبوا به وتبادلوا السلام والسؤال عن أموره وما يقوم به، فشكاهم حاله، معبّراً عن طموحه بان يمتلك سيارة باص (نيرن) سيما وقد تعلم السياقة في عمل سابق بإحدى الشركات، ثم غير الحديث موسى وقال منذ زمان آبائنا القديم، كان يجري الحديث عن خزانة نقود ومقتنيات ثمينة (كنز) تعود الى دير الربان هرمزد، كانت قد خبأت ايام حملة (ميري كور) على المنطقة في بداية العقد الثالث من القرن 19، مضيفاً بان هناك كتاب محفوظ في الدير من ذلك الوقت يشير الى مكان وجود الخزانة، وبأنها تحت صخرة في وادي الدير (الگلي) تسقط عليه اشعة الشمس مرة واحدة في السنة.

     ظل شعيا ينصت بكل جوارحه الى موسى، واضاف ومعه الشباب بانهم راقبوا وبحثوا وفكروا في الموضوع جيدا ولسنين، ثم استطاعوا ان يشخصوا تلك الصخرة، والذي يوقفهم من اخراج خزانة الاموال هو خوفهم من غضب الربان هرمزد.

     فقال شعيا بحدّة وحماس: عن ماذا تخشون؟ ألا تعلمون ويعلم الربان هرمزد بان الدير والرهبان ليسوا بحاجة حتى الى اموال قارون، بل انا صاحب عائلة واطفال جياع، وأية خشية او معصية من الراهب القديس لتكن في رقبتي، أخرجوها ولا تتأخروا ارجوكم، ثم اضاف لنتوجه في الحال ونأخذ معنا عدة العمل من معاول وكرك وزنبيل وهيم (مجبايه) ، ونتوكل على الله، انا بأمس الحاجة لشراء باص (نيرن) لأعيش ويعيش اولادي من وراءه.

     بالطبع كان حديث الجماعة عن الإهتداء الى مكان الخزانة غير صحيح، والغاية منه كانت لإثارته وجعله يحلم بثروة خيالية، فقالوا له امهلنا بعض الوقت حتى نتدبر المسألة، توالى قدومه اليهم كل يوم وإلحاحه بضرورة التوجه الى ذلك المكان في صدر وادي الدير. والشباب فيما بينهم وضعوا خطة كما يلي: عندما يصل شعيا الى مكان الصخرة المزعوم وبالطبع سيتأخر بسبب وعورة الطريق، وعلى لمح البصر يأخذ احدهم القلة (شربة فخارية) التي اخرجوها، بقوة السلاح ويهزها بعنف لتسمع اصوات الليرات وهي تهتز بأيديَه من صوت الليرات التي في داخلها، علماً بانهم قد جمعوا الكثير من الليرات الذهبية المزيفة (ݒرݒاره) لذلك الغرض، كل ذلك على سبيل الفكاهة والضحك يناسب اعمار الشباب، في تلك الفترة من ستينات القرن الماضي حيث المرح يسود اوساطهم.

     ولكن تلك الخطة لم تطبق ولم تأت ثمارها، ففي اليوم الثاني توجه اولاً الشاب ياقِن الملثم جيداً وبيده بندقية صيد الى حيث مكان الصخرة المزعوم، وتوجه الباقين وشعيا معهم متحزّماً وجاهزاً لإرتقاء الجبل، وجميعهم يحملون العدد الثقيلة، وبعض الطعام والشراب، وراديو ترانزستور لسماع الاخبار والأغاني من اذاعة بغداد. ما ان وصلوا الى باب الوادي فتر بعض الشيء حماس شابا، فقد تعب وصار يبطئ السير، ثم سلكوا طريق وعر (أورخه دجوبا) بالطبع حمل من الحديد ما جعله يتركه على قارعة الطريق، فحمله الشباب لمسافة اخرى، وعند وصولهم الى مقابر (التتار) جلس شعيا من تأثير الإرهاق، واقسم بأغلظ الأيمان بانه: لن يتزحزح من هذا المكان، ابقى هنا انتظركم، ولكن قبل ذهابكم اطلب منكم تسليمي 4500 دينار حتى اشتري نيرن (في ذلك الزمان كان بإمكان الواحد ان يشتري بذلك المبلغ قصراً في العاصمة) ، فقالوا له: ليس معنا الان فلوس ولكن حال عودتنا نسلمك المبلغ. وما قاله بعد ذلك هو محور كل هذه الحكاية، قال افتحوا عيونكم جيداً: بعد ان تعطوني ذلك المبلغ اتركُ الباقي على ضميركم ووجدانكم، وعلى شدة خوفكم من الرب الذي سينتقم منكم اذا سرقتم قرشاً زائداً من حصتي.

     لم يعد الجماعة الى حيث مقابر التتار حيث تركوا شعيا لوحده، فقد غيروا طريقهم ليختاروا طريق (كرمَه دريشا) ، وقبل ان تغيب اشعة الشمس فيرخي الليل سدوله، انسحب شعيا عائداً الى البلدة. عند وصول الشباب في وقت متأخر الى بيتهم، كان شعيا ومعه كلابه التي طوقت البيت قد سبقتهم اليه، فقال لهم بنبرة حازمة: اين فلوسي؟ فقالوا: لقد سرقها شاب ملثم بيده سلاح، حين صرخ علينا اهتز الوادي لصوته الرعديد، فإنتابنا الخوف الشديد، وهربنا بجلودنا لا نلوي على شيء سالكين طريق الى وادي (برسملي) ، ثم صعدنا الى (كرمه دريشا) لننزل الى القوش. هز شعيا رأسه بحسرة وغطت وجهه سحنة الحزن، فقد ضاعت آماله في امتلاك النيرن، ولم يكن امامه الا ان يصدقهم ولكن على مضض، ثم قطع علاقته ببيت موسى تدريجياً ولم يعد ياتي اليه ومعه كلابه الشرسة.

(2)

    

ولد شعيا في بيت يعشق الطرب، فوالده مرقس كان عازفاً بارعاً على آلة المزمار (زورنه) ، في احد الأيام كان يعزف في قرية أيزيدية، ودارت حلقات الرقص والشباب والشابات يهزون اجسادهم برشاقة وتواصل حتى اهتزت أرض المكان تحت اقدامهم، وكانت المناسبة رأس السنة الجديدة ( سري سال) ، وإستمر الرقص ليشتد اكثر كلما اقترب المساء ، حتى ادركه الوقت فاراد العودة الى القوش، ولكن رجال القرية ألحّوا عليه بالبقاء والمبيت عندهم، فوافق على مضض لان عائلته ستنام ليلتها في قلق.

     احتسى ما احتسى من الخمر وتناول عشاء من البطيخ الأحمر والخبز والجبن، كان بيت المضيّف من طابقين مبني من الطين ويشرف على وادي عميق نسبياً، فُرش له ولإثنين آخرين من ضيوفهم وكانوا من اهالي سنجار المنام فوق السطح العالي. استغرق شعيا في النوم بعض الوقت ليشعر بحاجة شديدة الى التبول، فتلمس طريقه بصعوبة بسبب الظلام الدامس، حتى وصل الى موقع السلّم الذي صعدوا عبره الى السطح، لم يجد أثراً له فتيقّن ان اهل الدار قد رفعوا السلم في المساء وأركنوه جانباً حتى يؤمّنوا نوماً آمناً ومريحاً لضيوفهم.

     بقي شعيا حائراً اذ يصعب عليه مناداة اهل الدار في ذلك الليل الحالك، فرجع الى فراشه يتقلب فيه لا يستطيع النوم، وحاجته تضغط عليه بشدة، في تلك الاثناء التفت الى النائمين قربه فرآهم في نوم عميق، ولاحظ انفصال أغطية رؤوسهم (كُلاف) بعيداً عن رؤوسهم وكانت كما شاهدها من قبل عبارة عن قلنسوة مخروطية من الوبر، وتلك تقاليد منطقتهم التي أتوا منها لحضور السري سال.

     كان شعيا بأشد الحاجة الى تلك الآنية ففرّغ ما في مثانته فيها ورماها بكل ما أوتي من قوة  بعيداً في اتجاه الوادي العميق بجوار البيت، وعاد لينام نوماً هانئاً حتى الصباح، لم يوقظه شيء سوى صوت النائمين بجواره، يسأله ان كان يعلم ما حصل لأغطية رؤؤسهم، اجابهم بثقة: ان لا علم له ولكنه استدرك قائلاً: رأيت في نومي حلماً فيه طيوراً ضخمة تحلق عالياً، كانت تهبط فتلتقط أغطية رؤوسٍ من سطح هذا البيت وتطير بها بعيداً في آفاق السماء، وها انا انهض لأرى ان حلمي قد تحقق، فصدقه الجماعة وقالوا له: كلامك معقول، لان ليس هناك سبب آخر لإختفائها.

 

(3)

كان لشعيا ولعاً في تربية الطيور المختلفة في بيته، وتحت ضغط حاجة الأسرة المعاشية، غادر بيته الى مشروع بناء سد دوكان في السليمانية، وقد كانت تدير العمل فيه شركة فرنسية، فحضر في صباح اليوم التالي لإجراء الاختبار والمقابلة مع مدير الشركة، وكانت مجموعة كبيرة من طالبي العمل قد تجمعت هناك وبينهم عدد من ابناء قريته. جرى اختبارهم عملياً، ثم كانت المقابلة عبارة عن مصافحة المدير للعمال المتقدمين للعمل، ففرزهم مجموعتين، الاولى التي شعر الفرنسي بقوة ايديهم في المصافحة وشعيا احدهم، والمجموعة الثانية ارسلت الى بيوتها لعدم الحاجة الى خدماتها، وتم تسجيل اسم شعيا ليباشر العمل في اليوم التالي، ففرح بذلك.

     في العصر قام بجولة في بلدة دوكان، وفي احد الشوارع رآى ديكاً شامياً (عَلو عَلو) زاهي بألوانه ورشيقاً في مشيته، فسار خلفه جذلاً حتى دخل بيت اصحابه وشعيا دخل وراءه، فصاح اهل الدار به: ما ذا جرى؟ ولماذا تطارد الديك؟ فابتسم قائلاً: لقد اعجبتُ به كثيراً، تأملوا فيه وبهيئته وتعلقه لديكهم الشامي، فتعاطفوا معه بكرم وسخاء قائلين: ان كان يريده فليأخذه معه دون مقابل، فحضنه بكلتا يديه وضمّه الى صدره، شكرهم كثيراً وانطلق لا يلوي على شيء.

     رجع الى مكان تجمع فيه ابناء قريته، وهنأوه بفوزه في العمل، فقال لهم لا حاجة لي بالعمل، وقد حصلت على ما هو أهم: هذا الديك الشامي الجميل الذي ترونه، وبين اندهاشهم واستغرابهم توجه حالاً الى كراج البلدة، واستقل الحافلة المتوجهة الى الموصل ومنها الى القوش، وبذلك حرم عائلته واطفاله تلك النعمة التي كانت ستخفف من معاناتهم.

 

March 19, 2023 California

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.