مقالات وآراء
راهنية كفاحنا على شرف الذكرى التسعينية// جاسم الحلفي
- تم إنشاءه بتاريخ الجمعة, 29 آذار/مارس 2024 19:46
- كتب بواسطة: جاسم الحلفي
- الزيارات: 875
جاسم الحلفي
راهنية كفاحنا على شرف الذكرى التسعينية
جاسم الحلفي
حينما تتأمل مسيرة كفاح الحزب الشيوعي العراقي التي طوت تسعة عقود، تكتشف دون عناء، انها شغلت حيزا فكريا وسياسيا وثقافيا مهما في تاريخ العراق المعاصر. إذ واصل الشيوعيون كفاحهم المضني دون هوادة، رغم تعرضهم الى قمع اغلب السلطات التي تعاقبت على حكم العراق. حتى انك نادرا ما تجد شيوعيا من الرعيل الأول لم تعتقله السلطات في العهد الملكي، الذي دشن إنزال الإعدام بقادة الحزب. فيما ارتكب العفالقة الارهابيون بعدهم مجازر دموية بحق الشيوعيين ابان وغداة الانقلاب الفاشي في شباط 1963. اما الحملة التي شنها النظام الدكتاتوري المقبور في أوائل ثمانيات القرن المنصرم، فكانت الأبشع بين محاولات الأنظمة التسلطية البائسة لتصفية الحزب.
بطبيعة الحال، لم تمر الحقبة بعد 2003 دون ان يقدم الحزب كوكبة من الشهداء، ارتقى بعضهم في اغتيالات على يد الإرهابيين، فيما طالت يد قتلة شباب تشرين بعضا منهم.
ويقدر الشيوعيون جيدا ضريبة النضال الوطني والطبقي، فهي مكلفة وثمنها في أحيان كثيرة حياة المناضلين البواسل. مع ذلك واصلوا نضالهم دون هوادة من اجل شعبهم ووطنهم.
ويبقى قائما بالطبع السؤال عن سر استمرار كفاح الشيوعيين ورفعهم الأهداف الكبيرة، ودفاعهم المستميت عن مصالح ومطامح العمال والفلاحين وسائر الكادحين، مع معرفتهم بكلفة هذا الكفاح الباهظة؟ هو سؤال برسم الإجابة، التي لا تتسع مساحة هذا العمود لها.
لم يكن العمل السياسي للشيوعيين سهلا أو ميسرا، كما ان الواقع في هذه الحقبة معقد ومتشابك وخطير، حيث غدت الطائفية السياسية نهجا للمنظومة الحاكمة، والفساد الساسي والمالي سلوكا لطغمة استأثرت بالسلطة، فيما تصاعدت مناسيب الامية والفقر والتهميش، وربط المتنفذون عراقنا الذي طالما سعينا الى ان يكون مستقلا كامل السيادة، بالقرار الخارجي والاقليمي وبمصالح الدول المتكالبة على موارده.
حينما يتبنى الحزب موضوعة التغيير في مؤتمراته، ويبذل من اجل ذلك جهدا فكريا وثقافيا، فانه يدرك ان مهمة التغيير ليست سهلة، بل تتطلب تجديد الحزب وتقويم بنيته وحشد قواه وشحذ الهمم. وقد انطلق في تبنيه لموضوعة التغيير الشامل من تحليل عميق للبعد الطبقي لطغمة الحكم، وسلوكها النفعي، وبنيتها الاجتماعية، وقواها السياسية الماسكة بالحكم، الذي لن تغادره الا مجبرة عند تغيير ميزان القوى لصالح قوى التغيير المنشود، كي يُعاد توزيع السلطة والنفوذ داخل الدولة بما يؤمّن إرساء الديموقراطية الحقيقية على قاعدة العدالة الاجتماعية.
من جهة أخرى لا يخلو العمل السياسي من أخطاء، والعمل الحزبي في نهاية المطاف جهد انساني، فليس مستغربا ان يقع الحزب في أخطاء او يحدث تلكؤ في عمله او تشوبه نواقص. لكن تصحيح الأخطاء وتجاوز النواقص واجب يقع ضمن الممكنات لحزب كفاح ناشط. فحزب يعتمد المنهج الجدلي في تحليله للأوضاع، ويسترشد بمنهج نقدي علمي في أساسه، وينطلق في فلسفته نحو نقد الواقع وتغييره، لا يخشى ولا يتوانى في إعمال النقد والمراجعة والتقييم. وحزب منشغل بالتجديد والتغيير ليس ماضويا مع ان ماضيه مجيد ومشرف، وليس حزب حاضر وحسب، مع انه يناضل في هذه المرحلة الشائكة والملتبسة بعناد من اجل كرامة المواطن والوطن في دولة مدنية ديمقراطية تحقق العدالة الاجتماعية. فهو حزب المستقبل، حزب حداثوي تنويري مُجدّد.
انه أحد اهم مؤسسات العراق السياسية المدنية الوطنية، وهو ذو رؤية طبقية لا يشاركه فيها أي حزب اخر. لذا فالاحتفال بالذكرى التسعين لتأسيسه هو مناسبة لدراسة نقدية للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وان أي نجاح في ذلك يحققه هو خير مشترك للعراقيين، كما ان نهوضه بمهماته شرط أساسي للتصدي لفساد الطغمة وطائفيتها.
ان انهاء استغلال الانسان لأخيه الانسان، وتجسيد مفاهيم الحرية والسلام والتقدم والعدالة الاجتماعية، وتطبيق الديمقراطية الحقيقية، واحترام الانسان وكرامته وحقوقه كافة.. ان هذا كله ومعه القيم الإنسانية والتحررية جميعا، انما يشكل في الذكرى التسعين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي أساس راهنية كفاحه من اجل خير الانسان وحريته ومستقبله.