مقالات وآراء
يوميات حسين الاعظمي (1173)- منظمة اليونسكو
- تم إنشاءه بتاريخ السبت, 25 أيار 2024 22:04
- كتب بواسطة: حسين الاعظمي
- الزيارات: 1218
حسين الاعظمي
يوميات حسين الاعظمي (1173)
منظمة اليونسكو
استلمتُ ادارة بيت المقام العراقي المركز العام في بغداد وباقي الفروع في المحافظات التي تغنى فيها المقامات العراقية في السنوات الاخيرة قبل الاحتلال البغيض 2003 لبلدنا الغالي. واستمر الامر في السنة الاولى بعد الاحتلال، حتى جاءت حكومة اياد علاوي في 28 حزيران 2004 وتعيين السيد مفيد الجزائري وزيرا للثقافة. وبعد حين استلام اخي وصديقي المرحوم بيرج كيراكوسيان ادارة دائرة الفنون الموسيقية. الامر الذي ادى الى تكليفي من قبلهما وبإلحاح لاستلام ادارة معهدنا الاثير (معهد الدراسات الموسيقية) ورغم اعتذاري عن هذه المهمة نظرا للظروف القائمة من المشاكل وعدم الاستقرار، إلا أنهما اصرّا على موقفهما في استلامي ادارة المعهد، الذي عانى بعد الاحتلال من النهب والسلب وسرقة ابوابه وشبابيكه وتدمير كل شيء فيه...! حتى ان طلبته باتوا لا يتواجدون فيه لوجود نقطة عسكرية امريكية في باب المعهد..!
ما يهمنا في الموضوع ان الامر الوزاري صدر باستلامي ادارة المعهد رغم كل اعتذاراتي، لان السيد الوزير والمدير العام للدائرة يثقان بامكانية اعادة المعهد وطلبته الى الاستمرار في الدوام، ويتوقعان مني ترتيب امور المعهد من جديد انطلاقا من كوني امتلك تاريخا حافلا في المعهد منذ ان كنت طالبا فيه مرورا بالتدريس ومعاونا لادارته اكثر من مرة وتمتعي بالعلاقات الوطيدة بزملائي المدرسين ورضى والطلبة وقربي من الجميع على حدٍ سواء...!
منذ اليوم الاول لاستلامي ادارة المعهد وما شاهدته من تدمير وتخريب، ادركتُ ان المهمة ليست سهلة ابدا وتحتاج الى تظافر كل الجهود في سبيل اعادة المعهد الى سابق عهده بما نستطيع نسبة لظروفنا القاهرة زمنذاك...!
حاولت انا وزملائي في الادارة والمدرسين الذين كان غالبيتهم من طلبتنا السابقين في المعهد، واستجابة معظم الطلبة، كل ما يمكن انجازه في هذا الامر، واستطعنا في النهاية ان نعيد شيئا ملموسا من كيان المعهد، رغم ان الامر يحتاج الى دعم كثير جدا لعملنا هذا، مع ان الوزارة والدائرة لم تقصران في دعمهما المطلق من اجل نجاح مهمتي في اعادة المعهد الى دوامه. وقد شفعت لي علاقاتي السابقة مع المدرسين والطلبة وتاريخي الشخصي الذي عشت فيه في المعهد منذ اوائل سبعينيات القرن المنصرم، طالبا ومعيدا ومعاون المدير اكثر من مرة سابقة حتى تقاعدي من الوظيفة. الامر الذي استطعت فيه الى جذب الكثير من طلبتنا المبتعدين عن المعهد خشية من الظروف والنقطة العسكرية الامريكية باقية في باب المعهد...! الى الدوام والتواجد في المعهد واستمرار الدروس التعليمية رويدا رويدا في محاولة اعادة الحياة الى معهدنا الاثير. الا ان القضية كانت اكبر من كل المحاولات وتحتاج الى الدعم الكبير للبناء من جديد.
مجمل القول ان الامر اخذ مني تفكيرا كثيرا، فالصرف المالي من قبل الوزارة او الدائرة شبه معدوم، ولابد من امتلاك الامكانية والدعم المالي لبناء المعهد من جديد. وفي لحظة من اللحظات وانا غارق في التفكير، خطرت فكرة واقعية في ذهني قفزتُ من مكاني على أثرها...! حيث تذكرت ان بحثي الذي فزتُ به بجائزة (الماستر بيس العالمية من الامم المتحدة / منظمة اليونسكو) حول الخطورة من ضياع التراث العراقي نتيجة مرورنا بالحروب والحصار وغير ذلك من ظروف قاهرة مرّ بها بلدنا العراق...! والشيء الذي قفزت من اجله وانا اتذكر هذه الجائزة العالمية التي اعلن فوز العراق بها عام 2003. هو انني في بحثي الفائز ذكرتُ كل الامكنة الاثارية والتراثية والموسيقية التي تضررت في ظروف العراق العصيبة. ومنها معهدنا الاثير (معهد الدراسات الموسيقية) ومن ثمار هذه الجائزة، يتوجب على المنظمات الانسانية معالجة مثل هذه الحالات ودعمها بكل الوسائل. باعتبار ان تراث الشعوب تراث انساني لابد من حمايته والحفاظ عليه من قبل المنظمات الانسانية ولعل اهم هذه المنظمات هي منظمة اليونسكو العالمية. خاصة وانا عارف ومدرك لمثل هذه التفاصيل عندما قدمتُ بحثي في المسابقة العالمية (الماستربيس) وعليه قررتُ الذهاب الى المدير العام ثم الوزير حاملاً معي نسخة مصورة من شهادة فوزي بالجائزة لحملهما على مخاطبة المنظمة العالمية في شأن مساعدتنا لإعادة المعهد الى سابق عهده وانا مفعم بالامل من ان المنظمة لابد ان تساعدنا.
فرح الوزير بمبادرتي هذه، وطلبتُ من حضرته ان تصور هذه الشهادة وترفق بكتاب رسمي موجه الى المنظمة بتوقيعه. فارسل كتابا رسميا بتوقيعه الى منظمة اليونسكو مرفقا به نسخة شهادة فوزي بالجائزة طالبا الدعم والمساعدة لانقاذ معهدنا في بغداد الذي دمرته الايادي الغاشمة. ولم تمضِ اكثر من ثلاثة اسابيع على ارسال وزارتنا الكتاب الرسمي الى اليونسكو بهذا الخصوص، حتى جاءنا الرد من منظمة اليونسكو بتخصيصها مبلغ (ربع مليون دولار امريكي$ 250 مئتان وخمسون الف دولار) الى وزارة الثقافة ببغداد دعما لاعادة ترميم وصيانة معهدنا...! وبوشر فعلا باعادة الصيانة وتلبية الاحتياجات الى المعهد وامسى الدوام في المعهد على احسن ما يرام من اداريين ومدرسين وطلبة، واعيدت الحياة الطبيعية الى المعهد وهي مهمتي الاولى التي كُلفتُ بها.
في هذه الآونة وقبل الانتهاء من الترميم والصيانة لمعهدنا خلال عام 2005، كان السيد نوري فرحان الراوي قد اصبح وزيرا للثقافة خلفاً للسيد مفيد الجزائري، وبعد حين قدمتُ استقالتي من ادارة المعهد وتوجهتُ فورا الى المملكة الاردنية الهاشمية، دون حتى انتظار الموافقة على الاستقالة. ولكن بقيت اتصالات بعض الموظفين بي مستمرة يطلبون مني العودة لمقابلة السيد الوزير لعدم موافقته على الاستقالة اعتزازا بي لحاجة المعهد لي لقدراتي في ادارته في ظل هذه الظروف العصيبة. وبناء على موقف الوزير واعتزازه بي وكلامه الجميل عني، غادرت عمّان عائداً الى بغداد للقاء السيد الوزير، ولكني لم احظى بوجوده في الوزارة فقابلتُ وكيلة الوزارة الانسة ميسون الدملوجي. واستطعتُ اقناعها باستقالتي حتى وافقت، وعدتُ بعد حين الى اقامتي الجديدة في المملكة الاردنية الهاشمية خبيرا ومدرسا في المعهد الوطني للموسيقى التابع الى مؤسسة الملك حسين (رحمه الله) حتى هذا اليوم (2005-2020)، فكانت زيارتي الى بغداد 2005 هي آخر زيارة لي الى الوطن الغالي...!
والى حلقة جديدة ان شاء الله.
حسين الاعظمي مدير معهد الدراسات الموسيقية يتوسط بعض اساتذة وادارة وطلبة الصف السادس في تخرجهم من المعهد في مايس 2005.