مقالات وآراء
يوميات حسين الاعظمي (1191)- عفوية شخصية الفنان
- تم إنشاءه بتاريخ الثلاثاء, 09 تموز/يوليو 2024 23:46
- كتب بواسطة: حسين الاعظمي
- الزيارات: 1108
حسين الاعظمي
يوميات حسين الاعظمي (1191)
عفوية شخصية الفنان (هامش1)
في كل الحالات وفي كل الظروف وفي كل الاختصاصات، تكون الشخصية القوية النافذة أو الكارزما المؤثرة للفرد او المجموع، اهمية بالغة في قيمة النتائج المنتظرة..! ولابد للفنان الناجح بصورة عامة أن يتمتع بشخصية وكاريزما(هامش2) خاصة به قد لايتقن الحديث عنها حتى الفنان نفسه..!
ان شخصية الفنان، بوصفه مؤديا في أي مجال من الفنون، قادرة على ان تعكس نفسها في المجتمع بصورة تكاد تكون كاملة. قادرة على ان تعرض بحُريّة كل صفاتها. بغض النظر عن قيمتها، قوية ام ضعيفة، رائعة ام تافهة، فمكانتها في الحدث هي على نحو لاتستطيع معه الا ان تتصرف وتعبر عن نفسها وعن قيمتها بصورة تكاد تكون عفوية تماما.
في مجال الغناء وموسيقى المقام العراقي، ليس صعبا جدا، ادراك العوامل المشتركة بين المغني المقامي وبين الفن الغنائي الذي يؤديه..! حيث يتوجب عليهما معا معالجة التفاصيل الحياتية المعاشة. وهذه بالضبط احدى المفاتن الكثيرة التي تتميز بها النتاجات الغنائية المقامية الناجحة، التي يوكل امر نجاحها في الاعم الاغلب الى شخصية المغني الظاهرة والخفية..! الى قيمة ممتلكاته الفنية، عفوية ام عقلية، الى الكارزما التي يتمتع بها. فالقيمة الفنية لمقام المنصوري مثلاً، المؤدى من قبل محمد القبانجي، غير القيمة الفنية لنفس المقام المؤدى من قبل غيره، وهكذا ينطبق المثل على كل النتاجات المقامية التي يعوّل فيها على الممتلكات التي يتمتع بها المغني، الفنية والشخصية بصورة عامة، لان المغني الناجح والحاوي على اوفر متطلبات الاداء، يخلق مواقف تظهر فيها الانعكاسات التعبيرية ذات الاهمية الكبيرة، اذا صح التعبير، وهي مواقف يخطو فيها المغني الناجح، خطوات طبيعية صحيحة وفق مقومات الاداء الفني الصحيح.
ان المنافسات الفنية بين المغنين في هذه التفاعلات، هي منافسات اخلاقية في معظمها، فالمؤدون المتنافسون الكبار، ومثالهم رحمة الله شلتاغ واحمد الزيدان ورشيد القندرجي ومحمد القبانجي ويوسف عمر. يمثلون من الناحية الفنية والاجتماعية، وبالتالي من الناحية الاخلاقية، حالة متشابهة كثيرا، فمجال تصرفاتهم الاخلاقي والفني هو ذاته تقريبا، حبا بهذا التراث ومن اجـل الحفاظ عليه وبالتالي نتاجات مقامية ناجحة.
نعود مرة اخرى نتحدث عن مسالة التعبير الفني بالمعنى الادائي للمقامات العراقية. فاعجاب المغنين الكبار امثال رشيد القندرجي ومحمد القبانجي ونجم الشيخلي وجميل البغدادي وجميل الاعظمي وغيرهم. بالمقامات الرئيسة، وهي على العموم المقامات الكبيرة في نواحيها اللحنية باصولها التاريخية والتقليدية، او بالمقامات بصورة عامة، رئيسة ام فرعية، التي حُشِّدَ لها من تفاصيل الاصول التقليدية ما يكفي ان ينظر إليها على انها مقامات تاريخية كبيرة غاية في الرصانة ومن الوزن الثقيل. ويأتي هذا الاعجاب من لدن المغنين الكبار بهذه المقامات، بوصفها مقامات تمتلك اقصى درجات التعبير الادائي الاصولي والتاريخي للمقامات العراقية، وهي بالتالي تمتلك اقصى درجات التعبير عن شجون الانسان العراقي الذي عاش حقب تاريخ هذه المقامات العراقية وساهم في بلورتها وانضاجها، حتى وصلتنا وهي زاخرة بهذه التراكمات التاريخية. التي جعلتنا نكتشف الوسيلة الممكنة التي يتمكن منها الفن الادائي المقامي من خلال مؤديه الكبار من عكس الواقع التاريخي والعاطفي والنفسي والاجتماعي والسياسي و.... و...الخ عكسا كافيا لحياة العراقيين خلال القرون الماضية، دون مبالغة او تزويق، وهكذا يضفي المغنون الكبار في غنائهم المقامي، بشخصياتهم المؤثرة والكارزما الذاتية التي يتمتعون بها، طابعا انسانيا واخلاقيا بواسطة تراثهم الحضاري. وعليه يكمن فن هؤلاء المغنين الكبار بالضبط في تفريد نتاجاتهم المقامية باسلوب يصل الى قلوب الناس بكل سهولة ويسر، باسلوب تتوضح فيه سمات فردية محضة معينة للشخصية. خاصة بها تماما، حية خالصة جدا، مع العصر الذي يعيشون فيه، مع الغاية التي يسعون اليها، وهم في نفس الوقت يمثلون الحاجة التاريخية لشخصياتهم الفردية الخاصة والدور الخاص الذي يلعبه كل منهم في المسيرة التاريخية للغناء المقامي في بلدنا العزيز.
والى حلقة اخرى ان شاء الله
هوامش
1 – هامش1: من كتابي الموسوم بـ (الطريقة الزيدانية في المقام العراقي واتباعها) الصادر في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2013، ص 115 و 116.
2 – هامش2: كاريزما. هي الجاذبية المقنعة أو السحر الذي يُمكن أن يلهم التفاني في الآخرين، والكاريزما مصطلح يوناني أصلاً، مشتق من كلمة نعمة( (Charis، وفي الإنجليزيّة (Charisma)أي هبة إلهية تجعل المرء مُفضلاً لجاذبيته. والكاريزما تدل على معنى "المغناطيسية الشخصية" وتعرف الكاريزما بأنّها قوة الجاذبية الشخصيّة التي يمتلكها بعض الأفراد فطريّاً، وتجعلهم قادرين على التأثير في الأفراد وسحرهم ولفت انتباههم واكتساب إعجابهم.
صورة واحدة / من حفلة شباط 6 /2 /2016 بدار الاوبرا السلطانية في مسقط. يمينا حسب الظهور احمد سليم وعلاء السماوي ووسام العزاوي وخالد محمد علي وحسين الاعظمي ورافد عبد اللطيف.