مقالات وآراء
لماذا يدفع البعض السعودية دفعاً إلى التطبيع ويسكت على الإمارات؟// علاء اللامي
- تم إنشاءه بتاريخ السبت, 26 تشرين1/أكتوير 2024 20:25
- كتب بواسطة: علاء اللامي
- الزيارات: 600
علاء اللامي
لماذا يدفع البعض السعودية دفعاً إلى التطبيع ويسكت على الإمارات؟
علاء اللامي*
لنبدأ بالإشارة سريعا إلى الرد الإسرائيلي الأكثر من الهزيل على القصف الإيراني الواسع والمؤثر، وبعد تأخير استمر لثلاثة أسابيع، والذي لم يشمل لا الصناعة النفطية ولا المفاعلات النووية الإيرانية ما يعني أن الردع الإيراني سجل نقطة حاسمة لمصلحته، وإن إيران سجلت تفوقا واضحا على الكيان حتى لو لم ترد على هذه الضربة المحدودة.
ثم لنقرأ هذا الخبر الذي نشر قبل يومين من الرد الإسرائيلي في وسائل الإعلام الإيرانية والعربية: "السعودية أجرت مناورات عسكرية بحرية مع إيران ودول أخرى في بحر العرب" وفي التفاصيل: "قال المتحدّث باسم وزارة الدفاع السعودية العميد الركن تركي المالكي إنّ “القوات البحرية الملكية السعودية أجرت مؤخرا مناورة بحرية مشتركة مع القوات البحرية الإيرانية، إلى جانب دول أخرى، في بحر العرب/ الرابط 1"
ثم لنطرح السؤال التالي: "لماذا يريد البعض في إيران والعراق وسوريا دفع السعودية دفعا إلى التطبيع والاعتراف بالكيان ويسكتون على الإمارات التي حولت التطبيع إلى تحالف حربي مع الكيان الصهيوني"؟
ثمة خلل واضخ في الرصد والتعامل وفقدان للموضوعية في الموقف الحكومي لبعض الدول التي تحسب على ما يسمى محور الممانعة أو لشخصيات وأفراد فيها من الدول التي اعترفت بالكيان وطبَّعت معه بل وبالغت في ذلك حتى بلغت درجة المشاركة الفعلية في حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني كما صرح بذلك القيادي في حماس أسامة حمدان وصحافيون أجانب/ الرابط 2 والرابط 3! يتجلى انعدام الإنصاف والموضوعية على سبيل المثال في موقف إيران والعراق وسوريا ومحازبو حكومات هذه الدول الثلاث من دولة الإمارات، وبدرجة أقل من دولتي البحرين والمغرب. أما دولتا مصر والأردن فيبدو أن النسيان قد أطبق على تطبيعهما واعترافهما بالعدو.
أما الإمارات التي تجاوزت كل الحدود في تطبيعها البالغ حدود التحالف بعد توقيعها على اتفاقية سلام مع دولة العدو، "اتفاقية سلام" رغم أنها لم تكن قد شاركت في أي حرب ولو بمقذوفة منجنيق منذ حرب داحس والغبراء فما تزال تحتفظ بعلاقات طبيعية بل وممتازة غالبا مع العراق وسوريا وإلى درجة ما مع إيران وفيها يقيم زمر كثيرة من المعارضين السياسيين العراقيين والسوريين.
ففي الوقت الذي يشتبك فيه الجهاز الإعلامي الرسمي وشبه الرسمي ومحازبو وأنصار هذه الدول في هجوم لا يكاد ينقطع على السعودية المتهمة بأنها تسير في مسار التطبيع مع دولة إسرائيل أو انها تنوي القيام بالتطبيع أو إنها تتآمر وتنسق مع إسرائيل سرا ومن دون أي تطبيع!
لكي لا يفهم هذا الكلام كدفاع عن السعودية أقول إن السعودية قد تكون قامت بما هو أسوأ من التطبيع حين توقفت عن دعم المقاومة الفلسطينية وناصبتها العداء لأسباب أيديولوجية لا معنى لها تتراوح بين العداء المسبق والأعمى لحركة الإخوان المسلمين التي تحسب حما س على ملاكها وتقاربها مع إيران واستلامها الدعم منها وكلا الحجتين ساقطة منطقيا، ولكن مع ذلك ينبغي ولمصلحة فلسطين وقضية شعبها أولا تسجيل الآتي:
*السعودية دولة عربية مهمة تأريخيا وجيوسياسيا واقتصاديا وثقافيا، وهي أيضا دولة محافظة وحليفة للغرب في إطار "التبعية مقابل الحماية"، فالغرب هو الذي ساعد على قيام هذه الدولة في زمن الهيمنة الاستعمارية البريطانية وعلى استمرار وجودها في عهد وريثتها ومستعمرتها السابقة الولايات المتحدة.
*للسعودية مواقف سلبية صبت في طاحونة تسهيل قيام الكيان الصهيوني في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، وأخرى إيجابية من القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني أهمها قرار الملك فيصل بحظر النفط عن الولايات المتحدة ودول الغرب المساندة للكيان خلال حرب تشرين أكتوبر 1973 وربط تصدير النفط لأي دولة بالتزامها بمدى تأييد القضية العربية العادلة خلال قمة الجزائر في العام ذاته وهو القرار الذي أرعب الغرب كله ودفع الملك فيصل حياته ثمنا لذلك بعد أقل من عامين إلى جانب دعم المالي منظمة التحرير الفلسطينية.
*والدولة السعودية أيضا تعادي الحركة الإسلامية السياسية سواء كانت سُنية كحركة الإخوان المسلمين أو الشيعية بمختلف أحزابها وشخصياتها مع بعض الاستثناءات "كالتيار الصدري في العراق" بسبب رفضه للنفوذ والتدخلات الإيرانية في هذا البلد وليس لسبب آخر، أي بسبب توافق المصالح المؤقت.
ومع وصول محمد بن سلمان الى ولاية العهد وتحوله الى الحاكم الفعلي في المملكة حدثت تغييرات جوهرية كثيرة ومؤشرات تصالحية إعلامية غالباً مع الكيان الصهيوني، وخصوصا في ميدان الإعلام. ولكن الأمر لم يصل إلى درجة الاعتراف أو شبه الاعتراف بالكيان الصهيوني أو حتى بالسماح لمكتب اقتصادي له بالوجود في المملكة كما فعلت دول عربية أخرى يتم السكوت عليها وحتى امتداح مواقفها من قبل المناهضين للسعودية (عُمان مثلا)، بل أن إيران وسوريا والعراق لها علاقات جيدة ومتنامية مع دولة الإمارات التي وقعت اتفاقية سلام مع الكيان ومارست دورا تحريضيا واستفزازيا قذرا ضد المقاومة الفلسطينية واللبنانية علنا.
ولكن رغم كل ذلك فالحقيقة هي أن السعودية لم تعترف حتى الآن بالكيان، وتشترط للاعتراف به ما تشترطه جميع الدول العربية بما فيها العراق وسوريا ولبنان والأردن وفق ما يسمى المبادرة العربية للسلام والتي هي أصلا مشروع سعودي (مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز حين كان أميرا وليا للعهد)، وهو قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 4 حزيران 1967، والذي تبنته الدول العربية جميعا ومعها منظمة التحرير الفلسطينية في القمة العربية ببيروت سنة 2002 ولكنه ظل حبرا على ورق، رغم كونه مشروعا تصفويا بائسا للقضية الفلسطينية يحقق للحركة الصهيونية ودولتها العنصرية ما عجزت عن تحقيقه بالسلاح طوال قرن كامل تقريبا.
هذا كله معروف ويتم السكوت عليه أحيانا، ولكن في المقابل هناك من يعمل ويأمل بإلحاح لو أن السعودية تعترف بالكيان وتطبع معه اليوم قبل الغد، حتى يشعر هو ببعض الشماتة والراحة النفسية ذات الدوافع الطائفية. لستُ مع السعودية ومواقفها الرسمية وشبه الرسمية من المقاومات العربية ولا مع توجهاتها القديمة ولا الجديدة فهي تبقى قلعة الرجعية العربية وأكثر الدول تبعية للغرب وللولايات المتحدة، ولكني، ومن باب حسابات الربح والخسارة السياسية العادية أقف ضد دفع السعودية دفعاً إلى الاعتراف بالعدو لمجرد أن تعايرها هذه الدولة أو تلك العصبية الطائفية.
السعودية لم تعترف بعد بدولة العدو، وهي تضع الشروط التي لن يقبل بها التحالف الصهيوني الديني الحاكم في الكيان، وهذا شيء جيد ويجب أن نأمل باستمراره، ولا ينبغي الترويج لعكسه.
ولكن أيضا لا ينبغي التساهل مع المواقف السيئة المؤكدة للسعودية كدولة عربية مهمة وكإعلام وكشخصيات فاعلة في الإعلام والمجتمع وينبغي عدم الخلط بين مواقف جوقة المتصهينين السعوديين في الإعلام بمواقف السعودية الحكومية. كما ينبغي أن لا ننسى أن هناك مجموعة من الدول الإسلامية الصغيرة كجزر القمر وغيرها والكبيرة كالباكستان وإندونيسيا إلى درجة ما التي تقتدي بالسعودية - حقا أو باطلا - تقديرا لموقعها ولما تحتضنه من مقدسات وحيثيات تأريخية إسلامية ولوجود أقدس مدينتين في الإسلام فيها هما مكة والمدينة ويمكن لهذه الدول أن تتبع السعودية في ما تفعل في الإطار التطبيعي. وبصراحة أكثر هناك طرفان ينشطان في هذا الميدان هما الطرف الإيراني ومحازبوه لدوافع طائفية غالبا والطرف الثاني بقايا القوميين العرب "الناصريين" ممن يتشبثون بالعداء التقليدي بين مصر الناصرية والسعودية ولكن خارج سياقه التاريخي سياق ذروة المد التحرري الناصري الذي أرعب دولة محافظة كالسعودية ودفعها إلى ما دفعها إليه، وخاصة بعد انتهاء الناصرية كتجربة حكم لها ما لها وعليها ما عليها.
وأخيرا أقول ومن باب التوقعات والافتراضات لو أن القيادة السعودية قررت غدا الاعتراف غدا بالكيان ورفعت الراية الصهيونية في مهد الإسلام الأول وهذا أمر لا يمكن استبعاده نهائيا، فهناك نوعان من الناس سيرقصون فرحا الأول هم الصهاينة وحلفاؤهم والثاني يضم الشامتين المبتهجين الذين أعماهم الانحياز الطائفي المذهبي من جماعة "أيش قال البهلول؟"، والأكيد أن هناك فريق ثالث سيحزن بعمق من هذه الخسارة الاستراتيجية وسأكون من هؤلاء!
ولذلك فلن أكون في خندق الساكتين على تطبيع دولة الإمارات البالغ حدود التحالف مع العدو، ولا في خندق الذين يدفعون السعودية التي لم تعترف بدولة العدو حتى الآن دفعا إلى الاعتراف والتطبيع معها.
*روابط وهوامش:
1-السعودية أجرت مناورات عسكرية مع دول عدة من بينها إيران
https://www.alquds.co.uk/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D
2- رابط فيديو تصريح القيادي في حماس أسامة حماس عن صفحة (Adam Oroq)
https://www.facebook.com/adam.oroq.3/videos/1084562310060276/?rdid=rcnmTxzCNten94ZP
3- فيديو/ صحافية فرنسية تكشف عن وجود وحدة عسكرية إماراتية في غزة ولم تكن هذه الوحدة طبعا قد جاءت لإنقاذ أطفال غزة، وقالت الصحافية حرفيا: هناك صعوبة في الحصول على موافقة إسرائيلية للعمل الصحافي المستقل، وهناك صحافية واحدة فقط هي كاريسا وارد من قناة (سي أن أن) نجحت في إعداد تقرير بطريقة مستقلة والتي استفادت من وجودها قرب وحدة عسكرية إماراتية!
https://www.youtube.com/watch?v=MiDLuXMk53c&ab_channel=%D8%B4%D8%A8%D9%83%D8%A9%D8%B1%D