مقالات وآراء
يوميات حسين الاعظمي (1251)- مانشيت 12/ الحداثة المقامية
- تم إنشاءه بتاريخ الثلاثاء, 26 تشرين2/نوفمبر 2024 20:20
- كتب بواسطة: حسين الاعظمي
- الزيارات: 795
حسين الاعظمي
يوميات حسين الاعظمي (1251)
مانشيت 12/ الحداثة المقامية
حلقات مقتطعة من كتابي (افكار غناسيقية). بعض المانشيتات الداخلية من الفصل الثاني والبحث المقدم الى مؤتمر الموسيقى العربية الدولي الحادي والعشرين في دار الأوبرا المصرية. الموافق من 8 إلى 15 تشرين الثاني 2012 م.
بحث (تطور الغناسيقامية في العراق والمحافظة على هويتها خلال القرن العشرين، القندرچي والقبانچي إنموذجا).
***
مانشيت 12 / الحداثة المقامية
إن الحداثة في فن غناء المقامات العراقية أو الفن الغنائي بصورة عامة، هي ما تهم الجماهير الواسعة في العراق والبلدان الأخرى. هكذا يعلن محمد القبانچي على لسان حال تسجيلاته الصوتية للمقامات العراقية التي كانت أبرزها وأشهرها تلك التي سجلها للشـركات الأجنبية في عشـرينيات وثلاثينيات القرن العشرين في برلين والقاهرة، وهي تسجيلات تحمل الكثير من ملامح التطور الأدائي الفني التي يتم فيها في الوقت نفسه الانصهار المميز للفن الأدائي الغناسيقامي المقبل. ويمكن أن نجد بصورة متوارثة ذلك الموقف من التوافق مع الميراث الكلاسيكي للغناء المقامي الذي اتسمت به الطرق الأدائية المقامية القديمة وآخرها الطريقة القندرچية. وفي هذا الصدد يمكننا الإشارة إلى استقرار الكثير من النتاجات التي تلت حقبة التحول إلى حقبة أخرى من التجارب الفنية أسميناها بـ حقبة التجربة، حيث تعد نتاجات هذه الحقبة واحدة من أكثر المظاهر دلالة على قوة التحولات والتطورات التجديدية، مع المحافظة على الهوية التاريخية والأصول التقليدية التي ترى في تطلعاتها هذه مصيرا فنيا للغناء المقامي.
جرت العادة على، اعتبار كل جديد يقع في البداية في مهب اتجاهين من حيث الموقف الفكري والجمالي (معارضون ومؤيدون) واعتبار المعارضين للتسجيلات القبانچية الأولى أعمالا فاشلة...! هو في تقديرنا ما يبين أكثر فترات هذه النتاجات القبانچية دلالة وديناميكية وحيوية...! وهي بنفس الوقت ترتبط بكل تاريخ الغناقامي على مدى الزمن الماضي.
إن محمد القبانچي، الرائد الأول للإبداعات المقامية الحديثة والقائد الميداني في الساحة المقامية، وبسبب من إلهامه السامي الأصيل في محافظته على الأصول التقليدية والهوية التاريخية لهذا الغناء الخالد، يبلغ بتحويراته وتطويراته وتنظيمه لعلاقات المواد الفنية المكونة للمقام العراقي، إلى بنية لغتها القديمة الجديدة، مازجا فيما بينها من اجل الفكرة الجديدة والحداثة الجمالية الجديدة، مصلحا ومنظما وجاعلا علاقة المسارات اللحنية التقليدية والمعنى الفني العام للغناء، بالمضامين الشعرية المغناة. علاقة وطيدة الصلة أكثر بكثير من محاولات سابقيه في هذا الشأن، فقد لائم بينها للوصول إلى التعبير الأصدق لمعنى موحد في نهاية الأمر في عملية دقيقة من التوفيق والنجاح.
عاملا آخر لا يقل أهمية يتدخل في الحداثة المقامية ويسهم بقوة في التمييز بين الأساليب والطرق الأدائية الفردية وفي وضع المدارس الجماعية وفي التعبير الدقيق عن كلا اللغتين الأدائيتين. وهنا يكون من الضروري أن نعود إلى محمد القبانچي والى المبدعين من اتباع طريقته الذين بث فيهم روح التجديد والحداثة وإلى مقاماته الأولى التي نال بها شهرة كبيرة تجاوزت الآفاق المسجلة بصوته لدى الشـركات الأجنبية وعلى الأخص منها مقام المنصوري (سلمه صبا) بمطلع هذه القصيدة التي مر ذكرها:
(كيف يقوى على الجفا مستهام/عــــــــنك لم يلهه نــــــديم وجام)
ونلاحظ مرَّة أخرى التوازن والترابط الذي يبتغيه القبانچي بين الفن المقامي والمجتمع المتلقي في مقامه الشهير(مقام الإبراهيمي، سلَّمه بيات) حيث يغنيه بزهيري لعبد الله الفرج هذا مطلعه:
(غرٍ تصانيف غنج ما رون اسمعن/ ليلي بالاسحار نغمات الوتر اسمعن)
ومقام الرست بهذا المطلع من القصيدة المغناة للشاعر محمد سعيد الحبوبي، وتخميس الشاعر جعفر الحلي(هامش1):
(يا يوسف الحسن فيك الصبُّ(هامش2) قد ليما/ فلو رأوك هوو للارض تعظيما)
(بمن حباك(هامش3) فنون الحسن تتميما/ لح كوكبا وامشِ غصنا وإلتف ريما)
(فان عداك(هامش4) اسمها لم تعدك السيما)
وهذا مقام السيكاه المغنى بإحدى القصائد الصوفية لشيخ الصوفيين عمر بن الفارض، هذا مطلعها:
(اعد ذكر من اهوى ولو بملامي/ فــــــــــان احاديث الحبيب مدامي)
أو بعض مقامات المبدعين من المغنّين، مثل مقام الاوج لحسن خيوكة بقصيدة هذا مطلعها:
(هي حزوى ونشرها الفياح/ كل جــــــــــزن لذكرها يرتاح)
أو مقام الرست بصوت مجيد رشيد، بإحدى قصائد المتنبي وهذا مطلعها:
(لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي/ وللـــــــــــحب لم يبقَ مني وما بقي)
أو مقام الحجاز ديوان بصوت عبد الهادي البياتي، بقصيدة هذا مطلعها:
(القلب اعلم يا عذول بدائه
/ وأحق منك بجفنه وبمائه)
أو مقام العجم عشيران بصوت يوسف عمر، بمطلع هذه القصيدة:
(تحنُّ نياق الضاعنين وما لها/ تحنُّ وفي القلب المشوق حنين)
أو مقام الراشدي بصوت عبد الرحمن العزاوي، بمطلع هذا الزهيري.
(بهواها شفت العجب من يوم خلتني/ بفـــــنونها والحسن ياربِّ خلتني)
أو مقام الحويزاوي (سلّمه حجاز) بصوت ناظم الغزالي، بمطلع قصيدة البهاء زهير:
(وقائلةٍ لما اردت وداعها
/ حبيبي أحقاً انت بالبين فاجعي)
إن هذه المقامات المغناة بأصوات هؤلاء النخبة من المغنّين المقاميين، وكأنها إجابة على تأكيد الحداثة، وان التأملات والخيالات الجديدة فيها تصبح أكثر إثارة للاهتمام من ذي قبل. فقد قدّم هؤلاء البعد الفني لهذه الفترة وهو بعد لم يقتصـر على عالم الجمال وعلى علوم الموسيقى والغناء فحسب بل على تنمية الوعي العام للفن الغناسيقي في العراق وعلى الأخص الغناقامي. فما يجري ليس وصفا لكيفية أو معرفة غناء المقامات العراقية وتفاصيلها ومعرفة علوم الغناء والموسيقى، بل أنها تجربة جديدة! وعلى هذا النحو فان لغة الأداء ولغة التأمل في هذه الفترة تتكامل في الغناء الذي يجعل من كيانه موضوعا بذاته.
والى حلقة اخرى ان شاء الله.
الهوامش
1- كتبها لي بخط يده المرحوم الاديب عبد الغفار الحبوبي ابن اخ المرحوم محمد سعيد الحبوبي.
2- الصب: العاشق
3- حباك: اعطاك، وصدر البيت كناية عن الله تعالى.
4 - عداك: جاوزك ، السيما (بمدود السيماء) ، الهيئة.
من مهرجان يابل الدولي 1996 يظهر يميناً فاضل السعدي وسامي عبد الاحد وحسين الاعظمي والفرنسي جوليان فايس وداخل احمد وصفوة محمد علي ورافد يلدا.