مقالات وآراء
تعارض النتائج مع التوقعات!// د. ادم عربي
- تم إنشاءه بتاريخ الخميس, 28 تشرين2/نوفمبر 2024 21:09
- كتب بواسطة: د. ادم عربي
- الزيارات: 1036
د. ادم عربي
تعارض النتائج مع التوقعات!
د. ادم عربي
ظاهرة "تعارض النتائج مع التوقعات" طالما أثارت دهشة البشر وحيرتهم عبر التاريخ. فحين يسعى الأفراد أو الجماعات لتحقيق أهداف معينة، ينتهي الأمر، في كثير من الأحيان، بنتائج غير متوقعة أو حتى عكسية، وكأنَّ هناك قوى خفية تعمل بشكلٍ مضادٍّ. هذه الظاهرة أثارت تساؤلاتٍ وقلقًا لدى الناس، بما في ذلك المفكرون، الذين وجدوا صعوبةً في فهمها. ولعلَّ أول ما لجأ إليه الإنسان في محاولةٍ لفهم هذا التعارض كان فكرة "القضاء والقدر"، حيث بدا أنَّ هذه الظاهرة تتجاوز حدود المنطق البشري.
يمكن تناول هذه الظاهرة من منظورٍ آخر أو مقاربةٍ أخرى أكثر عملية. فالإنسان، أثناء سعيه لتحقيق هدفٍ ما، لا يعيش في عزلةٍ تامةٍ، بل يتفاعل مع الآخرين، ويؤثر ويتأثر بهم. هذا التفاعل البشري غالبا ما يؤدي إلى تضاربٍ في المصالح والجهود بين فئات البشر، ما ينتج عنه نتائج تختلف عن التوقعات. وبالتالي، من النادر أنْ تتحقق الأهداف بالضبط كما خُطِّط لها. وبهذه الديناميكية يُصنع "التاريخ"، حيث تسير الأحداث بطرقٍ يصعب توقعها، ما أدى إلى إدراج التاريخ ضمن العلوم "غير المضبوطة"، على عكس علوم الفيزياء والكيمياء والرياضيات.
مع مرور الزمن، أصبح "القضاء والقدر" تفسيرا عقائديّا لتلك الظاهرة، خاصةً بين الفئات التي لا تملك سيطرةً كبيرةً على ظروفها الحياتية. كمثل المزارعين، البحارة، والصنَّاع الذين يعتمدون على قوى غير مرئيةٍ كالسوق والطقس، وجدوا عزاءً في الإيمان بأنَّ مصائرهم مكتوبةٌ مسبقا، ومن ثمَّ لا حول ولا قوة لهم، مما يُقلل من شأن الإرادة. هذا الاعتقاد أدى تدريجيّا إلى تراجع الثقة في قوة الإرادة الإنسانية. وأصبح التساؤل حول حرية الإنسان وإرادته محورَ جدلٍ فلسفيٍّ كبيرٍ، مما ساهم في نشوء مذاهب فكرية مثل "التسيير والتخيير" ما زالت قائمةً حتى كتابة هذه السطور.
كان الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه من أوائل من أثاروا تساؤلاتٍ عميقةً حول هذا الإيمان. وهذا الفيلسوف هو من أراد للإنسان أنْ يُصبح إلهاً. أشار إلى أنَّ الاعتقاد بالقضاء والقدر يتطلب من المؤمنين به الاعتراف بأنَّ إرادتهم ذاتها جزءٌ من هذا النظام، أي أنَّ البشر المؤمنين بالقضاء والقدر ينبغي لهم أنْ يؤمنوا، في الوقت نفسه، بأنَّهم لا يريدون إلّا ما قُدِّر لهم أنْ يريدوا. فحتى اختيارات الإنسان التي تبدو حرةً هي في الحقيقة "مقدَّرة" حسب هذا المفهوم. عندما يقرر شخصٌ أنْ يسلك طريقا معينا في عودته إلى بيته، فإنَّه يظن أنَّه اختار، لكنه في واقع الأمر يمضي وفق ما كُتب له أنْ يفعل، مما يضع مفهوم "حرية الإرادة" تحت طائلة القدر. وهنا تكمن مشكلة نفي الإرادة الحرة للإنسان والنَّيل منها.
الحاضر هو اللحظة التي يصنع فيها الإنسان مستقبله. لكن ارتباط الإنسان بالماضي والمستقبل يختلف جذريّا. فهو قد يندم على أحداث الماضي لكنه لا يخافها، بينما يخشى المستقبل لكنه لا يندم عليه. وغالبا ما يتمنى الإنسان لو عاد به الزمن لتغيير أفعاله، متجاهلا أنَّ الحكمة التي يملكها الآن ما كانت لتتكوَّن لولا تلك الأحداث التي يريد تغييرها.
إنَّ ظاهرة تعارض النتائج مع التوقعات ليست سوى نتيجةً حتميةً للتفاعلات البشرية وتعقيداتها. وبينما يلجأ البعض لتفسير هذه الظاهرة من خلال القضاء والقدر، فإنَّها تقدم، في الوقت نفسه، فرصةً للتأمل في طبيعة الإرادة الإنسانية، والإعلاء من شأنها بدلَ هدرها.