اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

هل نستحق الديموقراطية؟// د. ادم عربي

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

د. ادم عربي

 

عرض صفحة الكاتب 

هل نستحق الديموقراطية؟

د. ادم عربي

 

لقد سمعت مراراً من بعض المثقفين والنقاد قولاً يتكرر: نحن شعوب لا نستحق الديمقراطية، وأنها أمر بعيد المنال بالنسبة لنا؛ إذ لا خيار أمامنا سوى إما البقاء تحت حكم ديكتاتوري، حيث نجد الأمن والاستقرار، وبالتالي نتمكن من الحفاظ على وحدة مجتمعنا وتماسكه، أو أن نثور عليه لنتسبب في فوضى عارمة لا تفضي إلا إلى الحروب الأهلية والاقتتال والانقسامات، مع غياب الأمن وانهيار الاقتصاد.

هؤلاء أحياناً يميلون إلى المبالغة في تشويه الفهم، ويزعمون أن الإنسان العربي بطبعه غير مؤهل للديمقراطية وأنه لا يمكن أن يصبح كذلك. بل يربطون هذا البعد المستمر عن الديمقراطية، بمبادئها وقيمها المتنوعة، بما يشبه خللاً في جيناته، ويشددون على أن العرب ينحدرون من بيئة مشبعة بالاستبداد منذ العصور القديمة، ما يعرف بـ"الاستبداد الشرقي".

 

لا شك أن إرادة الشعب الحرة هي الأساس لأي نظام ديمقراطي. لكن السؤال يبقى: هل يمكن أن يؤدي تعبير الشعب عن إرادته الحرة من خلال انتخابات نزيهة إلى ظهور نظام حكم يتناقض مع مبادئ الديمقراطية؟ أو هل يمكن أن ينتج عن ذلك بناء دولة لا تنتمي إلى مفهوم الدولة المدنية الديمقراطية؟ في مجتمعاتنا العربية (الإسلامية)، قد تؤدي الانتخابات الحرة إلى وصول حزب ديني إسلامي للسلطة، مما يتيح له السيطرة على مؤسسات الدولة ويؤدي إلى "أسلمة" الحياة الاجتماعية. فهل يمكن لأي ديمقراطي أن ينكر أن غالبية الناس هنا يؤمنون بأن الإسلام هو الحل لجميع مشاكلنا؟

 

حتى الإخفاقات التي شهدتها تجارب إسلامية متعددة في الحكم يتم تفسيرها شعبياً على أنها دليل على أن "الإسلام هو الحل"، وأن الفشل ليس في الإسلام نفسه، بل في "التطبيق الفاشل" له، وأن المشكلة تكمن في أن الشخص المسؤول لم يفهم أو يتبع "الإسلام الحقيقي". هذا "الإسلام الحقيقي" يشبه، من وجهة نظرهم، "جوهر الشيء" كما يراه الفيلسوف كانط، وهو شيء لا يمكن إدراكه بالكامل.

 

لا أعتقد أن هذه "الإشكالية" يمكن حلها ببساطة من خلال إلقاء اللوم على الشعب باعتباره "جاهلاً" أو "مضللاً". إذ إن "الشرعية" في الحكم تختلف تمامًا عن "الشرعية" في العلوم الطبيعية، لأنها تأتي من الشعب بما يحمل من وعي وثقافة، وهذا يتجلى في سلوك الحكام الذين هم بمثابة انعكاس لحالة شعوبهم. كما أن هناك قاعدة شهيرة تقول: "كما تكونون يولى عليكم"، فلا توجد حكومة لا تشبه شعبها، حتى وإن حاولت الابتعاد عنه.

 

ومن وجهة نظري، يمكن تفسير هذه "الإشكالية" من خلال القول بأن النظام الديمقراطي يجب أن ينبثق من الإرادة الحرة للشعب، لكن ليس كل ما ينبثق عن هذه الإرادة يضمن قيام نظام ديمقراطي. يجب أن نفهم هذا الأمر بعمق، لأن هذا يساعدنا على تفسير ظواهر عديدة ظهرت في ثورات الربيع العربي التي ما زالت مستمرة.

 

لمن يعتنقون الديمقراطية الغربية، بما فيها "العلمانية" ومنهم أنا، أقول: لا يمكن فرض هذه القيم بالقوة على مجتمعاتنا دون الإضرار بمفهوم الديمقراطية نفسه وتقويضه. فما الذي يتبقى من الديمقراطية إذا أجبرنا الناس على تبني قيمها بالقوة؟ نعم، نحن مع الدولة المدنية الديمقراطية، وتحقيق هذا الحلم في سياق الربيع العربي، لكن هل يمكن أن تنشأ هذه الدولة في مجتمع لم يختبر بعد الحياة الديمقراطية إلا بشكل سطحي؟ هل يمكن أن تزدهر الديمقراطية في مجتمع يفتقر، أو يكاد يفتقر، إلى "الديمقراطيين" وأن عدد الديموقراطيين لا يتعدى عدد مبادءها ؟

 

لكن لا ينبغي أن نفهم من هذا أن أحد الجانبين منفصل عن الآخر، بل إن "المجتمع المدني الديمقراطي" هو الذي يفضي إلى "الدولة المدنية الديمقراطية"، والعكس صحيح. الهدف الآن هو تحرير هذا التفاعل بين الجانبين عبر إسقاط الأنظمة الدكتاتورية، وتمكين الشعوب من اختبار أفكارها وأوهامها. فأفضل طريقة للتخلص من الأوهام هي أن يختبرها الشخص بنفسه.

 

لا شك أننا بحاجة إلى فترة انتقالية طويلة للوصول إلى "المجتمع المدني الديمقراطي" و"الدولة المدنية الديمقراطية"، لكننا لن نتمكن من تحقيق ذلك دون إتمام المهمة الكبرى الآن، وهي إسقاط الأنظمة الدكتاتورية. فليس هناك ما هو أسوأ من أن تظل هذه الأنظمة موجودة!

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.