اخر الاخبار:
"صيادو العبيد" في قبضة شرطة أربيل - السبت, 15 شباط/فبراير 2025 19:05
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

تعليق على كتاب بكائيات غزة للدكتورة ميسون حنا// رائد محمد الحواري

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

رائد محمد الحواري

 

تعليق على كتاب بكائيات غزة للدكتورة ميسون حنا

رائد محمد الحواري

الأديب الفلسطيني

 

 عندما يكون الأديب/ة متماهيا مع واقعه، مع شعبه، فهذه إشارة إلى صحة وسلامة الأدب الذي يجب أن يكون ـ خاصة وقت الحرب ـ مرآة لمعاناة الشعب/الأمة التي ينتمي إليها الكاتب/ة،  في الحالة الفلسطينية نجد العديد من الكتاب والأدباء تماهوا مع واقعهم كفلسطينيين وكتبوا أدبا عن واقعهم، من هنا نجد الأحداث والوقائع وحروب حاضرة في الأدب، ما كنا لنعرفها  دون وجودها كنصوص أدبية.

 

في الأدب من الضروري وجود توازن بين قيمة المعرفة/المضمون، وبين جمالية التقديم الأدبي، بمعنى أن الأدب ليس نقل الواقع، بل هو تقديم الواقع بصورة/بشكل أدبي، بحيث تصل الفكرة/الحدث للقارئ لكن بأقل الأضرار النفسية.

 

وهذا الأمر يحتاج إلى قدرات استثنائية عند الأديب/ة لتمرر موضوع قاس/مؤلم بأدوات أدبية ناعمة، في "بكائيات غزة" استطاعت "ميسون حنا" أن تجمع بين قيمة المضمون وبين جمالية التقديم، إن كان من خلال شكل تقديم الكتاب الذي وزع على مقاطع قصيرة، تتراوح بين ثلاثة أسطر إلى صفحتين، وهذا انعكس على حجم الكتاب الذي لم يتجاوز الثمانين صفحة، فالكاتبة تعي أنها تقدم مادة قاسية وصعبة، فارتأت في قصر النصوص عامل مخفف لقسوة الأحداث/المواضيع التي تناولتها.

 

ولم يقتصر الأمر على الشكل بل تعداه إلى طريقة تقديم النصوص، فمنها من جاء بصيغة أنا السارد/المتكلم، ومنها ما جاء بصيغة السارد الخارجي/العليم، وهذا التنوع في القص/السرد أعطى المتلقي (استراحة) من الاستماع إلى (شخص واحد) مهيمن على النصوص، وجعله يشعر أن هناك أكثر من متحدث وأكثر من صوت.

 

واللافت في "بكائيات غزة" لغة الأنثى التي نجدها من خلال الأم، في "عطش" نجد نموذجا لطبيعة الأم وكيف تتعامل مع واقعها وأبنائها وقت الحرب: "ذهبت وبيدي سطل فارغ، أملا في الحصول على قليل من الماء، حصلت عليه بصعوبة، عدت أسابق خطواتي، وتركت أبنائي يمزقهم العطش... وصلت أخيرا... ولكن لا وجود لمنزلي... كان منزلا والآن أراه حطاما...نظرت إلى أشلاء أبنائي بذهول... بكيت، صرخت، لطمت، أخيرا أيقنت أن لا راد لقضاء الله، فقط أتحسر على موتهم عطاشى...جمعت بعض أشلائهم التي وجدتها...وسكبت الماء فوقهم لعلهم يرتوون" ص13، بداية نجد قصر المقاطع التي تكون النص، وهذا يخدم سرعة الأحداث واختزالها، ففي الحرب لا وقت للشرح والتفسير، فالوقت ضيق ولا يتيح المجال للإسهاب في الحديث.

 

ونلاحظ الصدمة التي أصابت الأم عندما وجدت منزلها حطام، وأبنائها أشلاء، لكنها كأم تصر على إتمام مهمتها، إسقاء الأبناء بعد تناثر أجسادهم، وهنا يستوقفنا هذا للفعل، هل فعلا كانت "الأم" قد "أيقنت أن لا راد لقضاء الله"؟ أم أنها فقدت صوابها ـ تسكب الماء على أشلاء ـ وتريد  إرواء عطشهم!؟

 

أجزم أن خاتمة المشهد كافية لتجعل المتلقي يندهش لقسوة الحدث، ولبراعة الكاتبة في تقديمه، وهذا ما يميز الكاتبة، تقديم القسوة بطريقة وأسلوب مثير ومدهش.

 

وفي مقطع "أحلام العيد" تتحدث عن دورها كأم/ كربة منزل، وكيف تسعد/ تفرح عندما تعد الطعام لأسرتها لأطفالها: "المرأة: موقد غاز يعيدني سيدة البيت بجدارة... أحضر طعاما شهيا، لكن أين هو البيت؟ وأين الطعام؟ إنه حلم يراودني لاستيقظ على كسرة خبز يابس، أبلله بالماء لأطعم أطفالي النحالى...آه على رغيف خبز ساخن... ساخن..." ص38، لا يمكن لأي رجل/ذكر أن يتحدث بهذه الروح عن مسألة تأمين وإعداد الطعام، فهو متعلق بالمرأة/ بالأم فقط، التي تحرص على العناية بأطفالها وتأمين ألذ وأجود الطعام لهم.

 

اللافت في هذه المقطع بساطة اللغة المستخدمة فيه، فهو يشير إلى لغة الأم البسيطة/السهلة، من هنا نجد ألفاظ المقطع متعلق بالمطبخ وما تحتاجه الأم لإعداد الطعام، وما تحسرها على الرغيف الساخن إلا إشارة لعدم قدرتها على القيام بدورها، من هنا بدت (عاجزة) متألمة على حالها وحال أطفالها.

 

العدوان على غزة لم يترك صغيرا أو كبيرا إلا وناله التوحش الصهيوني، في مقطع "براءة" تحدثنا الأديبة عن واقع الأطفال: "قذيفة مزقت أباه أشلاء، أما هو بتر طرفيه السفليين إثر إصابتهما... استفاق من غيبوبته، اراد النهوض، نظر إلى مكان الضماد بذهول، ابتسم الطبيب ليسهل عليه تقبل الأمر... تساءل: متى ستنبت قدمي يا عمو؟!" ص18، نلاحظ التكثيف والاختزال في المقطع، ونجد غياب القاتل/المجرم كليا من النص، وكأن الساردة لا تريده أن يلوث نصها ويبتره كما بتر ساقي الطفل، فجعلته مركز الحدث ليشير إلى جريمة المحتل.

 

 واللافت في هذا المقطع  خلوه من وجود الأم والأب، بمعنى أن الطفل فقد والديه وأسرته، وما (تغيب) صوت الطبيب إلا إشارة لعدم قدرته على الكلام/الحديث، لهذا جاءت ابتسامته كبديل عن تعاطفه وتأثره بحالة الطفل.

وما السؤال الذي جاء في خاتمة المقطع إلا تأكيدا لبراءة الطفل، وإشارة لجريمة الاحتلال.

 

وعن الجوع وصعوبة تأمين الطعام جاء في "وداع": "عانق والدته، طبع قبلة على جبينها... أذهب يا ولدي في رعاية الرحمن...لم يسافر... ببساطة ذهب لإحضار طعام لأسرته، ومن يدري، قد لا يعود..." ص19، يتميز  في هذا المقطع في وجود اكثر من سارد، السارد الخارجي والأم، وإذا علمنا حجم المساحة بين الوداع بدواعي السفر، والوداع لجلب الطعام، نصاب بالدهشة، بالصدمة، فهل يمكن أن يكون جلب الطعام يتحمل فكرة الوداع!؟ وبهذا تكون الساردة قدمت صورة حقيقية بقالب أدبي عن معاناة أهلنا في غزة.     

الكتاب صدر عام 2024، عمان، الأردن.

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.