اخر الاخبار:
"صيادو العبيد" في قبضة شرطة أربيل - السبت, 15 شباط/فبراير 2025 19:05
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

لحفيدتي الغالية جود، يحفظها الله// د. سمير محمد ايوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد ايوب

 

عرض صفحة الكاتب 

لحفيدتي الغالية جود، يحفظها الله

الدكتور سمير محمد ايوب

 

الانتقال من مرحلة لأخرى، ليس كالانتقال من عام الى آخر!

يتجاوز الشغف بالحياة لدى كثيرين، وتقديس تبعاتها، حدود المعقول أحيانا، حتى أنهم يتوهمون الحياة كافية وحدها، لإشباع ما يتمنون وما به يحلمون. من دلائل هذا الشغف، التباهي بصغائر الإنجازات وكِبارِها، بل وحتى الذُّرى التي لم يبلغوها بعد. 

أقول هذا، وأنتِ الآن عند نقطة البداية في مرحلة عمرية جديدة، المسؤولية فيها    على عاتقك أنتِ. وما القدر، الحظ، المصادفة إلا عابرون، والله وحدَه هو المُوفِّق.   فليس أسهل على الفاشلين اللّعّانين، من تحميل المسؤولية عن قصورهم بالقول: أردنا فعاندتنا الأيام، قررنا فخذلتنا الظروف، رغبنا فجاء الزمان بغير ما نشتهي.

وربما لهذا أيضا، يستبشر بعض الناس، بإطلالة المراحل العمرية الجديدة في حياتهم. يفترضونها موعدا مع الحياة، للتجدد والخروج مما كانوا فيه، وفرصة لتحقيق الأماني المكبوتة، التي قصروا في العمل على إنجازها. وكأن العمر الجديد، هو الحل السحري لمشكلاتهم الذاتية.

وهنا، قد يندفع واحد إلى طرح أسئلة وجودية من نوع: من يصنع الآخر، هل يصنع الإنسان قدره أم أن القدر هو من يصنع الإنسان؟ والى أي حد يستطيع الإنسان التحكم بظروفه، ومن ثم صياغة حياته على الوجه الذي يريد؟!

عموما تشكل الأقدار ذريعة جاهزة لمن يريد أن يهرب من المسؤولية عما يقع له. من المألوف عند من عقولهم في اجازة مفتوحة، الدمج بين الزمن والقدر والحظ والمصادفة وإرادة الله جل جلاله، وأنهم مجبرون على تقبل النتائج خوفا من الاتهام في ايمانهم. 

تأملي يا ابنتي ناجحين حولك، وسترين منهم من صنع مصيره وفق خطط مدروسة، تحكمت بصُوَر مستقبله، وبالطرق التي أدت إليه. ففي عوالم النجاح الحق، يتضاءل دور المصادفات القدرية، ويشحب دور الحظ، ويتعلق كل شيء تقريباً بالإرادة وما تدفعه من عرق الجبين، وبالمحاسبة على التقصير، بعيدا عن محاباة الكسل أو الاوهام.

المؤمنون يحفظون لربهم جلاله، فلا يجعلونه مسؤولاً عن أخطائهم، ولا يحمّلونه جريرة انهزامهم أو ضعفهم أو إهمالهم. أما الفاشلون فهم من يتهمون الله بانه مسؤول عن فشل خططهم في الانتصار، والرداءة في نتائجهم. فلا تتخذي من الله عذرا او ذريعة لاخلاء طرفك من المسؤولية، فالله سبحانه أجَلُّ مِن أنْ يكون موظفا لدى أحد.

إنك اليوم في نقطة بداية جديدة، كثير من الناس غيرك، على استعداد لأن يشتروها بنصف أعمارهم. فبداية الشباب فرصة شرعية لمراجعة ما كان، في ما انقضى من اعمارهم، والتحرر من اثقالها، وإطلاق التمنيات حول ما ينبغي أن يكون، ومباشرة ما يكفي من العمل لإنجازها.

في ظني يا ابنتي، ان كلا منا في هذه البداية، يخوض حياته غُرّاً بلا تجربة مسبقة، لا سلاح عنده إلا البراءة، وعلى كل منا ان يُقْبل على رحلته، إما مستعدًّا لألامها ومباهجها، أو غير مستعد. وأزعم أن براءتي هذه استمرت بعض الوقت، وإن بدأت حينها بوضع قدمي على أول الدرب الذي لم اكن ادريه، طويلا هو ام يطول!

كلما سُئلت عن بداياتي الحمقاء، يحلوا لي القول بدقة: بأني دخلتها غِرَّاً من بابها الخلفي. كنت محتالا سابقت عمري وعدادات السنين. ولكني كنت متحليا بنزاهة عجيبة، والتزام اعجب. دخلت مضامير الحياة من كل باب اتيح لي.

 يعود أول عهدي بالحياة إلى تلك السنوات، التي قضيتها أتسلى بقراءة الحياة التي لم يختَرْها لي أحد، لا الأُسْرة ولا أساتذتي ولا بيئتي الصغرى، ولا أدري ما الذي    دفعني إلى تلك الخيارات، التي ظل معظمها بلا ترجمة.

في مرحلةِ الكثيرِ من الشباب، تتراجع مكانة الطفولة، وتتغيَّرَ الملامح لا المعالم،    تتتداخل الحدود وتتغير الرايات كما يغير احدنا قميصه. وقد انتهيتِ هذا اليوم من   العيش في اطر الطفولة، وعناوينها وعباءاتها ومراياها. وبعد تغيُّراتٍ وتحولاتٍ   كثيرةٍ باتت تؤثِّر في مسارات حياتك، سأهمسُ شيئا في عقلِك ولقلبِك الذين معا    بوسعهما فهم أشياء كثيرة.

إياك وتهجين المفاهيم الحياتية لتصبح مستساغة في عقلك. فلن يساعدك هذا التهجين في النهاية على الفهم، وهو الغاية الأساسية في الحياة الراشدة. مع أننا أحيانًا نستطيع بلوغ ذاك الفهم، باستخدام ما توفّر لدينا من ملَكاتِ النفس النقدية المختلفة.

الحياة يا ابنتي ليست مجرد أحلام، بل عملٌ غنيٌّ بالمصاعب. لتَنجَحي إفتحي نوافذَ دائمة على قدُراتِك، إبقي مرتبطة بثقافة مجتمعك، النضج سعي وراء الحقيقة ومواجهة الصعاب بشجاعة. من خلال النضج والتغيرات التي تعتريك  اكتشفي ما حولك من عوالم لا نهائية، الثابت الوحيد فيها هو التغيُّر، الذي هو جوهر الوجود، واشارة ضرورية لتعديل المساراتِ وطُرُقٍ وأبوابٍ جديدة، والمضي قدما عبرها.

وأنت تعبرين في الزمان، ستعيشين تجارب متباينة الآفاق، لتتعرفي على معنى     الحياة فيها، إمتلكي القدرة على التحولات، واستدعاء سِحْرَ ملَكاتِك ، والقبض على مهاراتك. وللوصول إلى أحلامك، إسترجعي طفولتك وتجاوزيها. فأفظع ما في     الطفولة أنها أنه لا تُفْهَم، فيها يتصارع الرحمن مع أبالسة الشيطان، وفي قلب        الإنسان تدور رحى هذا الصراع.

اخلقي الجمال في كل شيء حولك وفيك، من الفوضى الخلاقة المبعثرة في أبسط التفاصيل هنا وهناك، ما يقع منها تحت البصر، وما وقر منها في السمع أو في القلب. كأنك وحدك في هذه الدنيا، او كأنك صنعتِ الدنيا على مزاجك، وأنت تنصتين بأيٍّ من حواسِّك، لا تهتمي بتصفيق الآخرين.

إليك شيئا من أسراري يا ابنتي الغالية، شيءٌ في غاية البساطة، أنا لا ابصر عميقا إلا بالقلب. فالعيون وحدها لا تبصر الجوهري حولنا وفينا. فلا تقبلي سيطرة العقل حين يجب استفتاء القلب.

كل عام وأنت بخير والى كل احلامك اقرب يا رب. هذا هو اجمل ما املكه لك من التمني، أما العمل، فعليك وحدك بالقطع، أعانك الله، ورزقك التوفيق والسعادة في  كل دروب حياتك. انه سميع كريم

جدك سمير محمد ايوب

الاردن - 29 /1 /2025

 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.