اخر الاخبار:
"صيادو العبيد" في قبضة شرطة أربيل - السبت, 15 شباط/فبراير 2025 19:05
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

يوميات حسين الاعظمي (1287)- مانشيت/ 3 المقامات العراقية إنموذجا عربياً

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسين الاعظمي

 

عرض صفحة الكاتب 

يوميات حسين الاعظمي (1287)

مانشيت/ 3 المقامات العراقية إنموذجا عربياً

 

حلقات مقتطعة من كتابي (افكار غناسيقية). بعض المانشيتات الداخلية من الفصل السابع والبحث المقدم الى مؤتمر الموسيقى العربية الدولي السادس والعشرين في دار الأوبرا المصرية، الموافق تشرين الثاني 2017 م.

البحث (أصل المصطلحات الأعجمية في الموسيقى العربية، المقامات العربية إنموذجاً).

***

مانشيت / 3   المقامات العراقية إنموذجا عربياً

إن الفترة الوسيطة(الفترة المظلمة) (هامش1)  بقرونها السبعة، من(عام 1258 تاريخ سقوط العباسيين) حتى نهاية الوجود الإنكليزي في العراق(عام 1958) هي الفترة التي كانت فيها التأثيرات الغنائية المقامية الموسيقية، مباشرة ومؤثرة بصورة تبدو مهيمنة على العراق والوطن العربي.

إن الممارسات الغنائية المقامية التي لها صلة مباشرة بالمقامات الموسيقية العراقية عموماً، نجدها موجودة ومنتشرة بصورة متقاربة ومتشابهة في بيئة جغرافية واسعة الأطراف ابتداءً من العراق ومعظم غرب وأواسط آسيا، تركيا، وإيران، (نصف دول الاتحاد السوفيتي السابق تقريباً) والهند، الباكستان، أفغانستان، الصين، وغيرها من الدول المجاورة لبعضها فكلها متفقة أو متشابهة مـن حيث الأساس الأدائي الغنائي للمقامات، فالعراق يتميز بعمق تاريخي عربي إسلامي، وبتأثيرات غرب أسيوية.

إن انتقال هذه التأثيرات عن طريق الأقوام التي حكمت العراق في بغداد، وبقائها لفترة طويلة جداً من (1258 حتى 1958م) أي سبعة قرون ميلادية بالكمال والتمام، بما فيها سنوات الحكم الاستعماري الإنكليزي(1917– 1958م) يعني أن الممارسات الأدائية المقامية تكون قد ترعرعت في بيئة مدنية، وهذا ما يؤكده بعض المؤرخين، وما يؤكده الواقع المعيش أيضا. وبما أن هذه الاداءات المقامية التي اصطلح على تسميتها بـ المقام العراقي في مدينة بغداد، والمدينة هي البيئة الوحيدة التي تتسم بالمضمون الحركي وعدم الثبات، وهذا يعني أن الأداء المقامي الغنائي في بغداد قد تقنن وتهذب وتبلور وتطور أكثر من أي مكان أخر من كل غرب وأواسط آسيا، لأن هذه الاداءات المقامية تعيش في مدينة بل عاصمة وهي بغداد، وأن الاداءات المقامية في الغرب الأسيوي تنشأ وتترعرع في امكنه جبلية في الأعم الأغلب، والسبب العلمي الاجتماعي يدعم هذا القول إذ نرى الأمر واضحاً.

بغداد مدينة وعاصمة تتسم بديناميكية الحياة، في حين أن غالبية الاداءات المقامية الموسيقية في بلدان الغرب الأسيوي اتسمت بثبات أصولها التقليدية..! وعليه نرى أن هذه الاداءات المقامية في العراق(المقام العراقي) بأداءاتها وأصولها، بشكلها ومضمونها، التي وصلت إلى ذروة كلاسيكيتها مطلع القرن العشرين، قد أضيف لها الشيء الكثير. سمات تقنية امتازت بالوعي الفكري والإبداعي والتجديدي، فهناك مقامات مقيدة الأصول الأدائية تكونت من تراكم التجارب الأدائية طيلة القرون الماضية، وهناك مقامات حرة تتيح فرصة للمغني أن يبدع ويظهر إمكانيته فيها، وهناك مقامات رئيسة كبيرة وهي نفسها السلالم الرئيسة المعروفة في الوطن العربي والشـرق، تمتاز بالتنوع السُلّمي. ومقامات أخرى صغيرة متفرعة من المقامات الرئيسة الكبيرة. ولعل أكثر الملاحظات أهمية هي المساحة الصوتية الموجودة في عدد من المقامات التي تتسع لأكثر من أوكتافين يؤديها المغني الحاذق الذي يمتلك صوتاً قادراً على أدائها. مساحات صوتية لمسارات لحنية مقامية مقننة في مسارات لحنية معينة، وليست قرارات أو صيحات في مسارات لحنية موسيقية وغنائية كيفما اتفق، أي أنها ليست ارتجالاً بالمعنى الحرفي للكلمة.

وهكذا اتسم غناء وموسيقى المقام العراقي بأدائه في بغداد بتطورات جمالية وتأملات رومانسية املتها عليه التجربة المدنية وثقافتها العصـرية، تختلف بطبيعة الحال عن تلك التأملات الموجودة خارج حدود المدنية.

إن تقنين غناءنا وموسيقانا على مدى تاريخ العراق ليصبح شكلاً ومضموناً عراقياً وفي فترة كالفترة المظلمة، يعني من جانب أخر التمسك بالهوية التعبيرية والمضمون الأدائي الخصوصي لغناء وموسيقى العراقيين ومحاولة عدم انصهار كيانهم بكيان الأقوام الغريبة الحاكمة. ولكن ما أن حل الغزو المغولي لبغداد منتصف القرن السابع الهجري حتى تم إدماج أساليب أدائية تعبيرية غنائية وموسيقية شديدة الانفعالات جاءت بها الأقوام الغازية، بأساليب الاداءات الغناسيقية العراقية العباسية وقد حصل الاندماج ونتج عن ذلك أداء وصف بالأداء المقامي، فأخذ يتبلور رويداً رويدا حتى أصبح شكله يتوضح بمرور الزمن ليصبح له شكلاً ومضموناً محددين، خلاصة لتجربة التأثر والتأثير المتبادل بين الأقوام الغازية من جهة، والعراقيين أصحاب الأرض من جهة أخرى  التي ظهرت في هذا العصر اكثر من أي زمن مضى، ربما تمييزاً عن مقامات أخرى خارج هذه الحدود الإقليمية كما مر بنا(هامش2).

هكذا أصبح لغنائنا وموسيقانا قالباً وشكلاً واضحاً، تطور في تقنيته بمرور السنين والأجيال لتتسع دائرة تعدد المقامات رئيسة وفرعية مقيدة وغير مقيدة، كبيرة وصغيرة، حتى امتلك هذا الفورم(المقام العراقي) زمام أمره، فتبلورت السلالم الموسيقية حتى ازدادت المقامات عدداً في غناء السلالم والأنغام المستعملة فيها.

 

والى حلقة اخرى ان شاء الله.

 

هوامش

1-   الفترة المظلمة: وهي فترة استمرت لسبعة قرون بالتمام والكمال من سقوط العباسيين (عام 1258 الى 1958م).

2-   انظر كتاب الباحث، الطريقة الزيدانية في المقام العراقي واتباعها، الصادر في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط أولى 2013، ص 76 و77 و78

 

 

صورة واحدة / حسين الاعظمي يتجول في مدينة اوترخت الهولندية في آذار 2012.

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.