مقالات وآراء
البعد اللاهوتي لصوما دباعوثـا دننوايـه// يعكوب ابونا
- تم إنشاءه بتاريخ الأربعاء, 12 شباط/فبراير 2025 20:07
- كتب بواسطة: يعكوب ابونا
- الزيارات: 610
يعكوب ابونا
البعد اللاهوتي لصوما دباعوثـا دننوايـه..
يعكوب ابونا
نعيش هذه الايام تقليدا كنسيا شرقيا متوارثا عبر التاريخ وهو صوم باعوثا دننوايه التي تعني في الارامية الطِلبة أو التضرع أو الاستغاثة. أتخذت كنيسة المشرق بعده الروحي من سفر النبي يونان /العهد القديم، وهذه المناسبة لم تكن حصراً على ابناء الرافدين، بل اخذته الكنائس الارثوذكسية والقبطية اذ تصوم ثلاثة ايام ويطلقون عليه (فصح يونان) وهو مصطلح فريد لايستخدمونه الا لعيد الفحص (القيامة)،، والفصح كلمة عبرانية معناها العبور سفر الخروح 13 : 12 و23 " ..
في الكتاب المقدس العهد القديم ورد اسم نينوى المدينة العظيمة، كما هي معروفه بالواقع، وفق علم الاثار وعلم الاركيولوجيا، يونان هو، أحد أنبياء العهد القديم، (وهو من انبياء الاثنى عشر الصغار). اسم يونان من أصل عبري، ويعني حمامة. وهو ابن أمتاي من سبط زبولون وتحدّر من مدينة جت حافر في الجليل وهي تبعد مسافة ساعة سيراً على الأقدام عن الناصرة، فهو جليلي كما كان المسيح من الجليل.
كلف الله يونان بمامورية الذهاب الى نينوى، قال الرب قم اذهب الى نينوى المدينة العظيمة وناد عليها لانه قد صعد شرهم امامي".. وبانها بعد اربعين يوما تنقلب، ان لم يتوبوا ويرجعوا الى الله. بحساب تواريخ ملوك الامبراطورية الاشورية، يمكنة ان تقترب زمن هذه الدعوه، وحسب الازمنه الاعتبارية في الكتاب المقدس تكون قد وقعت في الفترة التي حكم بها: (اداد نيراري الثالث 783 ق.م) و( شلمنصر الرابع 773 ق.م) وفترة (اشور دان الثالث 745 ق.م)...
لان هذه الفترة تغطي فترة ظهور (يونان نبيا وهي فترة حكم الملك "يربعام الثاني"- ملك اسرائيل للفترة (753 – 793 ق م)....
ولكن الا تلاحظ معي كم كانت نينوى عزيزة بعين الرب ليدعوها للخلاص،؟؟ في الوقت الذي يونان نبي الله رفض ولم يستجب لامر الله، فبدل ان يتوجه شرقا الى نينوى هرب غربا الى ترشيش فنزل الى يافا وصعد سفينه ذاهبة الى هناك فدفع اجرتها ونزل الى جوف السفينة ونام نوما عميقا..
هنا نشهد الانحدار الروحي ليونان عندما بدأ بالنزول من اعالى الناصرة الى قعر السفينه، ولكن الله لم يترك يونان ان يتماى للخطية، لان الله كان له ابعاد ومقاصد، في اختيار يونان اليهودي، كانت رسالة لليهود بان الخلاص ليس حصرا بكم فقط بل هو متاح لكل الامم، يناله كل من يؤمن بالرب، ومن جهة اخر كان تبليغ لليهود وتنبية لليهود بانكم لستم انتم فقط الشعب الوحيد الذي يهمني امره بل هناك اخرون من حظيره اخره يهمني امرهم، ..
وثانيا- فرسالة يونان كانت رمز المسيحية بدخول الأمم اخرى للخلاص..
ثالثا- كان إرسالية دعوى الله للأمم غير اليهودية للتوبة والايمان بالرب..
رابعا – ليظهر حب الله بانه إلهم الجميع يهوداً كانوا ام أمم لا فرق بينهم، لان الله "يريد أن الجميع يخلصون، وإلى معرفة الحق يقبلون" (1 تي 2: 4)....
ومن ناحية اخرى كانت رسالة قصاص لليهود لانهم في تلك الفترة كانوا اليهود يقاومون الأنبياء ويضطهدونهم؟؟ عكس أهل نينوى قبلوا كرازة يونان وامنوا برسالته بكل رحابة صدر وايمان حقيقي بالله، رغم معرفتهم بان هذا النبي هو يهودي... واليهود كانوا يكرهون الاشوريون ويريدون الانتقام منهم، ولكن الاشوريون لم يشكوا بنوايا يونان ولم يرفضوه بل قبلوه، رغم ان تصرفات يونان كانت يشوبها اللغط وعدم الايمان الحقيقي بالله، لذلك نجده يتصرف بشكل غير مبالي، لا بل تمرد على امر الله وهرب من تنفيذه.؟
اسباب هروب يونان من الارسالية التي كلفه بها الله؟ نجد في سفر يونان الاصحاح (2:4) بانه:
1- أنه عرف أن الله في رحمته سيقبل توبتهم ان تابوا.
2- كان يونان يتمنى هلاك أشور لأنها ألد أعداء إسرائيل، وليس الصفح عنهم،
3- لذلك خرج بعد أن وجه أنذاره لنينوى وصنع له مظلة أمام المدينة منتظراً خرابها..
يونان بعقلية البشر اعتقد بان عدم تنفيذ المامورية فان الله سينزل عقابه بنينوى؟؟ هذا هو عقل الانسان الضيق والفكر المحدود وان كان حتى نبيا، لذا لايمكن ان يدرك مقاصد الله.. لان الله عندما يمنح موهبة النبوه لشخص ما، لا ياخذ منه انسانيته، "بمعنى تبقى انسانيته عامله في شخصة وجسده وفكره وقلبه، لذلك كلما زاد عمل الروح القدس في حياة الانسان كلما قل توجهه الانساني والعكس صحيح... قال بولس الرسول "في رومية 11 : 11 -12 بل بزلتهم (اليهود) صار الخلاص للأمم لاغارتهم"..
بقى يونان ثلاثة أيام في جوف الحوت: و"أمر الرب الحوت فقذف يونان إلى البر". نلاحظ ان كلمة الحوت وردت في انجيل متي 12 : 40 فالكلمة يونانية المترجمه حوتا تعني "سمكة كبيرة" من نوع "العنبـر"
لنفكر قليلا ونسائل هل هناك ما يعيق عمل الرب؟؟؟ لكي ينقذ يونان من الموت سواء في البحر أو في جوف الحوت. طبعا لا..؟؟ يقول الرسول بولس برسالته الى اهل رومية 8 : 28 "ونحن نعلم ان كل الاشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله" ..
هنا نجد يونان يعود لله بالصلاة. فتسبيح يونان يكشف عن انتصار المسيح على الجحيم والموت وعمله الكفاري على الصليب، الذي يرفعنا به الى السماويات.
كما نلاحظ ان الله يهتم بمدينة نينوى يسميها عظيمة "ولا يسميها عاصمة" يمكن ان لا تكون بتلك الفترة عاصمة؟.، كانت مسيرة ثلاثة أيام، يعطيها الله فرصة 40 يوماً فإن تابوا نجوا أنفسهم وأن رفضوا إنقلبت عليهم المدينة.، بالاشارات الكتابية المقاربه لاهوتيا، نجد ان الطوفان نزل لمدة أربعين يوماً، واليهود تاهوا في الصحراء اربعين سنه، والمسيح جربه إبليس لمدة 40 يوماً. وأن أورشليم خربت بعد المسيح بـ40 سنة. وموسى وإيليا صاما 40 يوماً.
يذهب بعض اللاهوتيين الى القول بان رقم 40 هو رقم التجربة والإمتحان وبعده ننال مجداً أو عقاباً. "من يغلب يرث الحياة الأبدية"، الأربعين يوماً تعبر عن زمنية حياتنا التي فيها إن غلبنا نرث المجد.....
أهل نينوى امنوا بالله ونادوا بصوم ولبسوا مسوحا من كبيرهم إلى صغيرهم. حتى البهائم. مع أن يونان لم يعط كلمة رجاء واحدة لهم ولم يكلمهم عن محبة الله ولاعن رحمته ولا علمهم شيئاً عن التوبة ولكن بنعمة الرب ادركوا حكمته ومقدرته على رجاء قيامته غفرة لهم خطاياهم وانعم عليهم بمحبته وعدله وسماحة لطفه.
يقول ندم الله ولكن هل فعلا الله يندم؟؟ لاهوتيا تعبير باللغة ومنطق البشر: لان الله لا يغير رأيه ويندم بل أن الإنسان هو الذي يغير سلوكه مع الله فيصير الحكم بالنسبة له مختلفاً. فعندما يعاند الإنسان يسقط تحت التأديب، وإذ يرتد عن شره ويرجع إلى الله، نجد الله دائما فاتحاً أحضانه لكل الخاطئين لانه الله يحبهم ولكن يكره الخطية التي يمارسونها 4 : 1 "الله رحم نينوى ولم يهلكها قبل ان يمنحها فرصة التوبه، ونجحت بالرجاء والصوم والصلاة التي مارسته لخلاصها، وهكذا نحن الرب يمنحنا فرصة للتقرب اليه لغفران الخطايا بالتوبه والصوم والصلاة ننالها...
يونان يغتاظ ويلوم الله لانه رؤوف ورحيم وبطئ الغضب. لانه سمح وغفره ورحم اهل نينوى، مع أنه لو كان الله غير ذلك لكان قد أهلك يونان اولا وفوراً لان رفض امره. كما ان صلاته الخاطئة يا رب خذ نفسي، لو استجاب الله لطلبه لهلك يونان وخلصت نينوى، ولكن الله لا يتركنا في ضيقات انفسنا بل يدخل معنا في حوار كما فعل مع يونان اعطاه درساً باليقطينة حتى يتصالح معه...
فرح يونان باليقطينة، ولم يفرح بمراحم الله نحو نينوى. لان بالنتيجة كل يقطينة تأكلها الدود، ولكن فرحنا بخلاصنا، لان السماء تفرح بتوبة خاطئ واحد فكيف كان فرحها بدخول ربوات من الخطاة من اهل نينوى؟
اذا يونان نبي توراتي، ولا مجال للشك بنبوته او شخصه، فكل المعطيات الكتابية التي هي منبع ايماننا المسيحي تدعونا ان نؤمن وبقناعه وجدانية ان كل ما ورد بالكتاب هو من عند الهن، لانة الشك باي سفر من اسفاره هو الشك بالكتاب المقدس كله، الكتاب المقدس مكتوب بوحي من الروح القدس، كما يقول الرسول بطرس في رساله الثانية 1: 21 لانه لم تات نبوة قط بمشيئة انسان بل تكلم اناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس". .. فيونان نبي شخصية حقيقية وليست شخصية رمزية او اعتبارية،.. بدليل ان الرب يسوع المسيح يتحدث عنه بكل تاكيد، ويذكره كشخص ونبي، واما ان كان غير ذلك، فكيف يستشهد الرب به وبقصته؟؟ فعندما طلب منه الكتبة والفريسيين اية فقال المسيح في متي 12: 39 -42». «جيل شرير وفاسق يطلب اية ولا تعطى له اية الا اية يونان النبي. لانه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة ايام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الانسان في قلب الارض ثلاثة ايام وثلاث ليال. رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل ويدينونه لانهم تابوا بمناداة يونان وهوذا اعظم من يونان ههنا".. ولم يؤمنوا ...
وثانيا– رغم وان حرفية النص صادقه ومعبره، الا انها بنفس الوقت رمزية تعبيرية، اذ يتاكيد وقوع الحدث فعلا كما عاشه يونان، وهكذا سيقع مستقبلا للسيد المسيح كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة ايام وليال هكذا يكون ابن الانسان في قلب الارض ثلاثة ايام وليال.
وثالثا السيد المسيح اعطى لاهل نينوى ميزه لم يعطيها لغيرهم عندما قال "رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل ويدينونه لانهم تابوا بمناداة يونان،
رابعا ان السيد المسيح يقارن بين اهل نينوى الذين امنوا بيونان اليهودي رغم العداء بينهم، وبين اليهود الذين هم من خاصته ولم يؤمنوا به وهو الذي كان يعيش بينهم..
فاستشهاد السيد المسيح بيونان النبي دلالة لاهوتية عميقة تعبر عن عمق المعنى في مسيرة يونان الى نينوى، وهنا يكمل لاهوت الكلمة بان مجرد ان سمعوا اهل نينوى نداء يونان التحذيري" بان بعد اربعين يوماً تنقلب نينوى", فما كان من اهل نينوى الا ان امنوا بالله ونادوا بصوم ولبسوا مسوحا من كبيرهم الى صغيرهم، وبلغ الامر ملك نينوى فقام عن كرسيه وخلع رداءه عنه وتغطى بمسح وجلس على الرماد ونودي وقيل في نينوى عن امر الملك وعظمائه قائلا لا تذق الناس ولا البهائم ولا البقر ولا الغنم شيئا لاترع وتشرب ماءً، وليتغط بمسوح الناس والبهائم ويصرخوا الى الله بشدة ويرجعوا كل واحد عن طريقه الرديئة وعن الظلم الذي في ايديهم لعل الله يعود ويندم ويرجع عن حمو غضبة فلا نهلك"..
هنا يكمل البعد الاهوت الخلاص برجوع اهل نينوى عن الخطية بالتوبه،
وثانيا بالتذرع الى الله
وثالثا الصوم
ورابعا الصلاة ،
وهذه دلائل تؤكد البناء الروحي الخلاصي تعيد العلاقة بين الانسان والله،
وفي الختام، لتكن معانات شعبنا باعثا حقيقيا لهذا الصوم يعزز بصلاة التوبه لننال المغفرة، أجدادنا عرفوا كيف يُرضوا الله بتوبتهم وبابتعادهم عن الشر، فكم نحن اليوم احوج مما كانوا هم عليه بمصالحة رب المجد؟؟
لنطلب مراحمه لانه مملوء حبا ورحمة وعدلا فهو ينبوع النعمة، لنا وللعالم الذي اليوم مملوء كل الشرور. إننا بحاجة ان نرجع السلام إلى قلوبنا والى بلداننا والى هذا العالم، وتُرجع ربّ السلام إليه لكي يُوحَّده ويُبعد عنه كل الشرور والانقسامات والحروب والدمار عن بلداننا وشعبنا.وفي العالم اجمع. وليمجد اسم الرب دائما وابدا...
يعكوب ابونا ............. 11 /2 /2025