مقالات وآراء
في امكانية وجود المثقف الحر// خديجة جعفر
- تم إنشاءه بتاريخ الأحد, 09 آذار/مارس 2025 20:10
- كتب بواسطة: خديجة جعفر
- الزيارات: 883
خديجة جعفر
في امكانية وجود المثقف الحر...
خديجة جعفر
لا شك بأن مهمة إثارة الاسئلة واعادة الطرح للعناوين المعنية بالتركيب المجتمعي فكرا وسلوكا وسمة ثقافية من الأهداف التي تميز:
"منتدى الاثنين المعرفي التنويري" في حلقاته المتتالية اسبوعيا والتي احرص على متابعتها اثيريا رغم المسافات بين بلدينا، بحيث تناولت جزئية:
"المثقف بين الحضور والغياب" كعنوان جاذب لحلقة نقاش مفتوح يطرح مفاتيحها هامات ثقافية تميزت بالتجديد واعادة الاعتبار للأسئلة وحرية النقاش والرأي والرأي الاخر في ظل المستجدات التي يشهدها المجتمع العراقي على كافة المستويات، لتتميز حلقة الاسبوع الاول من شهر آذار 2025 بكوكبة من الهامات الثقافية التتويرية: المفكر والناقد جمال جاسم امين، الناقد قاسم الشكور والدكتور أمين الجبوري، ثلاثة من الاسئلة المتنوعة، التي أغنت الطرح والحوار بكل ملفت جدي على مستوى تحديد ماهية ودور المثقف في عملية التغيير..
لقد تميز الناقد "قاسم شكور" بجراة حسم التوصيف للمجتمع العراقي موضوع حديثه، مستهلا مداخلته بالتعريفات المفهومية للمثقف والثقافة كعتبة ضرورية لتوثيق مسار حضور المثقف العراقي معتبرا ان المثقف هو من يلعب دوره في تحديث الوعي فيما الثقافة هي سيادة منتج لنموذج المثقف، مختتما حديثه بتوصيف المجتمع بانه في مرحلة ما قبل العقد الاجتماعي شارحا مستفيضا مقدما براهينه التي تدعم هذا التوصيف، الا انه لم يفتح باب الاشارة الى ان هذا التوصيف بحد ذاته منتج ثقافي سائد حتى لو لم ينسجم مع فكرة الثقافة الحرة، وانه حاضرا وبثقل لجهة الانشغال بثقافة تابعة مما يؤشر على حضور المثقف المؤدلج والتابع نمطا اساسيا، كما ويضيف ممجدا بثورة تشرين واعتبارها اهم من الثورة الفرنسية لولا كثرة الصيادين، فكيف لمجتمع دون العقد الاجتماعي ان ينتج ثورة بهذا الحجم فتكون مطلب تصفية لكل الاطراف؟ دون تشكيكي باهمية ونوعية هذه الثورة التي لا بد شكلت مفتاحا جديدا لبدء مرحلة..
فيما يذهب الد. الجبوري بمداخلته، الى تقسيم الحضور الثقافي وفق مراحل وحقبات معتبرا فترة السبعينات فسحة لسطوة الايديواوجيات المعلبة والافكار السابقة معللا بالاسباب السياسية والاجتماعية،بينما تتميز بحسب رأيه، فترة العشرينات بانها مرحلة الثورة التكنولوجية المعاكسة للايديولوجيا وتوفر عوامل الثقافة والموقف الحر نظرا لسهولة التحصيل وتعدد وتنوع المعطيات في عالم السوشل ميديا، مغفلا ربما، اعتبار هذه الوفرة المبعثرة معلوماتيا تجعلنا احرار لجهة الانتماء وليس الرأي لان الاصطفاف سابق على البحث في صفة التقليد، وقد يحدث الاصطفاف قبل الاختيار البحثي، وما نحصل من وثائق وشهادات تدعم توجهاتنا المختارة اكثر من توظيف الوفرة للاختيار لتنحصر فاعلية المثقف المتفائل والمؤثر ضمن بيئته وتابعيته فيترسخ الاصطفاف الا في حالات ضيفة ومحدودة.
بينما يذهب المفكر جمال أمين لاعدام وجود المثقف الحر، لان مجتمعاتنا مرهونة للظروف السياسية، الاقتصادية والاجتماعية وسلطة الموروث والكهنوت وظلالها من شلة المستفيدين الذين يمارسون طقوس إطالة العطب، مشددا على ان وجود المثقف الحر رهينة منظومة تفكيك فكري وعملي للمعطى السياسي والاجتماعي والثقافي بشكل مترابط دون امكانية للفصل بينها...
في الحقيقة قد لامست كل من المداخلات جزء لا يستهان به من عرض للواقع المؤلم لجهة حقيقة فاعلية وحضور المثقف الحر وأهمية وضرورة حضوره في مجتمعاتنا المتداعية والمتشابهة المسار والمصير في ظل تشابه الظروف الاقليمية والمحلية...
الا ان معظم التحليلات والمداخلات ارتكزت على المثقف وظروف انتاجه، ابتداء من مرحلة ما بعد توصيفه مثقفا.. وكأن هذا المثقف وجد فجاة شخصية جاهزة لتقدم دورها المؤثر والفاعل وتحدد حضورها بين الحر او المؤدلج، متناسين ان هذا المثقف الحالي هو حصيلة عمليات تنشئة وتعليم ومنهحبات مسبقة، فكيف يتم بناء حجر الاساس للشخصية الحرة وسط انظمة تعليم اشتغلت مطولا وعميقا على بناء شخصية تابعة، صانعة للنموذج النمطي من كافة مؤسسات التتنشئة لديها؟
وكيف يمكن لهذا البناء ان ينتهي بحرية حقيقية تستطيع حماية مشروع تحرري؟
ان شيوع مؤسسات تنشئة تقليدية بدء من العوائل الى مؤسسات التعليم وصولا الى الجامعات مضافة الى المؤسسات المجتمعية على تنوعها، مقيدة بسلسلة موروثات سياسية اجتماعية واقتصادية لا بد ان تنتج قطيع بعيد عن تميز الشخصية الحرة..
فهل نحن قادرون فعلا وفي ظل كل هذه القيود المنظمة والمنتظمة على بناء الشخصية الحرة الممهدة لظهور مثقف ببساطَةِ ان يكون حرا دون باهظ اثمان يدفعها سواء على مستوى التجربة الذاتية، او السياسية أو الاقتصادية ،ودون اقصائه ونبذه اجتماعيا قبل الخوض في أحقية آرائه وصوابيتها؟ فكيف يمكنه ان يكون فاعلا ومؤثرا؟... المثقف المنتج في مجتمعاتنا يتلقى أول سهام قتله المبرمج والممنهج من وسطه وبيئته طرديا كلما اتجهت أفكاره نحو الدقة المعرفية والتشكيك بالسائد وصوابية في عمليات الشرح والتحليل للواقع ..
يحتاج المثقف أولا منظومة تعليم حداثية بكل منهجياتها وادوات بثها، لصقل بنائه، من ثم تصنيف هذه المنظومة التربوية وتوجهاتها لتنسجم مع بناء الشخصية الحرة او العكس، حتى يمكن الحديث عن حضور المثقف الحر، ثم يتحدد لاحقا كيف يكون مثقفا فاعلا ومؤثرا، لا يسعنا التغافل عن جدلية العلاقة بين الثقافة وطبيعة المثقف، الثقافة العامة منظومة قطيعية يصعب خرقها الا فرادى، وإمكانية التغيير رهن بنباهة الأثمان التي يدفعها هؤلاء الفرادى، حينما تصبح أثمانا ممكنة ومقبولة نسبيا، يمكن لخرق السائد ان يشكل نسقا تغييريا، وان يكون الخرق جوهري عميق ومؤثر على مستوى تشكيل الوعي العام ويمكن للموقف ان يكون فاعلا حينئذ...
المثقف الحر توصيف يحتاج تحرير منظومة التعليم ومؤسسات التنشئة من تضامناتها الأولية وموروثاتها لتبدا في التأثير السياسي...
لربما بعد ذلك، يبدا الحديث عن مثقف حر او مشروع ثقاقي حر، يتبنى عملية التشكيك والتفكيك لهذه البنى وموروثاتها، فيكون كيانا ثقافيا قادرا على اداء فروض التغيير....
خديجة جعفر
8 /3 /2025