مقالات وآراء
شخابيط ذات معنى: نحن الشرقيون وكرسي السلطة// د. عامر ملوكا
- تم إنشاءه بتاريخ الأحد, 09 آذار/مارس 2025 20:20
- كتب بواسطة: د. عامر ملوكا
- الزيارات: 576
د. عامر ملوكا
شخابيط ذات معنى: نحن الشرقيون وكرسي السلطة
د. عامر ملوكا
عندما يجلس معظمنا نحن الشرقيين على كرسي السلطة، تتغير طبيعتنا نحو الأسوأ، ويصبح السعي لإطالة فترة الجلوس عليه هدفًا أساسيًا مهما كانت التكاليف. السلطة في المجتمعات الشرقية تعتبر اختبارًا حقيقيًا لطبيعة الإنسان، حيث تكشف عن نقاط ضعفه وقوته، وتختبر مبادئه وأخلاقياته. ومن المعروف أن الجالس على كرسي السلطة في هذه المجتمعات غالبًا ما يتحوّل نحو الأسوأ. هذا التغيير لا يقتصر فقط على استحواذه على النفوذ، بل يرافقه أيضًا سعي مستمر للبقاء في المنصب لأطول فترة ممكنة، مهما كان الثمن. لفهم هذه الظاهرة بعمق، لا بد من تحليل الجوانب النفسية، الثقافية، والاجتماعية التي تساهم في تشكيل هذا السلوك.
في المجتمعات الشرقية، السلطة لا تُعتبر مجرد منصب إداري أو مسؤولية وظيفية فحسب، بل هي رمز للهيمنة والقدرة على التحكم بالآخرين. التصور الثقافي للسلطة غالبًا ما يراها كامتياز وليس كمسؤولية. الجالس على الكرسي يُعامل كمالك للنفوذ، وليس كخادم للمجتمع. كما أن التقاليد الشرقية تضفي هالة تقديسية على الشخصيات الحاكمة، ما يعزز شعورهم بالعظمة ويفصلهم عن الواقع. هذا التصور الثقافي يزيد من تأثير السلطة على الشخص ويغذي تعلقه بالمنصب.
تأثير السلطة على الفرد في المجتمعات الشرقية يتخذ شكلًا نفسيًا قويًا. بمجرد أن يجلس الشخص على كرسي السلطة، يبدأ المحيطون به في إطرائه وتملقه، ما يخلق لديه شعورًا متضخمًا بالذات ويدفعه للابتعاد عن الواقع. مع مرور الوقت، يصبح المنصب جزءًا من هوية الشخص، ويخشى فقدانه لأنه قد يعني سقوطه الاجتماعي. هذه العزلة عن الشعب، التي تتزايد مع مرور الزمن، تجعل المسؤولين يحيطون أنفسهم بمستشارين يوافقونهم الرأي ويقولون لهم ما يرغبون في سماعه، ما يزيد من تعميق المسافة بينهم وبين القاعدة الشعبية.
هناك أيضًا أسباب هيكلية واجتماعية تساهم في ترسيخ هذا السلوك. في العديد من الدول الشرقية، تفتقر المؤسسات إلى القوة الكافية التي تقيّد السلطة ولا تفرض حدودًا على المسؤولين، مما يجعل السلطة فردية ومطلقة. غياب المساءلة يسمح للمسؤولين بالتصرف بدون خوف من العواقب، ما يعزز من سلطتهم ويحولها إلى وسيلة لتحقيق مصالحهم الشخصية. بالإضافة إلى ذلك، تميل الثقافة المجتمعية في كثير من الأحيان إلى تقديم الولاء للرمز أو الشخص أكثر من الولاء للمبدأ، ما يشجع المسؤولين على التمسك بالسلطة دون اعتبار للمصلحة العامة.
تحاول العديد من الشخصيات السياسية إطالة الجلوس على الكرسي وجعل التمسك بالسلطة هدفًا أساسيًا في حياتها. يتم ذلك بأي ثمن، بدءًا من تعديل القوانين وصولًا إلى التلاعب بالمؤسسات لضمان البقاء في المنصب. وأي محاولة للمطالبة بالتغيير تُقابل بالقمع أو التشويه لضمان عدم تهديد الكرسي. كما أن احتكار الموارد الاقتصادية والإعلامية يصبح وسيلة فعالة لإطالة أمد البقاء في السلطة، وتصبح المسؤولية العامة مجرد وسيلة لتحقيق الأهداف الشخصية. غالبًا ما لا يسلم الحكام الكراسي إلا بالموت أو باستخدام القوة، نادرًا ما يذهب القائد ومن يأتي بعده دون احتفاء أو تقدير للسابقين، بل في كثير من الأحيان يتم تهميشهم أو تشويه سمعتهم.
السعي المستمر للبقاء في السلطة له آثار سلبية واضحة على المجتمعات. الانتشار الواسع للفساد يصبح نتيجة حتمية، حيث تتحول السلطة إلى أداة لتحقيق المصالح الخاصة بدلًا من خدمة الناس. كما أن الانشغال المستمر بالتمسك بالسلطة يعيق تنفيذ السياسات التنموية ويحد من قدرة الدولة على المضي قدمًا. هذه الديناميكية تساهم في انتشار الإحباط بين أفراد الشعب، الذين يفقدون الثقة في النظام السياسي ويدفعهم إما إلى اللامبالاة أو التمرد.
ورغم هذه التحديات، فإن التغيير ليس مستحيلاً. يمكن تحقيق إصلاحات حقيقية تُحد من هذه الظاهرة. أولاً، من الضروري تعزيز المؤسسات الديمقراطية وبناء هياكل مؤسسية قوية تضمن تداول السلطة بشكل سلمي ومنظم. ثانيًا، يجب فرض الشفافية والمساءلة من خلال تطبيق قوانين صارمة لمحاسبة المسؤولين. ثالثًا، يمكن تغيير الثقافة المجتمعية، عبر تعليم الأفراد أهمية المصلحة العامة على الولاء الشخصي. وأخيرًا، يمكن تمكين المجتمع المدني ودعمه ليطالب بحقوقه، ويعمل على مراقبة الأداء الحكومي.
الجلوس على كرسي السلطة في المجتمعات الشرقية يُعد نقطة تحول في حياة الأفراد، ولكنه غالبًا ما يكون تحولًا نحو الأسوأ بسبب التأثيرات النفسية، الثقافية، والاجتماعية. السعي المستمر لإطالة الجلوس على هذا الكرسي يُنتج أنظمة غير فعالة تُعيق تطور المجتمعات. الحل يكمن في تعزيز الوعي المجتمعي وبناء نظم حكم أكثر عدالة ومساءلة، حيث تصبح السلطة وسيلة لخدمة الناس، لا منصة للهيمنة والامتيازات.