مقالات وآراء
ضرورات تجاوز الرؤية الغربية للحداثة (2-2)// عبد الامير الركابي
- تم إنشاءه بتاريخ الثلاثاء, 11 آذار/مارس 2025 20:29
- كتب بواسطة: عبد الامير الركابي
- الزيارات: 554
عبد الامير الركابي
ضرورات تجاوز الرؤية الغربية للحداثة (2-2)
عبد الامير الركابي
يعيش الكائن الحي عشرات ملايين السنين موضوعا لاليه اعلى منه، مقررة بلا ارادة منه ولا وعي بوجوده، محكوم وجودا وتشكلا كموضوع لفعل وتدبير البيئة/ الطبيعة التي تاخذه الى الحيوانيه مراحلا، وصولا الى اللبونات ومن ثم الى الانتصاب وحضور العقل، ضمن سيرورة مقررة مرهونه بالاليات والقوانين الكونيه، فاذا ظهر العقل بصيغته الاولية الابتدائية غير المكتمله، يبدا طور محاولة الادراك كافق قبل الفعالية الذاتيه، وبلا فعالية وجوديه واعيه، بل محاولات قاصرة تستمر مادام العقل بمراحله الاولى الخام، تحكمه اشتراطات اليدوية الانتاجية والحاجاتيه الجسدية، بانتظار الانتقال من اليدوية الى الالية، افتتاحية وعتبة العبور الى الطور العقلي مافوق الجسدي الارضوي الحاجاتي.
لايتعدى عمر العقل الظاهر اكثر من مابين خمسين، الى مائة الف عام، مقابل الجسد الموجود على مدى عشرات الاف الملايين من السنين، هذا والحاضر الجديد مازال في طور الحضانه البكورية، وان عومل من قبل حامليه على انه المنتهى والكمال جهلا، حتى وان كان الكائن البشري مازال لايستعمل من عقله في اقصى الحالات، اكثر من خمسة عشر بالمائة من طاقته وقدراته الخافيه المخباة ماتزال، من دون ان ينظرالى دلالة تعذر استعمالها الى اليوم.
كما الحال مع الجسدية ومسارها من الخلية الاولى والعضايا وصولا الى اللبونات، ومن ثم الكائن البشري مع بدايات الحضور العقلي، يخضع العقل لسلسله من المتغيرات تعقب ظهوره الاول، من خلال وفي تضاعيف التفاعلية البئية البشرية، وصولا الى (الصيد واللقاط)، ومن ثم المجتمعية الجسدية المحطة والخطوة المتقدمه الاخيرة، قبل بلوغه مرحله واسباب الحضور المتحرر من وطاة الجسدية الحاجاتية، مايقتضي ويستمر زمنا من التفاعلية تستغرق كل الطور اليدوي من التارخ التفاعلي العقل/ جسدي، ذهابا الى الانقلابية الالية، وتبدل اشتراطات العملية التفاعلية، ونوع غلبة العناصر الاكثر حضورا وفعاليه في العملية المجتمعية وما يعزز تحولها، من الغلبة الجسدية الحاجاتيه الى العقلية.
من البديهي ساعتها عندما تنبثق الاله بما تنطوي عليه من دالة ونوع فعالية على الصعيد المجتمعي، ان تغلب المتبقيات الموروثة تصورا ونظرا من الطور اليدوي، فهو بحسب آليات عمل العقل كما كان بصيغته الاولى المعروفه، ليس استباقيا بقدر ماهو استيعابيا، يظل حتى يدرك الظواهر بحاجة لان يتعرف عليها قبل ان يتمكن من استيعابها، فاذا اخذنا بالاعتبار مفعول الزمن وطول فترة الطور اليدوي وترسخه، فان ميل العقل بحالته والاشتراطات التي تكتنفه وقتها، لن يكون متجاوزا لما هو معتاده بكثير، بالاخص وان الالة بالاحرى لا تمنحه ساعة انبثاقها، ماهو بحاجة اليه لكي يواكب ويرتقي لمستوى منطواها الدالة عليه طبيعتها الفعلية التي لن تظهر في الساعة وابتداء.
فالالة ليست صيغة واحده، ولا تظهر مكتمله نوعا وممكنات فعالية من لحظة انبثاقها، بل تتدرج، من المصنعية الاقرب لليدوية، الى التكنولوجية، قبل التكنولوجيا العليا العقلية، في حين تفرض احتداميتها البدئية وما تسببه من تسارعية وحدة في التفاعليه على مستوى الاليات المجتمعية، مواكبه شامله عقلية ترتفع معها الممكنات العقلية والابتكارية، تقدما قياسا الى ماقبل، الطور الارقى مما قبله، وليس المطلوب من انتقالية مجتمعية كلية، مقارنة بما قبل، بما هي وثبة نوعية كبرى ضمن نفس الشروط نوعا، في الوقت الذي يكون المطلوب وقتها الاعتقاد الجازم بان الحاصل هو من نوع الانتقال شبيه بذلك الذي عرفته البشرية مابين "الصيد واللقاط" و "التجمع وانتاج الغذاء"، اي الى طور مجتمعي اخر مختلف كليا.
مع التكنولوجيا تنتهي العلاقة التاريخيه الانتاجية اليدوية الجسدية البيئية، ويحصل التفارق النوعي، بين وسيلة الانتاج المستجدة فوق الارضو/ جسدية، والتي تتوافق كينونه وعملا مع العقل بصيغته الاعلى من تلك المنتهية الصلاحية، هذا مع تعدد مظاهر التناقضية والميل المعتاد لحكم المملموس والمباشر الملح، الذي لايمكن الاستغناء عنه، مثل الغذاء وانتاجه، والماوى وغيره من الحاجات الموكوله لاستمرارية لجسد، وهو مايمكن تصور التمسك بمايفترض انه ملازم له من فعل مجتمعي، هذا في الوقت الذي يكون من غير البديهي ولا المتيسر، تصور الفعالية الانتاجية العقلية على هذا الصعيد، بما هي انقلابية كينونه من شانها ان تقلص الحاجاتيه، وصولا الى الغائها، الامر الذي يتطلب وقتها ادراكية من نوع مختلف لحدود وممكنات العقل العليا، بينما تكون التكنولوجيا العقلية قد صارت حاضره وفعالة في مجال تحريك الطاقة العقلية النائمه، غير المستعمله، الامر الذي سيقلب كليا كل المتعارف عليه والمنظور والممكن، بما في ذلك مسالة التحكم بالاليات الجسدية على مستوى الحاجه، كما على صعيد الديمومه الضرورية، اذ تنتفي الحاجة الى الطب الجسدي بظل تكفل العقل بديناميات الجسدية، ذهابا الى معالجة الموت الجسدي واستبداده التاريخي بالعقل، وفرضة موته هو العضوي عليه، ومثل هذه المناحي المؤشرة الى الانقلابيه في الفعالية وفي الحضور الحياتي، وفي نوع العنصر الفعال المتعدي للجسدية، وما يبدا بتسييده من انقلابيه نوعية حياتيه غير ما يتطلبه افتراضا من قواعد واستراتيجيات حيوية مناسبه.
اول واهم ما يكون قد حضر في حينه هو الانقلابيه في الدور المتعلق بالوجود ومساراته، فالانقلاب العقلي يتضمن للمرة الاولى في التاريخ الحياتي للكائن الحي والبشري، حضوره هو بعد وعية لمقتضيات ومحركات وجوده، تحوله هو الى عنصر فاعل بنوع الوعي العقلي، مع تبدل نوع الفعالية الملموسية الجسدية، ودخول عالم الفعل العقلي الذاهب الى مابعد جسدية، في غمرة البحث فوق المتخيل والمتصور الان، عن مداخل الاتصال بالكون الاخر، كون الحياة العقلية ما فوق الارضوي المعاش، باعتباره معبرا ولحظة انتقالية لازمه مابين الكون المرئي والكون الاخر اللامرئي، ما كان يتخيل على انه عالم موافق للجانب الروحي من الوجود الممكن تخيله ضمن الاشتراطات الاولى الجسدية.
تنتقل الحياة المجتمعية من الانتاجية الجسدية اليدوية الى الانتاجية العقلية، فتعرف هذه ماعرفته البدئية التبلورية الجسدية الاولى من اشكل وجهود، ومجاولات الادراكية المتاحه للوجود ولممكنات فك الغوامض والرموز الكونية الابتدائية، اساطير ومرويات وقصص خليقة عبر مئات القرون، سوف تقابلها اليوم ومن هنا فصاعدا مجهودات البدئية العقلية وافقها الكوني الانتقالي، خارج، وبعيدا عن المنظور الافتتاحي الاوربي الالي المصنعي على ضرورته كمنطلق لايخلو من فوائد تعود للجانب العلمي التطبيقي، خارج التوهمية التصورية الحداثية والنموذجيه الارضوية المنتهية الصلاحية، ومع الانتباه الى والاخذ بالاعتبار، مدى توافق المجتمعية اللاارضوية كينونة وابتداء مع الوسيلة الانتاجية المستجده، العقلية، حيث يتوقع المنطلق التفكري/ المجتمعي، والعودة على بدء، المتجاوزة للارضوية وحالة تازمها المضطرب المتعاظم من هنا فصاعدا، تمهيدا للانقلابيه العظمى.
ـ يتبع ـ ملحق / برنامج الانقلابيه الكونيه العظمى