مقالات وآراء
عشرون شهراً في عدن اليمنية- الجزء الاول// أمير أمين
- تم إنشاءه بتاريخ الثلاثاء, 11 آذار/مارس 2025 21:08
- كتب بواسطة: أمير أمين
- الزيارات: 561
أمير أمين
عشرون شهراً في عدن اليمنية- الجزء الاول
أمير أمين
كانت ليلة 15 / 16 آذار عام 1984 في دمشق باردة جداً حيث نمت بغطاء خفيف وفي غرفة باردة تعود لأحد الاصدقاء, لذلك كنت اتقلب خلال الليل في الوقت الذي كنت افكر فيه برحلة يوم الغد الى مدينة عدن اليمنية وقد استلمت تذاكر السفر من قبل المسؤولين الحزبيين في الشام وكانت مجاناً كمساعدة منهم لأي نصير سابق يروم السفر الى أية وجهة, توجهت لمطار دمشق وكان معي صديقين لتوصيلي على حسابهما ثم وبعد اجراءات السفر صعدت داخل الطائرة وكانت هذه الرحلة هي الاولى في حياتي ولا أعرف اي شيء عنها وتعجبت حينما كانت المضيفات يقمن بالخدمة والابتسامات لنا وتقديم القهوة والماء والطعام الحار الجيد ثم توقفت الطائرة في مطار الكويت لساعة لكننا لم ننزل منها وبقينا في كراسينا, واصلت الطائرة اقلاعها وعند الغروب نزلنا في مطار عدن الدولي.. كان المطار ضاجاً بالمسافرين وصخبهم وصياحهم يعلو على كل شيء, توجهت مع الناس لاستلام حقيبتي وكان معي فرن دائري كهربائي إشتريته لعائلة أخي حسب توصيتهم لعمل السمك والخبز والمعجنات فيه, كنت ارتدي بدلة رمادية وربطة عنق وهذه اشتريتها من الشام وارتديها لأول مرة في حياتي كشاب لكنني حينما كنت طفلاً كانت الوالدة تشتري لنا بدلات نرتديها في الاعياد, كان الجو خانقاً في المطار وكانت درجة الحرارة مرتفعة جداً إستوقفني أحد المسؤولين قائلاً.. هذا الجهاز الكهربائي لك..! شرحت له عنه وعن فائدته لأسرتي هنا في عدن.. فقال ممنوع! وطلب من الشرطي ان يستلمه مني..! ولا يجوز تمريره من المطار وبقيت معي حقيبتي فقط, شاهدت نافذة بيع وتصريف العملة فوضعت الليرات السورية التي بقيت معي أمام الرجل وطلبت منه تحويلها الى العملة اليمنية لكنه رفض بشدة وقال.. نحن نصرف فقط الدولارات وليس الليرات.. لاحظت بنت كانت تضع على متنها ثلاثة نجوم من الجهتين اي انها برتبة نقيب.. قلت لها أنا شيوعي عراقي وازور اليمن لأول مرة ولا توجد عندي نقود يمنية وهذا الشخص يرفض تصريف الليرات لي وتسهيل أمري.. قالت لي تعال معي..! ثم اشارت له بتنفيذ المهمة ولكنه رفض فصرخت بوجهه.. صّرفها له بسرعة ولا تتكلم! إمتثل لأمرها وأعطاني اربعة دنانير ونصف فسألت أحدهم ..هل بهذا المبلغ استطيع ان استقل التاكسي ..فقال هذا المبلغ كثير وممكن ان تدفع للسائق فقط دينار واحد منها..! خرجت من البوابة ولمحني السائق وصاح ..هل تريد تاكسي ..قلت له نعم إذا كنت تعرف مكان ومقر الحزب الشيوعي العراقي اين هو ..فقال إصعد فهذا المكان ليس ببعيد والكل يعرفه ثم اردف أنه في الطابق الاول ويقع مقر الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في الطابق الاعلى ..قلت له يعني أكيد تعرفه ..قال ..إلاّ ومعناها عندهم نعم ..وما هي إلا دقائق معدودة حتى اوصلني للمكان وأخذ مني ثلاثة دنانير! وإنصرف بعد ان ساعدني على وضع الحقيبة قرب الباب ..دخلت للمقر وسلمت على الموجودين وعرفت أنهم عراقيين وكانوا بشوشين ولما عرفوني قالوا أنهم سوف يوصلوني الى بيت أخي حيث كان الأول مسؤول الشبيبة وهو محمد عنوز والثاني مسؤول الطلبة وهو الدكتور احسان المالح ..استقليت معهم الباص وكان سعر التذكرة بشلن وتعجبوا من المبلغ الذي دفعته للسائق حيث كان الدينار يساوي عشرين شلن ..وصلت الى بيت أخي في البيكاجي وتفاجؤا بوصولي فقلت لهم ..الم تصلكم البرقية بقدومي من دمشق ...قالوا لاسبوعين كنا ننتضرك في المطار فلم تأتي وفي هذه المرة لم نستلم برقية تؤكد وصولك اليوم ..! وحول الفرن سألتني زوجة أخي الاولى ..وين الفرن ..!! قلت لها تم الاستيلاء عليه ..ولم أكمل التفاصيل ..نزلت بنفسها وأخذت تاكسي متوجهةً للمطار ثم عادت ومعها الفرن وقالت لقد اعتذروا مني ولم يعرفوني بأني قريب لها وهي كانت صحفية معروفة في ذلك الوقت ..المهم نمت هذه الليلة في عدن وكان الجو حار ساخن ورطب وكان بيت أخي يتكون كما البقية من غرفة واحدة ومعها حيز صغير للطبخ وفيها حمام وكان المكان كله لا يسع إلاّ لشخص واحد ..! فقد ضايقتهم وبقيت معهم الى ان عاد أخي من إجازته الى مكان عمله السابق كمقاتل وصحفي في كردستان في اليوم التالي بدأت استطلع المنطقة بصحبة أخي وذهبت الى مكان عمله في دار الهمداني وتعرفت على الشهيد أحمد سالم وكان المسؤول فيها وقتل لاحقاً في احداث عدن في يناير عام 1986 وبعد مدة قليلة وجد لي عمل بسيط بأن أكون منضد حروف في المطبعة براتب يكتبه هو وأشار الى أنني يمكنني ان أستلم الكتاب وأذهب به للبيت وأعمل عليه التصحيحات المناسبة وهكذا فعلت وخاصة حينما وقع عندي كتاب فلسفي للرفيق حميد بخش وكانت به مئات الاخطاء وعملت اللازم الذي أفرح الشهيد أحمد سالم ولكن هذه المهمة استمرت فقط لشهرين ثم جرى ترشيحي لأن أكون في معهد عبد الله باذيب للعلوم الاشتراكية اي المدرسة الحزبية في منطقة خور مكسر ..داومت بها لمدة سنة وكنت أعيش فيها .ولي غرفة صغيرة يتقاسمني صديق طيب من الفلسطينيين العراقيين ..وكان يعيش في بغداد وكان والده يعمل خياطاً في الباب الشرقي وهو إن لم يقل لك أنه فلسطيني فلا تعرفه سوى كونه عراقي ومن داخل ازقة بغداد ..كان طيب جداً سافر بعد خروجي من عدن الى كوبا ووصلتني منه رسالة وعرفت انه في العاصمة هافانا الكوبية وثم ضاعت عني اخباره للآن للأسف ..المهم في هذا المعهد درسنا الحركة الشيوعية والتاريخ والفلسفة والاقتصاد وأسس البناء التنظيمي وغيرها وكانت سنة مهمة لنا ومعنا طلبة من جميع الفصائل الفلسطينية وعند التخرج تم تسليمنا الشهادة من قبل الرئيس علي ناصر محمد الذي صافحنا بحرارة هو ومسؤول التنظيم المركزي للحزب الاشتراكي اليمني الفقيد ابو بكر باذيب الذي سأله عني ..من أين الاخ ..! فقال له عراقي ..شد على يدي مع الامنيات الطيبة ..كان المعهد يحتوي على قاعة كبيرة جداً وفيها مسرح مرتفع عنها تقام فيه الامسيات والندوات والاجتماعات الحزبية والحكومية وكنت مع أصدقائي نحضر جانباً منها وكثيراً ما نشاهد رجال الدولة والحزب ومعهم قادة عدد من الدول والمنظمات الجماهيرية العربية والعالمية ومن قادة المقاومة الفلسطينية ..أما الاحتفالات الطربية والمسرحية فكانت تتم في منطقة التواهي في الجزء الآخر من المدينة وهذه وغيرها سوف أتطرق له لاحقاً في الجزء الثاني ..اليمن كانت تعج بالنشاطات تلك الفترة وكانت في حركة مستمرة من توافد الوفود من عدد من البلدان وكان الشيوعيون العراقيون متميزون فيها بنشاطهم وعملهم الدؤوب ويعاملون بثقة تامة وبإحترام من قبل المجتمع ومن كافة المسؤولين وهم يعملون كأطباء ومهندسين ومدرسين ومعلمين وفي دوائر الدولة الاخرى وكان بعضهم يدرس في الجامعات وكانت في معهدنا مكتبة كبيرة وتحتوي على الاف الكتب وخاصة الماركسية والقصص والروايات الادبية القيمة فعندما جاءت العطلة طلب مني مدير المكتبة وهو عضو لجنة مركزية في الحزب الاشتراكي اليمني بأن أعمل لبضعة ساعات معهم في المكتبة لمساعدة العاملين فيها في تنظيم الكتب ووضعها في أماكنها الصحيحة وهكذا فعلت لمدة معينة وتقاضيت بعض النقود نتيجة لذلك ...كان المطعم كبير وهو بعهدة رجل كان والده اثيوبي وأمه يمنية وهو سمين ودائم الابتسامة كان إسمه شيبوب ..يقوم بتحضير وجبات الطعام وخاصة عند الظهر والعشاء وغالباً ما يعمل الدجاج المحمص مع الرز الغارق بالزيت وأيضاً يقوم بعمل السمك المقلي ويعطينا الكثير مما نريد وعند العشاء نطلب منه البيض الطازج ونأخذه لغرفنا ونقليه داخل الغرفة ويشاركنا عدد من الاخوة في هذه الوجبة الدسمة لأن بعضهم لا يمكنه ان يأكل داخل المطعم لأنه استلم تصريح من الطبيبة العراقية بأن يستلم بدل أكل اي نقود وهي شابة عراقية حلوة متزوجة من شخص يمني كان طالباً معها في رومانيا وعندها طفلة وارادت ان تساعدني بأن تعطيني تصريح عدم الاكل وأن استلم حولي 30 دينار بدلها ..فلم اوافق لأن المسألة متعبة لي وأريد أكل جاهز ودائم من المطعم وهذا ما فعلته لذلك يقوم بعض الاخوان بإرسالي الى شيبوب الذي يعرفني بأنني لا استلم بدل الاكل ويعطيني بيض وخبز وغيره فنتقاسمها مع الجميع ..إنه رجل بمنتهى الطيبة والكرم ..وكان يدخل القلب بسهولة وبسرعة ..!