مقالات وآراء
دفاعا عن كتابة علمية تاريخية حول افريقيا// انغير بوبكر
- تم إنشاءه بتاريخ الخميس, 13 آذار/مارس 2025 19:22
- كتب بواسطة: انغير بوبكر
- الزيارات: 969
انغير بوبكر
دفاعا عن كتابة علمية تاريخية حول افريقيا
انغير بوبكر*
مقدمة :
نُظر إلى إفريقيا بانتقاص وازدراء، إلى عهد قريب جدا ووصف تاريخها باعتباره مجموعة من الأساطير والخرافات، يؤمن بها أناس متوحشون لا يمتون إلى الحضارة بصلة، مع استثناءات من باحثين منصفين يحترمون المنهج العلمي، ويحتكمون للعلم والمنطق في تقديراتهم.
إنّ مجهود تعديل النظرة الراسخة لإفريقيا، وإعادة الاعتبار لتاريخها العريق وكتابته بأقلام علمية نزيهة، بحاجة إلى مجهود أممي جماعي لكل الباحثين عن الحقيقة في العالم، لتصحيح المسلّمات الشائعة عن الشعوب الإفريقية، وعن تخصص شعوبها بالسحر والشعوذة والفكر الماقبل العقلي، في مقابل شعوب أوروبية تزدهر فيها العقلانية والقيم الحداثية. كما أن هذا المجهود التاريخي، أي بناء تاريخ إفريقي علمي وموضوعي، يجب أن ينصب نحو التنقيب عن التاريخ الإفريقي الغزير في مأثوراته، ووقائعه، وإبداعه.
وسنعمل من خلال هذا المقال تقديم مرافعة علمية تحاول تسليط الضوء على الكتابة التاريخية وأسس بناء فهم علمي وموضوعي لتاريخ افريقيا، ثم سرد مجموعة من مصادر التاريخ الافريقي وأهم المؤرخين والمفكرين والفلاسفة المعاصرين الذين ساهموا مساهمة قيمة في مجهود بناء تاريخ إفريقي جديد، مبني على الإنصاف ومحترم لشروط الموضوعية العلمية.
1- الكتابة التاريخية وأسس بناء فهم تاريخي علمي للقارة الافريقية:
عانت الكتابة التاريخية عن إفريقيا ردحا من الزمن من الإقصاء المتعمد، والتهميش الممنهج من طرف الاسطوغرافيا الغربية الاستعمارية، التي سخرت التاريخ لغايات أيديولوجية، تستهدف الانتقاص من التاريخ الإفريقي، وتتبنى نظريات عنصرية قائمة على التمييز العنصري، وعلى تفوق العنصر الغربي على غيره من الأجناس والأقوام. فقد كانت القارة الإفريقية توصف بأنها قارة خالية جغرافيا، غير منتجة اقتصاديا، ومنعدمة الثقافة، عديمة الحضارة، تحتضن وحوشا ضارية، وأقواما من البرابرة الهمج.
ويكفي أن نطلع على ما كتبه بعض الفلاسفة والمفكرين، مثل هيكل عن إفريقيا، لنرى حجم الظلم، وقمة الازدراء الذي تعرض له تاريخ أعرق قارة في التاريخ، ومهد الإنسان الأول. فالربط الهيغلي العنصري بين المناخ، وبين تطور الشعوب، وأن التاريخ والحضارة مرتبطان بالمناخات الرطبة المعتدلة، واعتبار الهنود الحمر والأفارقة شعوبا ناقصة الإنسانية، وفاقدة الإحساس الإنساني، كلها أطروحات غربية، مبررة لاستغلال الشعوب من أجل "أنسنتها" وإدخال الحضارة إليها.
إفريقيا لم تكن أرضا خلاء، ولم تحتضن شعوبا منزوعة الروح، ومعدومة الحضارة، بل بالعكس تماما، إفريقيا كانت منذ القرون الغابرة، ذات تاريخ غني وثري، يكفي أن نرجع إلى ما كتبه كل من المؤرخ الكبير JOHN DONNELLY FAGE الذي تحفل كتبه بأخبار إفريقيا، بما كانت تعيشه هذه القارة من تنوع بشري، وثروات طبيعية هائلة، منذ أقدم العصور. كما أن كتابات (ROLAND LIVE) تناولت بطريقة علمية موثقة، الحيوية التي عرفتها إفريقيا في أقدم العصور، من رحلات، وقوافل تجارية وبحرية..
وعلى الرغم من أن الاهتمام بالتاريخ الإفريقي تقلص كثيرا بفعل عوامل عدة، أهمها السياسة الاستعمارية الغربية، التي مزقت أشلاء القارة الإفريقية، تنفيذا لمؤتمر برلين (1884م/1885م)، الذي وضع القارة الإفريقية على مشرحة التجزئة السياسية، والنهب الاقتصادي، والهيمنة الثقافية، وكل أشكال الاستعباد الإنساني، فان ذلك لم يمنع من تواتر مجموعة من الأدبيات الغربية في الفترة المعاصرة التي سعت أيضا إلى تصحيح النظرة الدونية لشعوب تلك القارة، ومهدت لدراسات تاريخية -إفريقية، وغير إفريقية-رصينة وبنظرة جديدة أكثر إنصافا وموضوعية. وفي هذا الإطار تندرج مجهودات معتبرة من بعض الأنثربولوجيين الذين حاولوا فهم أعماق إفريقيا، وفي مقدمتهم نجد "كلود ليفي شتراوس" الذي حاول دراسة إفريقيا، واعتبرها الأساس الذي بني عليه التاريخ العالمي، والوعاء الحضاري الذي انصهرت فيه تأثيرات الحضارة الإنسانية، أي المكان الذي انصهرت فيه كل التأثيرات وأرض التثاقف البشري بامتياز، فحاول شتراوس دراسة الأنظمة السياسية الكبرى في إفريقيا القديمة وإنجازاتها القانونية، ونظرياتها الفلسفية التي خفيت أو تم تجاهلها طويلا من طرف الغربيين، وفنونها التشكيلية وموسيقاها التي تستكشف بطريقة منهجية جميع الإمكانات المتوفِّرة عبر كل وسيلة للتعبير، والتي استنتج منها واعتبرها دلائل على أن إفريقيا ذات ماضٍ في غاية الخصب.
وفي سبيل تصحيح صورة إفريقيا في الأذهان، ومحاولة إعادة الاعتبار التاريخي لها، أقدمت اليونيسكو على مبادرة علمية هامة عام 1964م، تتمثل في مشروع صياغة "تاريخ أفريقيا العام"، بغية تغيير عدم المعرفة السائدة لتاريخ إفريقيا. وشارك في هذا السّفر الهام عدد كبير من الأفارقة ذوي اختصاصات علمية متقاطعة ومتكاملة، وقد ساهم في نفض الغبار عن تاريخ القارة الإفريقية، من النواحي الاجتماعية والدينية والعرقية والثقافية. ويكمن التحدّي، بإعادة بناء تاريخ إفريقيا، وتحريره من أي أحكام مسبقة عرقيّة تعود لفترة تجارة الرقيق والاستعمار، وبالتالي النهوض بالنظرة الإفريقية لهذا التاريخ.
2- اهم مصادر التأريخ لافريقيا انطلاقا من الكتابات العربية :
سؤالان مهمان يتبادران إلى الذهن فيما يتعلق بكتابة التاريخ الإفريقي، والإجابة عنهما مسألة ضرورية لكل باحث مجتهد باحث عن المعرفة التاريخية :
السؤال الأول: ماهي المصادر الأساسية التي يجب على أي باحث مهتم بالتاريخ الإفريقي الاعتماد عليها، لتسعفه للاطلاع على التاريخ الإفريقي؟
السؤال الثاني: من هم أهم المؤرخين والمفكرين والفلاسفة القدامى والمعاصرين الذين ساهموا مساهمة قيمة في بناء أسس فهم تاريخي علمي للقارة الإفريقية ؟
مصادر التاريخ الإفريقي يمكن تقسيمها إلى ثلاث أقسام وهي: المصادر المكتوبة العربية والأجنبية والآثار والرواية الشفوية وسنكتفي في هذا المقال بالمؤرخين والبحاثة الذين كتبوا ابحاثهم باللغة العربية على ان نخصص مقالات للباحثين الاخرين الذين كتبوا باللغات الأخرى.
كثيرا ما نعت التاريخ الإفريقي بأنه تاريخ أساطير وخرافات وسحر، واستطاعت هذه الصورة النمطية السلبية أن تصمد طويلا، فاعتبرت القارة الإفريقية قارة بلا تاريخ، وبلا حضارة، من قبل العديد من المؤرخين والفلاسفة. لكن هذه الصورة السلبية كان وراءها الجهل بالمقومات الحضارية والتاريخية التي تزخر بها القارة الإفريقية، كما روجت هذه الصورة لدواعي إيديولوجية، وأحيانا دينية لتبرير استعمار شعوب القارة، واستغلال ثرواتها، واستعبادها تحت مبررات إدخالها إلى "الحضارة الإنسانية". لقد أقصي التاريخ الإفريقي عن التاريخ العالمي بدعوى أن الحضارة الإفريقية تفتقر إلى الكتابات، وإلى الدلائل المادية الملموسة على وجود حضارات بارزة، إلا أن التطور التاريخي، وأدوات البحث والتنقيب التاريخية، وتطور علم الأركيولوجيا، وبروز طبقة من المؤرخين والمثقفين الأفارقة في أوروبا بعد الحرب العلمية الثانية؛ عوامل تظافرت لتنفض بعض غبار الإنكار والنسيان على التاريخ الإفريقي.
تعتبر المصادر العربية أهم الكتابات التاريخية التي عرفتنا على أجزاء مهمة من تاريخ جزء من القارة الإفريقية، وقد حظي تاريخ منطقة السودان الغربي وغرب افريقيا بالقسط الأوفر من الكتابات التاريخية، وهذا أمر يمكن تفسيره بعاملي التجارة والدين في هذه المنطقة، فتاريخيا عرفت هذه المنطقة بأنها محورُ التجارة الإفريقية، بل والدولية في مرحلة من المراحل، وهذا ما يبرر وجود عدة حواضر ومدن معروفة تاريخيا في هذه المناطق، كما أن وصول الإسلام إلى هذه المنطقة ساهم في تكثيف جهود أسلمة هذا المجال، فتظافر عاملي الدين والتجارة في إشعاع المنطقة ثقافيا واقتصاديا وعسكريا.
وسنحاول ذكر بعض الكتابات العربية التي اهتمت بسرد بعض احداث ووقائع افريقيا وهي محاولة غرضها الأساسي هو تعريف القراء والباحثين ببعض الكتاب والمؤرخين الذين عاشوا في مراحل مختلفة والذين وصفوا افريقيا وعوائدها وساكنتها واحوالهم في حقب زمنية مختلفة والهدف أساسا هو فتح نافذة للتعرف على تاريخ افريقيا ونفض الغبار عنه ومحاولة استكناه ما تحفل به القارة الافريقية من كنوز تاريخية واثرية مايزال التاريخ المعاصر خصوصا الاركيولوجيا تفاجئنا وتدعم رؤانا بخصوص تاريخية التاريخ الافريقي وان افريقيا هي مهد الحضارة الإنسانية بدون منازع .
الإصطخري (ت 346هـ /957م):
هو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفارسي الإصطخري، وهو عالم فلكي وجغرافي ومؤرخ، زار العديد من البلدان العربية والافريقية، وقال عن بلاد السودان ما يلي: "وأما زويلة، فإنها من حد المغرب وهي مدينة وسطة لها كورة عريضة، هي متاخمة لأرض السودان، وبلدان السودان بلدان عريضة إلا أنها قفرة قشفة جدا، ولهم في جبال لهم فيها عامة ما يكون في بلاد الإسلام من الفواكه، إلا أنهم لا يطعمونه، ولهم أطعمة يتغدون بها من فواكه ونبات غير ذلك مما لا يعرف في بلدان الإسلام، والخدم السود الذين يباعون في بلدان الإسلام منهم، وليس هم بنوبة ولا بزنج ولا بحبشة ولا من البجة، إلا أنهم جنس على حدة أشد سوادا من الجميع وأصفى، ويقال إنه ليس في أقاليم السودان من الحبشة والنوبة والبجة وغيرهم إقليم هو أوسع منه، ويمتدون إلى قرب البحر المحيط، مما يلي الجنوب ومما يلي الشمال على مفازة تنتهي إلى مفاوز مصر من وراء الواحات، ثم على مفاوز بينها وبين أرض النوبة، ثم على مفاوز بينها وبين أرض الزنج، وليس لها اتصال بشيء من الممالك والعمارات، إلا من وجه المغرب، لصعوبة المسالك بينها وبين سائر الأمم" . ما يلفت الانتباه فيما قاله الإصطخري عن السودان، أنه يقيم تمييزا بين سكان السودان والزنوج، وهذه إحالة تاريخية هامة، تحتاج لمزيد من الدراسة والتمحيص، كما أنه لا يذكر المراجع والمصادر التي اعتمد عليها في تدوين كتابه، عكس البكري مثلا، الذي قدم بالتفصيل مصادره التي استند عليها في كتاباته التاريخية والجغرافية. للإشارة، فكتاب (مسالك الممالك) للإصطخري، تم تحقيقه وتقديمه من طرف عدد من المستشرقين، ومؤخرا صدر في طبعات جديدة أنيقة من دور النشر ببيروت والقاهرة.
(ابن حوقل الموصلي النصيبي) (ت 380هـ / 990م):
يوجد ابن حوقل الموصلي النصيبي في مقدمة الرحالين، الذين ضربوا في الأرض، واخترقوا المسالك والممالك والمفازات في آسيا، وإفريقيا، وأوروبا، طيلة ثلاثين سنة من القرن الرابع، الذي كان عصرا فريدا في تاريخ الإسلام، تقاسمت فيه بغداد، والقاهرة، وقرطبة، النفوذ السياسي والاقتصادي، والمجد الحربي والعلمي.
بدأ ابن حوقل رحلته من بغداد سنة (331هـ -943م)، واتخذ التجارة وسيلته ومعاشه، كما ذكر في مقدمة كتابه (المسالك والممالك) ، ويظهر من مقدمة الكتاب، أنه كان غير مطمئن إلى الحالة السياسية التي كانت تعيش عليها مدينة السلام. وبضميمة ذلك إلى ما في كتابته من ميل إلى تأييد سياسة الفاطميين، وقد دون ابن حوقل معلوماته في كتابه (المسالك والممالك)، جامعا بين المشاهد، والدراسة، والأخبار، وتخطيط الخرائط على الاصطلاح القديم، الذي كان يجعل الجنوب أعلى الخريطة والشمال أسفلها، والغرب يمينها والشرق يسارها. فزار بلاد العرب، وفارس، والسند، وسجستان، ثم انعطف إلى أوربا، فشاهد بلاد البلغار، ووصل إلى أعلى نهر الفولكا. وشاهد مصر، والمغرب، وقسما من الصحراء، والأندلس، وصقلية، ثم رجع إلى بغداد.
يعتبر ابن حوقل النصيبي مرجعا تاريخيا وجغرافيا هاما بالنسبة للباحثين في تاريخ إفريقيا الشمالية خصوصا، ويعتبر إسهامه التاريخي دليلا على وجود حركية تجارية، وبشرية، ودينية، داخل القارة الإفريقية، وفي علاقاتها مع القارات الأخرى. وقد اعتمد المستكشفون الأوروبيون على هذا المرجع الهام، واستثمروه في غزواتهم ورحلاتهم فيما بعد، ولعل دليل اهتمامهم بهذا الكتاب، هو نشره وتحقيقه من طرف المستشرق م. ج. جوية لايدن ، سنة 1873م، وتم نشره سنة 1938م، بليدن. كما اهتم به العديد من المستشرقين مثل دوزي .
(المقدسي)، (ت390هـ/1000م) :
اشتهر بكتابه (أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم)، وكان أول من اهتم به هو المستشرق النمساوي شبرنغر ، وعمل على نشره في سلسلة الجغرافين العرب، التي كان يصدرها المستشرق الهولندي دي خويه في ليدن سنة 1877م، الذي قام بتحقيقه، وتقديمه، ونشره في حلة جديدة عام 1906م، وطبع في ليدن.
وقد بدأ المقدسي كتابه بمدخل طويل ومكثف عن الجغرافية الطبيعية، معتمداً على من سبقه في تقسيماتهم، والتسميات الدارجة التي تبنوها، وعالج في القسم الأول أقاليم عربية، مثل: جزيرة العرب، والعراق، والجزيرة العليا، وبلاد الشام، ومصر، والمغرب، ثم عرّج في القسم الثاني، على الأقاليم الفارسية، والبلدان الإسلامية الشرقية، مثل: بلاد ما وراء النهر، وخراسان، والديلم، والقوقاز، وفارس. اعتمد المقدسي في منهجه في الكتابة على الملاحظة والتدقيق في رحلاته ومشاهداته، يتحرى ما يُنقل إليه ويتفحصه ويدققه، وكان يُعنى بالعادات الغريبة، وكان يعمد أيضاً في حالات كثيرة إلى تغيير اسمه، أو إلى التنكر للدخول في الأماكن والطوائف المختلفة. يعتبر المقدسي مصدرا مهما من مصادر التاريخ للمغرب ولغرب السودان، حيث إن كتابه تكلم عن الحواضر، مثل سجلماسة، وزويلة، وفزان، وأواغشت، كما تتطرق للتجارة البينية التي كانت تربط المغرب بالسودان، الذي قصد به السودان الغربي؛ استفاد المقدسي من كتابات الذين سبقوه، مثل البلخي م والإصطخري.
البكري (ت487 هـ/1094م) :
يعد كتاب (المسالك والممالك) من أهم مؤلفات المؤرخ والجغرافي أبو عبيد البكري، حيث تناول فيه سيرته، وحياته، وشيوخه، وتلامذته، وكذا منهجه؛ وهو كتاب جمع بين التاريخ والجغرافيا، كما ذكر فيه العديد من المؤلفات التاريخية والجغرافية، وغيرها… وتحدث عن الممالك، وعرض العديد من شعوب العالم، ووصف الإمبراطوريات والقصص التاريخية…وله مؤلفات أخرى في علوم مختلفة.
قدم البكري في كتابه هذا، أول وصف مفصل لإمبراطورية غانا الإسلامية في غرب إفريقيا، ويعتبر من أهم المصادر التاريخية لتلك الحقبة، في جنوب غرب إفريقيا، وشمال غرب إفريقيا، حيث دولة المرابطين، ونظرا لاستيقائه الكثير من المعلومات من التجار والمسافرين، فقد قدم وصفا دقيقا لطرق التجارة في الصحراء الكبرى بإفريقيا، والتي تضاهي بأهميتها طريق الحرير التاريخي بين الصين وأوروبا.
ذكر البكري بالتفصيل بداية دخول بلدات غرب إفريقيا في الإسلام، أواخر القرن العاشر الميلادي، مثل غاو التي تقع اليوم في مالي، وعدد من البلدات والمدن المتناثرة على ضفتي نهر النيجر. إن لكتاب (المسالك والممالك) خصائص مميزة، تجعل المعلومات الجغرافية دائمة الامتزاج بالمعلومات ذات الصبغة التاريخية، ويُسجل للبكري أنه استطاع تقديم مصادر جغرافية وتاريخية دقيقة ومهمة بدون أن يغادر بلاده الأندلس.
أما كتابه الخالد الآخر، فهو (معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع)، وهو جهد توثيقي، حاول الكاتب فيه توثيق أسماء الأماكن والبلدان، بعد أن لاحظ تعدد التسميات، نتيجة تنوع لهجات بني البشر، فأراد أن يكون هناك مصدر تاريخي موثوق، يستطيع الباحثون الرجوع إليه للتوصل إلى الأسماء والألفاظ الصحيحة للأماكن.
واعتمد البكري في تأليف معجمه الجغرافي والتاريخي على مصدرين: الأول مصدر تاريخي مثل كتاب) صفة جزيرة العرب(، للحسن بن أحمد الهمداني، ومصدر ثان وهم الرواة من المسافرين والتجار، حيث كان البكري يلتقيهم باستمرار لمعرفة أسماء البلدان والبلدات التي مرُّوا بها، وأحوال الشعوب فيها.
الإدريسي (564هـ -1160 م) :
هو أبو عبد الله محمد الإدريسي القرطبي الحسني السبتي، وشهرته بالإدريسي، وهو عالم وكاتب وجغرافي، ورسام خرائط كان يعيش في بالرمو، صقلية في بلاد الملك روجر الثاني. وُلد الإدريسي في سبتة، التي كانت تابعة لدولة المرابطين. بالإضافة لشهرته في رسم الخرائط في العصور الوسطى، كتب الإدريسي، في التاريخ، والأدب، والشعر، والنبات. ودرس الفلسفة، والطب، والنجوم، والجغرافيا، والشعر في قرطبة، ثم بدأ رحلته إلى إسبانيا والبرتغال، ثم زار إفريقيا وآسيا الصغرى. استخدمت مصوراته وخرائطه في سائر كشوف عصر النهضة الأوربية، حيث لجأ إلى تحديد اتجاهات الأنهار والمرتفعات والبحيرات، وضمنها أيضًا معلومات عن المدن الرئيسية بالإضافة إلى حدود الدول.
في مقدمة كتابه الهام (أشهر جغرافيي العرب والاسلام)، يقول المؤلف (محمد عبد الغني حسن): "الواقع أننا أغفلنا الإدريسي منذ وفاته في القرن السادس الهجري، واسقطه مؤلفو التراجم من حسابهم، إلا فئة قليلة دانت له بالوفاء، من أمثال العماد الأصفهاني صاحب (خريدة القصر) والصفدي صاحب (الوافي بالوفيات)... والواقع أن استدعاء روجر الثاني للإدريسي، ليؤلف له كتابا وثيقا في الجغرافية، وليصنع له خريطة صحيحة مضبوطة للأرض، هو أكثر شهادة على ما كان للعرب من تفوق فكري في ذلك الزمان".
وفي الوقت الذي أهمل فيه مؤرخو الإسلام الإسهامات العلمية للإدريسي، الذي لم يكن جغرافيا فقط، بل كان ذا خبرة كبيرة في الطب، والصيدلة، وعلم النباتات، استفادت من أبحاثه معظم أقطار أوروبا، لذلك اهتم المستشرقون بكتاباته، فحققوها وطبعوا كتاب (نزهة المشتاق في ذكر الأمصار)، بمطبعة الميديتشي بروما سنة 1592م، وقام المستشرق الهولندي (دوزي) بتحقيق الجزء المتعلق بالمغرب، والسودان، ومصر، والأندلس، بمدينة ليدن سنة 1864م. وقد أعاد الإسباني (لويس سافدرا) طبعه ونشره بمدريد، سنة 1881م، ويرى المستشرق النمساوي (مجيك MZIK) أن الإدريسي استطاع أن يتجاوز أخطاء بطليموس في وصفه لإفريقيا، وخصوصا لأنهارها الكبرى، كنهر النيجر. يعتبر الإدريسي مصدرا مهما من مصادر التاريخ لإفريقيا، ومازالت دراساته وخرائطه تشكل مواد للدراسة والتعمق في عدد من بلدان العالم.
(ياقوت الحموي)، (575هـ-1179 م) / (627هـ-1229م) :
هو الشيخ الإمام شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت الحموي، سمي بالحموي نسبة إلى التاجر الذي اشتراه، حيث إنه تعرض للأسر وهو صغير السن، يقال إن أصله رومي أو إغريقي، نال تعليما إسلاميا جيدا، وتوسع في دراسته فاهتم بالنحو والأدب، امتهن استنساخ الكتب وبيعها ببغداد، مما أهله، وفتح المجال أمامه للتعرف على عدد كبير من الكتاب والأدباء ومشاهير الرواة ببغداد.
بعد وفاة سيده الذي عتقه من الرق، انغمس في أمور التجارة والرحلات، فزار مختلف أصقاع العالم، كانت الزاد المعرفي والفكري، الذي جمعه في عدد من الكتب التي ألفها، ومنها معجم لمشاهير الرجال، عنوانه (إرشاد اللبيب إلى معرفة الأديب)، المشهور تحت اسم (معجم الأدباء) نشره المستشرق (مارغليوث)، كما أصدر كتابا عن الأسماء المتماثلة للأمكنة والتي تهم أمكنة مختلفة، عنونه ب (المشترك وضعا والمختلف وقعا)، قام بنشره (وستنفيلد) في غوتتجن عام 1848م، وأخيرا معجمه الجغرافي الكبير (معجم البلدان)، الذي قام بالانتهاء من كتابته عام 1224م، وهو معجم مرتب على الحروف الهجائية، وأهميته تكمن في أنه يثبت أسماء الأماكن، بالشكل، واللفظ، والاشتقاق، ويحتوي الكتاب على مسح جغرافي لعدد كبير من المناطق، التي يبين خصائصها الطبيعية، والبشرية، والعمرانية، ومعظم الأحداث التي شهدتها من حروب ومجاعات وأوبئة. ويتميز (ياقوت) عن كثير من المؤلفين من أبناء عصره بملكة النقد، التي تتجلى عندما يروي بعض الأساطير الذائعة في عصره وفي حكمه على تلك الأساطير. يقول المستشرق (أخناطيوس كراتشكوفسكي) في كتابه (تاريخ الأدب الجغرافي عند العرب) عن (ياقوت الحموي)، ما يلي:" كان ياقوت أديبا واسع الأفق، وكاتبا جم النشاط متعدد النواحي، ومن دون حاجة إلى ذكر مصنفاته، التي لم تصل إلينا، فإنه يكفي أن نشير إلى معجم الأدباء، الذي لا يقل حجما أو أهمية عن معجمه الجغرافي، بل ربما يفوقه، فيما يتعلق بالمادة التاريخية والحضارية عن العالم الإسلامي." كان إسهام (ياقوت الحموي) كبيرا في التعريف بالقارة الإفريقية، وخصوصا بمناطق السودان الغربي، وشرق القارة الإفريقية كذلك، لذلك فهو مصدر مهم لا غنى عنه للتعرف على التراكم التاريخي والجغرافي فيما يتعلق بالدراسات التي تعنى بإفريقيا.
(ابن فضل العمري):
يعد أحمد ابن فضل الله العمري واحدًا من رواد علوم الأدب، والجغرافيا، والحضارة، والعمران، في تاريخ الحضارة الإسلامية، فقد احتل مكانة علمية كبيرة على المستوى العربي والإسلامي والعالمي؛ نتيجة جهوده العظيمة في مجال الدراسات الأدبية، والجغرافية، والتاريخ، وأحوال العمران.
ويكتسب كتابه الموسوعي (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار) أهمية كبيرة، فهو موسوعة شاملة عن العالم العربي والإسلامي، حتى القرن الثامن الهجري، الرابع عشر الميلادي، ومن أضخم الموسوعات العربية التي تفاخر معظم مكتبات العالم بامتلاك أجزاء منها.
فقد كان لابن فضل الله العمري الفضل في الكثير من الدراسات، فقد عني بدراسة الجغرافية السياسية، والفلك، وتواريخ الأمم وعجائبها، وتجول في البلاد من الشام إلى الحجاز والأناضول، وغيرها من بلاد الأرض. فترك العمري مؤلفاتٍ عديدةً في ضروب من العلم مختلفة، جمع فيها فأوعى، وهي تشهد بسعة اطلاعه، وتعدد ميادين ثقافته... شرع العمري في تأليفه بعدما اعتقل وصودرت أمواله، أثناء الإقامة الجبرية التي فرضها عليه الناصر بن قلاوون سنة 738هـ، بسجن القلعة والتي دامت حتى 740هـ، ومات سنة 749هـ، بالحمى بدمشق من غير أن يتمه.
يعتبر ابن الفضل العمري مصدرا مهما من مصادر التاريخ الإفريقي، إذ احتوت موسوعته الجغرافية على وصف دقيق لمسالك التجارة الصحراوية الإفريقية، كما تتضمن وصفا غنيا عن مناطق كثيرة في السودان الغربي، وشرق إفريقيا.
(ابن بطوطة)، (704-779//1304م-1377م) :
هو أبو عبد الله محمد بن إبراهيم اللواتي نسبة إلى قبيلة لواتة المعروف بابن بطوطة. ولد ابن بطوطة بطنجة يوم الإثنين 17 رجب 703 هـ /24 فبراير 1304م، ترعرع في أسرة تنعم بالعيش الرغيد، وعاش طفولة سعيدة، في وسط على قدر هام من العلم والمعرفة، فأسرته مارس بعض أفرادها القضاء، والتأليف، ومعروفة بالنبوغ العلمي. قام ابن بطوطة بثلاث رحلات، وقد استغرقت في مجموعها، نحو تسع وعشرين سنة، ففي الرحلة الأولى، قام بتأدية فريضة الحج، وجاب بلاد المشرق العربي والإسلامي، حيث انتقل من بلاد المغرب متجها إلى مصر، ثم الشام سنة 1325 م، وزار الحجاز، وإيران، والعراق، سنة 1326 م، كما زار اليمن، والبحرين، وعمان، وبلاد فارس، وبلاد السند والهند، وتبريز، ووصل إلى الصين. في المرحلة الثانية زار فيها الأندلس، وتحدث عن جمالها، وخاصة، غرناطة، التي خص لها وصفا دقيقا جميلا. في المرحلة الثالثة، خرج من سجلماسة سنة 1352م، متوجها إلى جنوب القارة الإفريقية، حيث زار الصحراء وبلاد السودان الغربي، وكان أول رحالة، تغلغل إلى مجاهل إفريقية، ودون عنها معلوماتٍ قيمةً كانت مجهولة.
وبعد رحلاته تلك، عاد إلى فاس حيث استرسل في ذكر أخبار المناطق التي زارها، وانبهر الجميع بما حكى عن غرائب وعجائب المناطق التي تعرف عليها، فأمره السلطان (أبو عنان المريني) بكتابة أخباره ومذكراته، فأملاها على كاتب السلطان (محمد بن جزي الكلبي) سنة 756هـ. كانت بحق، رحلة ابن بطوطة التي تضمنها كتاب (تحفة النُّظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار) من أشهر كتب الرحلات في التاريخ، هو كتاب يصف رحلة ابن بطوطة، ويتحدث عن البلدان، أهلها وحكامها وعلمها، ويصف الألبسة بألوانها وأشكالها وحيويتها ودلالتها، ولا ينسى الأطعمة وأنواعها وطريقة صناعتها، ويعد الكتاب مصدرا هاما من مصادر التاريخ الإفريقي، لكل عالم، أو مؤرخ، أو جغرافي، أو عالم اجتماع، أو لكل أديب وأنثربولوجي، أراد التأصيل التاريخي، للاهتمام بإفريقيا، حيث استطاع ابن بطوطة في رحلته أن يعطينا فكرة عن واقع المجتمعات الإفريقية، وعاداتها، وحكامها، وعن ملابس ساكنتها، ومأكلهم، ومشربهم، وديانتهم، وطقوس احتفالاتهم .. لذلك تم الاهتمام بكتاب رحلة ابن بطوطة، وتم ترجمته إلى أكثر من 10 لغات عالمية.
(ابن خلدون)، (1332م-1406م) :
يعتبر ابن خلدون من العبقريات العالمية، التي بصمت العالم، بل اعتبر أحد القامات العلمية، التي نحتت علم التاريخ، ونقلته من مجرد فن يسرد الأحداث، وتعاقب الأمم والحكام، أي التاريخ الحدثي، إلى علم يهتم بالإنسان، والعمران، والعادات، والتقاليد، في منهج غير مألوف في عصره. لذلك انتقد ابن خلدون منهج أسلافه في كتابة التاريخ، وقام بثورة حقيقية في منهج وأسلوب وفلسفة التاريخ، ألهمت الكثير من الكتاب والمؤرخين والفلاسفة بعده، مثل (ايف لاكوست) و(توينبي). وماتزال دراسات كثيرة تنجز حول أفكاره، ومنهجه التاريخي، وفلسفته في الكتابة التاريخية.
بكل تأكيد، ما يميز الأبحاث والدراسات التاريخية والاجتماعية التي قام بها ابن خلدون، هو المنهج الذي اتبعه في تحليل الظواهر التاريخية والاجتماعية التي عاينها، وطريقة طرحه الأسئلة، وأهم من ذلك كله، نحته لمصطلح فريد من نوعه الذي سماه في المقدمة ب "علم العمران البشري"، ووضع بذلك أساسا لعلم الاجتماع، قبل أن يطور مفاهيمه وآلياته أوغست كونت في القرن التاسع عشر.
وقد استحق ابن خلدون لقب أعظم سياسي ومفكر عرفته إفريقيا والأندلس في القرن الثامن الهجري، لذلك اهتم بكتاباته وفتوحاته العلمية في التاريخ والاجتماع الإنساني مجموعة كبيرة من المؤرخين والمفكرين في كل الأزمنة والأمكنة، فمنهم لسان الدين بن الخطيب الذي خصص له حيزا هاما في كتابه (الإحاطة في تاريخ غرناطة)، وشمس الدين السخاوي، صاحب السفر الهام (الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع)، وأبو المحاسن بن تغري بردي ،صاحب كتاب (المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي)، ومحمد عبد الله عثمان، صاحب كتاب (ابن خلدون، حياته وتراثه الفكري).
واهتم به الغربيون أيما اهتمام، مثل الحيز الهام الذي خصصه لابن خلدون المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي في كتابه حول دراسة التاريخ، والذي قال بأن ابن خلدون: "قد تصور وصاغ فلسفته، هي بلا شك أعظم نتاج أبدعه أي ذهن في أي عصر وفي أي بلد"، والكتاب الهام الذي خصصه الباحث والجغرافي الفرنسي (ايف لاكوست) في كتابه الخاص بابن خلدون، و(جورج مارسيه) الذي قال عن مقدمة ابن خلدون: "هي إحدى أكثر المؤلفات ضرورة، وأكثرها أهمية من بين المؤلفات التي أنتجها العقل البشري".
كما اهتم المؤرخون والفلاسفة المغاربة بفكر ابن خلدون، ويكفي أن نذكر منهم (محمد عابد الجابري) وكتابه الهام الذي هو في الأصل أطروحته للدكتوراه، (العصبية والدولة عند ابن خلدون) ، وعبد الله العروي، وبنسالم حميش، وعلى أومليل ... وبالفعل فإن آثار ابن خلدون تضيء مرحلة جدَّ هامة من ماضي البلدان التي تصنف حاليا في عداد البلدان ذات الوضع المتخلف، بما فيها البلدان الافريقية. وابن خلدون بقيامه في القرن الرابع عشر، بتحليل علمي للشروط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لشمال إفريقيا القروسطي جعل كتاباته مصدرا هاما من مصادر التاريخ الإفريقي، من حيث المنهج الجديد المتميز عن سابقيه، والذي تجاوز فيه نمط ومنهج كتابة التاريخ ممن سبقوه، كالطبري والمسعودي وابن إسحاق ... بل اكتشافه لطريق نظر جديدة في التاريخ، تأخذ بعين الاعتبار علل الظواهر ومسبباتها، وهو ما أكده ابن خلدون نفسه في كتابه المقدمة، واصفا طريقة صياغة موضوعاته: "ولما طالعت كتب القوم، وسبرت أغوار الأمس واليوم، نبهت في القريحة من سنة الغفلة والنوم، وسمت التصنيف من نفسي وأنا المفلس أحسن السوم، فأنشأت في التاريخ كتابا، رفعت به عن أحوال الناشئة من الأجيال حجابا، وفصلته في الأخبار والاعتبار بابا، وأبديت فيه لأوليه الدول والعمران عللا وأسبابا... وسلكت في ترتيبه وتبويبه مسلكا غريبا، واخترعته من بين المناحي مذهبا عجيبا، وطريقة مبتدعة أسلوبا، وشرحت فيه من أحوال العمران والتمدن، وما يعرض في الاجتماع الإنساني من العوارض الذاتية، ما يمتعك بعلل الكوائن وأسبابها، ويعرفك كيف دخل أهل الدول من أبوابها حتى ننزع من التقليد يدك، وتقف على أحوال ما قبلك من الأيام والأجيال وما بعدك".
دارس التاريخ الإفريقي، لابد وأن يكون له اطلاع بما كتبه ابن خلدون، ولا نستغرب الاهتمام الذي أعطي لكتاباته من طرف المستشرقين، الذين لهم الفضل في اكتشافه وتحقيق كتبه، قبل أن يصل الاهتمام الإسلامي متأخرا. ويشكل كتاب "العبر وديوان المبتدإ والخبر في أيام العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر"، من المصادر التي لا غنى للباحث عنها في الدراسات الإفريقية، وخاصة المتعلقة بالسودان (بالتسمية التاريخية)، حيث بدأ المؤلف كتابه بمقدمة، تناول فيها منطقة الصحراء والسودان في الإقليمين الأول والثاني، وذكر غانة ومالي وكوكو، وتحدث بإسهاب عن حركة القوافل التجارية التي تجوب الصحراء طولا وعرضا، وتناول القبائل التي ساهمت في حضارة المنطقة الجغرافية من غرب إفريقيا، وخصوصا القبائل الصنهاجية والزناتية، التي تعمر مدنا تاريخية، مثل ورقلان وتوات وفزان، كما قدم ابن خلدون معطياتٍ تاريخيةً، بالغة الأهمية فيما يتعلق بعلاقة المغرب بالممالك السودانية، خاصة في الجزء السادس والسابع من سفره التاريخي الضخم، وجاءت معطيات ومعلومات ابن خلدون عن ممالك غانة ومملكة مالي الإسلامية، التي تأسست في القرن السابع الهجري، وتحدث عن الأسر الحاكمة في هذه البلاد.
(القلقشندي)، (756هـ-821هـ):
أثرى المكتبة العربية في مصر في عصره، وخلَّدته أعماله عبر القرون، فترك مؤلَّفاتٍ كثيرةً مهمَّة، أشهرها من الكتب: (صبح الأعشى في صناعة الإنشاء)، و(مآثر الإنافة في معالم الخلافة)، و(نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب)، و(سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب)، و(قلائد الجمان في التعريف بقبائل الزمان)...
كان عمل القلقشندي في ديوان الإنشاء وراء تأليفه لموسوعته الضخمة (صبح الأعشى في صناعة الإنشاء)؛ فقد أتاح له العمل في الديوان التعرُّف على كلِّ تفاصيل النظم السياسية والإدارية لسلطنة المماليك عن قرب، وقد استغرق تأليف هذا العمل الموسوعي عشر سنوات حتى أتمَّه. ويبدو أنَّ تأليف القلقشندي لموسوعته كان بناءً على طلبٍ من أحد كبار المسؤولين في الدولة وربَّما كان السلطان نفسه، وذلك بعد أن وضع مقامةً صغيرةً عن صناعة الإنشاء، حيث يقول القلقشندي في مقدِّمته لكتاب (صبح الأعشى في صناعة الإنشاء): "وكان في حدود سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، عند استقراري في كتابة الإنشاء بالأبواب الشريفة السلطانية، عظم الله تعالى شأنها، ورفع قدرها، وأعزَّ سلطانها، أنشأت مقامة بنيتها على أنَّه لا بُدَّ للإنسان من حرفةٍ يتعلَّق بها، ومعيشةٍ يتمسَّك بسببها، وأنَّ الكتابة هي الصناعة التي لا يليق بطالب العلم من المكاسب سواها، ولا يجوز له العدول عنها إلى ما عداها، ونبهت إلى ما يحتاج إليه كاتب الإنشاء من المواد، وما ينبغي أن يسلكه من الجواد، وضمنتها من أصول الصنعة ما أربت به على المطولات وزادت، وأودعتها من قوانين الكتابة ما استولت به على جميع مقاصدها أو كادت...".
الدارس للتراث الثقافي والسياسي والإداري الإفريقي، لابد أن يطلع على ما كتبة القلقشندي، خصوصا في الجزأين الخامس والسادس، اللذين تناولا ممالك السودان التاريخية، مثل مالي، وغانا، وكانو، وأقاليمها، ومجموعة من المعطيات التاريخية الثمينة التي تصلح للاستخدام التاريخي؛ وقد اعتمد القلقشندي على المؤرخين الذين سبقوه، خصوصا (فضل الله العمري). وبعد حياة وافرة عامرة في الفقه والأدب والتاريخ والأنساب، تُوفِّي القاضي شهاب الدين أبو العباس القلقشندي في يوم السبت عاشر جمادى الآخرة سنة (821هـ=1418م)، وله خمسٌ وستون سنة.
(المقريزي)، (ت845ه-1442م):
أجمع المؤرخون على أن المقريزي من أكبر وأعلم المؤرخين المصريين، في النصف الأول من القرن التاسع الهجري، ويكفي دليلاً على هذا أن كبار مؤرخي ذلك الجيل من المؤرخين في مصر كانوا تلاميذ المقريزي. واستحق كتاب المقريزي (السلوك لمعرفة دول الملوك) المكانة الأولى بين كتب التاريخ في عصره، ومن مؤلفاته أيضاً كتاب (عقد جواهر الأسفاط من أخبار مدينة الفسطاط)، الذي حاول فيه المقريزي أن يكتب عن تاريخ مصر خلال الفترة التي امتدت منذ وصل العرب إليها إلى مرحلة ما قبل تأسيس الدولة الفاطمية.
يتميز التحليل التاريخي عند المقريزي بنزعات مادية علمية فيها نفحات خلدونية وإن لم يذكر ذلك، يعتمد على الأسس المادية في مناقشته وطرحه للقضايا، فهو يأخذ بمبدأ السببية، ويتنكر لمبدأ القدرية. يعتبر كتاباه (السلوك لمعرفة دول الملوك) و(الذهب المسبوك في ذكر من حج من الخلفاء والملوك) مهمّين، وقد تناول الكتاب حج مجموعة من ملوك السودان، وعدد من المعطيات التاريخية الثمينة، فيما يخص حج السلطان منسا موسى ملك مالي، كما تحدث عن ركب حجيج بلاد التكرور خلال القرن الثامن الهجري.
(الشيخ محمد بن عبد الكريم بن محمد المغيلي)، (ت 909هـ -1503م):
يعتبر كتابه (أسئلة الأسقيا وإجابة المغيلي)، نموذجا من اللقاء والتثاقف الثقافي، والعلاقات الدينية بين المغيلي وباقي علماء، وفقهاء، وساسة السودان الغربي. إذ يحتوي الكتاب على الكثير من العناصر المفيدة عن الأحوال الاجتماعية والاقتصادية ببلاد سنغاي في أيام الأسقيين، خصوصا، ما كتبه الشيخ المغيلي لما التقى الأسكيا الحاج محمد بكاغو سنة 1502م.
ورغم أهمية هذا الكتاب في تاريخ العلاقات الإفريقية بين ضفتي القارة الشمالية والغربية، ورغم أن أسئلة الأسقيا محمد التي كان قد وجهها للمغيلي، تعتبر الوثيقة المباشرة الوحيدة التي وصلت إلينا من سلاطين سنغاي، وفيها إطلالة تاريخية عن بعض الأوضاع الاجتماعية والسياسية بدولة سنغاي أثناء حكم الأسقيين، إلا أن مؤرخين محدثين مهتمين بالدراسات الإفريقية أمثال موني، ودولافوس، ودي كاستري، وريش، لم يولوه الاهتمام اللازم. ذلك فكتابات الشيخ المغيلي تعتبر مصدرا ثمينا من مصادر التاريخ الإفريقي التي لا محيد عنها لأي باحث في تاريخ إفريقيا.
(حسن الوزان) أو (ليون الإفريقي)، (ت960هـ/1552م):
هو الحسن بن محمد الوزان الفاسي الزياتي الزناتي الأصل والغرناطي المولد. ب لم يكتفِ ليون الافريقي بذكر جغرافية إفريقيا فقط في كتابه " وصف افريقيا"، بل تعدّاه لما رآه في أوروبا وآسيا كذلك، وانتهى الحسن الوزان من تأليف الكتاب وترجمته عام 1526م .
كانت رحلات (ليون الافريقي) إلى السودان مصدرا مهما من المصادر التاريخية التي يعتمد عليها المؤرخون لدراسة التاريخ الإفريقي، والتعرف على أحواله وسكانه ومناخه في مرحلة مفصلية من تاريخ إفريقيا الوسيط، لذلك فرحلة حسن الوزان مع عمه إلى تمبكتو في سنة 1504م، وكانت رحلته طويلة مشعّبة تمت في صحبة القوافل، وقـُدّر للحسن أن يشهد خلالها سائر ممالك إفريقية الوسطى وحوض نهر النيجر، وأن يدرس جغرافيتها وأحوالها دراسة موفقة، وكانت تمبكتو يومئذ في أزهر عصورها، وكانت قاعدة لمملكة كبيرة قوية، تتزعم مقاليدها أسرة (صونغاي).
وقد أتيح للحسن أن يخترق في تلك الرحلة سائر ممالك السودان الواقعة في تلك المنطقة، وعددها خمس عشرة مملكة، متجهاً إلى تمبكتو نحو الشرق، ثم بعد ذلك نحو الجنوب. وهذه الممالك هي: ولاتة، وغنيا، ومالي، وتمبكتو، وجوجو، وجوبر، وأجادز، وكانو، وونجزج، وكافينا، وزمفرا، وونجرا، وبرنو، وجاوجو، ونوبي. وكان يبدي في وصفه الموجز لمواقع هذه الممالك ومعالمها الجغرافية دقة واضحة، ويلخص لنا أحوال حكامها وشعوبها في تلك العبارة: "إن حكام هذه الممالك وسكانها على قدر كبير من الثراء والنشاط وهم يشغفون بإقامة العدالة، ولو أن منهم طوائف تحيا نوعا من الحياة الهمجية" .
(محمود كعت التمبكتي الكرمني)، (ت1593م):
هو محمود بن الحاج المتوكل بن محمود الكرمني الونكري نسبا، ولد سنة (876هـ) في منطقة كورما قرب غاو عاصمة السونغاي، ثم رحلت أسرته إلى تنبكتو فيما بعد.
ولا يمكن التطرق لتاريخ إفريقيا عموما ولتاريخ السودان (بالتسمية التاريخية)، خصوصا، دون التعرف على المساهمات التاريخية الثمينة للمؤرخ والفقيه والقاضي محمود كعت الكرمني، الذي كان كتابه الهام (تاريخ الفتاش في أخبار البلدان والجيوش وأكابر الناس وذكر وقائع التكرور وعظائم الأمور وتمييز أنساب العبيد من الأحرار)، مصدرا مهما من مصادر التعرف على تاريخ السودان الغربي، على جميع أصعدته السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية. فالكتاب الذي سماه بعض المؤرخين ب "إنجيل السودان" يتحدث بإسهاب عن مماليك وأقاليم مالي وسلطانها (منسا موسى)، الذي تحدث بإعجاب عن شخصه وشخصيته وأخلاقه، وغانة، وسنغاي، التي عايش أحداثها في مرحلتين تاريخيتين حاسمتين، في عهد (سني علي) الذي وصفه بالظالم الفاسق الفاجر، و(محمد الأسكيا الكبير) الذي صحبه في رحلته الحجية والتي ذكرها في كتابه سنة 1496م.
وكانت حياته حافلة بالعطاء العلمي والثقافي إلى أن وافته المنية عام (1591م/1000هـ). لم يستطع (كعك التمبكتي) إتمام سفره التاريخي الهام، وتكفل حفيده ابن المختار بإتمامه رغم الجدل العلمي الكبير الذي ما يزال يثار حول الكاتب الحقيقي لكتاب الفتاش، حيث إن الكتاب ربما قد تعرض لتحريفات وإضافات بعد وفاة كاتبه، من طرف الشيخ نوح بن الطاهر ترويجا له للخلافة المهدية التي ادعاها الشيخ أحمد لوبو زعيم الخلافة الإمامية في ماسنة.
(أبو فارس عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم الفشتالي)، (ت 1031هـ/ 1621م):
هو عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم الفشتالي، وزير القلم الأعلى أبو فارس الصنهاجي، فقيه، أديب، ناظم، وهو متولي تاريخ الدولة المنصورية ، وهو متضلع في الشعر والأدب، بل اعتبره بعض المؤرخين آية من آيات الله في النظم والنثر .
ولد الفشتالي عام (952هـ/1546م)، حسب أحمد ابن القاضي، في حين اعتبر أحمد المقري أن ولادته كانت عام (956هـ/1549م) ، وكان مكلفا بكتابة وتحرير الرسائل السلطانية، ذلك ما أهله ليطلع على أحوال الدولة السعدية وأخبارها في عهد السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي خصوصا، لذلك اعتبره بعض المؤرخين بالمؤرخ الرسمي للدولة السعدية، كما كان شاعرا للبلاط الرسمي السعدي.
من أشهر كتبه وأكثرها أهمية للتأريخ للعلاقات المغربية الإفريقية في العهد السعدي، كتاب (مناهل الصفا في مآثر موالينا الشرفاء)، وقد قام بكتابته باقتراح وإصرار من السلطان المنصور السعدي، ليجعل منه كتابا يبجل من خلاله منجزات ومفاخر الدولة السعدية، ويجيب من خلاله على ما يعتبره أخطاءَ وزلاتِ المؤرخين الآخرين من المعاصرين له.
كان الفضل للمؤرخ والأديب المغربي (عبد الله كنون) في نشر هذا الكتاب لأول مرة سنة 1964م، رغم أن تلك النسخة التي اعتمد عليها تم تطويرها وتنقيحها فيما بعد. حيث قام الباحث (عبد الكريم كريم) بإعادة تحقيق الكتاب باعتماد نسختين محفوظتين بالخزانة الملكية بالرباط . أهمية الكتاب في التاريخ الإفريقي تكمن في أنه مصدر هام في العلاقات بين بلاد المغرب -في العهد السعدي-وبين الممالك الإفريقية، حيث يفصل الكتاب في العلاقات التجارية والاقتصادية والسياسية، من وجهة نظر السعديين بطبيعة الحال، لكن المعطيات والمعلومات التاريخية التي أتى بها الفشتالي غاية في الأهمية، لمعرفة ذهنيات وثقافات المغاربة اتجاه باقي الأفارقة في هذا العصر الذهبي، الذي استحكم فيه المغرب على جميع الأصعدة.
(أحمد بابا التنبكتي)، (ت1036هـ/1627م):
هو أبو العباس أحمد بن الحاج أحمد المسك بن الحاج أحمد بن عمر بن محمد أقيت المسوفي، الصنهاجي، التنبوكتي، يعرف باسم أحمد بابا التنبكتي، وهو صاحب كتاب (نيل الابتهاج بتطريز الديباج) .
يعتبر أحمد باب التنبكتي من أجلّ العلماء الأفارقة الذين أثروا الخزانات العلمية والفكرية بكتابات قيمة في شتى المجالات العلمية، وكان لإسهاماته التاريخية تأثير كبير في تمتين وتوطيد العلاقات بين شمال القارة الإفريقية وغربها. تتلمذ على يديه عدد كبير من مشايخ وعلماء سونغاي في عهد الأمير أسكيا (1549م-1582م)، فتبحر في العلوم، والقراءات، والفقه المالكي، والحكم العطائية، والشفاء للقاضي عياض.
اتصفت مواقف العالم الجليل بابا التنبكتي بالجرأة والشجاعة، مما كلفه السجن 14 سنة، في سجون المنصور السعدي، هو وثلة من العلماء والقضاة بسبب معارضتهم للغزو السعدي للسودان، وقد أدى اعتقاله وسجنه إلى إتلاف خزانته التي كانت تعج بأمهات الكتب، وأنفس المخطوطات، وبالفعل يوم السبت 25 جمادى الثانية 1002هـ/18 مارس 1593م، نُفي أحمد بابا من تنبكتو باتجاه مراكش، بأمر من قائد جيش المنصور هو الباشا محمود بن زرقون، الذي احتل تنبوكتو، وأجبر (بابا التنبكتي) على الإقامة في مراكش 14 عاما بعيدا عن الأهل والوطن، ثم رجع إلى تنبكتو فوصلها في 10 ذي الحجة 1016هـ/ 27 مارس 1607م، وكان ذلك بعد وفاة أحمد المنصور الذهبي.
تعتبر مؤلفات الفقيه والعلامة (بابا التنبكتي) مصدرا مهما من مصادر التاريخ الإفريقي، حيث أرخت للعلاقات الثقافية التي تربط بين المغرب والسودان الغربي، ويعد كتابه (نيل الابتهاج بتطريز الديباج) من المصادر الأساسية التي عرفت بأعلام أفارقة في المغرب، وفي بلاد السودان الغربي، حيث أرخ الكتاب لعلماء المالكية في السودان الغربي، وأورد سيرهم وكتاباتهم وتوجهاتهم الدينية، كما أرخ لعدد من الأعيان والأئمة الذين أغنوا الحركة الفكرية والعلمية في السودان الغربي. بدأ بكتابة كتابه في بلدته بتمبوكتو، وأنهاه في سجنه بمراكش، لذلك فهو يؤرخ لنا كذلك للحياة السياسية والثقافية والفكرية للمغرب الأقصى في عصر الدولة السعدية. وقد اعتمد في كتابة (نيل الابتهاج بتطريز الديباج) على مصادر كثيرة ومتنوعة، منها ما كتبه ابن خلدون في تاريخه، ولسان الدين الخطيب في كتابه (الإحاطة في أخبار غرناطة) و(المعيار) للونشريسي، وقد طبع كتابه عدة مرات، حيث طبع طبعة أولى بالمغرب سنة 1898م، والثانية بالقاهرة سنة 1911م، كما طبع في طرابلس في طبعة أنيقة ومنقحة سنة 1998م. أما الكتاب الثاني الهام للفقيه (بابا التنبكتي) فهو تكملة للكتاب الأول لذلك سماه ب (كفاية المحتاج لمعرفة من ليس في الديباج)، والذي عرف فيه بسبعمائة عالم من علماء المشرق والمغرب والأندلس وبلاد السودان الغربي، ويمتاز الكتاب بأنه تضمن عددا من المصادر التي اعتمد عليها (التمبوكتي) أو (التنبكتي) في إعداد وتوثيق كتابه، وهي مصادر هامة في التاريخ الإفريقي، وأكثرها ما يزال مجهولا أو مفقودا.
عبد الرحمان السعدي، (ت1066هـ-1655م):
من كبار علماء الدين الذين لهم باع طويل في التاريخ الإفريقي، شغل إماما للمساجد، وفقيها تطلب مشورته لدى الحكام، كما عمل كاتبا وموثقا لدى حكام سنغاي، مما أهله للتعرف على عدد من الوثائق الهامة، وجعل تاريخه (تاريخ السودان) من أهم المصادر التاريخية التي تؤرخ لمرحلة هامة من تاريخ السودان الغربي، وخاصة أثر الغزو السعدي سنة 1591م.
استفاد عبد الرحمن السعدي من كتابات العالم (بابا التنبكتي)، كما كان من معاصري (ابن المختار حفيد محمود عكت الكرمني)، كما كان (تاريخ السعدي) توثيقا مهما لدولة الأساكي ولانهيار مملكة مالي، وذكر عددا كبيرا من القضاة والعلماء الذين ذاع صيتهم آنذاك بالسودان الغربي، وخصوصا بتنبكتو، كما تحدث في كتابه بإسهاب عن المدينة وذكر ظروف نشأتها وصلحائها، كما تحدث عن بعض المآثر والمساجد التي تم بناؤها؛ كالمسجد الكبير الذي بناه (موسى منسا)، وتناول كذلك الحاكم الجائر (سن علي) وظروف وحيثيات مجيء الباشا (جودار) إلى بلاد السودان الغربي.
(البرتلي محمد أبو بكر الولاتي الشنقيطي)، المتوفى سنة (1219هـ/1804 م):
عرف بالطالب محمد بن أبي بكر الصديق الإمام المشهور، العلامة الحجة الحافظ المطلع، وهو من العلماء الشناقطة الأفذاذ الذين ساهموا بالتعريف بعدد كبير من العلماء، والفقهاء، والقضاة بشنقيط، ومنطقة تكرور عموما. ويعتبر كتابه (فتح الشكور في معرفة أعيان علماء التكرور)، من المصادر التاريخية الهامة في التاريخ الإفريقي، إذ اشتمل الكتاب على ترجمة لحوالي مئتي عالم عاشوا في منطقة تكرور لمدة تقارب 160 سنة (1056هـ-1215هـ)، كما تضمن سفره الهام التعريف بالكتابات الفقهية، والمتون، والنوازل الفقهية، المعروفة في عهد المؤلف.
وقد اتبع المؤلف في كتابته لهذا العمل التاريخي الهام طريقة المغاربة، في الخط، وإعجام الحروف، وترتيبها، مما يدل على التأثير الثقافي المغربي مع علماء وأدباء شنقيط، في هذه المرحلة التاريخية الهامة من تاريخ القارة الإفريقية. وقد اعتمد المحققان المغربيان (محمد إبراهيم الكتاب) و(محمد حجي) بشكل أساسي، على النسخة التي وجدوها بنواكشوط لدى خزانة الشيخ (المختار بن حامدون) وقارنوها بنسخ أخرى حصلوا عليها. وقد تم تحقيق الكتاب في طبعات أخرى جديدة بعد التحقيق الأول.
(محمد بن أبي بكر الأزاريفي)، (ولد سنة1322هـ-1904 م):
هو صاحب كتاب تاريخي هام عنونه ب (أزهار البساتين في التجوال إلى السوادين)، والذي يعتبر رحلة قام بها الفقيه والعالم الجليل إلى عدد من الدول الإفريقية، في إطار رحلات علم وتصوف بالدرجة الأولى، حيث سافر في ركب عدد من المتصوفة التيجانيين، ومنهم (محمد الحبيب بن محمود التيجاني)، وقد زار المؤلف دولا إفريقية عدة وهي بالترتيب: السنغال، مالي، نيجيريا، ساحل العاج، وغينيا.
كتاب الأزاريفي وإن لم يهتم كثيرا بوصف الأمكنة والبلدان والشعوب التي زارها، إلا أنه كتاب أبرز لنا التأثير الثقافي والعلمي المغربي على الثقافة الإسلامية في هذه البلدان، حيث ذكر تشبع العلماء الأفارقة بالمذهب المالكي، وبالأدبيات الدينية المغربية، وبتضلع فقهائهم في علوم القرآن، وفي القراءات المختلفة له، كما انتبه الكاتب إلى وجود وتنامي ظاهرة التبشير المسيحي في عدد من البلدان الإفريقية وخاصة في نيجيريا.
3-في سبيل الختم :
يعتبر الترافع حول تاريخ افريقيا مسالة ضرورية وملحة بل واجب علمي واخلاقي على كل غيور على الحقية التاريخية وكل مؤمن بالمصير المشترك للافارقة ، لان من شان الترافع والتدافع العلمي الرصين ان يميط اللثام عن تاريخ قارة تعرض للتشويه والتحريف من قبل سياسات ثقافية اقصائية في سياقات وازمنة تاريخية مختلفة، كما ان هدف الترافع الاسمى هو بناء الشخصية الافريقية المتوازنة المعتزة بتاريخها المتصالحة مع ذاتها وهذا الاعتزاز لا يمكن ان يكون الا بتعريف الناشئة وعموم المهتمين، بالتاريخ الافريقي المدون باقلام علمية نزيهة تسترشد بالعلم والحقيقة التي لا يمكن الا تكون ثورية. حان الوقت لبناء سردية تاريخية افريقية بعيدة عن الكلشيهات الأيديولوجية الاختزالية التي عملت بكل جهدها في فترات تاريخية من اجل نزع التاريخ والحضارة عن القارة الافريقية، بناء يقوم على استحضار النقد التاريخي للتراكم العلمي حول افريقيا والاستفادة منه بروح نقدية يقظة بناءة..
*انغير بوبكر
دكتوراة في تاريخ العلاقات الدولية
ماستر الدراسات الصحراوية والافريقية
دبلوم السلك العالي في المدرسة الوطنية للإدارة
دبلوم المعهد الدولي لحقوق الانسان
خريج المدرسة المواطنة للدراسات السياسية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
212661093037