مقالات وآراء
البطريرك عمانوئيل الثاني توما الالقوشي- الجزء 46// يعكوب ابونا
- تم إنشاءه بتاريخ الإثنين, 14 نيسان/أبريل 2025 19:29
- كتب بواسطة: يعكوب ابونا
- الزيارات: 553
يعكوب ابونا
البطريرك عمانوئيل الثاني توما الالقوشي- الجزء 46
( 1900 – 1947 ) ..
يعكوب ابونا
يسرد لنا بنيامين حداد في سفر القوش الثقافي ص 136 ومابعدها، سيرة البطريرك عمانوئيل، يقول هو يوسف بن توما بن دانيال، ولد في القوش 8 اب سنة 1852، وكانت امه هيلانه، تلقى تعليمه الاول في القوش وكان مولعا بلغته وبطقوس كنيسته، اختير من جملة الشبان الذين اصطحبهم البطريرك يوسف اودو سنة 1869 الى بيروت حينما كان في طريقة لحضور المجمع المسكوني الاول في روما.
درس الكهنوت في مدرسة اليسوعيين في غزير اولا ثم في بيروت، حيث درس العلوم العامة والفلسفة واللاهوت والكتاب المقدس. وعاد سنة 1879 الى الوطن، ورسم كاهنا في 10 تموز من قبل البطريرك عبو اليونان، فاتخذه البطريرك عبو اليونان كاتما لاسراره، اختير اسقفا على ابرشية سعرد التركية، في 24 تموز 1892،.
بعد وفاة البطريرك عبد يشوع خياط في 6 تشرين الثاني 1899م، اجتمع الاساقفة في شهر تموز1900 في الموصل لانتخاب بطريرك جديد، حضر السينودس كل من الاساقفة، ايليا ملوس، يعقوب اراهام، عمانوئيل توما، سليمان الصباغ، ويوحنا سحار وتوما اودو وطيمثاوس مقدسي ويوسف خياط، ولم يتسن لمطران كوركيس كوكا مطران سنا واسحق خودابش مطران سلماس من الحضور بسبب تقدمها في السن وبعد المسافة،
جرى الاقتراع في 9 تموز وفاز المطران يوسف عمانوئيل باكثرية الاصوات،
ويذكر البطريرك ساكو في ص 189 من كتابه سيرة بطاركة كنيسة المشرق، تمت مراسيم التنصيب في كنيسة مسكنته في 24 تموز واتخذ اسم يوسف عمانوئيل الثاني توما، وثبته الكرسي الرسولي في 17 ايلول 1900م. صدر الفرمان السلطاني بتوليته في 26 كانون الثاني سنة 1901،
واما بنيامين حداد يذكر بعد انتخابه بطريركا زار جماعة الموصل وقراها، وسافر الى بغداد في ربيع 1902 ثم قصد الشام وتركيا والاستانه في 29 ايار استقبله السلطان عبد الحميد في اليوم التالي واكرمه، وانعم عليه بالوسام العثماني الاول/ كما خصص له السلطان العثماني راتبا شهريا، وامر بصرف نفقات سفره، وفي 17 حزيران وصل ميناء نابولي وفي روما زار البابا لاون الثالث عشر، واستحصل منه تثبيت ثلاثة اساقفة هم ادي شير على سعرد، واسطيفان جبري كمعاون بطريركي، ويعقوب اوجين منا على وان.
بعد ان اشتعلت الحرب العالمية الاولى واودت بحياة الالوف من الناس، وتفشت البطالة والمجاعة، ففتح قلبه ويده للناس دون تفريق، ومسح دموع الارامل واليتاما واشبع الجياع وكسى العراة دون تميز بين مسيحي ومسلم وانسان واخر.. حتى اضطر الى بيع الاثاث النفيس والاواني الكنسية الثمينة ليطعم الجياع والمحتاجين،
وكان لشخصيته القوية والجهود الكبيرة التي بذلها في مساعدة متضرري الحرب، الأثر الكبير في زيادة احترام ابناء الطوائف والاديان الاخرى له، وفي مقدمتهم ارباب السلطة والنفوذ، فعلى اثر اشتداد حركة المطالبة باستقلال العرب اثناء الحرب العالمية الأولى، نفى الاتراك ثمانين من وجهاء بغداد مسلمين ومسيحيين ويهوداً الى الاناضول، وما أن وصل المنفيون الموصل، الا واستنجدوا به فتدخل في امرهم وقابل الوالي حيدر بك، فتمكن البطريرك من اقناع الوالي لابقاء هؤلاء في الموصل لبضعة ايام فكان له ما اراد وصادف انه في تلك الايام جاء الى الموصل (فون درغولج) قائد الجيش التركي في الكوت فدعاه البطريرك مع الوالي (حيدر بك) الى حفلة شاي واغتنم غبطته الفرصة واثار قضية هؤلاء المنفيين وتمكن من الحصول على العفو عنهم فعادوا الى بغداد شاكرين البطريرك على الجهد الكبير الذي بذله والمودة الصادقة التي أبداها،.
وبعد ان حطت الحرب العالمية الاولى اوزارها شرع الراعي بزيارة رعاياه في كل مكان. وسافر الى روما حيث قابل قداسة الباباً بندكتس الخامس عشر وكردينال المجمع الشرقي، ثم رحل الى باريس وبروكسل ولندن وقابل رؤساءها وتمكن من استحصال مساعدات جمة لمتضرري الحرب، وعاد الى بلاده.
وخلال فترة الاحتلال البريطاني للعراق، أظهر يوسف عمانوئيل عدم موافقته على الخطط الاستعمارية التي كان الانكليز يرسمونها للعراق، مما حدا بالكولونيل ليجمن الحاكم العسكري البريطاني في الموصل الى نفيه الى بغداد وأكرهه على الاقامة الجبرية فيها، ولكن اهالي الموصل مسلمين ومسيحيين رافقوه مودعين حتى (البوسيف)،. وما حصل فان السير ويلسون الحاكم السياسي البريطاني العام، علم بنزاهة وحسن طوية البطريرك وموقعه الاجتماعي والديني فرفع الحيف عنه، وقدم له التعويضات اللازمة، ثم وضع تحت تصرفه يخته الخاص الذي اوصله الى البصرة لتفقد شؤون رعيته هناك..
كان البطريرك يوسف عمانوئيل وطنياً صميمياً، متعلقاً بارضه، لذا نراه يقف الى جانب قضية العراق في اعقاب الحرب العالمية الاولى، وخاصة عندما وقف بقوة الى جانب ضم ولاية الموصل الى العراق، وكان يردد "الموصل راس العراق لا تقطع" ..
صدرت الارادة الملكية لفيصل الاول بتعينه في مجلس الاعيان العراقي، علما ان تسوية قضية الموصل كانت على حساب حق الاشوريين بالرجوع الى موطنه حكاري، فكان تنازل العراق عن حكاري لتركيا مقابل موافقة تركيا على قبول التنازل عن الموصل مقابل شروط اخرى. وهكذا تم حل قضية الموصل.
وعندما طالب الاشوريين بحقوقهم التي اعلنوها في سر عمادية، اعتبرت الحكومة العراقية ذلك تمردا على السلطة، فاستغل رشيد عالي الكيلاني رئيس الوزراء انذاك التي كانت تعاني من ازمات سياسية وخلافات بين الاحزاب فوجدها الكيلاني مخرجا لازمته الحكومية، باعلان الحرب على الاشوريين باعتبارهم متمردين على السلطة، فارتكبت حكومة رشيد عالي الكيلاني ابشع الجرائم بحق الاشوريين عندما اعلنت القضاء على الاشوريين والتخلص منهم، ففي 1– 14 من شهر تموز 1933 نشرت اكثر من ثمانين مقالة رئيسية في صحف العراقية تنادي بالقضاء على الاشوريين، وفي شهر اب 1933 نشرت الصحف اكثر من 230 مقالة مهنية تدعو جميعها لتخليص البلاد من الاشوريين بالقضاء عليهم، في هذا الوضع الماساوى نشرت السلطة خبر في المنطقة بان من لم يقاوم عليه بمغادرة اماكنهم ويتجمعوا في قرية سميل القريبة من دهوك ليتمتعوا بالحماية.
في يوم 8 / اب / 1933 بدأت اعداد كبيرة من الاشوريين الدخول الى قرية سميل والالتجاء الى مخفر الشرطة طلبا للامن والسلامة، الا ان بعد تجمع الالاف منهم قامت قوى عسكرية دخلت القرية وفتحت نيران رشاشاتها على المجتمعين وحصدت جميع من في القرية تاركة الارض سابحة في الدماء ومغطاة بالجثث الملقاة في العراء...
((كان هذا العمل الوحشي البشع بتدبير قائد الشؤة بكر صدقي، فاراد ان يعيد الماساة نفسها في قرية (القوش) التي التجؤ اليها الاف من الاشوريين، فانذرت الحكومة اهالي القوش بتسليمهم الاشوريين ولكنهم رفضوا طلب الحكومة, فحشدت الحكومة قوة عسكرية كبيرة مع بعض العشائر العربية وقبائل كردية، / فقرر اهل البلدة اخبار البطريرك الالقوشي عمانوئيل تومكا المقيم بالموصل 1852– 1947م، فانبرى احد السواق يدعى يوسف واحد القسس وشخص اخر، فاستطاعوا كسر الحصار المفروض على البلدة، وانطلقوا الى الموصل، ودخل السائق يوسف الى باحة الكنيسة التي كانت مقرا للبطريركية، مستصرخا غبطة البطريرك قائلا مولاي بلدتك القوش فانية ان لم تفعل شيئأ لها الان وبسرعة..
اجابه البطريرك قائلا تمهل يا ابني فالقوش محمية بالقديسيين ومريم العذراء؟ اجابه يوسف بعفوية وعلى الفور سيدي اني شاهدت مريم العذراء تضع حذائها تحت ابطها ومازرها في فمها وهي تهرب من القوش؟؟.
فاتصل البطريرك مباشرة بالقنصلية الفرنسية الجنوال غورو، كما اتصل مباشرة بالملك غازي، وبضغط من سفارات فرنسا وايطاليا والفاتيكان، استطاع ان يحصل بعد ساعات من ذلك بان قامت الطائرات باللقاء المناشير معلنة ان فرمان الاشوريين قد انتهى، ورفع الحصار عن القوش، ....
توجه الملك غازي شخصيا الى القوش. فوصل في 30 اب 1933 واستقبل بحفاوه في دير السيدة، رغم انه هو الذي وقع على فرمان الاشوريين وحصار القوش، علما ان ابوه ملك فيصل كان يعالج في سويسرا ، ..
خدم البطريرك وطنه وكنيسته بكل اخلاص، نظم الابريشيات ورسم 17 اسقفا، اهتم بالمعهد الكهنوتي، كذلك عنى بالراهبات فاسس معهد رهبانية القلب الاقدس "1911" في ارادن لخدمة الرعايا والاهتام بالمراة في الارياف ورهبانية مريم ببغداد 1922 لخدمة الخورنات الكلدانية والفقراء والتعليم، اصدر عدة رسائل رعوية، وطبع معظم الكتب الطقسية الكلدانية في مطبعة الاباء الدومنيكان سنة 1900 رتب القادس والعماد والاكليل والجناز والقراءات واعيد طبع كتاب الحوذران بطبعة انيقة بروما سنة 1938م ..
في اواخر ايامه عجز عن القيام باعباء البطريركية فانزوى في قلاية كراهب متوحد وتفرغ للصلاة والزهد وكان يقضي فصل الصيف عادة في جدير مار اوراها.
توفى في الموصل 21 تموز 1947 ودفن في كاتدرائية مسكنته في الموصل..
يعكوب ابونا ..........14 /4 /2025