مقالات وآراء

الاشوريون بالتاريخ- الحلقة 11// يعكوب ابونا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

يعكوب ابونا

 

عرض صفحة الكاتب 

الاشوريون بالتاريخ-   الحلقة 11

يعكوب ابونا

 

الاشوريون بركــة في الارض ... النبي اشعيا 19 : 24  

     لم يظهرالسبب لقتل الملك توكلتي نينورتا ،من قبل ابنه اشور نادين ايلي ؟ الامر الذي ذهب الاعتقاد منسجما وسياقات روحانية وعقائدية تتبنى بان ما فعله نينورتا في بابل من السوء كان لابد ان يموت موتة غير طبيعية ،بمعنى ان لعنة بابل كانت تلاحقه ، وغضب الله كان عليه ، وخير دليل على هذا الاعتقاد هو ما تحقق من الاحداث التي ادت الى قتله بهذه الطريقة الشنيعة ..

   فان تمرد ابنه اشور- نادين – ايلي – كان طبعاً بتاييد مجموعة من النبلاء الاشوريون، ان لم يكونوا هم اصلا وراء تحريض ابنه على هذا التمرد ، فخلعوا الملك عن العرش ، وحاصروه  في قصره وقتلوه ذبحاً بسيفه ،..

 هذه الجريمة بطبيعة الحال كان لها انعكاسات كبيرة وماثرة على مسيرة الدولة الاشورية، لان ادى ذلك الى حدوث ونشوء صراعات واضطرابات نتيجة الخلافات حول من له الحق باخذ العرش الملكي ،وهذه الفوضى سببت ضعف الدولة ، وعدم قدرتها لمجابهة الاعداء ، ولا بل عدم استطاعتها مجابهة المتربصين بها ، هذه الظروف استغلها العيلاميون لانهم وجدوها فرصة ، فوجهوا العيلاميون الضربة القاضية على السلالة الكاشية عام " 1168 " ق .م ،  اذ في تلك السنة غادر " شترك – ناخنتي " سوسة على رأس جيش كبير وهاجم جنوب العراق ونهبه بشكل لم يسبق له مثيل ، فنقل النصب المشهورة واعمال النحت الفنية الرفيعة منها مسلة حمورابي ، ونرام سين ونصب ما نشتوسو – الى سوسة ، واحتل بابل واعطاؤها لنجله  ليكون حاكما عليها ،  ولكن اميراً كاشيا استطاع استعادة بابل مرة اخرى اسمه " انليل – نادين – اده " وحكمها ثلاث سنوات ، " 1 " ..

  ولكن حكمه لم يدم طويلاً اذ قام ملك عيلامي اسمه  " شيلاك انشوشناك "  فتحرك ضده واطاح به عام " 1162 ق .م ، ولم يكتفي بذلك بل اخذ هذا الملك تمثال الاله مردوخ  اسيراً ،  وهكذا  تم اسدل الستار على عهد حكم اطول سلالة في تاريخ بابل وهي سلالة الكاشيين ..

واما ما كان من قاتل ابيه  اشور – نادين – ابلي – " 1207 – 1204 ق . م ، سعى لتحقيق طموحه بالاستيلاء على العرش، وهو اصلا كان ولي العهد والعرش والحكم كان له بعد وفاة ابيه ،؟  الا انه استعجل الامر ، بتمرده وقتله لوالده " وهناك قاعدة قانونية تنص على  " من استعجل الشى قبل اوانه عوقبة بحرمانه " بمعنى انه سعى لاخذ الحكم قبل ان ينتظر موت ابيه ، وتطبيقا لهذه القاعدة كان يحرم من استلام الحكم ، ورغم ذلك استولى على العرش واخذ الحكم ولكن  حكمه ولم يدم طويلا ً ، بل كان لفترة قصيرة جداً ..،  

    بعد وفاة آشور - نادين - ايلي  خلفه اشور - نيرارى الاول " 2" وهذا راى البعض ولكن: الاصح هو اشور نيراري الثالث " لان الاول كان 1547 -1522 ، و اشورنيراري الثاني كان 1424 – 1418 ،" فيكون ، اشور نيراري ، موضع حديثنا هذا هو ، الثالث ، وليس الاول ،  وفي عهده لم تكن الامور تسير وفق السياقات السياسية الاعتيادية في الدولة ،كما أخذت الحالة الاقتصادية في اشور تسير نحو التدهور وضعفت البلاد، وسادت فيها الفوضي والاضطرابات .

  من الطبيعي في مثل هذه الحالة ان يتم استغلال الظروف وخاصة من قبل المتربصين بالحكم ، اذ نجد الملك البابلي ادد – شلمناصر – يستغل هذه الحالة وسعى ليثبت قوته وسطوته ، فاخذ يتدخل في شؤون الدولة الاشورية ، حتى وصل الامر ان يبسط نفوذه على الملك الاشوري بيلدناصر نفسه ، ولكن الاخير لم يسكت امام هذه التجاوزات والاعتداءات ، فحاول جاهداً التخلص من النفوذ البابلي ، فدارت معركة بين الطرفين ، والظاهر بعد ان وصل الامر الى حد التنافس الشخصي فما كان من الملكين المتخاصمين ، الا ان حسما الامر بينهما ، فتم لهم ما ارادا ، فكانت نتيجة ذلك ان قتلا الملكان الاشوري والبابلي في مبارزة دارت بينهما ،"3 "

   بعدها عقد الطرفان معاهدة صلح ،وكان ذلك في عهد " نينب – بلاسر الملك الاشوري ، والملك البابلي " ميلي – شباك " .. ولكن بعد وفاة الملك الاشوري نينب بلاسر ، اصبح خليفته   " اشور – دان – الاول 1182 – 1145  "( الاصح لدى الغالبية هو 1179 – 1134 ) وقد  حارب البابلين وتمكن من انتزاع الاراضي ، التي كانت قد احتلها ،  في هذه المرحلة كانت اشور تعيش مرحلة تلاحم هادئة ، وقد استمر الصدام  الحدودي مع البابليين ولكن كان مجرد حدث محلي ،وبعد وفاته كان عهد ابنيه الاثنين " كان احدهما مدعوما من قبل البابلين " لم يستمر حكمه اكثر من سنة ، لانه تم خلعه واما الثاني اغتيل ، على الارجح ، " 4 .

   كانت هذه المرحلة  من تاريخ  الدولة الاشورية فترة الضعف ، كان هذا واضحا من زمن ملوكية اشور - نادين وابلي  وخلفائه الملوك الثلاثة اللاحقين بعده ، وان كانت فترة قصيرة هي ثمانية وعشرين عاما " لاربعة ملوك " الا انهم بقوا تابعين بشكل او باخرلبابل ، ولكن من الناحية التاريخية  قد تكن هذه التبعية قصيرة وفق السياقات اللاحقة ، اذا حدوث تمرد في بابل ."5  ".

  فكانت المرحلة اللاحقة من المراحل  المهمة بمسيرة اشور ، اذ ظهر عهد جديد هو زمن حكم الملك آشور - ريش - ايش 1130 - 1115 ق.م  ( ولكن هنري ساغس بكلا مؤلفيه جبروت اشور ، وعظمة بابل  يذكر بان الحكم كان " 1133 – 1116 " ) خلافا  لما يذهب اليه الاكثرية ، ومع ذلك ان تاريخ حكم اشور – ريش كما جاء في النصوص التي تعود الى تلك المرحلة تدون بان الاقتصادي كان مستقرا ،بدليل ان عمليات جلب الخراف والدواب الى البلاط الملكي مستمرة من قبل حكام المناطق ، والانتاج الزراعي مستمر، واما الوظائف الادارية هي الاخرى بقيت مستمرة مع تقطعات نادرة بسبب الصدامات الحدودية او الصراع المسلح المتقطعه " 6" .

 ولكن في الواقع اصبحت تخوم البلاد عرضة لهجمات القبائل المختلفة من الآراميين والكوتيين والميتانيين وغيرهم . ولكنه تمكن ان يصد هجماتهم ويردهم على اعقابهم كما انه حارب الملك البابلي نبوخذ نصر الاول وانتصر عليه" 7"

  وبعد وفاة اشور - ریش - ایش خلفه ابنه :

                تغلات بيلاسر الاول " 1115 -1077 ق . م

   لقد حدث تغير واضح  اذ عادة قوة  اشور،  بصعود تغلات بلاسر على العرش الاشوري ،"8 "  ومعنى تغلات بلاسر الاول ( توكولتي ابيل ايشار= ثقتي هي الابن الاول للمعبد ايشار ، ) . وايشار هو معبد الاله اشور في مدينة اشور . كان  تغلات بلاسر يتمتع بذكاء ومقدرة عسكرية فائقتين ،فقد انتصر على التحالف العسكري الذي هدد حدود اشور الشمالية ، "9"  كما زحف بجيوشه على القبائل المحيطة بمملكته ودحرهم، فحارب قبائل الماشكيين سكان الجبال الواقعة شمال كوماجين بعد ان استعدت  الاقوام للزحف على بلاد كوماجين واحتلالها .كانت هذه الاقوام بزمن توكولتي – نينورتا تدفع الجزية لاشور ، لزهاء ستين سنة خلت ، الا انها  اعلنت استقلالها وامتنعت عن دفع الجزية ، فارادوا  الاستقلال الكامل ، فهيئوا عشرون الف رجل يتزعمهم اربعة ملوك  اقتحموا كوماجين ،10 ، وغزوا الولاية الشمالية الاشورية ، وهي كوموه ، فما كان منه الا يتصرف كالاسد بشجاعة فهاجم الغزاة وهزمهم بشكل حاسم وتتبعهم في الجبال والاودية ، وزحف شرقا عبر كوموه لمعالجة الامور مع الذين جاؤا من السكان الاصليين لمساعدت الغزاة الشماليين ، " 11" وقال هو عن نصرته .كما جاء في احدى رسائله التي اكتشفت ضمن بعض الالواح الاثرية مكتوبة بالخط المسماري :

     يقول فيها : ( ملاءت من جثثهم أودية الجيل وقممه قطعت رؤوسهم وكللت بها اسوار مدنهم، وسقت عددا لا يحصى من الاسري وملكت على خزائن لا تعد . وان ستة الاف من الذين خلعوا طاعتي خروا ساجدين قدامي فترحمت عليهم ) . 12 ".

     كانت جيوش كماجين قد انفصلت في الهزيمة من الماشكين وعبرت دجلة فتحصنت في قالعة شيريشا " 13 " متنكره انها في امن هناك داخل اسوار كثيفة منيعة من غابات وتلال عالية ،

     لكن الملك تغلات تتبعها ولم تكن تلك الغابات معوقاً لتقدمه ، فقطع اشجار الغابات وفتح طريقا لجيوشة وعرباته الى ان انتهى الى القلعة فاقتحمها وقتل جميع الذين كانوا ضمنها ، قال في احد اثاره : ( ان الذين بقوا في عساكرهــم لم يقدروا على مقاومتي ، فخوفا من اسلحتي المهولة ونجاة لانفسهم التجاء والى ققم الجبال والهضاب الشامخة فصعدت مقتفيا اثرهم فحاربوني ولكني هزمتهم وعبرت مثل الزوبعة على صفوفهم في اودية الجبال وفتحت كل بلاد كموج وجعلتها في حدود مملكتي انا تغلات بيلاسر الملك القوى قاتل الاشرار ومستاصل جيوش الاعداء ) .14 .

     وحارب اهل كورخي الذين كانوا يساعدون الاعداء ، واغرقهم في مياه نامي وقبض على اميرهم  كليتشوب  وارسله الى اثور هو ونساءه واولاده وكنوزه وتماثيل الهته . وحاصر قلعة " اوراخينا " فاستسلم ملكهم شاديشتوب بن خانوشارو  ، فخرج للقائه وخر على قدميه ساجدا وقدم له كل ما كان عنده من ذهب ونحاس ومواشي فعفا عنه وتركه على سريسر ملكه ، وهكذا عامل سائر حلفائه الذين طلبوا منه الامان ، " 15 "

     وفي رجوعه الى اثور اراد الاستيلاء على البلاد الجبلية التي كانت بين بحري نيري الاعلى " بحيرة وان " ومملكته كانت البلاد مكثفة بالاشجار مشيدة على الجبال عاصية ، لا يستطيع اي جيش ان يتحرك في كذا امكنه ، وعرة ، فاخذ تغلات بلاسر معه ثلاثين عربة فقط وقسما من المشاة وتوغل هناك ثم اضظر ان يترك العربات على ساحل اورما ويزحف بالمشاة على سكان ملديش فنكل بهم واحرق قراهم فسلمت له جميع تلك البلاد وفرض عليها جزية فكانت تؤديها له كل عام .16 " .

     وثمة اشارة اخرى تزودنا بها مخطوطة تركها تغلات بلاسر على صخرة في منطقة ميلازغرت الى الشمال الغربي من بحيرة وان ، حيث نقرأ في هذا النص " تغلات بلاصر الملك القوي ملك الكون مالك اشور ملك الجهات الاربعة قاهر بلاد نايري من اراضي " تومه " حتى اراضي " دايينو" قاهر بلاد " حبحا " حتى البحر الكبير ... " 17 "  قد يكون بلاد نايري غرب بحيرة وان ، وشمال طورعابدين ، وان تومه ، و" دايينو " تمثلان الطرفين الجنوبي الشرقي – والشمالي – الغربي لبلاد نايري ، واما " حبخا " قد تكون المنطقة التي تفصل بين نايري والبحر الكبير ، 18

     تابع تغلات بلاسر حمالته العسكرية حيث عبر بعرباته وجيشه نهر دجلة وتوغل شمالا في اراضي " رابخو " الجبلية مما جعل جنوده يدفعون العربات بالايدي ، رغم محاولة رابخو ايقاف الاشوريين بالاشتباك معهم الا انهم فشلوا بذلك ، واستولى على منطقتهم ، وكان له توسع اخر بالمنطقة الشمالية هي مدينة " ميليد " التي تعرف " باسم ملطيا " حيث يدون احتلالها بوضوح .

كما  توجه بجيوشه جبال ارمينيا واجتاح كورها وهاريا بعد ان جعل مدنها طعمة للنيران ، كما اغار على بلاد نائيري فتكالب عليه " 23 " ملكاً فدحرهم جميعاً وعقبهم حتى بحيرة وان ، واخيراً اضطروا ً الى الدخول في طاعة اشور ودفعوا الجزية السنوية ومقدارها " 1200 " حصان و " 1000 " راس من الماشية ." 19 "..

 والى الحلقة القادمــــــــة ...................................  بعون الله ..

 يعكوب ابونا  ..................................  28 /9 /2025

_____المصادر  _______________________________________

1-جورج رو  العراق القديم ص 355

2- محموج الامين الكاشيون ص 18

3-عزيز برخو عزيز الاشوريون ص 20 

4-هنري ساغس عظمةبابل 89

5-هنري ساغس جبروت اشور ص87

6-ساغس جبروت اشور 89

7- عزيز برخوالاشوريون ص20

  8- طه باقر المقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ج1 ص 184

 9-الدكتور عيد مرعي تاريخ بلاد الرافدين ص 108 

9- ل . دولايوت حضارة بابل واشور 265                               

10 – ل . دولابورت حضارة بابل واشور ص265

 11- هنري ساغس عظمة بابل ص 92

12-ادي شير ص51 -                                                      

13- ادي شير ص 52                                                           

 14 -نفس المصدر 53  

 15- عزيز برخو الاشوريون ص 21

16- ادي شير 53

 17-ماسبيرو   تواريخ الشرق القديمة  ص 64                     

18- ساغس جبروت اشور 94     

19 -   نفس المصدر 95

20- دولابورت ص 265