د. سناء عبد القادر مصطفى
هل يتمكن الذكاء الاصطناعي من حل مشاكل تطور قطاعات الاقتصاد العراقي؟
د. سناء عبد القادر مصطفى
رئيس قسم الاقتصاد والإدارة المالية والمصرفية
الأكاديمية العربية في الدنمارك
الملخّص (Abstract)
يناقش هذا المقال إمكانات وتأثيرات الذكاء الاصطناعي (AI) على تطور قطاعات الاقتصاد الوطني العراقي الرئيسة (النفط والطاقة، الزراعة، المالية، الصحة، التعليم والخدمات العامة). يعتمد التحليل على بيانات وطنية ودولية حديثة لتحديد نقاط القوة والقيود والفرص، ويقدّم سياسات وتوصيات عملية لتعجيل الانتقال نحو اقتصاد أكثر تنوعًا ومرونة. تشير الأدلة إلى أن العراق يمتلك فرصة استثنائية للاستفادة من الذكاء الاصطناعي خاصة مع تحسّن البنية التحتية الرقمية، لكن ذلك يتطلب استثمارات كبيرة في البنية التحتية الرقمية، التعليم الفني، وحوكمة البيانات.
1. المقدمة
خلال العقدين الأخيرين أصبح الذكاء الاصطناعي محركًا رئيسيًا للتحول الاقتصادي في دولٍ عديدة عبر رفع الإنتاجية، تحسين كفاءة الخدمات، وفتح مجالات عمل جديدة. تواجه العراق تحديًا مزدوجًا: اعتماد اقتصادي كبير على النفط من جهة، وحاجة ملحّة لتنويع الاقتصاد وبناء رأس مال بشري وتقني يُمكّن من استغلال فرص الرقمنة والـAI. تكشف بيانات البنك الدولي وتقارير وطنية أن النفط شكّل نسبة كبيرة من الناتج والإيرادات، ما يجعل أي تحول تقني ذا أولوية استراتيجية .
2 . مصادر البيانات والمنهجية
يعتمد المقال على مزيج من: تقارير البنك الدولي ووثائق سياسة الاقتصاد الإيرادي، بيانات مؤسسات الطاقة، تقارير حكومية وإقليمية عن انتشار الإنترنت، ودراسات محلية عن تبنّي التقنيات. استُخدمت أساليب وصفية تحليلية لاستنباط تأثيرات الذكاء الاصطناعي قطاعًا بقطاع وإخراج سياسات قابلة للتطبيق. المصادر الأساسية: تقرير World Bank MPO عن العراق، بيانات انتشار الإنترنت (ITU / وزارة الاتصالات العراقية المنشورة عبر تقارير إقليمية)، تقرير EIA عن إنتاج وصادرات النفط العراقية، ودراسة محلية/إقليمية عن اعتماد الذكاء الاصطناعي في العراق. ولهذا فالذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة مساعدة قوية في تطوير قطاعات الاقتصاد العراقي، لكنه ليس حلًا سحريًا بمفرده. دوره يعتمد على كيفية توظيفه، وتوافر بيئة مناسبة (بنية تحتية، تشريعات، كفاءات بشرية، بيانات موثوقة).
3. السياق الاقتصادي الكلي (أرقام أساسية)
• نسبة الاعتماد على النفط: تُشير تحليلات البنك الدولي إلى أن قطاع النفط يُشكّل حصة كبيرة من الناتج الحقيقي ويمكن الإشارة إلى أن النفط مثل حوالي 58% من الناتج الحقيقي في العام 2023، مع اعتماد قوي للإيرادات العامة على النفط .
• صادرات وإنتاج النفط: بلغ متوسط الصادرات البحرية حوالي 3.2 مليون برميل يوميًا في 2024، ما يعكس وضعًا مركزيًا للنفط في حسابات الاقتصاد الكلي.
• انتشار الإنترنت والبنية الرقمية: سجّلت تقارير رسمية وإقليمية زيادة كبيرة في انتشار الإنترنت حيث وصلت نسبة مستخدمي الإنترنت إلى حوالي 82–83% بنهاية 2024، وهو تطور مهم يوسّع سوق الخدمات الرقمية وإمكانية نشر تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
• البطالة: تُظهر بيانات البنك الدولي أن معدلات البطالة مرتفعة؛ تشير تقديرات سنة 2024 إلى مستوى بطالة في نطاق الآلاف ونسبة عالمية مرتفعة (مثال: حوالي 17% كمعدل تقريبي للبطالة الإجمالية وفقًا لتقديرات البنك الدولي/ILO)، مما يجعل سوق العمل وتحويل المهارات قضية مركزيّة عند اعتماد الأتمتة والـصناعات الالكترونية في قطاع الصناعات التحويلية.
هنالك بعض المجالات التي يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساهم فيها:
1. القطاع النفطي والطاقوي
• تحسين كفاءة استخراج النفط والغاز عبر التحليل التنبؤي وصيانة المعدات قبل الأعطال والتوقف في عمل المعدات والأجهزة الصناعية الاليكترونية وغير الاليكترونية.
• إدارة شبكات الكهرباء لتقليل الهدر وتحسين توزيع الطاقة.
2. القطاع الزراعي
• استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بزراعة المحاصيل التي يمكنها تحمل قلة المياه وحماية الأراضي من التصحر.
• مراقبة الموارد المائية وتوزيعها بكفاءة على مستوى المناطق الزراعية الضرورية لتغذية السكان,
3. القطاع المالي والمصرفي
• تطوير أنظمة الدفع الإلكتروني وتقليل الاعتماد على النقد الورقي والمعدني اسوة ببقية بلدان العالم المتحضر.
• تعزيز الشمول المالي عبر خوارزميات تقييم الائتمان للمشروعات الصغيرة من أجل رفع كفاءتها ومساهمتها في رفع المستوى المعاشي للعاملين في هذه المشاريع.
4. القطاع الصناعي
• استخدام الأتمتة والروبوتات الذكية لتقليل التكاليف الانتاجية وزيادة الإنتاجية في مختلف المشاريع الصناعية حسب أهميتها للاقتصاد الوطني.
• مراقبة الجودة وتحسين خطوط الإنتاج، وهذه مسألة مهمة ملقاة على عاتق مدراء المشاريع الصناعية.
5. القطاع الحكومي والخدمات
• تحسين أنظمة الضرائب والجباية عبر التحليل الذكي للبيانات والتقليل أو حتى القضاء على البيروقراطية الإدارية.
• مكافحة الفساد عبر أنظمة شفافة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لمراقبة الإنفاق. وهذا يتطلب إدارة نزيهة تهمها مصلحة البلد بالدرجة الأولى.
التحدي الأكبر في العراق:
• ضعف البنية التحتية الرقمية.
• قلة البيانات المنظمة والمتاحة.
• الحاجة إلى تدريب الكفاءات المحلية على تقنيات الذكاء الاصطناعي.
• غياب التشريعات والسياسات التي تدعم التحول الرقمي.
وبالتالي فالذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد بشكل كبير في حل مشاكل تطور قطاعات الاقتصاد العراقي ولكنه يحتاج الى إرادة سياسية، استثمارات استراتيجية، وإصلاح بيئة الأعمال كي يحقق أثرًا ملموسًا في الاقتصاد العراقي.
1 . المرحلة التأسيسية (قصيرة المدى: 1–2 سنة)
البنية التحتية الرقمية
• توسيع شبكات الإنترنت والاتصالات.
جدول رقم 1
طور انتشار الانترنيت في العراق 2010-2024
السنة |
السكان (مليون) |
مستخدمو الانترنيت (مليون) |
نسبة مستخدمو الانترنيت (%) |
2010 |
31.7 |
1.3 |
4.1 |
2011 |
32.5 |
1.3 |
4.0 |
2012 |
33.2 |
1.6 |
4.8 |
2013 |
34.0 |
2 |
5.9 |
2014 |
34.8 |
3 |
8.6 |
2015 |
35.6 |
4 |
11.2 |
2016 |
36.5 |
6 |
16.4 |
2017 |
37.4 |
11 |
29.4 |
2018 |
38.3 |
14 |
36.6 |
2019 |
39.2 |
19 |
48.5 |
2020 |
40.2 |
24 |
59.7 |
2021 |
41.2 |
28 |
68.0 |
2022 |
42.2 |
31 |
73.4 |
2023 |
43.1 |
33 |
76.5 |
2024 |
44.0 |
36 |
82.0 |
ومن تحليل المعطيات الواردة في الجدول رقم 1 تشير النتائج إلى أن زيادة استخدام الإنترنت يوفر قاعدة ملائمة لتطبيق الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات. وفي قطاع النفط يمكن تحسين إنتاجيته عبر الصيانة التنبؤية، والزراعة يمكن الاستفادة من الزراعة الذكية. كما أن القطاع المالي والصحي والتعليم بحاجة لتطوير البنية التحتية الرقمية وتدريب الكوادر الإدارية والصحية كل حسب اختصاصه. بالإضافة الى بناء مراكز بيانات محلية لحفظ ومعالجة البيانات والمعطيات الإحصائية بمختلف أنواعها للاستفادة منها في المستقبل.
2. المرحلة التجريبية (متوسطة المدى: 3–5 سنوات)
مشاريع ريادية محدودة
• في الزراعة: اقامة أنظمة مراقبة ذكية للري وإدارة المياه.
• في الطاقة: تأسيس نظام صيانة تنبؤية لمحطات الكهرباء.
• في الحكومة: رقمنة الإدارة الضريبية كمدخل لتحسين جودة خدمات الجباية باستخدام خوارزميات كشف التلاعب.
الشراكات
• تشجيع التعاون مع الجامعات العالمية والشركات التكنولوجية في مجال البحث العلمي والمشاركة في المؤتمرات والندوات التي يمكن الاستفادة من الخبرات والقامات العلمية المشاركة فيها.
• دعم الشركات الناشئة العراقية في مجال التكنولوجيا ماديا ومعنويا.
3. المرحلة التوسعية (طويلة المدى: 5–10 سنوات)
تعميم الذكاء الاصطناعي
• نشر الأتمتة في القطاع الصناعي.
• تطوير الخدمات المصرفية الذكية لتعزيز الشمول المالي.
• بناء أنظمة نقل ذكية لإدارة المرور.
تحويل اقتصادي شامل
• دعم الابتكار وريادة الأعمال القائمة على البيانات.
• جعل العراق مركزًا إقليميًا لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في النفط والزراعة.
• دعم الشركات الناشئة العراقية في مجال التكنولوجيا.
بهذه المراحل، يصبح الذكاء الاصطناعي مكملًا للإصلاح الاقتصادي لا مجرد تقنية، ويضمن أن الانتقال يتم تدريجيًا دون إحداث فجوة أو مقاومة مجتمعية.
لقد قمت بترتيت النقاط بشكل واضح جدًا بحيث تشكل هذه الخطوات أساس لخارطة طريق عملية لإدخال الذكاء الاصطناعي في قطاعات الاقتصاد العراقي المختلفة. وحتى تكون الصورة أكثر وضوحًا وسهلة العرض (مثلاً في تقرير أو عرض تقديمي)، يمكن إعادة صياغتها في جدول زمني مبسط بالشكل التالي:
المرحلة |
المدى الزمني |
الأهداف الرئيسية |
الإجراءات العملية |
التأسيسية |
1-2 سنة |
- بناء بنية تحتية رقمية قوية - وضع أطر تشريعية -تطويرالقدرات البشرية |
- توسيع الإنترنيت ومراكز البيانات والتحول الرقمية - قوانين حماية البيانات والتحول الرقمي - تدريب الكوادر وإدخال برامج أكاديمية للذكاء الصناعي |
التجريبية |
3-5 سنوات |
-اطلاقة مشاريع ريادية في قطاعات مختارة. بناء شراكات دولية ومحلية.
|
-أنظمة ري ذكية في المشاريع الزراعية -صيانة تنبؤية في المشاريع الطاقوية -رقمنة الضرائب وكشف التلاعب في المشاريع الحكومية -دعم الشركات الناشئة وتعاون الجامعات فيما بينها. |
التوسعية |
5-10 سنوات |
-تعميم الذكاء الاصطناعي في القطاعات. -تحويل الاقتصاد عبر الابتكار وريادة الأعمال القائمة على البيانات
|
-الأتمتة الصناعية -المصارف الذكية والشمول المالي -أنظمة نقل ذكية |
1 - الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي يُقصد به قيمة الناتج الإجمالي للدولة من السلع والخدمات المعدّلة وفقاً للتضخم. - فهو يسمح للاقتصاديين وصنّاع السياسات والمحللين بتقييم النمو الأساسي للاقتصاد مع مراعاة التشويه الناجم عن التغيّرات في الأسعار.
2- جدول رقم 1. تطور انتشار الإنترنت في العراق (2010–2024).
قائمة المراجع المقترحة (مختارة للقراءة والمتابعة)
1. World Bank — Iraq MPO / Country Policy and Macro-Fiscal Documents (ملاحظات حول الاعتماد على النفط وتوقعات المالية العامة). thedocs.worldbank.org
2. World Bank — Iraq Overview / Data (معلومات أساسية عن الناتج والتوزيع القطاعي). Verdensbanken
3. EIA — Iraq Country Analysis Brief (2025) (إنتاج وصادرات النفط 2024). eia.gov
4. International Telecommunication Union / تقارير وزارة الاتصالات العراقية — بيانات انتشار الإنترنت (تقرير نشرة SAMENA وبيانات ITU عن 2024: اختراق الإنترنت ~82.9%). samenacouncil.org+1
5. iNNOV8 — Adopting AI in Iraq (دراسة محلية/إقليمية عن فرص وتحديات تبني الذكاء الاصطناعي). innov8.channel8.com
ملاحظة حول الأرقام والمراجع
أوردت في النص نسبًا ومؤشرات مأخوذة من تقارير رسمية ومصادر موثوقة مذكورة أعلاه (World Bank, EIA, ITU/SAMENA، ودراسة محلية.