اخر الاخبار:
غوتيريش يحذر من اقتراب "الدمار" المناخي - الخميس, 06 تشرين2/نوفمبر 2025 20:33
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

يوميات حسين الاعظمي (1403)- المقام العراقي رواية العراقيين -9

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسين الاعظمي

 

عرض صفحة الكاتب 

يوميات حسين الاعظمي (1403)

المقام العراقي رواية العراقيين -9

 

من كتاب (المقام العراقي في مئة عام)

تحت عنوان داخلي مركزي

المقام العراقي رواية العراقيين -9

 

واقع الحال، ان المقامات العراقية التي خلّفها لنا الاستاذ محمد القبانجي مسجلة بصوته الكبير. عبّرت عن حقبة التحول بصورة جمالية مثيرة..! فهو فنان كبير لأن عواطفه الشخصية ومشاعره توافقت مع ثقافة وجماليات وذوق حقبة التحول التي عاصرها..! ولأنه كان واعيا لجوانبها الايجابية والسلبية..! حيث اعطى لهذا الوعي تعبيرا اوضح ولطريقته التي حمل رايتها في يسرها وعسرها مفهوما اوسع. انه يقدم لنا المقام العراقي كاملاً..! انه كامل، ولكنه مُعد الى اقصى درجة من الحبكة والإحكام..! وهذا الإعداد في قوة الحبكة وتماسك العلاقات الداخلية لمسار وعناصر غناء المقام العراقي المغنى، هو على اية حال ليس متكلفا بل هو إعداد فني ناتج عن امكانية فذة. واعية وغير واعية. وبكلمة اخرى فإن القبانجي بتعبيره الدقيق عن ظروف حقبته الزمنية، يعبِّر عن جميع مشاكل الحياة الشـعبية وجمالياتهاوكل فئات المجتمع الذوقية..!

يمكننا ان نتساءل، ماهي العلاقة بين امكانية محمد القبانجي على تصوير واقع الحياة المعاصرة، والدور الذي تلعبه ظروف هذا العصر بتحولاتهـــا السريعة..!؟ وللاجابة على هذا التساؤل. اذ يبدو اني قد فهمت شيئا من هذا السر في امكانية استاذنا القبانجي. حيث قلت مرة، ان المقامات العراقية التي غنّاها وسجّلها القبانجي بصوته، تسير في نفس منحى المقامات العراقية التي اداها المغنون الكبار ممن سبقوه في تاريخ هذا الغناء..! وبهذه المقامات العراقية القبانجية، فقد استلزم حضورهم في هذا التاريخ كمنعطفات فنية غنائية تاريخية رفدوا من خلالها المقام العراقي بروح جديدة كل في حقبته.كالمغني المقامي رحمة الله شلتاغ(1793-1871)مؤسس الطريقة الشلتاغية. واحمد الزيدان مؤسس الطريقة الزيدانية ورشيد القندرجي مؤسس الطريقة القندرجية. والملا عثمان الموصلي الفنان الرائد البارز في النهضة العربية الموسيقية، حتى محمد القبانجي..! وعليه يعيش المتلقي تجربة هذا التاريخ في شخصيات المؤدين الكبار المهمة. وانها من ناحية اخرى مهمة الكتّاب والنقاد بالفعل خلال هذا التاريخ، ان يوضحوا ما يحدث من فن في هذا الاداء وإلقاء الضوء على الامكانيات الفذة لدى المؤدين الكبار، لتكون نتاجاتهم هي التي تجعلهم يظهرون بمظهر المؤدين الكبار الفعليين ضمن مسيرة التاريخ المقامي العراقي.

هكذا إذن يترك المغنون الكبار نتاجاتهم المقامية الغنائية تنمو من خلال روح العصر الذي يعيشون فيه. فالعلاقة هنا تكون وطيدة بين امكانياتهم وفرص حقبتهم المتاحة. وبالتالي فالامر مرهون بمستوى مهارة كل منهم في تنمية هذه العلاقة. ولهذا نراهم وقد اصبحوا مؤدين مركزيين بين كل اقرانهم من المؤدين المقاميين العراقيين في حقبهم الزمنية.

        ان عبقرية المؤدين الابداعية الفذة، تُظهر نفسها في الصفات الادائية المقامية الفردية والفنية المميزة التي يسبغونها على مقاماتهم التي يسجِّلوها بأصواتهم الغنائية المقتدرة الرئيسة والفرعية. بحيث يعطونا مقامات عراقية متماسكة في حبكة ديناميكية رصينة..! وفي مثل هذه الاعمال وهذا المستوى من النتاج الفني. يجري التمييز بين المغني كقائد لعمله، والمقام العراقي المغنى كمادة غنائية تراثية ببراعة فائقة. فمقام المنصوري مثلاً(سلّمه صبا) الذي يغنيه محمد القبانجي بهذه القصيدة المخمسة لشاعر القصيدة الاصلية كاظم الازري قبل تخميسها.

 

(صح قلبي وجدا وجسمي سقامــا/فالى ما الام فيـــــك الى ما)

(ليت شعري الى من بك القلب هاما/أي عذر لمن رآك ولامـــــا)

(عميت عنك عينه ام تعـــــــاما)

 

       اذ يمثل هذا المقام، الذروة العاطفية لدى الجمهور المتلقي. لذا فان هذا التفاعل الوثيق، أي وحدة العمل المتكاملة والعميقة بين المؤدين كقواد لاعمالهم الفنية، وبين مادة غنائهم. إذ يبرز من حيث الحصيلة النهائية، نجاح ديناميكية ادائهم بكل مقوماتها في مثل هذه الاعمال. ففي مقام المنصوري ندرك ان محمد القبانجي مهيمنا تماما على مواد مادته الغنائية، ومهيمنا على مضامين ادائه لمادته..!هكذا تخلد الاعمال الفنية، وهكذا يخلد المغنون الجيدون..! وفي مثل هذه النتاجات ايضا، يمكن التعبير عن العلاقات المتبادلة بين نفسية الناس وظروف حياتهم الاجتماعية والمعنوية، التي اصبحت في تلك الحقب على درجة ما من التعقيد، بحيث تحتاج الى تصوير واسع جدا لهذه الظروف والتفاعلات التي انبرى لها مؤدون كبار في الغناء والموسيقى. كل في حقبته،كرشيد القندرجي ومحمد القبانجي ومن امثالهما في المستوى الذين ايقظوا العصور البعيدةالمتلاشية من تاريخ هذا التراث الغناسيقي الحضاري(المقام العراقي). وبواسطة هذه المستويات التعبيرية في الاداء المقامي العراقي، التي بواسطتها تمكّن الناس ان يعيشوا عبرَ هذه النتاجات المقامية العراقية المعبرة. العصور مرة اخرى..ّ بخيالهم، بتأملاتهم، بأحلامهم، بتصويراتهم. انه تفاعل محسوس بين الانسان وتاريخه. بين الانسان وبيئته الاجتماعية باوسع طريقة. وعليه فقد كان هذه النتاج يرتبط ارتباطا وثيقا بمحاولة تصوير الواقع التاريخي للموسيقى وغناء المقام العراقي كما كان تقريباً..! وكما هو عليه في العصر الراهن، مع الاحساس بالمستقبل. فالقضية هي قضيةتركيز الوصف او التصوير لكل ما يعني المقام العراقي والمجتمع البغدادي.

 

والى حلقة اخرى ان شاء الله.

 

 

صورة واحدة / في آب 1994 الفنان الكبير كاظم الساهر يتوسط الصورة في فندق (المشتل) بتونس. ويظهر فيها يمينا الفنان التشكيلي الكبير وليد نايف مع ابنائه ثم فخر العرب كاظم الساهر والتونسي منظم حفلاته واخيرا حسين الاعظمي.(من ارشيف وليد نايف).

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.