مقالات وآراء
يوميات حسين الاعظمي (1404)- المقام العراقي رواية العراقيين -10
- تم إنشاءه بتاريخ الجمعة, 10 تشرين1/أكتوير 2025 22:42
- كتب بواسطة: حسين الاعظمي
- الزيارات: 772
حسين الاعظمي
يوميات حسين الاعظمي (1404)
المقام العراقي رواية العراقيين -10
من كتاب (المقام العراقي في مئة عام)
تحت عنوان داخلي مركزي
المقام العراقي رواية العراقيين -10
تحولات وتطلعات جديدة
ان هذه المرحلة الجديدة في حقبة اواخر القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين(حقبة التحول) في سماتها التطورية، وجدت التعبير عنها..! حيث اعتمدت على جذورها المتواصلة من القرن التاسع عشرلدى المواهب الذاتية لمجموعة من الفنانين من مغني هذه الحقب بنتاجاتهم الفنية المختلفة التي اتسمت بالتطلعات الجديدة نحو الابداع والتطور والتجديد. ومن هذه المواهب يقف احمد الزيدان شامخا حين يغني مقام الصبا وهذا مطلع القصيدة.
(خليلي ما احلا صـــبوحي بدجلة/ واعذب منها بالفرات غـــبوقي)
والمغني جميل البغدادي في مقام السيكاه بهذا المطلع من القصيدة.
(خليلي دمع العين قد جرح الخـدا/ وابيض شعري بعد ما كان مـسودا)
ومقام النوى بصوت عباس كمبير بقصيدة عنترة ابن شداد بهذا المطلع من القصيدة.
(رمت الفؤاد مليــــحة عذراء/ بســــهام لحظ ما لهن دواء)
وفي مقامي الطاهر والبنجكاه كل على حدة، يغني جميل الاعظمي هذه القصيدة وهذا مطلعها.
(نسيم الوصل هبَّ على الندامــى/ فاسكرهم وما شربوا المـــداما)
هكذا نشأت في هذه المرحلة من التاريخ البشري بصورة ثقافية محسوسة. نهضة او حركة ابداعية نحو التحديث وبث روح جديدة في كيان كل الماضي، للانطلاق منه نحو الحياة الحاضرة والقادمة. اي مفهوم عن التقدم جديد..! وهكذا تعتبر هذه الحداثة في الفن والموسيقى في هذه الحقبة، عنصرا من عناصر التقدم الانساني في العراق والبلدان الاخرى لا غنى عنها.
هكذا كان الاساس الفني والابداعي للغناسيقى في العراق، وخصوصا التسجيلات الصوتية في المقام العراقي التي خلفها لنا الكثير من المغنين المقاميين في هذه الحقبة وعلى الاخص منها تسجيلات مطرب القرن العشرين محمد عبد الرزاق القبانجي(1901-1989)وكذلك كان شأن الغناء الريفي والبدوي والحديث وغيرها.
لقد سار الغناء المقامي في هذه الحقبة، في هذا المنحى التطوري بصورة عامة. وكذلك سار عليه غناء مطرب العصور المقامية محمد القبانجي بصورة خاصة. وهكذا توضحت بصورة جلية، حقبة جديدة من الابداع الفني في الابتكار والاكتشاف والتجديد. ليولد المقام العراقي برمته من جديد في القرن العشرين..! الا ان على المرء ان لا يفكر على ان هذه الحقبة من التطورات والتحولات من ناحية تاريخية فقط، لانه في النهاية لا بد لنا من ان نعثر على احتمالات مقنعة للاسباب التي اوجدت الدراما بين الطرق الادائية المقامية القديمة والظرف الغناسيقي في هذه الحقبة..! الذي وجد سبيله الى محمد القبانجي ليتسيّد العرش الغنائي المقامي طيلة النصف الاول من القرن العشرين. ومن المؤكد في تقديري، ان محمد القبانجي لم تكن نتاجاته في التجديد والابداع عقلية فقط، فلربما لم يكن لينجز أي ابداع بحيث يمكن ان يؤثر في عصره وفي لاحقيه من المغنين. وبذلك فاننا نعول كثيرا على الموهبة الفطرية التي امتلكها محمد القبانجي في هذا السبيل. وكذلك على الظرف العصري الذي عاش فيه القبانجي. حتى امست ابداعاته وهي تسجل حضورهــــــــا في حقب تلت عصر القبانجي نفسه..!
انني احاول هنا، ان اطرح المنحى العصري لهذه الحقبة كاطار عام لتلك التحولات في نواحي الحياة عموما وفي بلدنا على وجه التخصيص. نتيجة للظروف التي مرَّ بها العراق. وكانت اولها التأثيرات الفكرية والجمالية والذوقية التي افرزتها صدمة الحرب العالمية الاولى(1914-1918) التي نحاول ان نقدم باختصار مخطّطاً لهذه التأثيرات في هذه النواحي المهمة في الحياة. واعتقد ان الوعي الجمالي الذي اصاب الناس في هذه الحقبة، قد ألّف الاساس الجماهيري لشيوع الطريقة القبانجية في الغناء المقامي، التي مكّنت مبدعها محمد القبانجي ان يصبح عالما بالاتجاهات الجــــمالية والذوقية واساليب العــرض الفني الملائمة للعصر..!
يصح لنا ان نقول من جانب آخر، ان القبانجي يعد من اولئك المغنين الكبار الذين يتجلى عمقهم بصورة رئيسة في نتاجاتهم. وهو عمق يشوبه الغموض في معظم الاحيان بحيث لايفهمه حتى القبانجي نفسه في الاعم الاغلب..! لأن هذا العمق ينبع من موهبة اصيلة، موهبة واقعية، امكانية كبيرة، وبالتالي شخصية وكارزمة خفية مثيرة..!
على الرغم من ان هذه الحقبة من التحولات(حقبة التحول)، تعتبر منعطفا جديدا بكل مقاييس الحياة، التي افرزت لنا منعطفا ضمنيا آخر في الغناء المقامي باصوات مؤدي هذه الحقبة. وبالاخص محمد القبانجي وطريقته الجديدة في الغناء المقامي العراقي. هذه الطريقة يمكن ان تعتبر امتدادا مباشرا للغناء المقامي للقرن التاسع عشر..! حيث تكشف لنا طريقة القبانجي هذه بصورة تحليلية واستنتاجية. عن حالة الغناء المقامي ومؤديه في القرن التاسع عشر. هذه الحالة الادائية التي يمكن ان نعتبرها اجمالا، ليست عميقة جدا من الناحية الابداعية، وليست عميقة ايضا من حيث المعرفة الواسعة والدراسة المفصلة للناحية الفنية. في حين يمكننا ان نقول بثقة تامة. ان الطريقة القبانجية بالمقارنة مع ما انتجه القرن التاسع عشر رغم وجود مغنين كبار فيه، ترمز الى شىء جديد كليا.
ان (الطريقة القبانجية) في الغناء المقامي، قد اثّرت في كل جانب من فنوننا الغناسيقية، وفي كل جانب من جوانب عصرها. وقد تبلورت قدرات المغنين حتى المبدعين منهم خلال القرن العشرين، تحت تأثير هذه الطريقة الغنائية التي عملت على توضيح الكثير من الجوانب الفنية الادائية التي كانت سابقا شبه غامضة..! كوضوح الكلمة المغناة وتوضيح الجمل الادائية المفيدة داخل المقام المغنى، وتقوية البناء اللحني وتماسك علاقات العناصر المكونة للمقام العراقي باصوله التاريخية وقواعده التقليدية الشكلية(form)، ومن ثم تطور الطابع الدرامي لفن الغناء والدور الجديد والمهم في تقوية وتفاعل هذا الغناء بالمتلقي الذي هو حصيلة العمل الفني باجمعه. وغيرها من الميِّزات التي كانت قد بقيت حتى هذه الحقبة شبه مفقودة ومجهولة، رغم وجود مغنين كبار سبقوا القبانجي في الظهور مثل احمد الزيدان مؤسس(الطريقة الزيدانية) وخليل رباز وحمد بن جاسم ابو حميد ورشيد القندرجي وآخرين. ويمكننا ان نستمع الى احد المقامات العراقية التي سجلها القبانجي بصوته في هذه الحقبة، مقام الافشار(سلّمه سيكاه هزام) واحدى قصائد ابي نؤاس بهذا المطلع.
(لاتبك ليلى ولا تطرَب الى هــــند/ واشرب على الورد من حمراء كالورد)
يمكن الانتباه الى الجوانب الفنية التي انجزها القبانجي في مقاماته وطريقته التي افرزت هذه السمات الجديدة التي ادخلها في الغناء المقامي. سمات وثيقة الصلة بالسمات السابقة، على ان تحوّلها الثقافي التطوري كان منعطفا بحق.
والى حلقة اخرى ان شاء الله.
مجموعة الصور

صورة واحدة / في مصيف سرجنار بالسليمانية يوم 18 /4 /1978. يمينا شيخ ضاربي الايقاع الهرابدة احمد هربود جاسم والمطرب الكبير صلاح عبد الغفور وحسين الاعظمي.


