اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

• ازمة المثقف السبعيني في الواقع العراقي ..

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

حسين طعمة

ازمة المثقف السبعيني في الواقع العراقي ..

 

إنها أزمة روحية ..وقلق وأحاسيس بالضجر واللاجدوى تلك التي عاشها المثقف الثوري السبعيني بعدما تنصل الواقع لمفاهيمه وأحلامه  في وطن غرائبي لا قرار له .أيمكن لهذا الذي خبر الحياة وعاش تجارب مريرة وقاسية أن  يتماهى مع عصر الانحطاط والتسطح والهامشية التي تطغى بكل ثقلها على الوعي والثقافة الجديدتين ,إنها ببساطة موجزة ,صيرورة لانعدام التناسق و استحالة الانسجام , بمعنى إن ليس في المشهد الآن سوى القلق والتغرب , بعد صراع مرير وطويل  من اجل الحياة و الإنسان ورقيه وإعلاء شأنه وإطلاق طاقاته كونه يمثل قيمة عليا في فلسفة الوجود  ,و إرادة لا تقهر .ولكن هل يستطيع السبعيني ,بكل ما أمتلكه من أسلحة المواجهة ,وخبرته في الخلاص ,أن يستمر في مقارعة هذا الواقع و  مواجهته ,وان يظل متماسكا ,وهو يغذ السير في عالم لا ملامح له ؟وماذا سيفعل ألان وسط هذا الخراب الذي طال كل المنظومات القيمية والانسانيةالنبيلة .حين كان له وعيه وأدواته الفاعلة على المشهد السياسي ,تلك التي جعلته أمينا لمبادئه الفكرية والإنسانية ,وضل حاملا جمرة وعيه الثوري وخلاص شعبه ,رغم كل ما لاقى من تعسف واضطهاد وقهر .خاصة عند العام 79,أي بعد انهيار الجدار الكرتوني لما يسمى بالجبهة الوطنية .ومن ثم وقوع الطامة الكبرى ,حين اندلاع الحرب العراقية الإيرانية .تلك التي أحدثت تحولا خطيرا في كل مفاصل الحياة في العراق ,وتداعت فيها كل المنظومة الأخلاقية والاجتماعية والسياسية والثقافية .وكان نكوصا مرعبا أثار خطه البياني الخوف والفزع على مصير الوطن والإنسان .وبظهور هذه الحرب الكارثية ,وهيمنة الخطاب الثقافي التعبوي ,الحربي والحزبي, وانحسار الحريات السياسية والثقافية ,وكذلك التصفيات التي طالت العديد من المثقفين المناضلين .أولئك الذين رفضوا الانضمام إلى جوقة المداحين وقارعي طبول الحرب , حاول المثقف الذي بقي أمينا على فكره ومبادئه أن ينأى بنفسه بعيدا عن الانحدار والانسلاخ المهين في مشهد ,أوقع بعض المثقفين أنفسهم فيه ,تحت رحمة وجنون عدي الذي جعل من نفسه نقيبا للصحفيين ومنظرا للمؤسسة الثقافية في العراق.,بعد إن تحولت الى دائرة مخابراتية وظيفتها تصفية أصحاب  الآراء الحرة ونشاطهم الإبداعي وتجبير الصحافة الأدبية والسياسية  لتمجيد السلطة والتجسس وكتابة التقارير على الأدباء والمثقفين والفنانين.إلا ان الكثير منهم واجه هذا المد التعبوي رغم المكارم والمغانم ,وأبى ان يكون بوقا زاعقا في جوقة المداحين الجدد,نائيا بنفسه عن واقع مرير وحاملا فجيعته وأحلامه الزائلة,وخراب جمعي طال أجيال عديدة من أبناء الشعب الذين فقدوا إحساسهم بهويتهم الوطنية بعد ضياعهم في حروب مجنونة لا طائل منها .

فاثر البعض ,في ضل واقع كهذا الصمت والانزواء بعيدا عن الساحة الأدبية والسياسية ,خوفا من أعين الرقيب .ولكن رغم ذلك ,كان البعض يهرب نتاجه وجهده الى الخارج وينشره في وسائل إعلام  بعض الدول المجاورة .وكذلك ظهور ما يسمى بثقافة الاستنساخ .وكان عملا محفوفا بالمخاطر ,مهمته استنساخ العديد من الأعمال المميزة التي تنشر في الخارج وتوزيعها بسرية تامة .اما البعض الأخر ممن استطاع السفر الى الخارج عند فتح الحدود مع الأردن (ومنه خرج العديد من المثقفين والسياسيين والفنانين)فقد امتلكوا حرية الكتابة والإبداع وتوزعوا بين الأردن وسوريا ولبنان .غير ان هناك تجارب أخرى سبقت الفترة تلك ,الا وهي الهجرة والنزوح الواسع الذي شهده العراق نهاية السبعينيات ,وكما هو معروف للجميع ماهية هؤلاء النازحين ووضعهم الثقافي  والاجتماعي والعلمي .حيث كان اغلبهم من الكفاءات العلمية ومثقفين وأدباء وسياسيين وفنانين وجامعيين ,اضطرهم تأزم الأوضاع السياسية للهجرة من العراق في محطات الغربة و في أنحاء شتى من هذه الأرض.وتوفرت للكثير من هؤلاء حرية الإبداع والنشر وكانت في اغلبها البوح عن هموم الوطن وتقييما لأوضاعه المأساوية والبوح عما كان يشغل الكثير  منهم ومخاضات لم تجد فسحة من الحرية لانطلاقها .وكانت أكثر تلك التجارب وقعا وتأثيرا وصدى ,هي التجربة الفتية التي كانت بحق تمثل أروع إيثار وتضحية وتفان من اجل الوطن .تلك هي تجربة الأنصار في شمال الوطن .تجربة زاخرة بكل معاني القيم الإنسانية النبيلة ,أكدت للعالم اجمع ,ان الشعب العراقي لن يرضخ يوما للظلم والقهر والاستبداد ,رغم أساليب الدكتاتورية الصدامية وتأثيرها على العديد من القنوات الإعلامية العربية والعالمية بأساليبها الرخيصة وشراؤها الذمم بكوبونات النفط ومنح مالية لدول وشخصيات معروفة ,أصابها الذعر والفزع حين تكشفت الأوراق وتبين حجم الخسة والابتذال لنظام لا يعرف سوى العمل بشتى الوسائل للحفاظ على وجوده وديمومته وبقائه.لقد حفلت التجربة الأنصارية بكم هائل من الإبداع والتألق ,إضافة الى الهدف الرئيسي من وجودها  المقاوم للنظام وأجهزته الفاشية ,ودروس نضالية سطرت لأجل الخلاص والحرية والانعتاق.وما يهمنا الآن هو النشاط الإبداعي لتلك المرحلة الحافلة بالعديد من النشاطات السياسية والأدبية والفنية وما كان يصلنا في الداخل من نشريات وصحف حافلة بمساهمات رائعة يقوم بها الأنصاريون من شؤون سياسية وإبداع أدبي وفني يرقى الى مستويات كبيرة ومهمة .

وبعد تعاقب الأحداث ودخول القوات الحليفة  الى العراق ومن ثم عودة القوى السياسية الى الوطن ,لإعادة وبلورة عملها ونشاطها السياسي من جديد ,ومعها العديد من الناشطين السياسيين والمثقفين ,كانت هناك صدمة كبيرة واجهها الجميع بعد معاينتهم الأوضاع التي آل أليها الوطن ,وارتباك ساحته السياسية والاجتماعية والثقافية ,وتدني مستوى وعي الشخصية العراقية وظهور ثقافة بديلة أنتجت ثقافة أخرى لا تمت للثقافة والوعي الإنساني بصلة ,تتقاطع مع كل المفاهيم والقيم  النبيلة التى عاشها العراقيون طيلة أجيال عديدة .فكان الواقع العراقي الجديد أسيرا لأمراض اجتماعية خطيرة وغريبة مثل التعصب الديني والمذهبي والقومي ,وظهور عقد اجتماعية أخرى مثل اللاتسامح والثأر والنزوع الى جرائم السرقة والخطف والقتل والتهجير ,تلك التي دخل بها العراق إلى أنفاق مظلمة وخطيرة وخاصة بعد الحرب الطائفية الأخيرة وما أحدثته من تداعيات وتفكك في في بنية المجتمع العراقي .وأمام هذا التفكك والانهيار المأساوي وجد المثقف نفسه متلمسا الطريق ,باحثا عن بقعة ضوء ,يستطيع منها زراعة الأمل والحب والسلام ,ليعود الوطن مثلما كان ,مظلة تحنو على جميع العراقيين بأديانه العديدة ومذاهبه وقومياته,ليعود من غربته من أخذه الحنين بعد ان ضاق الكثير منهم ذرعا بأوضاع الوطن وإحساسهم بالغربة ,واستحالة مد الجسور معه,فيلح عليهم هاجس العودة الى المنفى من جديد .بعدما احترقت كل أوراق العمر وسنيه ,اصطبارا وأملا بالعودة الى الوطن الحلم وإعادة تشكيل الذاكرة التي بدأت تشيخ ,وحلم بالعودة الى ساحات وشوارع شهدت عبث الطفولة,ووجوه كان لهم معها جسارةواسرارا وأحلاما كبيرة .

يواجه المثقفون الان اخطر مراحل التاريخ العراقي الحديث ,وتحديات كبيرة للنهوض والخروج من مأزق شائك وواقع معقد بعد انهيار النظم الأخلاقية والاجتماعية ,وترد كبير في القيم والمفاهيم الواقعية ,ومن تفش الجهل والضياع في بلد ,يحتاج المزيد من الجهد والإرادة الصادقة والعمل لاسترداد عافيته وخلاصه من أمراضه الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية .

حسين طعمه 

 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.