مقالات وآراء

الفوضى والتخبط واللا ابالية في مواجهة وباء الكورونا// سعد السعيدي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

سعد السعيدي

 

 

الفوضى والتخبط واللا ابالية في مواجهة وباء الكورونا

سعد السعيدي

 

منذ بدء انتشار فيروس الكورونا خارج العراق وتهديده باجتياح البلد ونحن نرى الاجراءات الحكومية في فوضى وتخبط ولا ابالية في التعامل معه.

 

لقد جرى في شباط الماضي تشكيل خلية ازمة بموجب امر ديواني لمتابعة امر هذا الوباء. وكان يجب ان يقوم رئيس الحكومة بمتابعة الازمة بنفسه بسبب اهمية الامر القصوى وتعلقه بالامن والسلامة الصحيين في البلاد التي يقودها هو لا وزير الصحة، وغيابه يعكس مستوى اهتمامه بامر البلد. وقد تملص رئيس الحكومة عن الاعلان عن نص هذا الامر الديواني رقم (55) الذي شكل الخلية ونص اللاحق رقم (64)، إذ انهما غير موجودين على الشبكة. كذلك لم يفهم سبب ابقاء اسماء اعضاء الخلية وصلاحياتها سرا، وكأننا ما زلنا في دولة المنظمة السرية. وفي خضم كل هذا حرص مجلس النواب الجهة الرقابية خلال ازمة الكورونا هذه على التميز باداء قاصر وخجول!

 

وقد لاحظنا في الاعلام في ما يخص تسمية خلية الازمة قيام السياسيين بالتشويش على المواطنين حسب المزاج ومستوى اللا ابالية. فمرة كانت هي لجنة الامر الديواني واخرى هي خلية الازمة، وفي مرات اخرى هي وزارة الصحة. وهذه التصرفات كانت تجري مع تهاون الخلية في التوضيح هي والجهة التي شكلتها، اي حكومة المستقيل.

 

لاحقا فوجئنا بحل الخلية سرا في وسط الازمة الوبائية ، ليظهر لنا بعدها باسبوع خبر علني عن طلب اعادة تشكيلها مع نشر وثيقة الطلب ! وخلال فترة غياب الخلية قام وزير الصحة باصدار الارشادات والبيانات بنفسه. لم نرى اي تفسير منه او من رئيسه لاسباب الغاء الخلية الموكل اليها متابعة امر امن وسلامة البلد الصحية ولا لاعادة تشكيلها، ولا من رد فعل من لدن الجهة الرقابية آنفة الذكر. فلما كان يجري التلاعب بهذه الخلية بهذه السهولة دون ادنى مراعاة لصحة وحياة المواطنين وسلامة البلد كيف كان يراد بالتالي اقناع المواطنين بجديتها وباهمية الالتزام بقراراتها ؟ ان اقامة التجارب بالحل واعادة التشكيل هو استهتار وعدم تبصر للنتائج يصل الى حد الجريمة. وهذا التخبط واللا ابالية هو احد اسباب الاستخفاف بامر الخلية وارشاداتها.

 

وفيما يتعلق بموقع وزارة الصحة فقد لاحظنا بانه الى نهاية شباط وحتى بعد تشكيل خلية الازمة وتصاعد المطالبات باتخاذ الاجراءات لدرء خطر الكورونا كانت تتصدره تعليمات حول الوقاية من مرض الكوليرا فقط. ولم يكن ثمة شيء حول الكورونا عدا خبرين عن سبل الوقاية في محافظة او اثنتين. وهو ما كان ينم عن انعدام الجدية والاستهتار. وكان يجب إفراد صفحة كاملة حول الموضوع على موقع الوزارة توضع فيه التوصيات والارشادات حول الوباء مع الاوامر الصحية المتخذة اولا باول وطرق الوقاية منه حسب تواريخها. كما يمكن للموقع ان يوفر منبرا للتواصل مع احتياجات المواطنين ومرجعا لهم يضاف الى التوعية الدائرة على شاشات التلفزة. وللآن لا توجد صفحة جامعة لبيانات خلية الازمة لغرض التوعية والمراجعة وتقويم الاداء. وهذا الغياب يشير الى سوء التدبير وانعدام الاهتمام بمصير البلد واهله على حد سواء.

 

وعلى الرغم من ان المطالبات بغلق الحدود البرية مع ايران وايقاف الرحلات الجوية قد اطلقت منذ شباط الماضي مع ما قيل عن صدور قرار حكومي بشأنهما، إلا انه لم يرى تطبيقه إلا بعد 8 آذار بعد انقضاء اسبوعين من اطلاق تلك المطالبات وايضا بعد تنبيه نيابي متأخر وخجول، وحيث تقرر ايقاف الرحلات لمدة اسبوع فقط. ولم يوضح لمَ لمْ تجعل الفترة اطول لضمان سلامة البلد الصحية وخلوه من الفايروس. وتمثل غياب الالتزام بالقرار الحكومي باستمرار التبادل التجاري عبر الحدود مع تسيير الرحلات الجوية من والى ايران في وقت قاطعها العالم. فهذه كانت مبرمجة من ايران حتى نهاية آذار دون أي تغيير أو إلغاء. وكانت الكويت قد اوقفت رحلاتها من والى العراق بمجرد ظهور اصابة فيه. وكان واضحا بان حكومة المستقيل ومعه مجلس النواب لا يستطيعون الاعتراض على الرغبات الايرانية المتمثلة باستمرار الصادرات التجارية حتى لو تسببت بنشر الاوبئة وخراب العراق.

 

ومع الخدمات الصحية البائسة في البلد كانت ثمة شكوكا بالاصل حول مصداقية الارقام الحكومية حول الاصابات والوفيات. وقد ظهرت هذه الشكوك بعد التباين الكبير بين الارقام المعلنة المتعلقة بالوباء في ايران والعراق. وايضا بعدما اظهرت بيانات مفوضية حقوق الانسان تضاربا لارقامها مع تلك الحكومية. إذ كانت خلية الازمة قد اعلنت عن تسجيل أول إصابة بفيروس الكورونا في بغداد عند نهاية شباط الماضي. وهو خبر نقضته المفوضية في اليوم التالي عندما اعلنت عن ظهور حالات مرض الكورونا في اكثر من محافظة عراقية لكن دون ان تحدد الاعداد. وهو ما اضطر الخلية الى القيام به بعد بضعة ايام بداية آذار الحالي تخلصا من الاحراج ربما، فاعلنت بان عدد الاصابات في العراق قد بلغ 19 حالة. ثم ليقفز الرقم بعد ايام ببيان لاحق الى 38 شخصاً مع وفاتين ووجود أكثر من 400 حالة مشتبه بها ! هذه الالاعيب الحكومية تنم عن الاستخفاف التام بالبلد ومصيره.

 

ادى التلاعب بخلية الازمة والتضارب في بياناتها وقراراتها الى ضرب مصداقيتها. فعدا عن قصر فترة غلق الحدود آنفا كانت الخلية قد قررت منع التجمعات لفترة محددة وقصيرة كذلك تنتهي ب 21 آذار الجاري. وهذا بدلا من فرض تواريخ موحدة لكل هذه ولفترات اطول. هذا التلاعب والتضارب ادى الى ارسال رسالة مفادها ان خلية الازمة غير بذات جدية وبياناتها بشأن وباء الكورونا مجرد اقاويل يمكن تناسيها. النتيجة هو تشجع كل من هب ودب من المعممين للتهافت الى دعوة مريديهم للتجمع لاداء الشعائر. فاقام احد هؤلاء صلاة جمعة في احد المساجد (تجنب هو المشاركة بها) قبيل انقضاء فترة منع التجمعات اعلاه. وآخر دعا بنفس الفترة الى القيام بزيارة احد الاضرحة في شمال بغداد.

 

وكان كتابا قد طالبوا في آذار الجاري باعلان حالة الانذار الصحي الفوري مع ما يعني هذا من تطبيق لاجراءات العزل والحجر وغلق الحدود. وهو ما كان يجب القيام به من البداية بالنظر الى بطء وتردد وتهاون الاجراءات الحكومية في العمل على تطويق انتشار الفايروس. وكان يجب ان يكون هناك قانون ينظم مثل هذا الانذار والجهة المنفذة له مع اجراءاته للتطبيق الفوري وعقوباته كذلك. عدم وجود مثل هذا القانون هو ما اسس للارتجالية والفوضى والتخبط في امر التصدي للوباء مع نتائجه المتمثلة بضعف الالتزام بالارشادات.

 

وللتأشير على مدى الاستخفاف والاهمال الحكومي بهذا الفايروس الوبائي نذكر كلام د. زياد طارق الباحث في الصناعات الدوائية لدى جامعة شانسي الصينية للعلوم في كانون الثاني الماضي. إذ انه قدر بان فايروس الكورونا قد وصل للعراق وانه في فترة الحضانة. وقد بين بأن السبب وراء عدم الكشف عنه هو عدم امتلاك العراق لنظام صحي.

 

وقد انتقد طارق الاجراءات الحكومية المتخذة حينها بشدة وشدّد على أن الواجب يحتم إيقاف كل الرحلات فورًا، وحجر أي وافد من الصين بعد شهر كانون الاول الماضي وإخضاعه للفحوصات الدقيقة. وقد اعتبر أن العراق مقبل على كارثة صحية بسبب غباء المسؤولين الذين نعتهم ب(الدمج). وقد اختتم كلامه قائلا بان العراق لا يمتلك القدرة على مواجهة وباء بضراوة الكورونا.

 

إن قرارات خلية الازمة تتخذ كما يرى الجميع بشكل آني بدلا من ان تكون مدروسة. والخلية نفسها تائهة بلا خطة عمل بدليل مقطع الفيديو المسرب لاحدى مؤتمراتها الصحفية. لكل هذا نوجه الشكر للمستقيل المتواري الذي لم يكن يفكر ويشغل نفسه وسط هذه الازمة الصحية التي ضربت البلد إلا باعادة تكليفه وليذهب البلد الى حيث ما يكون !