مقالات وآراء

كورونا.. تلك المتوّجة المتسلطة (سيدة الظلام الغريبة)// ويداء سامي احمد

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

ويداء سامي احمد

 

كورونا.. تلك المتوّجة المتسلطة (سيدة الظلام الغريبة)

ويداء سامي احمد

7/6/2020

 

جاءت تقود جيوشا خبيثة غادرة، غدرت بأحبتنا بكل وحشية ودنس، حملت الكورونا معها قدرة غريبة على التغيير، استباحت كوكبنا، غيرت الوانه وملامحه، لم تكن قبلها من قوة قادرة على إلزام البشرية مساكنها.

أيتها البشرية الحمقاء كفاك إجحافا

تمهلي.. تبصري.. انظري

رغم بشاعة تاجها تلك النكرة التي لا تستطيع الحياة دون اجسادنا، كانت حازمة أن ترينا دروسا كبيرة. أعادت إلينا قيما كبيرة كانت قد هلكت مع عجلة الزمن الدائرة على عجلة من أمرها.

أمرتنا بالتوقف.. لحظة إنتباهة غريبة.. أمرتنا بالتمهل..

أيتها البشرية توقفي، كفاك لحاقا لإطماعك، انظري أن الحياة لها طعم آخر حين التوقف. نسينا الهدوء, نسينا متعة التفاصيل الصغيرة, نكاد لا نسمع صوت الطيور الرقيقة ولا نشم عبير الزهور، لم يكن لدينا الوقت لنشعر، لنصغي، لنتأمل. أتمنى لكل من أستفاق من غفلته أن يكون قد رأى عظمة هذا الكوكب المخنوق تحت نزعاتنا واطماعنا ورغباتنا. كدنا نقتله تحت شعارات التطور والتكنولوجيا والعالم الحديث.

 

شهران او ثلاثة من توقف عجلتنا الساحقة أدخلت كوكبنا مرحلة النقاهة وبداية التعافي، ثقب الأوزون قارب على الإنغلاق، نسبة التلوث في الجو إنخفضت بشكل كبير, الإحتباس الحراري بدأ بالإنخفاض، المحيطات والبحار قاربت على لفظ آخر قذاراتنا. أخذت الحيوانات حريتها المسلوبة، الدببة شاركت الإنسان في مدن الألعاب، البط والماعز استخدم أرصفتنا الظالمة، الدلافين أبدعت بأجمل رقصاتها على سواحل كانت تخاف دخولها. هل نحن نحب الحياة أم نحن قاتلوها! مَن قال أن هذا الكوكب لنا وحدنا! مَن أعطانا الحق في جلب الأمراض له وإهلاكه وإهلاك أنفسنا معه.

 

إنتفضت البشرية جمعاء على أن مجموعة من العلماء قاموا بصناعة فيروس خطير قاتل، ما ترونه صناعة يراه العلماء إختراعا ويفخرون به. أسميتُم الكورونا وباءا وجائحةً، ألم يكن دخان المصانع جائحة لوثت سماءنا وخنقتنا وقتلت طيورنا. الوقود المحترق في سياراتٍ نركبها، ونتباهى بأحدثها وأفخمها, وطائرات تقلُّنا للمتعة والإستجمام وقطارات وباصات.... إلخ، أما كانت نيران وقودها جائحة ! الإنترنت والفيس بوك وغيرهما من وسائل التواصل الإجتماعي التي إنكببنا عليها طيلة هذه الشهور، يملأنا الهم والغم وأنستنا التبصر والتأمل بما يحدث حولنا أما كان جائحة ! يصل معدل القمامة والمخلفات التي نرميها نحن البشر في العالم الى أكثر من 2 مليار طن للعام الواحد، يُرمى الكثير منها في البحار والمحيطات، ناهيك عن المخلفات الغازية والسائلة، والمخلفات الطبية والنووية التي تعدّ كارثة بحد ذاتها، أليست مخلفاتنا بجائحة ! لنأخذ نصيبنا جملة واحدة من الإختراعات حيث أنها لا تعدّ ولا تحصى.

 

يجتاحنا الرعب والخوف والهلع من خطر فيروس لم يكن مميتا أكثر من الإنفلونزا العادية التي تصيبنا في أغلب المواسم، وذكرت تقارير كثيرة أن كمية الهلع التي أصيب بها الناس كانت عاملا اساسيا لإرتفاع نسبة الوفيات بوباء كورونا حيث أن الخوف يفقدنا المناعة. كان علينا أن نرى الحياة وحدة واحدة كمجموعة كائنات تتقاسم نفس الكوكب، لكن رؤيتنا كانت بالمجمل لأنفسنا نحن البشر، أنا الإنسان، أرى نفسي مركز هذا الكون وكل كائن وكوكب ونجم وُجِد لراحتي, فلأعمل ماشئتُ، ولأصنع ما شئتُ. إن منظر نملة تحمل على ظهرها حبة رزٍ تكاد أن تقسمه، تسير بها مسافات طويلة جامعة غذاءها لشتاءٍ قارس، لهو أجمل بكثير من مناظر حروبنا وقتلانا وأيتامنا وجوعنا، وأروع بكثير من جملة إختراعاتنا الحربية القاتلة التي صنعناها لإباحة دماء الآخرين، الآخرين الذين يشاركوننا الكوكب.

 

إن كان حقاً عليك الخوف يا إبن آدم فخُف من نفسك أولا، عاتبها وراضِها وأعِد حساباتك القادمة. الحياة ستعود لسابق عهدها، لا حظر ولا حجر، وكل ما أتمناه أن تكون كورونا درساً لا ينسى تتعِظ منه البشرية جمعاء، حيث أنني طالما تخيلت نهاية كوكبنا هذا بصور مختلفة، تارةً ضربات من التسونامي غير المنتهية، أو هزات زلازل لا تتوقف، أو براكين حارقة، فهذه الأرض لن تغفر لنا ما نفعله على سطحها وستثور يوما على شر أنانيتنا وأطماعنا وتأخذنا جميعا إلى لبِّها أو تحولنا لمجرد ذرات غبارٍ متناثرة في الكون الجميل.