مقالات وآراء

ليالٍ أشمُ في رائحتِها الوجع// د. صالح الطائي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. صالح الطائي

 

عرض صفحة الكاتب 

ليالٍ أشمُ في رائحتِها الوجع

بمناسبة عودة التفجيرات إلى بغداد/ نثر مركز

الدكتور صالح الطائي

 

في الطريق إلى أوروك، بلاد الخير والحضارة، البلاد التي أبدلت جلدها وارتدت السواد

حيث الظلمة ورائحة البارود وثغاء طفلٍ يتيمٍ تقطعَ أوصالا بفعل العصف الغادر

وطائرات الإخوة الأعداء من جيش التحرير القادم من أرض العم سام تقصف البشر في المساكن والحقول، والصحارى والسهول، وتقتل الهواء، وتنشر الهراء والبلاء

كنتُ أحث الخطى، ابحث عن أوتونوبشتم بين أدغال الوهم؛ عله يدلني على نبع الحياة

أو يلبسني جلد أفعى

كنتُ وحيداً والريح كانت تعوي كأنها ذئاب جائعة أو عرس بدوي تعصف به الرمال

وحزني كان يتعملق في سماء رغبتي، يجبرني على البكاء بعد أن نسيت الصهيل وأدمنت الهزائم.

طال السفر، وقل الزاد، وجفت العيون، ويبس الزرع

وفي الأرض اليباب زحف الليلُ ليقتل الخضرة ويجفف المياه

كنتُ أسير وقد أنهكني الوجع، وحينما وصلت إلى أبواب المدينة الخربة لم أفرح

لفتني البلادة وأفقدتني فرحتي؛ ربما لأني وجدت مكتوبا على أسوارها المهدمة وفوق بابها الهرم: مدينة عربية!

وهذا أمر يحسم القضية

عدا رائحة الشواء وألسن اللهب وسواد الدخان لم أجد حراسا يقفون على بواباتها

لم أشم رائحة أنفاس بشرية

فقط بغيٌ تقدم بها العمر وشاخت سنينها، كانت تجلس هناك فوق كومة كبيرة من الذكورة العربية التي تخلى عنها أصحابها من الهلع

سلمت عليها بصوت عال ممهدا لسؤال

لم ترني لأنها كانت مشغولة بالبحث عن واحد منها لم يصبه العطب بعد

فلم تجد سوى الخواء ورائحة الخيانة وقوافل الجُبن المعتق في الضمائر

فناديتها: لا تتعبي نفسك بالبحث، فالعرب ماتوا مذ ذبح العراق

العرب ماتوا مذ أن اغتصبت ليبيا، وأحرقت سوريا، وهتك عرض اليمن، وشوه وجه لبنان الجميل، وقصفت غزة بالنابالم، ومات الشعب الأصيل ومعه ماتت أصائل الخيول

العرب ماتوا مذ أن رفرفت رايات أعدائهم على أسطح منازلهم باسم سلام وادي عربة

العرب ماتوا وفقدوا مواريثهم وطباعهم، وصاروا يبحثون عن التطبيع من خلال لعبة البوبجي.

العرب تحولوا إلى قطيع قردة تقوده حمير مستنفرة أرعبتها قسورة، وأفقدتها هيبتها غضنفرة، واذلتها حشرة

العرب ماتوا يوم صارت نساؤهم قبلتهم وربهم دولارهم

قد فقدوا أصولهم، وأضاعوا سننهم، وصاروا يخجلون من كلمة عربي

وأدمنوا الرذيلة

ومارسوا الغيلة

وطلقوا القِبلة والقبيلة.

إلا عقال الرأس لا زال شامخا فوق داغ خاو

ربما لأنهم لا يريدون أن يُتعبوا الجلاد بالبحث عن سوط

فالعقال بديل نافع يهيج المواجع، وهو سهل المنال.