مقالات وآراء

نظرة في كتاب: ملاحقة اليسار في العراق المعاصر// أ‌. د. سناء عبد القادر مصطفى

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سناء عبد القادر مصطفى

 

نظرة في كتاب: ملاحقة اليسار في العراق المعاصر

 1921-1964 (450 صفحة)

أ‌. د. سناء عبد القادر مصطفى

 

اسم المؤلف : د. عقيل الناصري

الناشر: أوروك ميديا – ستوكهولم- السويد، الطبعة الثانية 2021

الرقم الدولي : ISBN    7- 978915194787

 

يحمل زميل الدراسة في الاتحاد السوفيتي (في سبعينيات القرن الماضي) الباحث العراقي الدكتور عقيل الناصري، شهادة الدكتوراه من معهد بليخانوف للاقتصاد الوطني منذ العام 1979 في موسكو. ويملك خبرات علمية وعملية عديدة في مجال اختصاصه حيث شغل عدة مناصب علمية في العراق والجزائر.  وله بحوث عديدة نشرها في الصحف والمجلات إضافة إلى محاضراته العلمية التي ألقاها في الكثير من المؤسسات العلمية والثقافية وفي مدن وبلدان عربية وأجنبية مختلفة حيث شغل معاون مدير قسم التفتيش في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية للفترة الزمنية 1968 ــ1970، ومدير قسم الأجور في  وزارة العمل 1970 ــ 1972، وباحث علمي في حقل التنظيم الإداري بوزارة العمل 1972 ــ 1973. ومحاضر في المؤسسة الثقافية العمالية في وزارة العمل في الفترة الزمنية 1970 ــ 1974.

عمل مدرساً ثم أستاذا مساعدا في جامعة وهران، معهد العلوم الاقتصادية في الجزائر للأعوام الدراسية 1979 ــ 1987.

ومن آثاره العلمية:

1 - الجيش والسلطة في العراق الملكي 1920م ــ 1958م، دار الحصاد ــ دمشق،2000.

2 - عبد الكريم قاسم في يومه الأخير، الانقلاب التاسع والثلاثون بيروت 2003م توزيع دار الحصاد ، دمشق.

3- قراءة أولية في سيرة عبد الكريم قاسم ،  دار الحصاد، دمشق 2003.

 

وله في مجال الترجمة من اللغة الروسية الى اللغة العربية جهود كبيرة تناول من خلالها جوانب مختلفة السياسية منها والاقتصادية ومن اثاره في هذا المجال :

1ــ البلدان العربية والمشاكل الاقتصادية لدى المستعربين السوفيت، وهران، الجزائر في 7 /10/1979.

2ــ الطبقة العاملة الأفريقية، مجلة الحرية الفلسطينية العدد في 22 أيار 1983 بيروت.

3 ــ كتاب التطور الرأسمالي، معهد العلوم الاقتصادية في جامعة وهران، 1984.

4 ــ القضايا المنهجية في كتاب رأس المال، معهد العلوم الاقتصادية في جامعة وهران 1985.

5 ــ الفئات الوسطى والثورات الوطنية ، 1986م) 1986.

6 ــ   طريقان لنقل التكنولوجيا، معهد العلوم الاقتصادية في جامعة وهران 1986.

ومن المعروف أن الدكتور الناصري أصدر عدة كتب عن الزعيم عبد الكريم قاسم يتراوح عددها الخمسة وبعض منها أعيد نشره. 

 

يتكون الكتاب الموضوع البحث ( ملاحقة اليسار في العراق المعاصر 1921-1964) من مقدمة وثلاثة فصول وأربعة ملاحق بالاضافة الى المصادر والمراجع التي بلغ عددها 161 والمطبوعات الدورية التي عددها 58 و23 موقعا ألكترونيا مع فهرست للكتاب. وهذا الكتاب هو الكتاب السابع عشر من كتب الدكتور عقيل الناصري.

أن الاسلوب الذي اتبعه الباحث في هذا الكتاب هو اسلوب أكاديمي صرف، يعتمد على شرح الموضوع من كافة جوانبه باسهاب مع التحليل ومن ثم تلخيصه والخروج بالاستنتاجات ونجد تكرار للمعلومات في أكثر من فصل أو مكان في الكتاب وذلك لأن الموضوع له علاقة بمواضيع متشعبة في أمكنة أخرى من الكتاب. وهذا ما يؤدي الى ضجر القارئ بسبب تكرار المعلومات في أكثر من مكان. ولهذا السبب حرصت على قراءة المادة بكاملها دون ضجر أو ملل، من الألف الى الياء، كما توجد ملاحظات أخرى سوف أدونها لاحقا في نهابة التقييم.

 

يبدأ الفصل الأول : أفكار عن صيرورات تأسيس الدولة العراقية المعاصرة بتعريف الوطن وأحقية البشر بالعيش في مكان ما يختارونه بأنفسهم ويصنعون فيه التاريخ لأن التاريخ لا يصنعه شخص واحد كما قال هوشي منه ويشاركون بوعي في صنعه كما قال فيكتور سيرج (ص9) . وقد سبقهم في مقدمة الكتاب بمقولة لابن عربي (أعلم أن كمال الوجود وجود النقص فيه، إذ لو لم يكن لكان كمال الوجود ناقصا بعدم النقص فيه). وبعد ذلك ينتقل الباحث الى ايجاد تعريف مناسب للدولة انطلاقا من وظائفها وجوهرها كونها كائن حي يستمد خصائصه من جغرافية المكان وخصائصه الطبيعية والبشرية مع تطور العلاقات الانتاجية وبنائها الفوقي.

يشمل الفصل الأول من الكتاب على الفترة التاريخية الممتدة منذ بداية الاحتلال البريطاني للعراق في العام 1914 وطرد العثمانيون منه ومن ثم تأسيس الدولة العراقية في العام 1921. ومع ذلك نرى أن الكتاب يغطي باشارات واضحة الحقبة التاريخية الى ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003، وسيطرة احزاب الاسلام السياسي والمحاصصة الطائفية على إدارة البلاد.

هذا وقد ركز الفصل الأول على العلاقة الجدلية في ظرفي تأسيس الدولة العراقية الداخلي والخارجي مرورا بجميع المراحل التاريخية لنشأتها وتطورها، آخذا بنظر الاعتبار المطامع البريطانية في العراق متمثلة في مصادر الثروات الطبيعية وبالدرجة الأولى النفط. ولهذا قامت بريطانيا بتأسيس ادارة محلية وكيان سياسي (ص34). ولكن لم  تقام هذه الدولة على اسس تخدم مصلحة الشعب العراقي بأجمعه وانما جاءت لتخدم مصالح الاقطاعيين بالدرجة الأولى. ومستعرضا بهذا الصدد أراء كثير من السياسيين والباحثين بمختلف اتجاهاتهم ومشاربهم السياسية وتحتل أراء الكتاب والباحثين اليساريين حيز كبير من هذا الفصل ومن الكتاب بشكل عام.

ومن ثم ناقش أصل تسمية العراق وجذرها التاريخي من حيث تقسيمه الى ثلاث ولايات في الوسط (بغداد) والشمال (الموصل) والجنوب (البصرة). وتأسيس الوزارات العراقية التي كان أولها كما يحلو للباحث بتسميتها الوزارة النقيبية الأولى المؤقتة (25/10/1920 – 23/8/1921)(ص44). وكانت جميع الوزارات العراقية تشكل بموافقة بريطانيا وتستمد قوتها منها بالدرجة الأولى كما يؤكد على ذلك الباحث في مجمل بحثه.  وبالاضافة الى مصادر أخرى هي:

-    النسب ورابطة الدم

-    الملكية والثروة

-    الروابط الشللية والعصبوية

-    الشهرة والوجاهة الاجتماعية

-    الكفاءة والمقدرة

-    امتلاك أو التصرف بوسائل العنف المادي

-    الأحزاب السياسية ومؤسسة العشيرة

-    التجمعات الجماهيرية الشعبية (46).

ويجب القول أن هذه المصادر باقية لحد الأن والى يومنا هذا في العراق وتؤثر تأثيرا كبيرا على تطور العراق سواء كان سلبا أو ايجاباً. 

ومن مبررات (استيراد) الملك فيصل الأول الثلاثة والعشرين (ص59-ص67) ورد المبرر الحادي عشر (ص63) الذي يذكر فيه "كان عداء فيصل الأول للبلشفية أحد العوامل التي استندت اليها الخارجية البريطانية لتفضيله على غيره ليكون سدا أمام الشيوعية في العراق وفي المنطقة..." ولم يذكر الباحث أسباب هذا العداء؟ وأقتصر على كتابة المصدر الذي اعتمد عليه (138- د. صادق البلادي ، التطور التأريخي وتأسيس الجمهورية العراقية، ص39، الثقافة الجديدة. العدد 325 تموز2008). 

وفي المبرر الأخير رقم 23 (ص67) "...وكان فيصل بذلك يلعب لعبة الموازنة ، فها هو يقوم بتعيين رمزي لعراقي شيعي، وسط كل ما يحيط بالملك من سنة عثمانيين وسوريين وحجازيين من أتباعه....".  من هو هذا العراقي الشيعي؟؟ وأي منصب أناطه الى هذا الشيعي؟؟ وانما اقتصر الباحث على كتابة المصدر رقم 150 (سامي زبيدة ، مجموعة باحثين، مستل من كتاب المجتمع العراقي ، ص103، مصدر سابق).

في فقرة سيرورة التصويت على ترشيح الملك فيصل الأول وردت عبارة التشيع الفلكلوري في القرن التاسع عشر(ص69) من ضمن اقتباس فقرة من مقالة في السفالة للدكتور فالح مهدي، مصدر رقم 153. فما هو المقصود بهذه العبارة؟؟

وبعد تتبع واف لتطور سلطة  الدولة  في العراق يرى الدكتور الناصري انعكاس الأزمة البنوية في فشل الحكومات الملكية (ص92)في كل من:

-    الانطلاق من الأبعاد الطبقية في السياسة العامة

-    تمذهب الدولة السياسي

-    تحقيق التنمية الاقتصادية

-    التداول السلمي للسلطة

-    التوزيع العادل النسبي للثروة وتقليل التفاوت الطبقي بين الطبقات الاجتماعية

-    تحقيق وتنفيذ الأسس المادية للهوية الوطنية العراقية

-    الانطلاق من التضامن الميكانيكي  وليس التضامن العضوي

-    عدم تحقيق التشريع الموحد للقضاء العراقي

ولهذا فهو يرى أن حقبة الملكية لم تكن وردية كما يظن الواهمون ولم تكن "فندق بخمس نجوم مصدر 203" إلا في مخيلة مرضى الضمير(ص93). ولذلك فهو يعتقد أن شرعية ثورة 14 تموز 1958 مستنبطة من:

-    القبول والتأييد الشعبي

-    التداول السلمي للسلطة بين المكونات الاجتماعية وقواها السياسية

-    البرنامجية والغائية المستهدفة

-    المؤسسات السياسية المستديمة

ويستنتج الباحث أن السلطة الملكية كانت تنتابها أزمة بنيوية في طبيعة النظام وأليات ادارتة وكانت النتيجة المتوقعة هي التي مهدت الطريق نحو تغييرها بقوى العنف المنظم (الجيش) وبالوسائل العنفية. ولكنه يذكر ثمانية عوامل لنجاح النموذج المعتمد في عهد الملك فيصل الأول(ص97) :

1-   انفتاح النظام السياسي- الديمقراطي -البرلماني- الدستوري لسائر الجماعات القومية/الاثنية /الدينية/المذهبية....الخ

2-   انفتاح اقتصاد السوق الحر أمام رؤوس الأموال والتجارة المحلية

3-   المشاركة في الثروة الوطنية (الأرض) باستثناء طبقة ملاكي الأراضي على قاعدة التملك الحديثة  (الطابو)

4-   فتح باب المشاركة في الجهاز الاداري الحكومي

5-   فتح باب المشاركة في الجيش والشرطة

6-   احترام التنوع الثقافي العربي الكردي في التعليم

7-   شهدت تلك الحقبة بداية خروج الجماعات العراقية المنغلقة على نفسها لتنخرط في تشكيل المجتمع العراقي المعاصر......الخ ولكن لم يحدد الباحث من هي هذه  الجماعات العراقية المنغلقة على نفسها؟؟؟؟

8-   بداية تشكل الطبقة الوسطى في المجتمع العراقي

وناقش الباحث د. الناصري باسهاب دور وسيطرة المؤسسة العسكرية على مقاليد الحكم في العراق واستنتج التالي(ص107-108):

1.   قام الاحتلال البريطاني الأول (1914-1932) بتشكيل الحكومة العراقية وسلمت مفاتيحها المركزية على حد تعبير الباحث للضباط العراقيين الذين تعاونوا معها منذ الثورة العربية وبخاصة الشريفيين منهم.

2.   لم تكن ثورة 14 تموز1958 هي التي شرعت ابواب السلطة لقدوم العسكر وذلك لان الدولة الوليد سيطر عليها العسكر منذ لحظة ولادتها كما يؤكد الباحث ؛ وما التغيير الجذري في 14 تموز 1958 إلا محاولة واحدة من أصل 41 محاولة تم استخدام الجيش فيها في حل الاشكاليات التي انتصبت أمام السلطة الملكية.

3.   تركيز السلطة بيد فرد واحد أو مجموعة صغيرة من الأفراد ولهذا تسنم نوري السعيد 47 منصبا وزاريا سياديا و 14 مرة رئيسا للوزراء وأصبح أكثر من 20 مرة وزيرا للخارجية وأكثر من 145 مرة وزيرا للدفاع.

4.   نجحت الدولة العراقية الجديدة التي تأسست بعد الحرب العالمية الأولى في تثبيت وتوسيع ألية الحركة الاقتصادية وتوسيع السوق وتأسيس البنى التعليمية الحديثة.

5.   أخفقت الدولة الملكية في تثبيت الأسس المادية للهوية الوطنية العراقية والانطلاق منها الى العالم العربي والتداول السلمي للسلطة وفي انتشال واقع العراق من براثن التخلف

والتوزيع الأمثل للمشاريع الصناعية وتقليل الفروقات بين المدينة والريف من حيث مشاريع التنمية الاقتصادية وغيرها من المشاكل البنوية والهيكلية.

6.   تركزت سلطة القرار المركزي للدولة في مثلث الحكم: مؤسسة العرش بدءا من الملك فيصل الأول ورئيس الوزراء والمندوب السامي البريطاني. اعتمد مثلث الحكم على أن نمو وتوسع المصالح البريطانية وبخاصة النفطية تتطلب توفير دولة تقوم بحماية هذه المصالح.

 

ويخصص الزميل عقيل الناصري الفصل الثاني من كتابه ملاحقة اليسار في العراق المعاصر 1921-1964 لموضوعة العنف . فبعد ايراد عدة تعاريف للعنف كان أهمها بنظري هو تعريف ابن خلدون : الظلم مؤذن بخراب العمران، لأنه يلخص جوهر هذا المصطلح بثلاثة كلمات فقط. وذلك لأن الظلم اذا ساد فهذا يعني خراب ودمار كل ما يبنيه الانسان من حضارة.  وفي فقرة العنف وتفسيرات علم الاجتماع (ص134) نجد اقتباس من (مصدر رقم 299 -ابراهيم الحيدري، سيسيولوجيا العنف) مايلي: "ومن الناحية السيسيولوجية فالعنف هو ظاهرة اجتماعية عامة وشاملة وتوجد كلما كان هناك ظلم وقع واستبداد وتسلط، يقابله عجز وخضوع عن مجابهته. ولهذا فالعنف هو التعبير المادي للتعارض والخلاف والاختلاف الذي يولد الصراع والتنازع وليس التعاون والتفاهم والحوار..". ولكن برأي أنه ليس بشرط أن يؤدي الخلاف والاختلاف الى صراع ، فالنقد والنقد الذاتي هما خلاف واختلاف في الرأي والعقيدة. ومبدأ النقد والنقد الذاتي كثيرا ما تجده في الأنظمة الداخلية للأحزاب اليسارية في العالم وفي مقدمتها الأحزاب الشيوعية.

ومن وجهة نظر مشروعية العنف، يورد الباحث عدة اجابات من قبل عدة فلاسفة وعلماء وسياسيين . فكارل ماركس ينطلق من وجهة نظر اقتصادية الذي يرى أن تاريخ المجتمعات هو تاريخ صراع بين الطبقات ، الصراع بين من يملك وسائل الانتاج والخبرات وبين من لا يملك سوى قوة عمله. أما ماكس فيبر  فينطلق من وجهة نظر سياسية ، إذ يرى أن أساس سلطة الدولة  هو العنف وكذلك تروتسكي،  واعتبر المهاتما غاندي أن العنف رذيلة لا أحقية ولا مشروعية له. في حين يعرف فرانز فانون العنف بأنه الاستخدام المتعسف للقوة والتهديد باستخدامها لإلحاق الأذى بالاشخاص أو البنى التحتية بل حتى إغتصاب الوعي الاجتماعي بكل تجلياته الجمالية والفلسفية والسياسية والتشريعية والدينية. ويعرًف ينبورغ العنف بأنه مختلف أعمال الشغب والتدمير والأذى التي تهدف أساسا الى تحقيق أغراض تتمثل في  تغيير سلوك الجماعات الأخرى. وبهذا نرى أن أسباب العنف هي اقتصادية وسياسية واجتماعية ودينية وثقافية وفكرية.

  وبعد شرح مفصل لمفاهيم العنف وأسبابه من وجهات نظر فلسفية ونفسية واجتماعية ومادية وثقافية مرورا بكافة المدارس العلمية في هذا المجال ينتقل بعد جرد للعوامل الداخلية والخارجية التي لعبت دورا مهما في تطور المؤسسات القمعية في العراق الى أبرز حالات العنف في العراق المعاصر. وكان تأسيس الدولة العراقية في العام 1921 من خلال التحقيقات الجنائية ومن ثم الأمن العامة هي البداية الحقيقية لإرهاب الدولة في العراق المعاصر وإطلاق شرعية العنف في الحياة السياسية وخاصة بعد الانقلاب الدموي في 8 شباط 1963 وكذلك في الفترة الزمنية الممتدة بين  17 تموز 1968 و 9 نيسان 2003. إلا أنه بعد الاحتلال الثالث في 9 نيسان 2003-31 كانون أول2011 للعراق المعاصر وما أعقبه من استلام السلطة من قبل أحزاب الاسلام السياسي ذات الأفق الضيق والمذهبي العدائي بطبيعته وغير الشامل لمختلف الاثنيات والأديان والمذاهب، وتوزيعها حسب المحاصصة الطائفية المقيتة وبموافقة قوى الاحتلال(ص217).

كل هذه الظروف تجعل من غير الممكن تحقيق مصالح المكونات الاجتماعية وتطلعاتها الى واقع ملموس حتى بلغ المجتمع المدني حدود الحرب الأهلية ذات الأبعاد الطائفية والمناطقية والاثنية في السنين العجاف من تاريخ العراق الجديد 2005-2007.

 

يتناول الفصل الثالث : من تاريخية المؤسسة الأمنية في العراق الملكي موضوع مهم ألا وهو أمراض السلطات الادارية في بناء الدولة وخصوصا البلدان النامية التي هي انعكاس ل  "ضعف السلطة السياسية وأجهزتها وإخضاعها لمصالح قادة الجهاز الإداري (الوزراء) واستغلال الآخرين مناصبهم لخدمة مصالحهم الخاصة، والصراع الذي يحكم علاقاتهم، ومصادر النفوذ الشخصي اللارسمي التي تدعم سلطتهم ومواقفهم السياسية، والتحالفات القائمة بينهم وبين قوى داخل وخارج الهيكل الرسمي للجهاز الاداري، والمعارضة التي يواجهونها من قبل القوى السياسية الوطنية ، ولا زالت إجراءات وسلوكيات تكتنف عددا من المجتمعات النامية التي تمتاز بضعف السلطة السياسية تجاه السلطة التنفيذية..."(ص219-220).

كان هدف سياسة بريطانيا هوالسيطرة على قمة الجهاز الاداري والأمني في العراق لخدمة مصالحها الحيوية. ولقد استفاد العراق كثيرا من خبرة البريطانيين الأكثر تطورا في حقول الإدارة والسياسة والأمن لبناء مؤسسسات الدولة العراقية. وكان هذا للأسباب التالية:

-    تصدير الفائض الاقتصادي المتحقق الى بريطانيا نتيجة الاستحواذ على الموارد النفطية

-    موقع العراق الاستراتيجي في الشرق الأوسط وتأمين الطريق الى الهند

وبناءً على ذلك أناطت جملة الظروف الموضوعية لحالة البلد المحلية وظروف تأسيس الدولة العراقية، لوزارة الداخلية، أهم الأدوار في استقرار الحالة الأمنية في عموم البلاد وسريان مفعول قرار الدولة المركزي والمحلي وتشريعاتها نظرا لسعة مؤسساتها وتعدد مديرياتها وتشعب اهتماماتها . وأهم ما أنيط اليها هو الحفاظ على الأمن الداخلي عبر تشكيل قوة الشرطة المحلية باعتبارها من أهم مديريات وزارة الداخلية(ص227). كما عززت قوى الاحتلال والسلطة العراقية الملكية لاحقاً بمجموعة من ضباط الاستخبارات السياسية الى مختلف أنحاء العراق وتم  توزيعهم حسب المناطق الادارية وأناطت كل واحد منهم واجبات متعددة كان أهمها: أن يقف على مجرى حياة القبائل، وأن يعرف المنطقة التي هو فيها جغرافيا وطوبوغرافيا، وأن يعرف كذلك طرقها ومسالكها، والمحلات التي تصلح لنزول الطائرات فيها عند الضرورة. على أن يزود هؤلاء الضباط بتقارير اسبوعية تتضمن كشفا عن سير الامور الإدارية والجانب الأمني وموقف القبائل بصورة عامة (ص203).

ويلعب العامل الخارجي دورا مهما في استقرار البلاد الى جانب العامل الداخلي حيث يمكن ملاحظة مدى ارتباط اقتصاد الدول ضمن المنظومة الرأسمالية وأبعادها المعولمة المعرضة لحدوث الهزات الاقتصادية. ومن تأثيرها على الدول التابعة لها أو بالاحرى الدول المرتبطة بها والمستعمرة من قبل الدول الرأسمالية. ساهم العامل الخارجي في التأثير على مستقبل الحكم في العراق من خلال التغيرات البنوية التالية كما يطلق عليها مؤلف الكتاب:

-    دوره في تأسيس الدولة العراقية المعاصرة وفق المصالح البريطانية

-    اجهاض صعود العراقوية بعد انقلاب بكر صدقي في العام 1936

-    اجهاض حركة مايس التحررية في العام 1941

-    التدخل الأمريكي المتزايد في الشأن العراقي وتشكيل وزارة الجمالي تعبيرا عن هذا التوجه في العام 1953

-    تحقيق الانقلاب الدولي في العام 1968

-    اشعال الحرب العراقية -الايرانية 1980-1988

-    اشعال حرب الخليج الأولى وإحتلال الكويت في العام 1990

-    احتلال العراق في العام 2003 وإعادة تأسيس الدولة وفق المنظور الأمريكي

ومن الاستنتاجات المهمة للباحث هي أن عمل الحكومات العراقية المتعاقبة سواء كانت الملكية أو الجمهورية وبخاصة في الفترة الزمنية 1963-2003 ، قد نصبت العداء لكل الأفكار التقدمية والتحررية وبخاصة التوجهات اليسارية وعلى الأخص الشيوعية، كنقيض نوعي لتوجهات السلطة والمنطلق الفكري والطبيعة السياسية للنظام والتداول السلمي للسلطة، وبالتنسيق مع قوى الاحتلال الخارجية سواء كان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

وخصص الدكتور الناصري فقرة عن السجون السياسية(ص260) في العراق وتواريخ تأسيسها وبالأخص سجن نقرة السلمان مستشهدا بكتاب همام عبد الغني المراني الموسوم أيام لا تنسى الصادر عن دار ميزر للنشر والتوزيع  في مالمو بالسويد في العام 2019.  وكتاب عبد القادر العيداني الموسوم من اعماق السجون، نقرة السلمان... قيود تحطمت، مؤسسة السجناء السياسيين، بغداد2013 ، وكذلك كتاب د. غانم نجيب عباس الموسوم سجن نقرة السلمان في ضوء وثائق وزارة الداخلية 1942-1943، ط.3 ،  دار أديان، المثنى ، 2016(ص263).

وجدير بالذكر فقد كتب لي القدر أن أضطلع بزيارة هذا السجن، فقد حصلت  عائلتنا في العام 1964 على موافقة مديرية الأمن العامة في بغداد بزيارة سجن نقرة السلمان في شهر شباط العام 1964، حينما كان أخي المرحوم سمير عبد القادر مصطفى الموصلي مسجونا فيه بمحكومية عشرة سنوات بالاشغال الشاقة . كان المرحوم سمير نزيل قاووش رقم 9 ، وحينها بلغ عدد السجناء 3000 سجينا في سجن النقرة. وبسبب ضيق المكان ، لم تسمح ادارة السجن بأن يكون عرض حشية النوم الاسفنجي (الدوشك حسب اللهجة العراقية)  بأكثر من 50 سم، أتذكر ذلك جيدا من رسالة أرسلها أخي سمير الى المرحوم الوالد يطلب فيها ارسال حشية اسفنجية لايزيد عرضها عن 50 سم وطوله عن مترين مع بعض الملابس ونقود . روى لنا أخي المرحوم سمير قصة سجينين تمكنا من الهروب من السجن بسبب الحكم عليهم بالاعدام . كانا يعرفان السير في الليل بواسطة ضوء النجوم . ولكن لم يحالفهما النجاج بسبب افتراسهم من قبل الذئاب الجائعة في بادية السلمان .  كما روي لنا حادثة اجراء الدكتور رافد صبحي منيب الذي كان سجينا أيضاً عملية قص الزائدة الدودية لأحد السجناء بدون مخدر حيث قام بتشغيل اسطوانة للمطرب المصري محمد عبد الوهاب بصوت عالي وأستخدام أمواس الحلاقة العادية لعمل فتحة في البطن لاستئصال الزائدة الدودية. كان السبب في اجراء العملية هو طول الطريق بين سجن نقرة السلمان ومدينة السماوة الذي يبلغ حوالي الثلاثة ساعات وخطر انفجار الزائدة الدودية الذي قد يؤدي الى وفاة المريض.

 

ومن المواضيع المهمة التي بحثها المؤلف عقيل الناصري في الفصل الثالث والأخير من الكتاب هي التعذيب، الاغتيال السياسي والحكم بإعدام الحياة،  المجازر الجماعية من ضمنها مجازر السجون، إسقاط الجنسية العراقية أو النفي القسري، قرارات الحكم القاسية، التشهير والبراءة، المطاردة من خلال النشر، الإندساس، الفتوى الدينية.

وبالاشارة الى التعذيب في قصر النهاية، يدرج الباحث ثلاثة ملاحق وهي عبارة عن ثلاثة مقالات كتبت من قبل عبد الجبار العتابي وحسين الهنداوي وآخرى باسم مبهم بقلم "سجين عراقي". ومن المؤسف له ، أنه لم يذكر اسم الشهيد خالد محمود الأمين من بين أسماء شهداء قصر النهاية الذي ذوب جسده بأحواض التيزاب. مع العلم أن حسين الهنداوي نشر مقالة في الحوار المتمدن عن الشهيد خالد الأمين بعنوان:

خالد الأمين، ذلك الشاعر الشهيد

حسين الهنداوي

الحوار المتمدن-العدد: 4211 - 2013 / 9 / 10

المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية

أما مقالته عن قصر النهاية ...الرمز الأكبر لفاشية البعث؛ فقد نشرت في موقع الحوار المتمدن  في العدد 4158 بتاريخ 19/7/2013

 

سوف أتوقف عند  فقرة الفتوى الدينية وذلك لأهميتها ولأنها أخذت حيزا كبيرا من الكتاب قياسا الى الفقرات الأخرى، فقد امتدت هذه الفقرة من الصفحة 327 الى الصفحة 418 أي ما يقارب 91 صفحة وهذا ليس بالشىئ القليل وانما يدل على أهمية الموضوع في العراق المعاصر وبالذات في الوقت الحاضر.

بعد ايراد الكثير من التعريفات للدين من وجهات نظر عديدة، فلسفية واجتماعية وحتى سياسية لابد من ذكر تعريف كارل ماركس للدين وهو تعريف متميز يتم التغاضي عنه عمداً: "الدين هو النظرية العامة لهذا العالم، قيمته الموسوعية، منطقه بشكله الشعبي، نقطة شرفه الروحانية، ولعه وحماسه البالغ، عقوبته الأخلاقية.....طمأنينته وتبريراته الكونية. والتي تمثل الإنجاز المتخيل للكائن الإنساني والسبب في ذلك يكمن في ان الانسان لايمتلك الواقع الحقيقي" (ص334).  في حين  أن ميخائيل سيرغيفيج فوسلينسكي في كتابه الموسوم : النومينكلاتورا- الطبقة الحاكمة في الاتحاد السوفيتي الصادر في لندن العام 1985 باللغة الروسية (قمت بترجمة الكتاب الى اللغة العربية وصدر من دار نشر الزمن في الرباط بالمغرب في العام 2001)، يشرح مصطلح الدين أفيون الشعوب لماركس بأنه ليس كما يعتقد الناس بأن الدين هو مخدر الشعب أو الشعوب وانما ما يعنيه كارل ماركس هو أن الدين ورد بما يعني مهدىء للناس أو هو أنين القلب المضطهد. ومع العلم أن فوسلينسكي عمل مترجما من الألمانية الى الروسية  وبالعكس في محكمة  نورنبيرغ بعد الحرب العالمية الثانية لمحاكمة الفاشست الألمان وكان أستاذا في جامعة موسكو في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ونائب رئيس جمعية الصداقة السوفيتية الالمانية لفترة طويلة. وكذلك فان البوذية ليست ديناً كما يعتقد الكثير من الناس وحتى الباحثين؛ وانما : The Way of Life. كان هذا جواب أحد أساتذة البوذية  بدرجة Rinpocha على سؤال طرحته عليه في احدى المحاضرات عن البوذية في مركز Karma Tashi ling في أوسلو بالنرويج  في العام 1993.

ومن الناحية الجدلية "يمتلك كل من العلم والدين وجهين اثنين: الثقافي والاجتماعي، وفي كلا الوجهين يوجد الكثير مما يؤمل من المؤثرات الاجتماعية فيه: ربما يكون العلم قد خفف التبعات المأساوية للأمراض ومشقات العمل القاتلة، وقدم في الوقت ذاته جعبة كاملة من أدوات الترفيه ووسائل الراحة؛ لكنه أوجد أيضاً أسلحة الدمار الشامل المرعبة وأخل بنوعية الحياة البشرية على نحو خطير للغاية؛ ولهذا كان تأثير العلم على المجتمع نعمة تشوبها الأذى".

ولكن من جهة أخرى "اقترف الدين المنظًم ما هو أكثر سوءاً ولا أحد يستطيع أن ينكر الحالات العديدة من التكريس المفعم بنكران الذات التي أبداها بعض العاملين في مجموعات دينية حول العالم؛ لكن الدين استحال منذ أزمان بعيدة هيكلا مؤسساتيا يعني غالبا بالسلطة والسياسة أكثر من عنايته بموضوعات الخير والشر"(ص332). وكانت الحماسة الدينية المفرطة هي السبب في نزعات عنف شوهت نزعة التسامح وأطلقت شهوة الوحشية من مكامنها. وتوجد لدينا أمثلة صارخة حدثت على مر التاريخ، مثل التطهير العرقي للسكان الأصليين في أمريكا اللاتينية خلال العصور الوسطى وحتى في عصر التنوير شاعت الكراهية الدينية وتأججت النزاعات المسلحة في جميع أنحاء العالم.

كما انتشرت في اوروبا تهديم كنائس الكاثوليك من قبل أتباع المذهب البروتستانتي حيث يوجد شاهد على ذلك، وهي خرائب كنيسة دوم شيركه Domkirkeruinene på Hamar بمدينة هامرHamar  في النرويج التي هدمت في  سنة 1567 من قبل السويديين في حرب السبعة سنوات الشماليةDen nordiske sjuårskrigen. والأمثلة كثيرة في الوقت الحاضر من تفجير المساجد في دول العالم الاسلامي المختلفة بسبب الصراع بين الطوائف الاسلامية المختلفة حتى صار  الانسان  يخجل من ذكرها كونه مسلماً.

ومنذ بداية القرن العشرين لعب الظرفان الداخلي والخارجي دورا في استخدام الدين في مواجهة الأفكار التقدمية التي تسللت الى العقول المتنورة والمتجسدة في الرواد الأوائل للفكر الحر (اللبرالي)، في نهاية القرن التاسع عشر. ومن ثم الرواد الأوائل للفكر الاشتراكي ودعواتهم لتحرير المرأة(ص338). وقد ساهمت صحيفة الزوراء الحكومية في تنمية الوعي السياسي لدى فئة المثقفين العراقيين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

يعود تاريخ التصادم بين الافكار التقدمية والأفكار الدينية المحافظة الى بدايات القرن العشرين مع العلم كان يوجد رجال دين متنورين أمثال هبة الدين الشهرستاني وعبد المحسن الكاظمي ومحمد رضا الشبيبي ومحمد سعيد الحبوبي وعلي الشرقي. وتركز الصراع وقتذاك حول المنطلقات الحضارية وتهيئة دخول المجتمع العراقي الى العصر الحديث. وتمحور التناقض بين المؤسسة الدينية وآلية سريان تطور المجتمع المادي في الصور التالية:

-    الحركة التي تدعو النساء الى التحرر من الجور والظلم الاجتماعيين والمساواة بين الرجل والمرأة، عبر الدعوة الى السفور في العقد الثاني من القرن العشرين؛

-    النقد الذي وجهته جماعة  متدارسي الأفكار الحرة باشراف حسين الرحال في ثلاثينيات العقد الماضي للمؤسسة الدينية؛

-    النقد العلمي الذي وجهته مجلة الصحيفة الناطقة باسم الرواد الأوائل للفكر الاشتراكي الذي ركز على محاربة العادات والتقاليد الخارجة على الماهيات الأصيلة للدين الاسلامي الحنيف في العقد الثالث من القرن المنصرم؛

-    نقد جمعية الأحرار للمؤسسة الدينية في نهاية العشرينيات؛

-    تصدي جماعة الأهالي للتقاليد الإجتماعية البالية والمتلبسة برداء الدين في العقد الرابع من القرن المنصرم؛

-    الأفكار الجذرية التي رفعتها الحلقات الماركسية قبل توحيدها وتأسيس جمعية مكافحة الاستعمار والاستثمار والحزب الشيوعي العراقي؛ والتي خشيت منها المؤسسات الدينية التقليدية والاقطاع والقوى المحافظة وقوى الاحتلال البريطاني. 

-    عدم قدرة الفئات الدينية القديمة من مواكبة العصر بسبب التطور الفكري والسياسي والاجتماعي في النصف الاول من القرن العشرين(ص346).

كان الخلاف بين المؤسسة الدينية ذات الأفكار المحافظة والأفكار الحداثوية المتمثلة بالقوى التقدمية من لبرالية وماركسية وكذلك توجهات ثورة 14 تموز 1958 واجراءاتها الجذرية لصالح الفقراء وأصحاب الدخول المنخفضة هو السبب في حدوث رد فعل لدى اصحاب التوجه الاسلامي في مواجهة الشيوعية وتمددها في البلاد بسلوك الطرق التالية:

1.   تأسيس التنظيمات الاسلامية السياسية لمواجهة الحركة الشيوعية عن طريق حزب الدعوة الاسلامية والحزب الاسلامي العراقي وجماعة العلماء التي أصدرت مجلة الأضواء في العام 1959.

2.   التنظير الفكري الاسلامي ودحض الطروحات الماركسية والاشتراكية في الاقتصاد والسياسة والمجتمع من خلال الصحف والمجلات والمؤلفات، كما فعل محمد باقر الصدر في كتابي فلسفتنا( صدر في1959) واقتصادنا(صدر في 1961).

3.   تحريم مراجع ورجال الدين الشيعة والسنة الانتماء الى الشيوعية، مثل محسن  الطباطبائي الحكيم وأبو القاسم الخوئي وعبد الكريم الجزائري وعبد الهادي الشيرازي وعلي كاشف الغطا ونجم الدين الواعظ وحمدي الأعظمي وعبد القادر الخطيب وفؤاد الآلوسي والملا صالح عبد الكريم وجميل المفتي وعمرعبد العزيز وعثمان عبد العزيز.

ولهذا فقد توجلت جميع القوى السياسية وأحزابها من بروز قوى اليسار التقدمية وخاصة المرجعية العليا ولجنتها السرية، بالاضافة الى الملاك الكبار وتجار البازار؛ ومصالح ايرانية وخليجية ودولية. وقد صرح مدير المخابرات الأمريكية آلان دلاس، بأن العراق أصبح أخطر بقعة في العالم بسبب تنامي اليسار وخاصة الحزب الشيوعي العراقي وانتشار العلمنة في أوساط الشباب العراقي (ص381). ولكنه نرى من جهة أخرى "ان بعض التصرفات الصبيانية والأخطاء المرتكبة والاستعجال في رفع الشعارات غير الملائمة والداعون اليها محسوبين على الحزب الشيوعي ، من خلال الإساءة لبعض المفاهيم الإسلامية والدينية"(ص382).

وكانت من الأسباب الواردة أعلاه بعد انقلاب 8 شباط 1963 المشؤوم أن صدرت فتوى محسن الطباطبائي الحكيم الداعية الى تحريم الانتماء الى الحزب الشيوعي باعتباره كفر والحاد. وبناءاً على فتوى الحكيم صدرت عدة فتاوي بهذا السياق تحرم الانتماء للحزب الشيوعي العراقي من قبل السيد ميرزا عبد الهادي الشيرازي والسيد محمد مهدي الحسني الشيرازي والسيد محمود الحسيني الشاهرودي والشيخ عبد الكريم الجزائري وأبو القاسم الخوئي والسيد عبد الله الشيرازي والشيخ مرتضى الياسين والشيخ محمد مهدي الخالصي والشيخ محمد علي الطباطبائي والشيخ علي كاشف الغطا. وكذلك السيد نجم الدين الواعظ وحمدي الأعظمي وعبد القادر الخطيب وفؤاد الآلوسي والشيخ ملا صالح عبد الكريم  والشيخ عمر عبد العزيز والشيخ عثمان عبد العزيز.

ولكن وبالنقيض من الموقف السياسي للسيد محسن الحكيم كانت هناك مواقف انسانية لأربعة من رجال الدين الأفاضل وهم : آية الله محمد الحسيني البغدادي وآية الله حسين الحمامي وآية الله عبد الكريم الزنجاني وآية الله محمد فاضل القانيني من اللذين رفضوا رفضاً قاطعاً اصدار فتوى ضد الشيوعية لمعرفتهم بالعواقب الوخيمة لها(ص405) كما حدث بعد انقلاب  8 شباط 1963. كان ثمن هذا الرفض قاسياً، حيث اتهم الحمامي بأنه شيوعي والزنجاني بأنه عميل بريطاني وتم تسفير القانيني الى ايران في العام 1963. ورفض السيد محمد حسين آل كاشف الغطاء في كتابه الموسوم: "المثل العليا في الاسلام لا في بحمدون".

 

ونختتم هذا العرض للكتاب بالوصول الى استنتاج مهم وهو، لقد لعبت المصالح الاقتصادية والمذهبية والعوامل الداخلية والخارجية والتخوف من اليسار وتحالفات أجنحة الحركات الاسلامية الشيعية والسنية مع التيارات القومية من اسقاط الاجراءات الجذرية التي قامت بها حكومة 14 تموز لصالح فئات الشعب الفقيرة .

 

وهناك بعض الملاحظات التي من واجبي أن أطرحها للزميل العزيز دكتور عقيل الناصري حول طباعة الكتاب؛ وهي أنه توجد الكثير من الأخطاء المطبعية والتواريخ والأسماء والمسافات كما هو في صفحة 191 حيث ورد اسم معسكر الاعتقال النازي اوشفيتز بيركينو  Auschwitz Birkenau  في بولندا وكونه يبعد 70 كم عن مدينة خاركوف ولكن الصحيح هو أن المعسكر يبعد 66 كم عن مدينة كراكوف في بولندا وليس عن مدينة خاركوف في أوكرانيا التي تبعد عن المعسكر بحدود 1426 كم. بالإضافة الى تلاصق الحروف وتكرار في الجمل والافكار والذي يسبب في حدوث ملل عند القاريء . ولهذا فالكتاب يحتاج برأي الى تنقيح .