اخر الاخبار:
منخفضات ماطرة تروي ضمأ العراق لثلاثة أيام - السبت, 02 كانون1/ديسمبر 2023 11:12
قصف عنيف في غزة بعد انتهاء الهدنة - الجمعة, 01 كانون1/ديسمبر 2023 11:04
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

تَنَفُّسْ- قِصَّةٌ قَصِيرةْ// د. محسن عبد المعطي عبد ربه

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. محسن عبد المعطي عبد ربه

 

عرض صفحة الكاتب 

تَنَفُّسْ- قِصَّةٌ قَصِيرةْ

أ د. محسن عبد المعطي محمد عبد ربه

شاعر وناقد وروائي مصري

 

أَجْلِسُ فِي حَدِيقَةِ الْمُسْتَشْفَى كُنْتُ أَنْوِي أَنْ أَقْرَأَ بَعْضَ الْقَصَصِ وَالْأَشْعَارِ, وَلَكِنِ اسْتَوْقَفَنِي مَنْظَرُ خُرْطُومِ الْمَاءِ وَهُوَ يَنْسَابُ فِي الْحَدِيقَةِ يُرَوِّي الْأَرْضَ اللَّهْفَى الْمُتَعَطِّشَةَ إِلَى الرِّيِّ, يَدْخُلُ الْمَاءُ بَيْنَ شُقُوقِ وَحُبَيْبَاتِ التُّرْبَةِ فَيُطْفِئُ نِيرَانَهَا وَيَسْقِي أَشْجَارَ النَّخِيلِ الْمُحَمَّلَةِ بِثَمَرَاتِ الْبَلَحِ الْأَخْضَرِ كَمْ هِيَ عَظِيمَةٌ مَنَاظِرُ سُبَاطَاتِ الْبَلَحِ وَكُلُّ سُبَاطَةٍ تَحْتَوِي عَلَى الْمِئَاتِ مِنْ ثِمَارِ الْبَلَحِ , سُبْحَانَكَ يَا اللَّهُ , يَا بَدِيعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ , كَمْ أَنْتَ عَظِيمٌ , خَلَقْتَ الْوُرُودَ تُسْقَى بِالْمَاءِ فَتَزْدَادُ نَضَارَةً وَإِشْرَاقاً ,تِلْكَ الْوُرُودُ الَّتِي نُشَبِّهُ بِهَا كُلَّ شَيْءٍ جَمِيلٍ فِي حَيَاتِنَا.

أَحْيَاناً نُشَبِّهُ الْمَرْأَةَ الْجَمِيلَةَ أَوِ الْبِنْتَ الرَّقِيقَةَ بِالْوَرْدَةِ , وَاللَّهِ إِنَّ النَّاسَ لَغَافِلُونَ وَمُقَصِّرُونَ عَنْ شُكْرِ ذَلِكَ الْإِلَهِ الْمُبْدِعِ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ الْفَرْدِ الصَّمَدِ الَّذِي لَا وَالِدَ لَهُ وَلَا وَلَدَ , وَلَئِنْ شَكَرُوهُ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُبَدِّلَ يَأْسَهُمْ أَمَلاً وَحُزْنَهُمْ فَرَحاً وَضِيقَهُمْ فَرَجاً وَغَمَّهُمْ بَهْجَةً وَسُرُوراً  , ذَلِكَ الْإِلَهِ الَّذِي جَعَلَ مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ بِمَا فِي ذَلِكَ الْإِنْسَانُ وَالْحَيَوَانُ وَالنَّبَاتُ وَالطُّيُورُ وَالْأَسْمَاكْ .

لَمَحْتُ الْعَصَافِيرَ وَهِيَ تَتَأَمَّلُ الْحَدِيقَةَ مِثْلِي فَتَفَكَّرْتُ فِي خَلْقِهَا وَصِغَرِ حَجْمِهَا وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ تَفْعَلُ أَشْيَاءً يَعْجَزُ الْإِنْسَانُ عَنْ فِعْلِهَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ غُرُورٍ وَتَكَبُّرٍ وَغَطْرَسَةٍ وَزَهْوٍ وَكِبْرٍ وَاخْتِيَالٍ , فَهِيَ تَسْتَطِيعُ الطَّيَرَانَ بِخِفَّةٍ وَرَشَاقَةٍ وَمَهَارَةٍ وَتُغَرِّدُ وَتُزَقْزِقُ وَتَفْرَحُ بِطُلُوعِ النَّهَارِ وَتُسَبِّحُ رَبَّهَا صَبَاحَ مَسَاءْ.

تَذَكَّرْتُ الْمَاءَ, تِلْكَ النِّعْمَةَ الَّتِي نَغْفَلُ عَنْ قِيمَتِهَا وَأَهَمِّيَّتِهَا فِي حَيَاتِنَا , تَذَكَّرْتُ أَيَّامَ كُنْتُ فِي أُوغَنْدَا الشَّقِيقَةِ, وَكُنْتُ أَشْتَرِي زُجَاجَةَ الْمَاءِ بِثَلَاثَةِ جُنَيْهَاتٍ , تَذَكَّرْتُ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ نِعَمٍ كَثِيرَةٍ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى , يَسْتَغِلُّهَا بَعْضُ الطُّغَاةِ اسْتِغْلَا لاً خَاطِئاً , فَيَحْتَكِرُونَهَا لِأَنْفُسِهِمْ ,كَرَغِيفِ الْعَيْشِ وَََََََََأَطْنَانِ الْحَدِيدِ , فَتَذَكَّرْتُ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأعْرَافِ: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ( 96 ) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ ( 97 ) أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ( 98 ) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99 ) }

سَأَلَتْنِي الطَّبِيبَةُ-بِرِقَّةٍ-:"مَا خَطْبُكَ؟!!!"قُلْتُ لَهَا :"إِنَّ ابْنِي مُحَمَّداً يُرِيدُ عَمَلَ تَنَفُّسٍ صِنَاعِيٍّ"قَالَتْ:"هَلْ تُوَاظِبُ لَهُ عَلَى الْعِلَاجِ؟!!!" قُلْتُ :"يَا دُكْتُورَةُ كَمْ أَخَذَ مُحَمَّدٌ مِنَ الْعِلَاجِ؟!!!إِنَّنِي أُوقِفُ الْعِلَاجَ كُلَّ الْعِلَاجِ عِنْدَمَا يَكُونُ مُحَمَّدٌ فِي حَالَةٍ صِحِيَّةٍ طَيِّبَةٍ , حَتَّى لَا يَقْضِيَ عُمْرَهُ كُلَّهُ فِي الْعِلَاجِ" سَأَلَتْنِي الطَّبِيبَةُ :"هَلْ يَشْرَبُ مُحَمَّدٌ الْمَاءَ الْمُثَلَّجَ ؟!!!" قُلْتُ: "نَعَمْ "قَالَتْ: "هَذَا خَطَأٌ, اَلْمَفْرُوضُ أَنَّهُ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ الْبَارِدَ وَلَا يَتَنَاوَلُ الْبَيْضَ وَالسَّمَكَ وَغَيْرَ ذَلِكَ" قُلْتُ لَهَا:" إِنَّ مُحَمَّداً فِي حَالَةٍ صِحِيَّةٍ جَيِّدَةٍ وَلَكِنَّهُ يُجْهِدُ نَفْسَهُ كَثِيراً فِي اللَّعِبِ وَلَوْلَا ذَلِكَ  لَمَا اشْتَكَى مِنْ شَيْءٍ" قَالَتْ :"نَعَمْ إِنَّ الْأَطْفَالَ يُجْهِدُونَ أَنْفُسَهُمْ كَثِيراً هَذِهِ الْأَيَّامَ .

بَعْدَ ذَلِكَ تَرَكَتِ الطَّبِيبَةُ مُحَمَّداً مَعَ التَّنَفُّسِ الصِّنَاعِيِّ حَتَّى جَاءَتِ الْمُمَرِّضَةُ وَأَغْلَقَتْ جِهَازَ التَّنَفُّسِ الصِّنَاعِيِّ, قُلْتُ لِلْمُمَرِّضَةِ :"دَعِي الدُّكْتُورَةَ تَكْشِفُ عَلَى مُحَمَّدٍ بِالسَّمَّاعَةِ لِتَرَى تَحَسُّنَهُ مِنْ عَدَمِهِ" أَخَذَتِ الْمُمَرِّضَةُ السَّمَّاعَةَ مَعَهَا إِلَى مَكَانِ الطَّبِيبَةِ  وَقَالَتْ لِمُحَمَّدٍ :"تَعَالَ مَعِي" وَلَحِقْتُ بِهِمَا سَائِلاً الطَّبِيبَةَ عَنْ حَالَةِ مُحَمَّدٍ , قَالَتْ :"إِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى  جَلْسَةِ تَنَفُّسٍ صِنَاعِيٍّ أُخْرَى فِي التَّاسِعَةِ مَسَاءً.

قُلْتُ- فِي نَفْسِي- :"لَعَلَّنَا جَمِيعاً نَحْتَاجُ إِلَى  جَلَسَاتِ تَنَفُّسٍ صِنَاعِيٍّ مِثْلَ مُحَمَّدٍ , لِمَا نَرَاهُ مِنْ وَاقِعِنَا الْأَلِيمِ , لَعَلَّنَا نَسْتَرِدُّ أَنْفَاسَنَا.

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.