قراءة في كتاب وادي هنوم- الكاتب: علي سبيتي// خديجة جعفر
- تم إنشاءه بتاريخ السبت, 11 أيار 2024 10:34
- كتب بواسطة: خديجة جعفر
- الزيارات: 1099
خديجة جعفر
قراءة في كتاب وادي هنوم
الكاتب: علي سبيتي
خديجة جعفر
على مدى ٢٧٠ صفحة في كتاب صادر عن دار " سائر المشرق " ...والقارئ يعجز عن توصيف دقيق لهذا الاصدار بين ان يكون رواية فيطالعك التخطي لبعض عناصر الرواية من اختلاق شخصيات وحوارات رغم خصوبة الخيال الوصفي، يستبعد ان يكون كتاب تاريخي رغم المحتوى الذي يوثق مرحلة من الحقبة اللبنانية بتضمينه ادوات أدبية تبعد احتمالات التوثيق.. فهل يصح اعتبارها سيرة ذاتية؟
بالاغلب تنتمي هذه المدونة لتكون دراسة سيميائية تتعامل بنظرة مستقلة تتطلع الى كشف العلاقات بين الدال والمدلول وكشف العلاقات من خلال العلامات الضمنية في النص المشغول أدبا سيميائيا في مجاهل اللغة الطبيعية والاصطلاحية، علاقات لغوية قابلة للتحول الدلالي والايحائي لينبئ بمواقف وآراء وأفكار الكاتب نفسه في محاولة تحرر من التعميم ليشرح وجهته حول مسار مرحلة تضمنت تجربة وانتماء ونقاش لقضايا واقعية كانت ولم تزل مثار جدل في رؤية تكللت بموت الأسئلة وتيه الإجابات.
يعتمد التكثيف من العتبات النصية لإدخال القارى في النص بايحاءات مسبقة، فالعنوان مثلا، بداية خطابية دلالية ، بحيث لا يرد ذكره في أجزاء ونصوص الكتاب مما يبشر القارئ لعملية دخول الى أودية ومجاهل غامضة المسار والمصير عبر الصفحات..
التناص الأدبي ومد النصوص بالاستعارات الوصفية، الطباقات، الكنايات وبالدوالي الفلسفية التي أغنت الفكرة ثباتا وأكدت التخطي من الإطار الخطابي نحو الايحاء والرؤية والموقف الشخصي للكاتب والذي يبحث في محتوى طرح في فكرتين،
أولها ما يخص علاقة النص في صناعة العقل الجمعي وتوجهاته (آليات، أهداف، دوافع نفسية، ونتائج ) ثانيها معنى الذات وسؤال حول أحقية ومعنى وجودها ...
ففي السؤال الاول، ونحن نعبر صفحات وادي هنوم، يتبين أننا أمام مشهدية تسرد دور النص الخطابي والذي بالأغلب لم تتخطاه بعيدا الكتابات الفكرية والأدبية او الفلسفية آلية، كآلية بناء العقل المقولب، سواء كان العقل الايديولوجي الملتبس فلسفيا، ام العقل الشرعي الذي لا يعيبه اي التباس، هو نص واضح في الإتكاء على آليات التوارث، الاستيراد، التقديس، الثأر، الأجر، العقاب، الثواب تحت لواء إيماني يشرعن فوقية الأنا المقدس وفكرة إلغاء الزمن بحيث يتم إرجاع كل تفصيل مجتمعي لحظوي الى المفترض القدسي الايماني، او نقل هذا القدسي الإلهي الى حيز التنفيذ وفي كلا الحالتين هناك إلغاء كلي لمسار الزمن الحائر بين محطات الوجود والموت بمعنى آحادى يرتبط اولا واخيرا بالماورائي، حتى ينتهي معنى الزمن ودلالاته في إمكانية اي تغيير او اي أهمية للحظة الراهنة مقارنة بالأهداف السماوية المنتظرة، فالزمن ليس الا تقديم للموت المحتم وعيش الحياة في ما بعد الحياة ، بالتالي موت المعنى من الوجود انتصارا للآت الغيبي مسَيَّرا بعصا المقدس، فأي معنى سوف يكون أسمى من ذلك؟ وأي أهمية للحظة المعاش حاليا مقارنة بالآتي؟ واي معنى للأنا في ظل المقدر؟
لهذا الأنا الواقعي إنتفاء كلي مقابل العقيدة المقدسة، هي السيف، الحرب لاستلام سلطة سياسية واقتصادية واجتماعية، فلا بد من نص يخدم هذا الفرض وعليه تبنى القناعات وتؤهل الانتماءات وتوحد الانوات، العقل متشابه محصن بالمقدس ضد اي آخر يستباح معه وفي سبيله (القتل والرعب والالزام والاكراه والتخوين والتآمر والتجسس ...أدوت تعبئة وتقصد وإقناع وهدف وتغييب).
آليات لضبط النسق العام وتأمين إنسيابية بضمانة النسب الإلهي القدسي مع عصا الأخيار القادة ممثلي الله على الأرض فأي خرق يمكن تحقيقه تحت هذه المظلة؟
فيما يأخذنا السؤال الآخر، وما مهد له هذا القدسي، فهو سؤال يخص الذات.. بحيث يعرض الكتاب ذاتا تعددت مستويات تحققها فكانت بداية:
- الذات المفكرة أيديولوجيا ، الباحثة عن المعرفة علميا لتنتقل من حضن القضية وتنتهي في حضن العقيدة مع مؤسسات قم والنجف ...الا ان النصوص كانت تختلف قراءة وتشريخا وفق رؤية وتوجه وانتماء الباحث، فقد بدأت قراءة وتحليل النصوص مع الذات المؤمنة بغير المعنى لنقس النص مع الذات العارفة اومع العين الناقدة، او تلك التي خرجت من النسق، تلك ذاتا متلقية فشلت في ان تكون ذاتا فاعلة مقررة اذا ما واجهتها سلطة رغم ارتكازها على مفترقات البحث العلمي والمعرفي نصا مما يبرز دور النص وإحتمالات تأويله وفق المظلة التي يتم الإشتغال عليها او التوجيه اليها، فيبرز الدور للنص المؤسساتي اكثر من ان يكون نص موضوعي معرفي.. هذه الذات، هي ذات ردة الفعل، التي تثور لفشلها بالتحول نحو النقيض، ذات الرغبة ، التي يلغيها المقدس وتتجاهلها الايديولوجيات لنصرة العام، ذاتا استخدمت الرغبة عقوبة ذاتية وليست انعتاق روحي نحو الانا ... هي ذات لم تتصالح مع وجودها في ظل الآخر رغم محسوسات وجوهر العشق في تحقيق لذة ومعنى للوجود، الا ان الرغبة واللغة كانت مرحلة انتقالية ومفترق لوعي المصالحة الحاسمة والحقيقة التي لا تتحقق بغير الموت، ذاتا حققت مصالحتها في مشهدية دوني لعزلة الموت وكتابة الوصية.فالموت يصبح نصا صادقا وحقيقيا لاثبات الذات ليؤكد مجددا غياب الأنا، فكرة تفرضها العقيدة والايديولوحيا مثار نقد الكاتب نفسه..
لم يقدم الكاتب نموذجا معاكسا لهذا العقل الايديولوجي / العقل الشرعي، المقولب وكيفية التخطي نحو بناء العقل النقدي.. وبذلك قد يبدو الكتاب كما قارءه، حائرا، غارقا في أنفاق الموروث والمتداول عرضا وتحليلا دون النموذج الآخر..
من يعرف لا يمكن محاسبته كمن لا يعرف،
فالكاتب مستخدما هذه المصداقية والعمق الذي تناوله الكاتب عرضا مسهبا وبحثا علميا معمقا، ومتعة وصف وقراءة.. متوقع ممن يعرف ان يقدم بدائل، لكن الكاتب يترك الابواب مواربة او مفتوحة على غموض البدائل، فلربما يحقق مساراً حقيقيا لتحرر الأسئلة وإعادة إحيائها من موتها.
بالنهاية لا يمكن تخطي جمالية الكتاب والقراءة لجهة الافكار والصياغة الأدبية والاسلوب الذي يتضمن التوثيق والتشويق في آن ...وسوف نبقى مع الكاتب بانتظار آلية تسمح في بناء العقل الحر من التبعية والقوالب الجاهزة في هذا الوادي، وادي هنوم......
خديجة جعفر
١١/5/2024
المتواجون الان
497 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع