اخر الاخبار:
قانون فيدرالي جديد في سويسرا: لا للنقاب! - الإثنين, 14 تشرين1/أكتوير 2024 19:12
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

تنهيدات ذلك العصفور الدوري المشاكس- قصة قصيرة// يوخنا اوديشو دبرزانا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

يوخنا اوديشو دبرزانا

 

تنهيدات ذلك العصفور الدوري المشاكس- قصة قصيرة

يوخنا اوديشو دبرزانا

 

  لست ادري متى غادرت أعشاشها المنسوجة على أشجار الصفصاف المتماهية  مع الأغصان تخالها قطعة منها. طبعها الاجتماعي يختلف عن باقي أقرانها من الطيور غير المدجنة. فضلت مشاركة الناس بيوتهم أو ربما ذكاءها  الفطري جعلها تأخذ هكذا قرارا. ستبقى تلك البيوت أكثر أمانا على الأقل من الأفاعي. أحياناً كانت تحسد الطيور التي كان يطلق عليها  لقب (مخادعة الرعاة ) الرمادية اللون المائل للأزرق لقدرتها على مخادعة الإنسان حيث تقترب من الراعي فيظن أنها في متناول يده لذا  يتوانى عن استعمال أي أداة  لصيدها فيظل ملاحقاً إياها وهي ساخرة  منه مبعدة إياه عن القطيع ولم تكن فعلتها تلك تقتصر على الرعاة  فقط لكن كنيت بذلك كون الرعاة أكثر تواجداً فرادى في البراري وأحوج ما يكونون إلى تسلية ما في عزلتهم تفادياً الخوف من مواجهة الذات والصراعات الداخلية في أعماق النفس

كان قرار عصافير الدوري صائبا في مشاركة الناس سكناهم وتعليم صغارها تفادي أولئك الصيادين الصغار وتحاشي مصائدهم بالحب نسجت أعشاشها بين السقوف المتجاورة لجدران تلك البيوت الطينية في تلك القرى المستلقية بوداعة على ضفتي ذلك النهر الوديع  قبل أن يسرق.

دعوني أحدثكم عن هذا المخلوق الصغير الناعم والضوضائي احياناً وخصاله. ذكي نعم إنه كذلك. يحدثونكم عن ذكاء الغراب ومخادع الرعيان الذي حدثتكم عنه, لا اعتراض لي فالغراب ذكي لكن في السرقة وبأساليب متنوعة كبعض    بني البشر الذين يستغلون ذكائهم في سرقة أقرانهم  بمختلف الحيل. ذكاء هذا المخلوق مختلف عن ذكاء باقي الطيور. العصفور الدوري هو العاشق الواثق من نفسه لدرجة الكبرياء لذا تراه ينظر بازدراء إلى البشر المتكبرين ذوي الأنوف العالية وكثيرا ما لحق بمن صادفهم من أولئك البشر ناثراً زرقه على رؤوسهم وصاحبته تكاد تسقط أرضاً من زقزقة ضاحكة. لكن ليست زقزقتها في كل الأوقات سروراً، بل بعض منها غضب وزعيق وأحيانا ترفقها بضربة جناح على وجهه حين تلاحق عيونه باعجاب فتاة مغناجة  ذات قوام ممشوق وصدر عارم مطلقا زقزقة تحاكي تحرشات الشباب متمنيا أن يكون عشه منسوجاً ين الرمانتين ورغم صفعات جناح رفيقته ذلك الأزعر لا يتوانى عن إطلاق صفارته إذا كانت الفتاة ذات القوام الممشوق بفستان ما فوق الركبة أما عند ترع السباحة والالبسة الشفافة اللاصقة بأجساد الصبايا الكاشفة عن مفاتنهن كان يعيش حالة من التأمل  مثل كاهن بوذي يمارس رياضته الروحية أو كأحد رهبان جبل إيزلا في خلوة صلاة. هذا المخلوق الصغير ليس جميلاً كباقي أقرانه من الطيور, لكنه ذواق للجمال أما أنثاه فهي غيورة رغم ثقتها أنه لها وحدها مهماً يكن فهو مخلص مثلها لذلك العش المقدس الذي نسجاه بالمحبة  عكس بعض من بني البشر. هو أيضا يغار عليها لكن أبداً لا يشك بها ، عكس بعض من أولئك الشعراء الذين  يعيشون حالة شك بالحبيبة وهم يتغزلون بها في اشعارهم. قد ترى عصفورين يتشاجران تأكد أن أحدهما أعزب تجاوز حده متحرشاً برفيقة الآخر. الغيرة والنخوة من طبع هذا الأزعر الوديع.

. أبداً لم تسلم فساتين واحياناً الشعر المصفوف للنساء والصبايا  الجميلات المغرورات بمفاتنهن من زراقه وزراق رفيقته كدعوة للتواضع وكأنه يقول لا تتباهين بهذا التألق  فسيأتي يوم وينضب كل هذا البريق ويقرط جسدك وسيغدو كجسد مجموعة تلك الواويات (( بنت آوى )) التي رمت نفسها في نهر الخابور بعد أن لسعت النيران مناطق من أجسادها هاربة من حريق الجزيرة التي أشعل النار فيها أحد صيادي السمك ويروي لحبيبته العصفورة كيف تمازجت ضحكاتهم مع الشفقة على حالة تلك الحيوانات والمنظر المقزز خاصة  بعد نجاتها حيث كان الشعر ملتصقاً بالجسد ويا للبشاعة. هكذا كان يصف الحالة التي تبلغها بعض تلك النسوة المتبرجات  وبعض الرجال علية الاقوام  بعد أن ينال  منهن ومنهم العمر.

 مغادرة تلك الديار والدور أضحى أمرا ًلا بد منه فقرى الكرمة والسنابل أضحت خاوية خربة لم تعد روح الله ترفرف عليها  وعلى ذلك الوطن الوديع الذي أضحى مرتعاً لكل أنواع الجراد من اسود واصفر والمبرقع . إن رائحة البارود تزكم الأنفاس وأصوات انفجارات القنابل تكاد تفجر قلوبها الصغيرة التي كانت تهاب اصلا مناظر بواريد الضغط الهوائية على الأكتاف الصغيرة فكيف اليوم مع هدير الطائرات وقرقعة الدبابات وغياب اغاني (( الراوي والديواني والليليانا )) وقهقهات السكارى لقد رحل عن الديار عشاق الحياة ربما غادروا من أجل حياة أفضل وعليه الالتحاق بهم كما التحق بعض من اقرانهم من أجيال الزمن العثماني بأربابهم من مختلف الإثنيات وشرائح فسيفساء وطن السنابل والكرمة والزيتون وليس من سبيل إلا البواخر لأن أجنحتها الناعمة عاجزة عن عبور المحيطات

استقر به وبالمجموعة المرافقة المطاف في مدينة ساحلية حيث رست الباخرة. تحرروا من البحارة ولم يعودوا إلى السفينة كما كانوا يفعلون حينما كانوا في البحر. عبروا سهولاً ووهاداً ومروا على قرى ومدن صغيرة وكانت استراحاتهم في الغابات والحدائق العامة حيث لم يكن لديهم أي مشكلة في المأكل والمشرب والمبيت وحتى في الاستيطان ففي كل حديقة عامة وبعض الحدائق الخاصة  اقفاصاً مفتوحة لكل طير يود نسج عشه وهكذا هي حالة البشر. خوفها الأكبر هنا هو  من النسور المتنوعة باحجامها واشكالها. لكن مع كل ذلك الخوف هنا جعلوا العيش سهلاًٍ , لكن هاجسهم كان البحث عن أولئك الناس المشرقيين الذين من أجلهم غامروا  يودون  سماع تلك اللغات التي اعتادوا سماعها من أغان وصلوات وشتائم أحدهم اقترح السكن في الغابة و نسج الأعشاش على الشجر والتقاط قوتها من دون الاعتماد على الإنسان فلا ضوضاء ولا ضجيج  ولا هواء فاسد تأكدوا يا اخوتي أن الحياة هنا لن تكون سهلة كما تصورنا  دعونا نبتعد عن المساكن لا تتوقعوا من هؤلاء الناس  المتسابقة مع الزمن ألا يكونوا  قساة القلوب وما العطف والطيبة الذي لمسناه لدى البحارة إلا تعويض على ذلك الفراغ العاطفي.  وعجباً لم نر أي من السوريين في القرى والمزارع. آخر اقترح السكن في الحدائق العامة  حيث البيوت الخشبية جاهزة  فقط عليهم فرشها  بالقش والورق المتساقط لاباس بها وإن كانت متعددة الطوابق.

كلا الاقتراحين قوبلا بالرفض. لكن لست ادري كيف اقتدوا اخيرا لملاقاة عمن يبحثون عنهم وكذلك كيف التقوا بأقرانهم من عصافير الدوري لكن اغلبها بريش وطباع  مختلفة  وحين الاستفسار عرفت بنفسها. إنهم من ذلك الشرق الرائع اللعين . كانوا أحفاداً لجيل سابق مهاجر لكنهم وللأسف غير مبالين لقد كانوا مغايرين في طباعهم رغم اعترافهم  وافتخارهم بجذورهم.  صدفة التقوا بعائلة  شرقية في منتزه وقرروا متابعتها ولم يكن صعباً الاهتداء إلى سكناها. وقررت هذه المجموعة  نسج أعشاشها على الأشجار المواجهة لبيوتها وأصبحت تتبع طائرة تحركات تلك العائلة علها تهتدي إلى من تبحث عنهم  لكن كل ذلك من دون جدوى . لقد ارتابوا كثيراً في أسلوب وطريقة سير حياة تلك العائلة الأم تغادر البيت ساعة الفجر والآب  بعد الظهر ويعود قرابة منتصف الليل وفي الصباح الباكر يستيقظ لتجهيز ابنائه للذهاب إلى مدارسهم أحيانا أيام العطل الأسبوعية أو المناسبات الدينية يذهبون إلى الكنيسة وتلك كانت مناسبة سعيدة لتلك العصافير للتعرف على موقع الكنيسة آملين العثور على اصحابهم وشركائهم سكنى البيوت الطينية. تحققت بعض من أمانيهم لقد التقوا بعائلات مشرقية ولو أنهم لم يكونوا ممن شاركوهم سقوف دورهم مع ذلك كانوا مغمورين بفرحة عارمة معتقدين من تحقيق أمانيهم. للأسف  فتلك الغبطة لم تدم طويلاً بعد أن تعرفوا على بيوت بعض من من يبحثون عنهم وتكرار زياراتهم لسطوح بيوتهم أو على الأشجار المجاورة لها لما سمعوا عن هول ومصائب . في صباح باكر عاد أحدهم كئيباً  إلى عشه على غير عادته لقد ألمه بكاء طفل دون الثانية  من عمره  جلبه والده لدار سيدة غريبة للإعتناء فترة غياب الوالدين لقد انتزع العمل منه أباه وصدر امه الرحيم. بكاء وحشرجة صوت ذلك الطفل يلاحقانه في كل حين. في لقاء على حمام سباحة لمياء مطرية اجتمعت شلة منهم وأخذوا برواية مشاهداتهم زوجان تحدثا عن زيارتهم لمقبرة حيث وري جثمان شاب وحيد امه نتيجة جرعة زائدة من المخدرات رد آخر للأسف أمثاله عدد  من الشباب والصبايا دفنوا في المقبرة ذاتها. إحداهن تناولت الحديث عن التفكك الأسري وليس بين الآباء والأبناء فحسب بين الازواج ايضا. اثناءها زعق أحدهم داعيا إياهم الاستمتاع بيومهم المشمس وافقه الآخرون إلا واحداً حيث وافق الجميع على اقتراحه إلى الدعوة لعقد اجتماع لكل أقرانهم يكون خاصاً لدراسة تلك الحالات  وما يمكن  أن يصيبهم كما أصاب هؤلاء البشر أو ما أصاب  بني جنسهم قبلاً ذلك الفصيل  المهاجر أيام الحكم العثماني مقترحا حدائق معبد للطائفة البهائية  المكان الأنسب حيث لا صوت أجراس ولا صوت أذان ولا روائح  بخور نختار حديقة من تلك  المقابلة لأحد أضلاعه التسعة, قد يتفق معي من زار ذلك المكان حيث السكينة والهدوء والصمت وبهاء الزهر وروائحها العطرة . إن زوار  المعبد  يستمتعون بمناقشاتنا المكنية بزقزقة. رد الجميع بزقزقة واحدة لنعم الاختيار. 

 في يوم مشمس اجتمع الشمل ضم اغلبهم وبعض آخر لم يستجب ولم يبال إنه مستمتع بغربته, لكن قلة جاءت وأبنائها وعندما تم الاستفسار عن الأبناء الغائبين بعض الآباء تردد وقسم  اختلق أعذارا وبعضهم صارحهم علانية بطيش أبنائه. علق رئيس المجلس يبدوا حالنا حال ذلك القوم الذي لحقنا بهم لكن بعض من أبنائهم ناجحون في أعمالهم ودراساتهم لكن عبثاً يحاولون الإبقاء على خصوصيتهم لأكثر من جيل. وهذا ما حدث لأسلافنا من جنسنا الدوري من الأجيال المهاجرة سابقاً . لذا أنا اقترح العودة إلى الوطن وإلى سقوف تلك البيوت الطينية هناك ما زال بعض من احبتنا . قوبل  الاقتراح بالرفض من أغلبهم واخر اقترح لتبرير بقائه بعدم الإنجاب إذا كان الخوف من خسارة ذريتنا إلا أن صاحبته نهرته صافعة إياه بلطمة جناح  تحاشى اللطمة رد عليها ضاحكاً  مهلاً سنمارس حبنا من دون تفقيس بيوضك إن بعض من البشر يفعلون ذلك أيضاً.

اخيراً فض الاجتماع دون وفاق بل فض على زعل وخلافات كثيرة . غادرت الأغلبية  وبقيت مجموعة  معدودة الموافقة على العودة إلى الدار والوطن المستباح . قررت العودة ومشقة الطريق وجناحيها مثقلة بوطأة السنين وهمََ الابناء والخلان. نعم في الغربة عايشت الحنين للوطن وفي عودتها سيظل يرافقها إلى يوم مماتها الاشتياق إلى أبنائها وأشقائها واحبائها الغائبين يعود للوطن ذلك القشمر الازعر وزمن الشقاوة والزعرنة مطمور بتنهيدة تلي أخرى على زمن ولى وحاضر تعيس ومستقبل حتى الله لا يعلمه بقدر علم الشياطين.

 

التعليقات   

 
0 #1 كميل لازار 2024-09-09 13:29
قصة ذات معنى . قصة بشر على ألسنة العصافير تشبه كليلة و دمنة .
موضوع عميق . جمل محبوكة مفردات مختارة
نتمنى لك كل التوفيق
 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.