اخر الاخبار:
"صيادو العبيد" في قبضة شرطة أربيل - السبت, 15 شباط/فبراير 2025 19:05
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كيف تمسك أرنبًا، مجموعة قصصية للأديب الأردني يحيى القيسي// هناء عبيد

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

هناء عبيد

 

عرض صفحة الكاتبة 

كيف تمسك أرنبًا، مجموعة قصصية للأديب الأردني يحيى القيسي

هناء عبيد

 

كيف تمسك أرنبًا، مجموعة قصصية للأديب الأردني يحيى القيسي، صدرت عن وزارة الثقافة الأردنية، جاءت في ١٢٥ صفحة من الحجم المتوسط.

 

العنوان:

اختار الأديب عنوانًا رمزيًا قد يشير إلى الجبن، أو آلية صنع المهارة، أو عالم الماديات خاصة إذا بدر إلى أذهاننا ما ترمز إليه المفردة باللهجة المصرية الّتي ترتبط بالرقم مليون، العنوان كما هو واضح يأخذنا الى العديد من التأويلات المختلفة.

 

الغلاف:

عبارة عن لوحة فنية يظهر فيها أرنب، أتقنت ريشة الفنان رشقه بأجمل الألوان إضافة إلى تزيينه بالأشكال الهندسية، فهل يشير الغلاف إلى الأرنب ذلك الحيوان المعروف لنا، أم أنها صورة تجريدية لها أسرارها ورموزها الخاصة المرتبطة بنصوص المجموعة؟!

 

الإهداء

قال فيه:  "على سبيل الإهداء

إلى ليالي محمد الّتي تفيض بالحب والبهاء".

 

تتكون المجموعة القصية "كيف تمسك أرنبًا" من خمس عشرة قصة، تتنوع مواضيعها بين الحب والحنين والوطن والشوق والغربة، تنتقل بنا بين الماضي والحاضر عبر مسار يفترش بالورد حينًا والشوك حينًا آخر.

 

تبدأ المجموعة بقصة عنوانها "المزدحم"، حيث يدهشنا السرد المتميز البعيد عن الكلاسيكية، وهذا ما تعمده الكاتب فهو يرفض الاقتراب من المكرر الممل، لا يريد أن تبدأ قصته ب "كان ياما كان في قديم الزمان" كم هو الحال في القصص المعهودة.

 

السرد جاء بلسان المتكلم الّذي يقربنا بمصداقية من الشخصيات ويدخلنا في وقائع الحدث.

 

من الواضح أن القاص يريد أن يبعد نصوصه عن المألوف ويجنبها القوالب الّتي جهزها النحويون والمثقفون، فلا أجمل من الحرية والانفلات من قيود ضوابط الأدب الّذي يتطلب مساحة منزلقة من حبال القواعد المقننة الّتي تتعارض مع الإبداع، وكأنه يود إخبارنا أنه رافض للعادات والتقاليد الّتي تغتال إرادتنا باختيار ما تعشقه أرواحنا وما تميل إليه نفوسنا.

 

حتى كافكا وبخه قائلا:

"اللعنة عليك لأنك أجبرتني على العيش في زجاجة مخنوقة من العادات والتقاليد أو أن أكمل نصف ديني مع أني لا أملك نصفه الأول".

 

إنها الحقيقة المرة المقيدة للإنسان الّذي تجعله كمن يلف في ساقية، فيدور ويدور لينتهي بالهلاك هو ومن معه فتزيد آلامه ومسؤولياته ويعيش سجينًا مذلولًا بين سياسة المألوف والواجب، والعيب، والنواقص وغيرها من منغصات الحرية الشخصية.

 

صدقًا ما أجمل أن يتحرر الإنسان من حبال الجهل والتبعية، ليعيش حياة يريدها لنفسه هو، لا ما يختاره الآخرون له.

 

جوهر الفكرة لا يختلف في قصة "كيف تمسك أرنبا" الّتي تحمل عنوان المجموعة، فهو ما يزال مترددًا في قبول الانخراط في الحياة الروتينية الّتي تسجننا إجباريًّا في قوقعتها، فنتعلم ما لا يفيد وكأنه قدرنا أو الكتاب المبين.

 

وبرأيه أن من لا يستسلم لهذه التقاليد البالية، فلا بد أنه شديد الاعتزاز بنفسه، وذو ثقة كبيرة بقدراته الّتي لا تأبه بشيء وتضرب كل مألوف عرض الحائط. يقول: في قصته المعنونة "مائدة  الوحشة":

"انا أمة وحدي، أنا كثير بي والآخرون قليلون بكثرتهم".

 

 فلسفة الغوص في الحياة لا تتوقف عند موضوع بعينه، فهناك القضايا السياسية والاجتماعية بمختلف فروعها.

 

تتنوع الشخصيات في القص، فهناك الطفل والمرأة والرجل والحيوان، وجميعها برأي الكاتب تدور في فلك واحد، ثم تتقلص لتصبح مجرد نقطة مركزية تحوم حولها الأحداث.

 

وللكاتب فلسفته الخاصة عن الحب، فنجده في قصة وردة الليل يتساءل:

ماذا عن وردة الليل في هذا العالم الممل الرتيب؟! هل هي وردة تفوح بالعطر أم هي مجرد خدعة كخدعة الحب وتأوهات العشاق الّذين كشفت الحقائق بأنها مجرد تفاعلات كيميائية بالأدمغة؟! أو كالقمر الّذي يتغنى به العشاق وهو مجرد سطح مليء بالصخور والحجارة.

 

ليس أجمل من أن تطرق ذكريات الطفولة أرواحنا لتوقظها وتؤجج الشوق إلى لحظات جميلة تشعل السعادة في نفوسنا ثانية، هكذا يأخذنا القاص برحلة حنين إلى أيام مضت حيث الطفولة الجميلة بذكرياتها المنحفرة في الروح، ودفء العائلة وزمن جميل رسمت الأدوات البسيطة معالمه، فمن بنورة الكاز  ذات الفتيلة إلى لفات الورق الّتي تغلف التبغ إلى اللوكس إلى دخان الهيشي الّذي كان يدخنه الأجداد.

 

يقول: "ثمة حاجز لا مرئي كان يصنعه أبي ليوقف ثرثرتنا عن لوكس الكاز الّذي باعه، لذلك توقف صوته النزق في جنبات الغرفة المظلمة وهو يطلب من أمي أن تحضر بنورة الكاز والزجاجة رقم ٢ ذات الفتيلة"

ومعه عدنا إلى أخبار الحارة والجيران، وحفاوة الاحتفال والمباركة وزيارة من حالفه الحظ بشراء التلفزيون، ومشاركة الصبية له، كما عاد بنا إلى زمن المسلسلات التلفزيونية الّتي قضينا معها أوقاتًا سعيدة والأغاني الّتي كانت تصدح بها سميرة توفيق وصباح وغيرهم، وبعض الدعايات الّتي انحفرت في أذهاننا؛ جبنة لا فشكري، ومبيد الحشرات بف باف، وغيرهم. كما فرحنا بشقاوة الطفولة ولعباتها المميزة؛ الكمستير، الخباوة، الغماية، وتذكرنا بائع الخردة الّذي كان ينتظره بعض الصبية لبيعه بعض الأدوات الّتي عفى عليها الزمن؛ ليحصلوا على بضعة قروش تسعد شقاوتهم.

 

وفي قصة فطومة أيضًا نعود إلى أجمل ذكريات الصداقة أيام طفولتنا،إنها الأوقات الّتي لا يمكن نسيانها، فبرغم الحزن الّذي أحاط الجميع لموت فطومة إلا أن السارد لم يحرمنا من استعادة بعض الذكريات الجميلة أيام المدرسة، ومشاركتهم تناول الفطور الصباحي المكون من حبات اللبنة الكروية ودقيق الزعتر المخلوط بالسمسم والسماق والأرغفة الطرية والشاي بالنعناع.

 

ويظهر الحس الوطني لدى الكاتب وانتمائه الواضح للأمة العربية، ولا تغيب عنه قضاياها.

 

يقول في ص ٨٧

"اطفئوا المصابيح

ولا تشعلوا أية نار

اليهود الملاعين قد يروننا بطائراتهم من فوق،

ادهنوا زجاج النوافذ بالنيلة"

 

وفي قصة مخاض الأيام العواقر، يذكر الانتفاضة الفلسطينية، ويتحدث عن حزن أمّه بسبب ما يدور في فلسطين وخيبة الأمل الّتي لحقت بالأمة العربية.

 

يقول في صفح ٩٢

"اه يا جماعة الخير لو تعرفون ما جرى معي هذه الليلة حينما لطمت وجوهنا الشاشة المتوهجة بصور مفجعة عن الصامدين وحدهم منذ ثلاث سنوات.. هنا خلف الجبال الغربية البعيد عن القرية.. أطل المذيع الأنيق قائلا: عاشت الانتفاضة الباسلة.. عاش أطفال الحجارة الأبطال..!

"قالت أمي أخ أخ يا عيب العيب يا خجل الخجل لم يبق هناك رجال".

 

يتضح من جميع نصوص هذه المجموعة القصصية، مسؤولية الكاتب الّتي تعاطفت مع كل القضايا الإنسانية، وهذا هو الدور الحقيقي للأديب الملتزم صاحب القلم الحر والضمير الحيّ.

 

تقنية السرد:

تعددت الضمائر في السرد (المتكلم، الغائب، الحاضر) حسب ما يقتضيه كل نص.

 

استخدمت اللغة العربية الفصحى في السرد وجاءت جاذبة، سلسة، بديعة، وشاعرية، استخدمت فيها المحسنات البديعة، وقد صيغت العبارات بكثافة ورصانة وعذوبة بحيث أصبحت اللغة المتقنة المستخدمة بحد ذاتها مرتكزًا اعتمد عليه عنصر التشويق.

 

في صفحة ٩٧ نلاحظ شاعرية العبارات:

"غبش حليبيّ كان ينشر قطعانه من حولي. نسائم طرية تسبق أول شقشقة لطلوع الشمس. نقاط من الندى فوق أوراق الأعشاب والحشائش المزهرة.."

 

تتبنى النصوص أفكارًا فلسفية، ذات وعي وإدراك عميقين، تتجسد فيها تساؤلات الوجود والعدمية، المتناقضات بأسرها، الأحلام، الخيبات، الأمل، التشاوم، الحب، الحنين الغربة، النجاح، الفشل، كل قصة تأخذنا بعمقها لنتجول في دواخل الإنسانية أينما كانت.

 

غلب أسلوب السّرد الروائي على القصيّ في بعض الأحيان، إلا أن ذلك لم يخلّ بقواعد القص، فقد كانت العبارات تحمل مشاعر فياضة، تخطف الأنفاس وتحرك الأحاسيس، وهذا أهم أهداف الأدب، فما الأدب إن لم يستطع العزف على وتر الإحساس والمشاعر  وإخراج مكامن الإنسانية فينا؟!

 

اعتمدت المجموعة على الرمزية دون  المغالاة، منها مثلًا؛ رمزية الأسياد والعبيد وكيف للعلاقة غير المتكافئة أن تنشأ بينهم.

 

تبين هذه المجموعة مدى عمق ثقافة الأديب يحيى القيسي واطلاعه والمامه بالعلوم المختلفة الّتي تأخذنا إلى عالم من المعرفة المتعددة إضافة إلى متعة السرد وعمق الفكرة.

 

استطاع الكاتب من خلال نصوصه أن يخرج  عن القص المألوف كما أراد في قصته الأولى "المزدحم"، فأبدع في كتابة مجموعة قصصية متميزة أضافت قيمة أدبية ثرية إلى رفوف المكتبة العربية.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.