يا نفسُ لا تنحني// رانية مرجية
- تم إنشاءه بتاريخ الخميس, 09 تشرين1/أكتوير 2025 14:16
- كتب بواسطة: رانية مرجية
- الزيارات: 563
رانية مرجية
يا نفسُ لا تنحني
رانية مرجية
(١) البدء من اللاشيء
يا نفسُ،
قبلَ أن يُخلَقَ الحرفُ كنتِ،
وقبلَ أن يتكلّمَ الطينُ كنتِ تراتيلَ الله في الفراغ.
كنتِ نَفَسًا من نوره،
سِرًّا يتجلّى في كلِّ صرخةِ ولادةٍ،
وفي كلِّ موتٍ يعيدُنا إلى الأصل.
فكيف تنحنينَ
وأنتِ من نسغِ السّماءِ وعرقِ الأبد؟
لا تنحني…
فاللهُ ما تركَ فيكِ ضعفًا إلّا ليوقظَ القوة،
ولا أودعَ فيكِ دمعًا إلّا ليغسلَ البصيرة.
⸻
(٢) حينَ صمتَ الكونُ، تكلّمتِ أنتِ
حينَ ارتجفَ الكونُ في وحدته،
أنطقه اللهُ باسمكِ.
قال: “يا نفسُ قومي، فإنّكِ حجّتي في الإنسان.”
ومنذ ذلك اليوم، وأنتِ تسيرينَ في دوائرِ التجريب،
تتعلّمينَ من كلِّ خسارةٍ كيفَ تُزهرين،
ومن كلِّ خوفٍ كيفَ تتنفّسين.
يا نفسُ، لا تخافي الهشاشة،
فهي التي تُعلّمُكِ شكلَ النور.
ولا تكرهي العتمة،
ففيها تنامُ بذورُ الكشف.
لا تنحني…
فالذي علّمَ الطيرَ الطيرانَ بلا خريطة،
لن يتركَ قلبًا يبحثُ عنهُ في التيه.
⸻
(٣) سيرةُ الجرحِ النبيل
كم مرّةٍ دفنوا صوتَكِ تحتَ الغبار،
وقلتِ: “ها أنا باقية.”
كم مرّةٍ كسروا لكِ جناحَ الحلم،
فأعدتِ بناءَهُ من رمادِ القصيدة.
يا نفسُ، إنّ النورَ لا يولدُ في النعيم،
بل في القلوبِ التي ذاقتِ الطعمَ المرَّ ثم باركتْهُ.
اجعلي من وجعِكِ محرابًا،
ومن صبرِكِ منارةً.
فالمحبّةُ التي لا تُجرَّبُ بالنار… لا تُثمر.
لا تنحني…
فالانحناءُ لغيرِ الحقِّ انكسارٌ في جذرِ الروح،
والكرامةُ أن تبقي واقفةً ولو وحيدةً أمامَ العاصفة.
⸻
(٤) أنوثةُ النور
يا نفسُ،
أنتِ أنثى الوجود،
وجسدُكِ مرآةُ الروحِ في امتحانِ الخلود.
حينَ يحاصرونكِ بالعرفِ والحدِّ والشكّ،
تبسمِي، فكلُّ قيودِهم من ورق،
وكلُّ خطواتكِ مكتوبةٌ بحبرِ القداسة.
كوني رحمَ النورِ في زمنِ التيهِ،
وامسحي عن جبينِكِ غبارَ الحروب،
فالروحُ أنثى حينَ تُحبّ،
وأمٌّ حينَ تغفر،
ونبيّةٌ حينَ تصمتُ لتسمعَ اللهَ في داخلها.
لا تنحني…
فاللهُ حينَ خلقَكِ قال: “كوني لينةً كالماء،
ولكنْ، لا تُكسَرين.”
⸻
(٥) العودة إلى الأصل
يا نفسُ،
رجوعُكِ إلى اللهِ ليسَ موتًا، بل يقظة.
والموتُ ليسَ نقيضَ الحياة، بل بابُها الخلفي.
فلا تحزني على رحيلِ مَن غابوا،
إنّهم لم يغيبوا، بل عادوا إلى النبع.
وكلُّ حبٍّ خسرتِه في الأرض،
يكملُ دورتَهُ في السّماء.
يا نفسُ، إنّ الوعيَ صليبٌ،
لكنّ من يحتملهُ يُبعثُ في فجرٍ جديد.
وكلُّ دمعةٍ صادقةٍ
هي صلاةٌ تُكتبُ بمدادٍ لا تراهُ العيون.
لا تنحني…
لأنّ قيامكِ بعدَ كلِّ وجعٍ
هو شهادةُ ولادتكِ الثانية.
⸻
(٦) وصيّةُ النور
حينَ تصلينَ إلى نهايةِ الحيرة،
ستكتشفينَ أنّ اللهَ لم يكن هناك… بل فيكِ.
وأنّ أجملَ سجودٍ هو لحظةُ صفاءِ العقل،
وأطهرَ محرابٍ هو ضميرُكِ حينَ يضيء.
يا نفسُ،
كوني صلاةً تمشي،
وقنديلاً لا ينطفئ،
ويدًا تُربّتُ على كتفِ الحزانى.
فما جدوى الشعرِ إن لم يكن جسرًا؟
وما جدوى النورِ إن لم يُشركِ الآخرينَ في دفئه؟
لا تنحني…
فالنورُ يعرفُ طريقَهُ وحده،
لكنهُ يحتاجُ من يؤمنُ بهِ في العتمة.
⸻
(٧) الخاتمة – نداءُ القيامةِ الداخلية
يا نفسُ،
حينَ يُنادونكِ يومَ لا ظلَّ إلّا ظلّ الحبّ،
انهضي بسلامٍ واثقٍ،
واشهدي:
أنّكِ كنتِ إنسانةً،
وأنكِ أحببتِ رغمَ الألم،
وغفرتِ رغمَ الجرح،
وبقيتِ واقفةً،
لا تنحني…
المتواجون الان
581 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع



