اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

سِفرٌ جديد يضاف لأسفار الفنان في المقام العراقي حسين الأعظمي// جواد وادي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

سِفرٌ جديد يضاف لأسفار الفنان والباحث في المقام العراقي

الدكتور حسين إسماعيل الأعظمي

الاديب جواد وادي

2017 / 10 / 17

 

مبادرة وفاء مائزة يقوم بها الكاتب العراقي أحمد شاكر سلمان بإصداره (دراسة حياتية فنية مختصرة عن حياة وفن المقام العراقي في العصر الراهن) أسماها "حسين الأعظمي سفير المقام العراقي"، أراد الكاتب من خلال كتابه هذا، أن يقدم شهادة وفاء لهذا الفنان المبدع كبادرة اعتراف لما يقدمه الدكتور الأعظمي من خدمات جليلة لفن المقام العراقي الخالد، أداء وبحثا ونبشا في الذاكرة، قبل أن تتضاءل أو تخبو اشراقات هذا الوجد العراقي الذي يشكل هوية وبطاقة تعريف يتفاخر بها كل العراقيين، خشية أن يطال المسخ هذا الجانب من التراث العراقي كما زحفت يد الخراب لمفاصل إبداع عديدة، كالسينما والمسرح والموسيقى وغيرها من العثرات التي يعيشها الابداع العراقي برمته، في زمن النوائب التي لا حصر لها.

تعددت أسفار وجهود الباحث الدكتور حسين الأعظمي في العقود الأخيرة بتعدد مواهبه وانجازاته المتميزة لوفائه وعشقه الفاتن لما يكتب ويبحث ويقدم خدمات جليلة لفن المقام العراقي الذي بقي هو الموروث الوحيد الذي لم تصله معاول الهدم والتشويه مقارنة ببقية الفنون الأخرى بسبب الزحف الظلامي الذي أخذ يعشعش في مفاصل الحياة العراقية، سعيا حثيثا ومتواصلا من لدن الباحث للحفاظ على أصالته ونقائه، ليظل علامة عز ومفخرة فنية وتراثية بارزة وخالدة لكل العراقيين الذين يتعاظم ابتلاؤهم يوما بعد آخر بسبب تعاظم الخراب وما يتعرضون له من مسخ وتقزيم لبلد كان فيما مضى يمطر إبداعا وعلما ورخاء، لتبزغ هذه الاشراقات التي بإمكانها أن تزيح الظلمة عن حياتنا التي ابتلت بكل رث وفاسد، وهكذا جهد مبارك يساهم في أن يحيي الأمل الذي أخذ يتلاشى تدريجيا، لتتحول أرض السواد، ارض الخير العميم، إلى صحارى وأراض جديبة، في كل المناحي والتفاصيل.

من هنا يأتي هذا الجهد الكبير للفنان والباحث الأعظمي بارقة أمل تجللها أياد بيضاء بارتعاشات العشق الطاهر، مندوفة بمياه نهرينا الخالدين، دجلة الخير وفرات النقاء والعذوبة المقدسة. ليظل كل من اختلطت دماؤه بهذين الرافدين الخالدين، مخلوقات ندية تزخر بالعطاء والخير والمحبة، وأجدني أن المبدع الأعظمي يستحق وبجدارة هذه التوصيفات لعطائه المتواصل والذي يمدنا دائما بالأمل والاشراقات والوفاء الدائم، ليظل يمتح من تراثه الخالد ليقدمه على طبق من الفتنة والهيبة المباركة، بإضافات ننحني لها اجلالا لتميزها النادر، من شأنها أن تخلق مسارات جديدة تلون المشهد الإبداعي العراقي برمته بألوان زاهية تزيح تلك الغيوم الكالحة التي باتت قدرا لعينا يلازمنا في حلنا وترحالنا.

كنا وما زلنا قريبين ومتابعين لهذا الصوت الجاد والمبارك منذ أواسط السبعينات، حين بدأ رحلة الاسراء وبعشق باذخ مع المقام العراقي، فنا وأداء وتراثا وانتماء، بفيض صوفي، ليوظف كل هذه التفاصيل في خدمة المقام العراقي ويحدث نقلة كبيرة ونوعية ابتعدت عن المألوف لا بمعنى القفز على ما سبق من منجزات، بل بإضافات مهمة ورؤيا إبداعية واكاديمية محكّمة، الأمر الذي جلب انتباه واهتمام كل من له علاقة بهذا التراث العظيم.

وأنا اتابع وأقرأ واكتب عن مؤلفات الدكتور الأعظمي، أجدني مأسورا بطريقة التناول العلمية بدراسات مختبرية، من شأنها أن تخلق خزانا معرفيا وتوثيقا علميا وفنيا للمقام العراقي، وسعيه الحثيث بخلق جغرافيا المكان والزمان وتفاصيل الوجود، بتلازم تاريخي، بحضور الزمان والمكان بطريقة موثقة، لتكون ابحاثه مرجعية وارشيفا لا يتعب المتابع في الوصول اليها والوقوف عليها وبسهولة شديدة، واعتقد شخصيا من خلال اقترابي من منجز الباحث، بأنه جنّد نفسه بوضع خريطة عمل وتبويبات وبرمجة علمية وبتناول فني وأكاديمي بجهود كبيرة ومضنية، حين بدأ بالكتابة في مؤلفه الأول "الطريقة القندرجية في المقام العراقي واتباعها" الذي تشرفت بالكتابة عنه، لتتبعه إصدارات رائدة تناولت طرق المقام وادائه منذ زمن الرعيل الأول من الرواد، كتعبير وفاء للمقام ومطربيه وباحثيه وعشاقه. والجدير بالملاحظة أن الفنان الأعظمي ومن خلال دراساته وابحاثه، شديد التعلق بجغرافية المكان وزمانه، حيث ولد وترعرع ودرس وتعلم المبادئ الأولى من خلال العتبات التي دفعته ليلج عوالم المقام لتأثيرات المحيط وبتعلق شديد الآصرة، وهذا ما نلاحظه بقوة في جل مؤلفاته، فلا غرو أن يظل شديد الوثوق بصباه ومراحل شبابه، حين نتبين أنه كان أحد أبطال العراق في المصارعة، وهذه سمة قد لا يعرفها العديد من العراقيين، دون أن يتردد بتفاخره بهذه المرحلة الهامة من حياته، لنشاركه ذات الاعتزاز وبمحبة غامرة، وهو يتفاخر بمرحلة صباه، بحنين صوفي،  وهو يحبو في كنف اعرق المدن العراقية، تلك هي مدينة الأعظمية العتيدة بتاريخها وناسها وانجازاتها ورجالاتها الخالدين بعطائهم في شتى مجالات الابداع والتميز، وبانتماء وطني صادق لبلدهم العراق العظيم.

شخصيا، ككاتب وشاعر ومترجم بمنجز لا بأس به، أنا شديد الاعجاب بهذا الفنان المبدع، ومما زاد اعتزازي به، حين شرفني هو وفرقته المصاحبة له،  المكونة من الراحل سامي عبد الأحد وعازف العود الكبير علي إمام وبقية المرافقين للفرقة،  بزيارة ظلت محفورة في وجداني، في شقتي المتواضعة بمدينة أسفي المغربية أواسط التسعينات، فكانت أمسية فنية باذخة بامتياز، وقتها لم أكن اعرف بأنه زيادة عن كونه مقرئ مجيد للمقام العراقي باقتدار، بأنه باحث اكاديمي من الطراز الأول، فزادني شرفا أن انجز ثلاث قراءات لثلاثة من كتبه الرصينة، وهنا اجدد اعجابي به وأنا اتناول هذا الكتاب الجديد الذي وأنا اضيء بعض جوانبه، من تأليف الكاتب المتميز الأستاذ أحمد شاكر سلمان، كلفتة وفاء لما يستحق منا جميعا، الدكتور الأعظمي من عظيم اعتراف بجميله علينا بتقريبنا اكثر لفننا الخالد، نحن محبيه، قارئا كبيرا للمقام وباحثا ثريا وراصدا متميزا لهذا الفن العراقي الأصيل.

قبل أن الج عتبات هذا الكتاب الذي هو سيرة ذاتية لفناننا وباحثنا الكبير، بودي أن احييه بقوة واعتبره جنديا معلوما لا مجهولا جنبا الى جنب لكل العراقيين الشرفاء الذين يخطون أروع ملاحم البطولات بدمائهم الزكية لطرد عفونات العصر من ظلاميين قتلة ويقدمون أروع البطولات، فلا غرو أن اعتبر الدكتور الأعظمي وطنيا اصيلا لا يبتعد كثيرا عن المقاتلين الأشاوس، حين أجده وبتفان متعاظم جنديا مقاتلا بأدواته الخاصة ليخط بمداده المبارك صفحات من الشخصية العراقية وتراثها الخالد ليحافظ على اصالة العراقي ويطرد الغبش الذي يطال تراثه البهي، شأن المقاتلين الذين ما فتئوا يلقّنون أعداء العراق دروسا في البطولات الوطنية الكبيرة، لذا فلكل مقاتل أدواته وحماسه وجهده، وباحثنا الأعظمي مقاتل من طراز خاص.

الكتاب من الحجم الكبير يتوزع على 430 صفحة تتصدر غلافه صورة بورتريه جميلة للفنان الأعظمي بطباعة انيقة، وكعهدنا دائما بالكتب السابقة للباحث الأعظمي، فان كاتب السيرة ومؤلف الكتاب وشح الكتاب بمجموعة كبيرة من الصور تتناول حياة المبدع الاعظمي في العديد من مراحله العمرية في شتى مجالات العطاء، صور منفردة أو صحبة زملاء وباحثين وأساتذة وموسيقيين أضفت على الكتاب رونقا جماليا باذخا تخفف على القارئ أعباء القراءة وتنشّط جهده الذهني في مواصلة تتمة الكتاب لما يتضمنه من مفاجئات تجعل من المستحيل على القارئ ان يترك تتمة القراءة دون ان يظل مرتبطا بصفحاته، لبساطة تناوله وتعدد المحطات التي توضح كثرة الأنشطة والفعاليات والشخوص والامكنة وغيرها، وهذه فطنة نحيي الكاتب عليها. والكتاب من اصدار مطابع الأديب البغدادية.

يفتتح الكاتب اهداء كتابه ل" الأساتذة البارعين: عبد الوهاب الشيخلي/ عادل الهاشمي/ يحيى ادريس... تقديرا لجهودهم الفائقة والمتواصلة، في تعريف وتثبيت وتوثيق الفن العراقي، مقاما وغناء وموسيقى... أهدي كتابي هذا." والاهداء مرفق بصور الأشخاص المذكرة أسماؤهم أعلاه.

دون ان ينسى الكاتب تقديم كلمة شكر وثناء لكل من قدم له يد العون والمشورة والمعلومة في انجاز هذا الجهد المشكور، ويذكر مجموعة من الأسماء بحضورها الفني والأكاديمي والشخصي والقريبة من الباحث وفن المقام العراقية.  

يتوزع الكتاب على بابين طويلين، الباب الأول يتضمن ثلاثة فصول والباب الثاني يحتوي على أربعة فصول، مضافا لذلك: الاهداء/ شكر وثناء/ قصيدة... "وحسينُ المقامِ يبقى حسيناً"/ صورتان للجسر العتيق (الأئمة حاليا) ثم المقدمة"

اعتمد الكاتب على مصادر عديدة ومراجع لا حصر لها لتعينه على توثيق سيرة الفنان والباحث الكبير حسين الاعظمي، ثم وهنا ما ينبغي الإشارة له وباعتزاز مجموعة الصورة الكثيرة والرائعة التي تزين دفتي الكتاب، الامر الذي يمنح القراءة لذة كبيرة ومتعة فائقة ويجعل القارئ يقف على محطات هامة من تاريخ المقام ورواده وباحثيه وعازفيه ومحبيه، وتغطية وافية لسيرة حياة الفنان الاعظمي منذ مراحل صباه حتى محطة تسيّده على عرش المقام العراقي اليوم، مؤديا وقارئا وعارفا وباحثا بوفاء نادر، وهذا ما تابعناه واطلعنا عليه وكتبنا عنه في مؤلفاته السابقة، ليؤدي خدمة لا تقدر بثمن للمكتبة العراقية وهذه الجهود البحثية تضفي للمكتبة العراقية وتحديدا في فن المقام العراقي مراجع يعود اليها الدارس والقارئ والمحب العراقي حين ينوي الاقتراب من هذا الفن الباذخ، اطلاعا ومعرفة وسعة افق، ليتحول الى مستمع متميز يحقق له الاطلاع على هذه الكتب وبالتالي تتحقق له متعة الانصات بوعي فائق التهذيب والمعرفة.

يستشهد الكاتب بكلمات اعتراف صادقة عن لسان الفنان الاعظمي وكأنه بوح واعتراف طقسي بوفاء نادر مع الذات:

"إنني اجتذب الناس بصورة غريبة...! فامتلك رضاهم ومحبتهم وقبولهم...! والله يشهد أنني صادقٌ معهم في كل شيء، في الباطن والعلن..."، إنه اعتراف مطول يريد أن يعتبرها الأعظمي سجية وخصلة حميدتين، ونحن نعرف من خلال متابعاتنا الممتدة لعقود لهذا الفنان المتميز، أنه صادق فيما ذهب اليه من اعترافات إنسانية موجعة ومؤثرة، ليبعد عنه الالسن الذربة التي لا هم لها سوى المتابعات الرثة للناس وهم لا في العير ولا في النفير.

إنها كلمات نقية وصادقة تعبر عن حالات التوحد الصوفي مع الذات والآخر، بصفاء روحي وسعي ايماني قوي لطرد اية شوائب حياتية قد تُستغل من لدن من به مرض ورثاثات لا حصر لها.

يقول المؤلف عبر استرساله الكلام عن الفنان والباحث الاعظمي:

(حسين الاعظمي، علامة مشرقة في مسيرة المقام العراقي، جديرة بأن نقف عندها... نتأملها ما وسعنا الى ذلك سبيلا... فسيرته الفنية السائرة بلا هوادة، تعد تجربة مقامية نادرة تدعو الى الفخر والإعجاب... توكّلَ على الله سبحانه وتعالى واعتمد على ذاته، وشق طريقه بنفسه، فاذا هو نسيج وحده في دنيا المقام العراقي...)

هذه شهادة واضحة وصريحة لعصامية الفنان الاعظمي، وسعيه الحثيث في الحفر في دهاليز هذا الفن الخالد، ببذله جهدا كبيرا وصبرا لا يستهان به، وبوعي قد تحمّله رغم الصعاب الكثيرة، ليخرج لنا كنزا أكاديميا رصينا بوضع بوصلة دقيقة التوجه، وبالتالي يضعنا نحن المتابعين لهذا الفن العزيز على الطريق السوي، بعيدا عن الاسفاف والاقحام غير المرغوب فيهما، لينير طريق الانصات والمعرفة العلمية، لتتضاعف متعة تعلقنا بهذا الفن الخالد.

والجدير بالذكر أن الفنان الاعظمي صحبة كاتب السيرة الأستاذ سلمان، قد عملا معا لإزاحة الغبار عن محطات حياتية عديدة لمسيرة الفنان الاعظمي منذ صباه وحتى يومنا هذا، وما اختزنته الذاكرة بعرض صور لا حصر لها توثق حياة هذا الفنان، رغم ملاحظاتي وتحفظي على نشر بعض هذه الصور التي تثير لدي المواجع، سوى صورة أرشيفية واحدة حركت وجدي بقوة واعادتني عقودا الى الوراء، تلك الصورة التي تضم مجموعة من الشباب المتميزين في رياضة المصارعة في نادي الاعظمية الرياضي، يتوسطهم طيب الذكر الأستاذ وليد إبراهيم الاعظمي، الذي أعدمه النظام فرية آنذاك، حيث كان المدير العام للشركة العامة للمشروبات الغازية، حينها كنت اعمل في هذه الشركة، وكانت لهذا الشهيد مواقف نبيلة، حيث وقف معي في منع محاربة بعض شذاذ الآفاق لي كوني كنت منتميا لحزب يساري ليس على وفاق مع حزب البعث، وكانت مواقفه النبيلة دليل على نضج ووعي هذا الرجل، ولكنه سرعان ما تم تعيينه محافظا لكركوك، و لتطاله يد القتلة، ليتم إعدامه ظلما وعدوانا اسوة ببقية الحزبيين من رفاقه الاخرين الذين كانوا يعارضون سياسة التفرد والاقصاء، وابعاد الطيبين. الرحمة الواسعة لهذا الانسان العراقي الأصيل. 

ومما يدعوني للتساؤل وانا اتصفح الصور الكثيرة في الكتاب، لم اعثر على أثر يذكر لصديقي المصارع والمدرب المعروف في المصارعة السيد خلدون عبدي، الذي كان يعمل معي في شعبة المشتريات الخارجية في الشركة المذكورة، له اعبق الذكر.

ان فناننا الاعظمي كان بطلا للعراق في المصارعة 1970/1975 وهذه محطة هامة قد لا يعرفها محبوه ومتابعو إنجازات الفنية والأكاديمية.

 

لا ينبغي أن نترك هذا الكتاب الذي يعتبر توشيحا وعرفانا لما قدمه الدكتور الاعظمي، دون أن نقدم نيابة عن الشخصية المحتفى بها، اعطر التحايا واصدق التبريكات مقرونة بالعرفان والمحبة للمؤلف السيد احمد شاكر سلمان، مباركين له هذا الجهد الكبير في انصاف من يستحق التكريم، وفناننا وباحثنا الأعظمي جدير بكل تقدير وعرفان بالجميل.

 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.