اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

قراءة في كتاب جمهرة الألفاظ العامية العراقية// نبيل عبد الأمير الربيعي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

نبيل عبد الأمير الربيعي

 

عرض صفحة الكاتب 

قراءة في كتاب جمهرة الألفاظ العامية العراقية

 للباحث والمترجم صلاح السعيد

نبيل عبد الأمير الربيعي

 

    صدر عن دار الفرات في مدينة الحلة بالاشتراك مع دار سما للكاتب والباحث والمترجم صلاح السعيد كتابه الموسوم (جمهرة الألفاظ العامية العراقية) الطبعة الرابعة مزيدة ومنقحة، الكتاب تضمن 352 صفحة من الحجم المتوسط ذات غلاف وطباعة جيدة، وقد تمت فهرست المفردات حسب الحروف الأبجدية مع الإهداء والمقدمة وما كتبه الكتاب حول الكتاب من اعجاب واستحسان، ويعد الكتاب مرجعاً مهماً للمفردات والألفاظ العامية العراقية. وقد اضاف السعيد لهذه الطبعة 765 مفردة عامية جديدة إضافة للمفردات السابقة ليصبح الكتاب يحتوي على 1930 مفردة عامية عراقية مستخدمة في الوسط الاجتماعي. والكتاب ممتع وقد تضمن الكثير ومن الأمثال الشعبية وأبيات الشعر الشعبي العراقي.

 

    الكاتب والمترجم صلاح مهدي السعيد الحلي تولد مدينة الحلة عام 1945م، حاصل على شهادة البكالوريوس في كلية الآداب قسم اللغة الانكليزية، عمل مدرساً داخل وخارج العراق، وهو عضو نقابة الصحفيين العراقيين وعضو جمعية المترجمين العراقيين ورئس اتحاد أدباء وكتاب بابل، وقد ترجم الكثر من المقالات وصدر له أكثر من (20) مؤلف بين الترجمة والبحث والتأليف، وحائز على الجائزة الأولى لوزارة الثقافة العراقية لعام 2022م في مجال بحوث العقائد والانثرولوجيا عن كتابه الموسوم (طقوس وعقائد).

 

    تمكن الباحث من جمع الكثير من المفردات العامية العراقية وتعتبر هذه المفردات مدخلاً لديباجة المعجم اللساني العراقي، وقد سلط الضوء الباحث على المفردات التي تطورّت وتشعّبت ونمت وتنقّلت وتبدّلت، وكأنها تحاكي روحاً وحالة عضوية قائمة، بما يوحي لنا بأن ما نقله ووثقّه السعيد هو علم يُعتّد به، ويُفخر بمكوثه. وهي مفردات نتداولها من خلال الاسترسال التراكمي من الحراك اللساني الممتد في عمق التاريخ، بعض أصول المفردات الماكثة من ألسنة لعدوّ أو محتّل سابق أو لاحق بصيغ مركبّة أو محرّفة أو مختزلة، لا تشكّل انتقاصاً من تاريخنا، لكن التوثيق يؤكد بعدم سلامة لهجاتنا من العجمة، ويمكن أن نقتبس بعض المفردات ليس للحصر مثل، أوجاغ، آهين، جادّة، جغان، عافرم، جطل، جشمجي... الخ. ونقرّ هنا أنه لا توجد لغة في الدنيا خالية من الاستعارات والتلاقحات حتى النائية منها، فالمفردات حُبلى بكلمات اللغات القريبة والبعيدة، وحتى من مصادر اللغات العراقية القديمة والعربية.

 

    نجد إن اللغة العراقية الحالية منجم لغوي يمكن من خلاله الوصول إلى كثير من خفايا التاريخ اللساني البشري، وأن خامته تشرَئب إلى السومرية والأكدية، أو ربما أبعد من ذلك حتى اللغات الفراتية الأولى.

 

    فإن دور الباحث السعيد في تدوين الألفاظ العامية العراقية سمّة لبيبة، يخشى البعض عن ضياعها وكذلك الباحث، وكم أنا ممتن للأستاذ صلاح السعيد للريادة التي قام بها في معجمه هذا (جمهرة الألفاظ العامة العراقية) التي تم اصدارها بأربع طبعات. لكن اليوم هناك مفردات دخيلة دخلت على المفردات العراقية العامية لم يسمع بها جيلي من قبل  ولا الباحث صلاح السعيد ومنها : علاس، خمط، نگري، حواسم، دفتر، بوري. فقد حدثت انقلابات جذرية في مفردات العامية العراقية، فالطبقة الحاكمة اليوم لا تأتي بعاداتها وتقاليدها فحسب، بل تأتي بلغتها ولهجتها وألقابها أيضاً، وتفرضها على المجتمع بمرور الوقت حتى يصبح الشارع صدى كلام هذه الطبقات، وثمّة من يسخر من هذه وتلك، فيحصل خلط وعجب عجاب، كما هو حاصل اليوم. فقبل عام 2003م كان الحاكم البدوي قد حوّل الشارع العراقي إلى ثكنة عسكرية ترطن بمفردات الصحراء والسلاح، واليوم جاء الفلاح بكل ترسّبات الريف، وألقى حمولته اللغوية بلهجتها الثقيلة والصادمة في الطريق. حيث يقال اليوم في الشارع العراقي للمرأة الجميلة (صاكة)، وهي مفردة عامية تطلق على الأشياء المسبوكة جيداً، و(صكه) أي صفّاه جسدياً، و(المصكوك) المغتال أو القتيل. فضرورة تدوين كل تلك التخرّصات والشطحات لتشكّل سمة مرحلة تفيد الدارسين مستقبلاً. ودراسة الكلمات تصّب في فهم سمات الناس وطبيعة زمانهم وخصوصيتهم العقيلة.

 

    وأخيراً نقول كثرة المفردات العامية التي جمعها الباحث صلاح السعيد لرمزية ثرائها وتراكم تجاربها وما اضاف لها من أمثال وقصائد شعبية تشكل متعة للقارئ والمتابع. وفي السابق نجد كلمة (حريشي) المتداولة في الجنوب العراقي تعني بالآرامية (السكوت أو الخرس) وتعدّ من الشتائم كدعوة للخرس، ونجد إحدى عشائر الجنوب (الحريشية) التي تعني الخرسان. وما زلت أتفحص باستغراب وفضول المفردات والأمثال التي ذكرها الاستاذ السعيد أجد بعضها سومري أو آرامي أو مندائي أو تركي أو فارسي، وحري القول بأن للكلمات روحاً ومدىً، مثلما هي الكائنات، فإن كُتب لها البقاء، فهي ماكثة، وإن وهنت، فهي فانية وبائدة، ووراء ذلك أسباب تتعلق بالجهد البشري. وتمكث المفردات رهينة يُبذَل من طرف أهلها، ولا يمكن لها أن تُعين نفسها بنفسها، وتقف شامخة دون تدخل بشري.

 

    وقد ذكر الباحث في ص17 من الكتاب قائلاً: "اللهجات الدارجة نجدها في كل لغات العالم تقريباً"، وهذا ما نجده في اللغات الأخرى من التركية والانكليزية والالمانية والدنماركية والسويدية، فهناك اللغة الفصحى وهناك اللغة الدارجة كما هي في اللهجات العراقية العامية.

 

    وثمة من يجد في الاختلاف بين اللهجة والفصحى مثلبة، وأنا أجدها مكرمة، أولها أن العامية حافظت على الموروث، والثانية أنها تضطلع على اسلوبين للتفكير يساعدنّ على تطوير ملكات العقل، كما هو حال من يتعلم لغتين، أو يعرف ثقافتين، بالرغم من أن الفرق فيما بينهما بسيط، وعن المثقفين يقلّ حتماَ، حتى تتطابق عند البعض، وهنا نقرّ أنه لا توجد لغة في الدنيا إلى صنفين إحداهما مثقفة والأخرى عامية، لذا فمن يتعلم إحداهما يفهم الأخرى.

 

    لكن هناك بعض الملاحظات على بعض المفردات العامية التي استخدمها العراقيون في حياتهم اليومية، وقد شرحها الباحث صلاح السعيد بغير ما هي معروفة لدى الآخرين ومنها: أستكان وهي لفظة انكليزية وتعود إلى الانكليز والهنود ومع الاحتلال البريطاني للعراق وما زالت بعض المناطق شمنال العراق تسمي الاستكان (بيالة)، لكن بعض الجنود الانكليز كانوا يتناولون الشاي بالكوب، وهو الفنجان الزجاجي الكبير، وتميزاً لقدح الشاي الهندي (البيالة) عن الكوب الانكليزي اطلق هؤلاء على القدح اسم استكان، وهذا ما اكده د. علي ثويني في كتابة (الألسنة العراقية) ص 318.

 

   كما اعتقد أن الباحث فد ترك سهواً بعض المفردات استخدمت في الالفاظ العامية العراقية مثال ذلك مفردات (أيجّات) وهي بمعنى الخيول المعمرة في سباق الخيول (الريسز) و(أيجه) تُطلق على المرأة التي تجاوزت فترة الشباب كذلك. فضلاً عن مفردات من الممكن إضافتها للكتاب منها: أطرقجي (بائع السجاد)، بازهر (طارد السم) وهي كلمة فارسية، بخّ بمعنى الذبح، برجم وهي كلمة تركية بمعنى (المسامير الحديدية المقببة، برداغ أي بمعنى كوب الماء وهي من لغات الشرق القديم، بلشتي (الحيلة) وقد اشتقّت من كلمة بلشفي، بلشه (ورطة)، بنجرجي، تنباك وهي لفظة هندية تلفظ على النحاس وفي التركية تعني تبغ النرجيلة، توثية (عصا)، جام كلمة تركية بمعنى الزجاج وكذلك هي كلمة من لغات البلقان، جراويّة أي غطاء الرأس وقد استعملها السوريين، جرخجي أي الحارس، جفجير، جفيان، جلاق، جلبي، جلّت أي بمعنى كلّت أو اكتفت، جمالة، جيب، جيجان بمعنى الشيشان الذين جاؤوا إلى العراق أيام الاحتلال العثماني، حايط انصيص، حبنتري، حسوه من الحساء، حمامجي، حسجة، الحرمدان أي حقيبة السفر، الجزدان كلمة تركية، البازبند وهي كلمة فارسية، خاتون وهي السيدة من اصل تركي ومغولي، خازوق من اصل تركي ويعني الوتد، خاصكي أي حاشية السلطان، خراب البصرة، خرگة ويقال للرجل خرگة وخنيوة وخنجة، خوجة أو خواجة، خنده وهي فارسية بمعنى السيد، دامرجي، داية ، الدربند فرسة بمعنى سنبلة من الحديد، درو فارسية بمعنى الألم، وهكذا هناك الكثير من المفردات بالإمكان للباحث اضافتها للكتاب ليعتبر معجم للألفاظ العامية العراقية.

 

    مع كل ما ذكرت سابقاً أنا اشكر الباحث صلاح السعيد لهذا الجهد الذاتي الذي بذله لإخراج هذا الكتاب الذي يضم مفردات عامية قد تندثر ويطويها الزمان على النسيان.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.