اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

خيوط النور باهتة في لجة الظلام// كفاح الزهاوي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

كفاح الزهاوي

 

عرض صفحة الكاتب 

خيوط النور باهتة في لجة الظلام

كفاح الزهاوي

 

1 - غارق في الظلام

    فوق التلة المطلة على قرية الحياة يقع قصر فاخر، يعيش فيه رجل في غاية الثراء. خرج الى العالم في رحلة البحث عن معنى الحياة، حاملا بيده لوحة زيتية غالية الثمن ويرتدي نظارة سوداء. دخل الى دكان صغير يقع على أطراف القرية لشراء قداحة.

    وفي هذه الأثناء دخلت فتاة شابة قروية غير متعلمة، يتدفق من محياها سيماء التعب وفي راحتيها تتجلى آثار الشقاء. انزلقت نظراتها على اللوحة الزيتية في يد الرجل، اغرورقت عينا الفتاة بالدموع، حيث أضاء في نفسها فيض من العذوبة. سألتْ الرجل الغني عن ماهية اللوحة:

     أجابها:

     - لا تكترثي فليس هناك ما يثير الاهتمام… 

     إجابة الرجل قد ألقت بظلال الغضب على وجه الفتاة القروية.

     قالت بصوت شجي:

     - لِمَ تسخر مني. هل لأنني فتاة فقيرة؟

     قال لها متجاهلا نظراتها المتوسلة: 

    - صدقيني لا شيء مهم في هذه اللوحة سوى انها تضم في ثناياها السماء، القرية، الطريق، النهر، الجبال، الوديان، الشمس، البيوت، الأشجار، الطيور، والبشر.

    انفجرت الفتاة بالبكاء وغادرت المكان بسرعة، بعد ان استولى عليها الحزن، عندما احست بان الرجل يهوي في الفراغ وانه غارق في الظلام.

 

2- العقل يشع

    مصاب بداء النرجسية والفردية المطلقة، يقبع على الأرض في زاوية معتمة في الغرفة المغلقة، يحدق في نقطة مضيئة، تتدفق من براثن الظلام حروفاً، يراوده القلق ممزوجا بالغضب، وهو يرى بريق الكلمة يزداد نوره اتساعا، حتى بات يتخيله قنبلة موقوتة، قد تنفجر في تلك اللحظة، عندما  تتحول الكلمة من كتاب إلى مكتبة.

 

3 - همسات في زمن الضياع

    في ليل عاتٍ هبت رياح صفراء، اتلفت معالم المدينة و أخفت وجه القمر... في غفلة من الزمن الرديء تبدى خفافيش الليل بلحايا رثة ورداء متنافر ... فانهارت ركائز الأخلاق وغاب صوت الضمير… اشجار عارية و صخور صماء تناشد السماء طالبة من السراب الخلاص... عاصفة هوجاء مع تلاطم الامواج تهامست في زمن تهاوت أسوار القلاع... ومن ذات التربة انطلقت الوحوش الكاسرة في غمرة نيام الوعي وشيوع اليأس مُكَشِّرَة عن أنيابها الحادة، حاملة بذرات موروثة من زمن مضى على تاريخها دُهور... أصوات خافتة تتصادم  بصخب المخلوقات التي اصابها الاكتئاب و ازدواجية العقل، كانت تبحث عن معنى الحياة في سراديب الموت... تاهت في غمرة الفوضى، وكثافة الضباب... وجدت نفسها هائمة، تتأرجح في بحر النسيان

 

4 - استنفاد

    في صباح يوم مشمس، كانت الرياح ساكنة والاجواء يعتريها الصمت، وكنت أرنو إلى سحر الطبيعة وعذوبتها من خلال الواجهة الزجاجية للمقهى الواقع في وسط حديقة كبيرة.  وبينما كنت احتسي رشفة من القهوة، فجأة أمطرت السماء بغزارة أطنانا من الموز حتى امتلأت الحديقة، وإذا بعاصفة من الناس يهرعون من كل منافذ الحديقة سعيا منهم للحصول على أكبر كمية منها. ارتأيت أن اتلذّذ بشرب القهوة حتى النهاية وأتريث حتى تهدأ العاصفة، عندها خرجت متفائل كي اغتنم نصيبي من الموز، وجدت فناء الحديقة الواسعة خاوية.

 

5 - النور المخادع

    يعيش في نفق مظلم، وحيدا، منعزلا، غافلا للنهارات المشرقة، متكلا، ينتظر حلولا من السماء... وفجأة تراءى له من بعيد ضياء خافت يتدفق. بعد ان قضى سنوات جحاف من العزلة في هذا الصمت الموحش، كصمت القبور، سار باتجاه النور. ما كاد ان وصل الى نهاية النفق، حتى وقع في حفرة سحيقة أشد عتمة.

 

6 - آمال

    لم تدم طويلا هذه الغلالة من الصفاء الوهمي حتى اكفهرَّتِ السماء من جديد على حين غرة، بعد ان عصفت الارض رياح صفراء، عاوية، فسَعَرَت النيران المدفونة من تحت بقايا الركام، ومنها تصاعدت أعمدة من الدخان الأسود، فأنتجت غيوم داكنة، فأدلهم الكون.

   ومن السُحب المثقلة بالظلمات نُسجتْ غلاف، صار عازلا بين الأرض وسقفها الأزرق حتى غدا لون البحر رمادياً واهناً متجهماً.

    وترامى الفضاء في غاية الاتساع، بلا هيئة، يخنق الحياة. ومن ضراوة الحدث، سرعان ما رحلت طيور النوارس مهاجرةً باحثةً داعيةً عن نقاوة الهواء.

   الأقلام البيضاء التي كانت تصوغ افكارها عكس اليمين، بعد ان كانت تنقش من الكلمات، صارت مشلولة الحروف، مما ضاعفت من شدة الظلام على الجموع. انتزعت عنهم الرؤية، فأضَلوا الطريق، حتى تبددت أحلامهم في الوصول إلى أبواب الأمل، فصاروا ثُمالة الكأس تفرغ سكرتها في جوف الموت.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.