مسرحية الحلم 4 والأخيرة// د. ميسون حنا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. ميسون حنا

 

عرض صفحة الكاتبة 

مسرحية الحلم 4 والأخيرة

اللوحة الرابعة والأخيرة من مسرحية الحلم

د. ميسون حنا

 

(نفس المكان، بائع العسل مع جرته)

بائع العسل   : (مخاطبا الجرة) ظننتك قيدي فيما مضى، أما الآن بعد أن فهمت اللعبة سأتخذك امتدادي إلى الأفق ... دعيني أخاطب روحك مثلا (باستغراب) روحك؟ هل لك أنت روح أيضا؟ ولم لا ... من يدري قد يخرج من فوهتك الآن طيف، أو ... أو حلم.

      (يبرز طيف المتشرد من فوهة الجرة، بائع العسل يجفل)

بائع العسل   : (بدهشة) من أرى؟ طيف المتشرد؟ أي عجب في أن يتحقق هذا الوهم بالذات دون غيره.

طيف المتشرد: جئت أعيدك للواقع.

بائع العسل   : ستقودني إلى الفناء حتما.

طيف المتشرد: كن متزنا إذن.

بائع العسل   : الإتزان أن أكون طليقا كالفراشة عندما ترفرف بجناحيها حول النور وهي لا تدرك أن النار ستأكلها... الفرق بيني وبينها أنني أفهم لغة النار ولكني لا أتقن فن إخمادها.

طيف المتشرد: كن طليقا كالنسر إذن لا كالفراشة.

بائع العسل   : (بعجب) أي لغة تتحدث بها الآن بعد موتك؟

طيف المتشرد: أدركت خطأي إذ لم أتحدث بها سابقا.

بائع العسل   : فات الأوان.

      (ينزل الطيف داخل الجرة ورأسه خارجها)

طيف المتشرد: معك حق، فات الأوان (يتوارى كليا داخل الجرة)

بائع العسل   : لا تذهب، ظهورك كان مثيرا ومسليا، عد إلينا.

طيف المتشرد: (من داخل الجرة) فات الأوان، فات الأوان.

      (يدخل أربعة أشخاص، يحمل كل منهم جرة على كتفه)

بائع العسل   : (بدهشة) أي ريح حملتكم إلي؟

شخص أول  : الرياح الأربع.

      (يضع كل منهم جرته أمامه)

بائع العسل   : وهذه الجرار؟! من أين أتيتم حقا؟

شخص أول  : من عمق الأرض.

شخص ثان  : من جناح حمامة.

شخص ثالث: أو من جذع شجرة.

شخص رابع  : لا يهم من أين أتينا، إنما جئنا نلعب لعبة الجرة.

بائع العسل   : (لحظة مفكرا) ليكن ... من يبدأ؟

      (يدخل الصعلوك يحمل جرة على كتفه)

شخص أول  : (يضحك مشيرا إلى الصعلوك) هذا الذي سيبدأ.

بائع العسل   : (بدهشة واشمئزاز) هذا داخل اللعبة؟

شخص أول  : سيدخلها عنوة (يقترب منه ويمسك جرته، الصعلوك ينأى بها جانبا)

الصعلوك    : لا تلمس نعشي.

بائع العسل   : أنت ميت؟

      (الصعلوك يقترب من بائع العسل الذي ينفر منه ويبتعد)

بائع العسل   : رائحتك نتنة، لعلك ميت منذ زمن...

شخص ثالث: لقد تعفنت يا رجل... ماذا تنتظر... إمتط نعشك في الحال.

الصعلوك    : أمهلوني ريثما أشيع ذاتي قبل أن أتوارى.

      (يحمل جرته على كتفه ويمشي بخطوات بطيئة وحزن)

شخص رابع  : (يصرخ) توقف (يقف الصعلوك مرتبكا)

شخص ثان  : الحركة تساعد على انتشار عفونتك...

شخص ثالث: إدفن نفسك في الحال.

الصعلوك    : الوداع أيتها الدنيا الفانية، قبل موتي ملكت الذهب ليكون قيدا موضوعا حول رقبتي، يجرونني منه أينما شاؤوا، أدركت حينها أني لست حرا، وعندما مت كنت تواقا إلى الحرية، تركت قيدي ورائي وأقبلت مبتهجا لأرى قيودا أكبر تمنعني أن أسير وراء نعشي... (يبكي) هل من أحد يبكيني أو يحزن لأجلي... هيهات.. فات الأوان، فات الأوان. (يتوارى داخل الجرة)

شخص أول  : انتهت لعبته.

      (الأشخاص الأربعة يحملون الجرة ويقذفونها خارج المسرح)

شخص ثالث: من يواصل اللعب الآن؟

      (يدخل الغول)

الغول: لعلكم تلعبون لعبة الموت؟

شخص أول  : بل لعبة الحياة.

الغول: حياتكم لا تتسع للعب.

شخص ثان  : لماذا تلعب عليها أنت إذن؟

الغول: أنا القوي، وأنتم حصى تافه أحركه كيفما أشاء، وأدوسه متى أشاء.

شخص ثالث: ومع ذلك أنت لا تدوسنا الآن!

الغول: ليس قبل أن أتسلى بكم قليلا.

شخص رابع  : ونحن نحب التسلية.

الغول: (ساخرا) أول مرة أقابل شخصا يحب أن يتسلى قبل أن يموت.

شخص رابع  : ومن ذكر الموت؟ نحن بصدد الحياة.

الغول: (يصرخ) حياتكم التافهة هذه تتساوى مع الموت.

شخص أول  : لماذا تريد قتلنا إذن؟

الغول: (بهدوء ومكر) هذا سر اللعبة... أقتلكم لأحيا، وأمتد، ثم أنظر حولي فأرى المدى لا يتسع لطموحاتي فأقتلكم من جديد... وهكذا.

بائع العسل   : وهل تظننا لن نتحرك؟

الغول: (ثائرا) تحرك... تعال (يهم بأن ينقض عليه، يسرع الأشخاص الأربعة يحيطون ببائع العسل، يحجبونه عنه، الغول ينظر إليهم بدهشة)

الغول: (غاضبا) مزاحكم هذا يؤذيني.

شخص واحد: نحن لا نمزح.

      (يركله الغول، فيتدحرج على الأرض، الأشخاص الثلاثة يساعدونه على النهوض، الغول يقف أمام بائع العسل، يركله، بائع العسل لا يسقط على الأرض وإنما يثبت في مكانه متأرجحا، الأشخاص الأربعة يحيطون  ببائع العسل من جديد)

الغول: (هائجا) لتعلموا إذن أنكم تحملون توابيتكم بأيديكم. (مشيرا إلى الجرار) وآن الأوان لهذه التوابيت أن تمتليء.

شخص ثان  : بل هذه الجرار التي جئنا نملأها من عين السماء.

الغول: (ساخرا) انتظروا ريثما يبيض الجمل إذن.

      (شخص رابع يُخرج من داخل جرته بيضة كبيرة ويلوح بها أمام الغول الذي يبدو مهتاجا)

بائع العسل   : (يضحك مشيرا إلى البيضة) وهذه بيضته.

      (الغول ينقض عليه منتشلا إياه من بينهم بينما تبرق الدنيا، الغول يترك بائع العسل ويصرخ)

الغول: ما هذا البرق إلا ألسنة النار التي تندلع من داخلي لتحيل أجسادكم إلى رماد.

      (يسمع صوت رعد)

الغول: وهذا الرعد هو صوت غضبي الذي يتفجر على رؤوسكم سيولا من الدماء.

بائع العسل   : (يصرخ) لا تقتل هيبة صمتنا بصراخك، هذا الصمت الذي تتطلبه اللحظات الأخيرة قبل نزول الغيث.

      (الغول يهجم على بائع العسل، يركله بشراسة ويصرخ)

الغول: وكأنك تصدق هذه الخرافة؟

      (تبرق الدنيا من جديد ثم نسمع صوت الرعد)

الغول: لتندلع ألسنة اللهب ولتتقدم أجسادكم قربانا لها فتطقطق عظامكم من شدة تأثير الجمر عليها (يمسك بائع العسل) أنت ستكون اللقمة الأولى لسيول لن تجف...

      (يضربه بينما الأشخاص الأربعة يحاولون تخليصه من بين يديه ثم يشتبكون معه، يحتدم النزاع بينما ينهمر المطر والعراك مستمر)

****