محطات طبية

فقدان الذاكرة بعد الجلطة الدماغية// د. مزاحم مبارك مال الله

تقييم المستخدم:  / 8
سيئجيد 

 

فقدان الذاكرة بعد الجلطة الدماغية

د. مزاحم مبارك مال الله

 

يتعرض الجهاز العصبي المركزي (الدماغ والحبل الشوكي) الى العديد من الحالات المرضية ومنها ما له علاقة بالتغذية الدموية، أي انقطاع الدم عن الأجزاء المختلفة له، (الخلية العصبية تموت بعد مرور 7 دقائق عن انقطاع الدم عنها)، وأهم حالتي انقطاع الدم هما، الجلطة الدماغية والنزوفات الناتجة عن تمزق (انفجار) أي من الأوعية الدموية في داخل الدماغ.

والمشاكل الصحة – الاجتماعية الناتجة عن الجلطات أو النزوفات الدماغية عديدة، وتحتاج الى الصبر والوقت الذي يطول نسبياً لمعالجتها أو التعامل معها، (علماً أن هذه الحالات غالباً ما تكون مصحوبة بفقدان الوعي)، والسبب في ذلك كون المتضرر الرئيس جراء حدوث الجلطة أو النزف الدماغي هي الخلية العصبية التي تمتاز بتخصصها البايو- كيمياوي – الفسيولوجي المعقد جداً والعالي المستوى قياساً الى مستويات خلايا أعضاء وأجهزة أخرى في الجسم، وحينما يحصل العطب أو الضرر في هذه الخلايا والتي تكوّن مجاميعها مراكز عصبية حسية وحركية عليا، فأن الوظيفة الحسية أو الحركية (أو كليهما) ستتأثر بكل تأكيد، وأن عملية الترميم أو أصلاح ذلك الضرر يحتاج الى وقت قد يطول، (على الأقل في الوقت الحاضر كون العلوم الطبية وتكنولوجيتها في تطور مستمر.)

يقدر العلماء عدد خلايا الدماغ بمئة مليار خلية تتشابك مع بعضها بخيوط عصبية عددها مئة مليار تشابك، تلك الخيوط أطلقوا عليها (العصبونيات)، هذه الخيوط تستخدم لنقل المعلومات بمساعدة هورمونات خاصة، منها هورمون الدوبامين (ويطلق عليه الهورمون الناقل حيث تتم عملية تشفيره بالمعلومات).

أن الطبيعة التخصصية العالية جداً للخلايا العصبية جعلتها تتخصص في القيام بالوظائف المختلفة، ومنها وظيفة خزن المعلومات، وقد وجد العلماء أن الدماغ بإمكانه أن يخزن ما يقارب (10 أس 79) معلومة.

الخلايا العصبية تموت أو تتأثر وظائفها حينما ينقطع مصدر التروية الدموية عنها، وجراء كلتا الحالتين (الجلطة والنزف) يحصل هذا الانقطاع، والعطب حينما يحصل يؤدي الى فقدان وظائف تلك المراكز بشكل وقتي أو دائمي اعتماداً على مجموعة من العوامل، وهي:

•     مقدار المساحة المتأثرة.

•     موقع الضرر.

•     نوع الوظيفة، هل هي حسية أم حركية.

•     ما هية الوظيفة.

•     مدة التعرض للإصابة.

•     عمر المصاب وحالته الصحية العامة.

لذلك نجد أن الأضرار تختلف باختلاف الحالات، فالدماغ متعدد الأجزاء وكل جزء مسؤول عن  مجموعة من الوظائف.

الأضرار التي تخلفها الإصابات الدماغية أما حسية أو حركية أو كليهما، وهي عديدة جداً بقدر أنواع كل الأفعال الحيوية التي يقوم بها الإنسان على عدد ساعاته وأيامه، ومن تلك ألأضرار فقدان الذاكرة.

والذاكرة هي أحدى قدرات الدماغ التخزينية (أي خزن المعلومات وأسترجاعها)، وهذه القدرة ناتجة عن التخصص الخلوي العصبي العالي، كما ذكرنا أنفاً.

هناك عدة تصنيفات للذاكرة:ـ

1.   الذاكرة القصيرة جداً.

2.   الذاكرة القصيرة.

3.   الذاكرة الطويلة.

 لكل منها موقعها في الدماغ. أن الذاكرة هي تنظيم وترتيب كم هائل من المعلومات مصادرها حسية وحركية، تتجمع وتخزن في الذاكرة الطويلة.

يقول العلماء، أن المخ يعمل أثناء النوم بنشاط، ففي أثناء الصحو يخزن الدماغ المعلومات التي ترده في المخزن المؤقت ولكنه يبدأ بتفصيلها وتجهيزها أثناء النوم كي يخزنها في الذاكرة الطويلة، وفي الذاكرة الطويلة يتم تنسيق تلك المعلومات وربطها بمعلومات سابقة.

ان المعلومات والانطباعات حينما تنتقل من الذاكرة الفصيرة الى الذاكرة الطويلة (وبواسطة الدوبامين)، تختلف من شخص لأخر، وان تخزين المعلومات يكون سهلاً وبصورة جيدة فيما لو اقترن بتشغيل حواس اخرى (السمع والنظر والشم ..الخ)، ووجد العلماء أن بعض المعلومات التي يتم تخزينها بالذاكرة الطويلة مباشرة تبقى محفوظة ولا يمكن نسيانها، و مثال ذلك، أول قيادة للسيارة، أو أول درس.. الخ.

ان التعليم هي عملية بناء تتم في الدماغ ولذلك فالتكرار يساعد في هذا البناء، أن التكرار يعمل على توسيع مسارات التواصل ـ العصبونيات ـ (التشابك)، فتصبح سريعة وعريضة اكثر. الدماغ يحتاج 48 ساعة لتخزين المعلومات في الذاكرة الطويلة (الغالب من هذا الوقت أثناء النوم/ وهذا ما يفسر عدم تمكن الشخص الذي يعاني من الإجهاد وعدم النوم من ان يحفظ ويتذكر).

الفرق بين النسيان وفقدان الذاكرة

النسيان هو عدم القدرة على استحضار المعلومة ولكن بدون حصول جلطة أو نزف دماغي، بينما فقدان الذاكرة هو عدم استطاعة الإنسان على تذكر ما حدث من أحداث ومواقف، سواء كانت بعيدة أيام الطفولة أو حديثة، ينتج عن ضرر مباشر يحصل للدماغ، سواء نزف أو جلطة أو التهاب دماغي أو ارتجاج المخ جراء شدّة خارجية، أو جراء صدمة نفسية – عصبية شديدة حادة، إضافة الى الخرف والزهايمر الحالتان اللتان تتسببان بتلف وعطب الخلايا الدماغية لأسباب بايولوجية وتحصل نتيجة تقدم العمر أو بسبب أمراض عضوية أخرى كداء السكري وتلف الكبد.

 وأغلب المتقدمين بالعمر الذين يصابون بجلطة او نزف دماغي يعانون من فقدان الذاكرة وحسب نوع الذاكرة التي تتضرر سواء كان خزين الذاكرة البعيدة (فقدان الذاكرة التراجعي) أو القريبة (فقدان الذاكرة التقدمي).

اما فقدان الذاكرة الانشقاقي فهي عدم قدرة المصاب من تذكر معلومات رئيسية تتعلق به وسببها نفسي بالدرجة الأساس.

وتشير الابحاث الى ان فقدان الذاكرة تعني فقدان القدرة على تذكر الحقائق وأحداث في الماضي ومعلومات وتجارب من الماضي وغيرها.

ويعاني المصابون بفقدان الذاكرة من :ـ

1.   تراجع القدرة على تعلم ومعالجة معلومات جديدة.

2.   تراجع القدرة على تذكر احداث وقعت في الماضي.

ومع ذلك تظهر لدى بعض المرضى مشكلة تذكر أحداث وذكريات من الماضي كانت محفوظة في ذاكرتهم ومن المؤكد انهم لا يتذكرون احداث قريبة ولكنهم يستذكرون ذكريات وأحداث الماضي البعيد.

بعض المرضى يظهر قابلية تذكر أسماء قديمة راحلة، ولكن لا يمكن لهم من أن يتعرف على أسماء أشخاص يعيشون معهم.

يختلف فقدان الذاكرة عن الخرف، الخرف يشمل فقدان الذاكرة مصحوباً باضطرابات ادراكية بارزة من الممكن ان تؤدي الى خلل في القدرة على اداء اعمال يومية بسيطة كتناول الطعام أو متابعة برامج تلفازية.

ويمكن اجمال الاسباب التي تؤدي الى فقدان الذاكرة :

1.   السكتة الدماغية.

2.   التهاب الدماغ.

3.   نقص في تزويد الدماغ بالأوكسجين بشكل منتظم نتيجة نوبة قلبية.

4.   نزيف في الطبقة تحت العنكبوتية الموجودة في الجمجمة فوق الدماغ.

5.   متلازمة فيرنيكة – كورساكوف ، وهي نقص فايتمين B1 الناتج عن تناول الكحول.

6.   الاورام التي تصيب مراكز الذاكرة.

7.   حالات محددة من نوبات الصرع.

8.   المعالجة بالصدمات الكهربائية.

9.   الشدة الخارجية التي تصيب الرأس.

حدة فقدان الذاكرة تختلف بين مريض وأخر، ممكن أن تكون بسيطة او معتدلة، التأثيرات مختلفة وكذلك لها تأثيرات مباشرة على نمط الحياة والعمل.

تشخيص الحالة

يجب اجراء تقييم شامل لحالة المريض من أجل الاقتراب من السبب الذي ادى الى حصول الحالة سواء الخرف او الزهايمر او ورم ...ألخ، وكذلك لتصنيف الحالة هل هي مؤقتة أم  لا، وذلك من خلال:

1.   التأريخ المرضي والاجتماعي والسلوكي والفحص السريري.

2.   فحصوات مختبرية متنوعة.

3.   الفحوصات الشعاعية الاعتيادية الملونة وتخطيط الدماغ الكهربائي والرنين والمفراس.

العلاج

حينما تحصل حالة فقدان الذاكرة فهذا يعني وكما مر آنفا وجود حالة تلف في الخلايا العصبية المعنية، والخطوة الأولى هي في إزالة السبب المباشر كالجلطة أو النزف، وأحياناً نحتاج تداخل جراحي.

الخطوة الثانية وبعد استقرار الحالة العامة للمصاب، تبدأ مرحلة أعادة التأهيل والتي يتحمل ذويه الحِمْل الأكبر مبتدأين بـ :

•     تفهم حالته.

•     أن تكون لديهم معلومات جيدة عن الحالة.

•     الصبر وسعة الصدر وقابلية التحمّل.

•     تطبيق التوجيهات الطبية والصحية ذات العلاقة من ذوي الاختصاص.

•     أعادة الثقة الى نفس المريض، وعدم الاستخفاف بما يبدر منه.

•     التدريب من خلال الإعادة والتكرار بعيداً عن الملل.

•     استخدام المقويات العامة وخصوصاً مجموعة فايتمين B.

•     التغذية الصحية.

•     الابتعاد كلياً عن كل العادات الاجتماعية والتغذوية المضرّة.